224- العنوان : فقه الصادق : وجوه ثلاثة للرد على الاستدلال برواية الصدوق على جواز الكذب لايصال النفع ـ تأييدنا لكلامه بوجوه ثلاثة ـ مناقشتنا لكلامه بوجوه اربعة
الاحد 11 رجب 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ختام البحث:
تناولنا سابقا جواز الكذب في الاصلاح وكذلك جواز الكذب للتحبيب ومضى الكلام في ذلك، واما ختام بحثنا فهو في مسألة انه هل يجوز الكذب من اجل ايصال النفع للآخرين؟ و كانت هناك فيما سبق ادلة عامة بين مسألة التحبيب وايصال النفع، وكلامنا الان في الدليل الخاص في مسألة إيصال النفع.
الدليل الخاص على جواز الكذب في نفع الغير: رواية الصدوق
ونذكر الان دليلا خاصا في مسألة ادخال وجلب النفع للغير وهي رواية ذكرها الشيخ الصدوق في كتاب مصادقة الاخوان بسنده عن الامام الرضا ( عليه السلام )، كما ذكر صاحب جامع احاديث الشيعة انه ينقل الرواية بسنده وذلك هو ما ذكره صاحب فقه الصادق ( عليه السلام ) أيضاً، إلا اننا عند مراجعة هذا الكتاب وجدنا ان الرواية في كتاب (الاخوان) مرسلة ولا سند فيها.
واما الرواية فهي :
قال ( عليه السلام ): ((ان الرجل ليصدق على اخيه فيناله عنت من صدقه فيكون كذابا عند الله وان الرجل ليكذب على اخيه يريد به نفعا فيكون عند الله صادقا)).
اشكالات صاحب فقه الصادق ( عليه السلام ) على الرواية:
واستشكل السيد الروحاني في فقه الصادق ( عليه السلام ) بثلاث اشكالات على هذه الرواية، وهي:
الاشكال الاول: الخلل السندي فالروية مرسلة
اما الاشكال الاول فهو الخلل في السند، والظاهر ان السيد يشير الى ان الرواية مرسلة ولكن نقول: لا يرد هذا الإشكال على من يرى حجية مراسيل الثقاة كالشيخ الطوسي([1])، والشهيد الثاني والشيخ البهائي وكما فيما نقله الشيخ البهائي عن جماعة من الاصوليين، بل ان الشيخ الطوسي في العدة ادعى الشهرة على ذلك، ومعه فيكون هذا الاشكال مبنائياً فمن لم يقل بحجية مراسيل الثقاة كمشهور المتأخرين فالإشكال لديه وارد والرواية ليست حجة ومعه فهي لا تستطيع ان تعارض وتقاوم ادلة حرمة الكذب المعتبرة والثابتة.
الاشكال الثاني: اعراض الاصحاب والشهرة الفتوائية على غير ذلك
واما الاشكال الثاني فهو ان الاصحاب اعرضوا عن مفاد هذه الرواية؛ إذ انهم لم يفتوا ولم يجوزوا الكذب لإيصال النفع الى الغير – إلا النادر كالوالد –، وهنا نقول: ان هذه المسألة ايضا هي مسألة مبنائية فان من يرى ان الشهرة الفتوائية على خلاف الرواية وإن كانت معتبرة كاسرة ومسقطة لها عن الحجية فالأمر كذلك, بخلاف من لا يرى ذلك.([2])
وهذا الاشكال تام ظاهرا
الاشكال الثالث: الروايات الحاصرة مقدَّمة للحصر وقوته
واما الاشكال الثالث فهو ان النسبة بين الرواية المذكورة في كتاب الاخوان للصدوق وبين مفهوم الحصر في الروايات الحاصرة لجواز الكذب في ثلاثة أمور هي من وجه، ومادة الاجتماع هي: ان الروايات الحاصرة تقول لا يجوز الكذب لأجل ايصال النفع غير الإصلاحي للآخر وروايتنا تقول بإطلاقها يجوز الكذب في ذلك كما هناك مادتا افتراق فتكون النسبة من وجه([3]) فيتعارضان ولكن الترجيح للروايات الحاصرة فتقدم.
وجوه الترجيح:
إلا ان السيد الروحاني لم يذكر وجوه ترجيح الروايات الحاصرة على رواية الصدوق، فلنستدل له بثلاثة وجوه:
الوجه الاول: قوة مفهوم الحصر
اما الوجه الاول للتقديم فهو قوة مفهوم الحصر فانه اقوى واظهر من رواية الصدوق، ومن هذه الروايات الحاصرة خبر عيسى بن حسان عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) يقول: ((يَقُولُ كُلُّ كَذِبٍ مَسْئُولٌ عَنْهُ صَاحِبُهُ يَوْماً إِلَّا كَذِباً فِي ثَلَاثَةٍ رَجُلٌ كَائِدٌ فِي حَرْبِهِ([4]) فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ أَوْ رَجُلٌ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَلْقَى هَذَا بِغَيْرِ مَا يَلْقَى بِهِ هَذَا يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِصْلَاحَ مَا بَيْنَهُمَا أَوْ رَجُلٌ وَعَدَ أَهْلَهُ شَيْئاً وَ هُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يُتِمَّ لَهُم))([5]).
فهذه الرواية تفيد ان الرجل المصلح قد رفعت عنه مسؤولية الكذب، ومعه فان الرجل غير المصلح وان اراد النفع فانه مسؤول ولا ترفع حرمة الكذب عنه، (إذ النفع اعم من الاصلاح؛ ذلك ان إصلاح ذات البين هو نفع للطرفين وهذه صورة من صوره، ولكن توجد صورة اخرى من النفع وهي ان يكذب الاول كيما يربح الثاني في تجارته من غير وجود نزاع أو تدابر) فهذه الرواية تحصر جواز الكذب بالنفع الاصلاحي فقط، واما رواية الصدوق فتقول بجواز الكذب في النفع مطلقا ومفهوم الحصر أقوى.
الوجه الثاني: كثرة الروايات وقوتها مضموناً
الوجه الثاني للتقديم: ان الروايات الحاصرة هي اكثر واقوى مضمونا من مثل روايتنا
الوجه الثالث: روايات الحصر موافقة للكتاب
الوجه الثالث: ان روايات الحصر موافقه للكتاب، واما رواية الاخوان للصدوق فهي مخالفة؛ اذ الكتاب الكريم يحرم الكذب مطلقا ([6]).
وهذه الوجوه هي توضيحا لما ذهب اليه السيد الروحاني من الترجيح.
واما عبارة فقه الصادق فهي: (وفيه انه مضافا الى ما في سنده من الخلل واعراض الاصحاب عنه، فانه انما يدل على جواز الكذب لجلب النفع بالإطلاق لشموله للكذب في الاصلاح فالنسبة بينه وبين مفهوم الحصر في جملة من النصوص الحاصرة لجواز الكذب في الثلاثة عموم من وجه، والترجيح لتلك النصوص، فالأظهر عدم جوازه في هذا المورد). أي الكذب للنفع غير الاصلاحي([7])
الجواب عن الإشكالات:
أولاً: الحصر الاضافي كثير في الروايات
اما الاشكال الاول فهو ان مفهوم الحصر وان توهم انه قوي، لكن الحصر موهون بكثرة التخصيصات والاستثناءات، فإننا وان كنا نجد الحصر كثيرا في الروايات، إلا ان انثلامه كثير ايضا والحاصل: ان بناء الروايات والعقلاء ايضا كثيراً ما – إن لم يكن غالبا - على الحصر الاضافي لا الحقيقي، فرواية الصدوق أظهر.
وان شئت فقل: عند عرض روايات الحصر وتلك المجوزة للكذب على العرف فان حرمة الكذب في النفع غير الإصلاحي تحتاج الى تعمق فالروايات الحاصرة ليست بذلك الوضوح، عكس رواية الصدوق فانها واضحة جداً وبينة بل هي نص عرفاً.
ثانياً: رواية الاخوان بصدد التنقيح الموضوعي فلها الحكومة او الورود
بل نقول في اشكال ثان:
ان رواية الصدوق المجوزة للكذب من اجل النفع هي بصدد التنقيح الموضوعي ومعه فهي واردة على تلك وان كانت النسبة من وجه([8]) - تنزلا – فهي داخلة في باب الورود او الحقيقة الادعائية فلا تعارض بل تتقدم بالذات عليها. وللكلام تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) وقد فصلنا ذلك سابقا فراجع
([2]) والذي نراه: ان اعراض المشهور شهرة عظيمة عن رواية مع كونها في متناول ايديهم مسقط لها عن الحجية.
([3]) كما سيأتي بيانه لاحقاً.
([4]) كما نقل عن فعل امير المؤمنين ( عليه السلام ) في معركة الخندق مع عمر بن ود العامري.
([5]) الكافي ج2 ص342.
([6]) ونحن قد حللنا ذلك وقلنا ان الآيات الواردة بلفظ الكذب لم تثبت الحرمة لمطلق الكذب، نعم سبق أيضاً ان آية اجتنبوا قول الزور تامة الدلالة وقد استندنا اليها فراجع.
([7]) ومادة الاجتماع بين الطائفتين هو الكذب الاصلاحي واما مادة الافتراق فهي النفع غير الاصلاحي والكذب غير النفعي. فتأمل وسيأتي
([8]) وسياتي ان النسبة هي العموم والخصوص المطلق وليست من وجه، على بعض الوجوه.
الاحد 11 رجب 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |