128- بحث حول استصحاب الاحكام الكلية و الجزئية ووجههما وبعض الكلام في مبانيهما
الاحد 18 ربيع الاول 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(128)
استصحاب الحكم الكلي والحكم الجزئي
ثم أن استصحاب الحق([1])، كحق الخيار، على نوعين فتارة نستصحب الحكم الكلي وأخرى نستصحب الحكم الجزئي: فقد يقال بصحة كلا الاستصحابين، وقد يقال ببطلانهما معاً لتعارض استصحاب المجعول مع استصحاب عدم الجعل، وقد يفصل بالاستصحاب في الحكم الجزئي لعدم التعارض وبعدمه في الحكم الكلي للتعارض.
وتوضيح ذلك في ضمن الأمور التالية:
الاستصحاب الموضوعي والحكمي بقسميه
الأول: أن الاستصحاب تارة موضوعي وأخرى حكمي والأخير تارة كلي وأخرى جزئي.
فالموضوعي: ما كان ناشئاً عن اشتباه الأمور الخارجية كما لو شك أنه أسقط الخيار أو لا، أم أنه أجرى صيغة الطلاق أم لا، أو أن الماء لاقى النجاسة أم لا.
والحكمي: ما كان الاشتباه والشك فيه ناشئاً من الجهل بفعل الشارع وأنه شرّع أو لا أو شرّع واسعاً أو ضيقاً.
وهو إما كلي: كما لو شك أن الشارع هل شرّع سقوط الخيار بالإسقاط أم لا؟ وهل شرّع البينونة بين الزوجين بقوله: أنتِ بتة أو بتلة أو حل للأزواج أو لا؟ وهل شرّع نجاسة الماء المتغير بالمجاورة أم لا؟ وهل شرّع طهارة الكر الزائل تغيره بنفسه أو لا؟ وهكذا فانه بناء على جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية يستصحب كلي ثبوت الخيار والزوجية والطهارة والنجاسة([2]).
وإما جزئي: وهو أن يجري هذا الشخص استصحاب ثبوت هذا الخيار الشخصي له سابقاً بعد إسقاطه له أو زوجية هذه له بعد قوله أنتِ بتة.. وهكذا.
أنواع الاستصحاب الأربعة في الحكم
الثاني: أن الاستصحاب في الأحكام على أربعة أوجه:
أ- استصحاب عدم جعل الحكم رأساً، وهو استصحاب للعدم الأزلي.
ب- استصحاب عدم إلغاء الحكم بعد ثبوت جعله والشك في رفعه، وهو المعبر عنه بأصالة عدم النسخ، وليس الكلام في المقام (استصحاب كلي وجزئي وتعارض استصحاب المجعول مع عدم الجعل) فيهما.
ج- استصحاب عدم جعل الحكم الكلي فيما ثبت جعله وشك في سعته وضيقه كالعلم بوضع خيار المجلس والشك في سعته وشموله لما بعد الإسقاط أو لا والعلم بنجاسة المتغير بالنجس والشك في سعته للنجس بالمجاورة، وهذا هو مورد البحث كاستصحاب الحكم الجزئي فيه.
خلافات مبنوية في المجعول عليه الحكم
الثالث: أن هنالك خلافاً في أن الأحكام وضعت على الكلي الطبيعي بنفسه أو انها جعلت على الأفراد الخارجية مباشرة، وعلى الأول فهل الحكم المجعول على الكلي الطبيعي انحلالي بأن ينحل الجعل الواحد للخيار مثلاً إلى جعولات كثيرة بعدد الأفراد أو لا بأن لا ينحل إليها.
الرابع: أن ذلك مبني على الخلاف في أصالة الوجود أو الماهية، وعلى كون الكلي الطبيعي على فرض كونه الموضوع لا الأفراد الخارجية، بما هو هو موضوعاً للحكم أو بما هو صِرف مرآة للخارج أو منطبق عليها.
الخامس: أنه على الانحلال فإن جعل الحكم الكلي هو جعل للحكم الجزئي أيضاً بل جعله جعله، أما على العدم فان جعله ليس جعلاً له.
إن قلت: كيف والمرتبط بأفعالنا هو الأحكام الجزئية فانها تتصف بها وعليها تترتب الآثار، والكلي لا موطن له إلا الذهن، وعلى عدم الانحلال فليس للشخص خيار جزئي في هذا البيع الجزئي إذ الجعل الكلي لم ينحل إلى جعولات جزئية؟.
قلت: قد يجاب: بأن مدَّعى القائل بأن الموضوع هو الكلي الطبيعي وأنه لا إنحلال، هو أنه لا جعل تشريعياً جزئياً لحكم جزئي إلا أن الانطباق تكويني قهري فالجعل تشريعي للكلي والانطباق تكويني للجزئي.
الثمرة: تعارض استصحاب المجعول مع عدم الجعل في الحكم الكلي دون الجزئي أو فيه أيضاً
السادس: أن الثمرة من الخلاف المبنوي هو أنه:
على الانحلال فانه، على ما ذكره بعض الأعلام كما يتعارض استصحاب المجعول الكلي (كاستصحاب الخيار بعد الإسقاط) مع استصحاب عدم الجعل (أي عدم الجعل الكلي أي عدم جعل كلي الخيار لمن أسقط) يتعارض استصحاب المجعول الجزئي (كاستصحاب هذا الشخص خياره الشخصي في هذا البيع الجزئي) مع استصحاب عدم الجعل (إذ على الانحلال فالحكم الجزئي مجعول أيضاً بنفس جعل الكلي فكانت له حالة سابقة قبل التشريع فيستصحب عدمها).
وأما على عدم الانحلال فلا معنى لاستصحاب عدم المجعول الجزئي إذ الجزئي ليس محلاً للجعل أصلاً (إذ المجعول هو الحكم الكلي فقط) فكيف يستصحب عدم كونه مجعولاً مع أنه لا صلاحية أو لا اقتضاء له للجعل أبداً. وعليه يجري استصحاب المجعول الجزئي دون أن يكون معارضاً باستصحاب عدم الجعل.
النتيجة: البحث جارٍ في كلا استصحابي الحكمين الكلي والجزئي
فهكذا ينبغي أن يقرر البحث، ومنه يتضح أن حصر البحث وأحكامه بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلية وعدمها، غير تام إذ الثمرة والنقاش والخلاف جارٍ أيضاً في جريان الاستصحاب في الأحكام الجزئية وعدمها فلا يتم قوله (قدس سره): (وإن لم يكن لدليله إطلاق كما إذا ثبت بالاجماع ونحوه، فإن قلنا بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلّية كما هو المشهور فلا مانع من التمسّك به وإثبات الحكم بعد إسقاطه أيضاً، ويكون نتيجته نتيجة عدم قابلية الحكم للاسقاط، هذا إذا كان الحكم تكليفياً، وإن كان وضعياً فجريان الاستصحاب يتوقّف مضافاً إلى ذلك على القول بجريانه في الأحكام التعليقية، وأمّا إذا قلنا بعدم جريان الاستصحاب في الأحكام كما هو المختار ولم يكن لدليل ثبوته إطلاق كما هو المفروض...)([3])
وعليه: فلا بد إذا لم يكن لنا مرجع من لسان الدليل ولا من الإطلاقات من البحث عن جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية من جهة ومن البحث عن الاستصحاب وجريانه أو عدمه في الأحكام الجزئية من جهة أخرى فإن لكلٍّ منها مبنىً وثمرةً مختلفة، فتأمل جيداً.
تنبيه: لا يخفى أننا أشرنا إلى عناوين البحث في المسألة وابتناء تعارض استصحاب المجعول مع استصحاب عدم الجعل على تلك المباحث المبنوية، ولم نتطرق إلى تفصيل الأخذ والرد والنقاش والنقض إذ ذلك موكول إلى بابه من الاستصحاب، وفيما ذكر كفاية للقدر المحتاج إليه في المقام والله الموفق.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "بِالْعَقْلِ اسْتُخْرِجَ غَوْرُ الْحِكْمَةِ وَبِالْحِكْمَةِ اسْتُخْرِجَ غَوْرُ الْعَقْلِ وَبِحُسْنِ السِّيَاسَةِ يَكُونُ الْأَدَبُ الصَّالِحُ؛ قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ التَّفَكُّرُ حَيَاةُ قَلْبِ الْبَصِيرِ، كَمَا يَمْشِي الْمَاشِي فِي الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ بِحُسْنِ التَّخَلُّصِ وَقِلَّةِ التَّرَبُّصِ"
الكافي (ط – الإسلامية): ج1 ص28.
.........................................
الاحد 18 ربيع الاول 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |