174- الادلة على ان للملك انواعاً مختلفة الحقيقة او السنخ:. 1ـ التلف قبل القبض من مال البائع 2ـ تلف الحيوان بعد القبض في مدة الخيار من مال بائعه 3ـ مطلق الملك المتزلزل 4ـ ملك المحجور عليه لسفه او فلس 5ـ ملك الكعبة او المسجد، وملك الحيوانات، على فرضه
الثلاثاء 22 جمادى الاخرة 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(174)
التلف قبل القبض من مال بائعه
ومنها: ما التزموا به من ان التلف قبل القبض من مال بائعه سواء أكان التلف بآفة سماوية أم أرضية وكذلك إذا تعذر الوصول إليه وإلى بدله سواء بتوسط فاعل مختار كما لو سُرق أو لا كما لو غَرق، مع أنه ملك للمشتري ومع فرض كون يد البائع يداً أمينة وعدم كونه متعدياً، هذا من جهة ومن جهة أخرى فان النماء للمشتري مع أن من له الغنم فعليه الغرم، وذلك لوضوح أن العقد يتم بالإيجاب والقبول وان المشتري يملك المثمن بذلك من غير أن تتوقف الملكية على أمر آخر ومقتضى ذلك أن يكون تلف المثمن عليه ومن كيسه في فرض عدم تعدي البائع وعدم تفريطه، لكن الشارع وهو سيد العقلاء وهو ممن بيده الاعتبار بل سيد من بيدهم جعل التلف من مال الأجنبي([1]) لا من مال المالك([2])، مما يكشف منه ان هذا نوع آخر من الملكية إذ النوع المعهود لا يكون فيه التلف إلا من مال المالك إلا لو تعدى الغير أو فرّط.
وبعبارة أخرى: ذاتي الملك حسب المرتكز في الأذهان هو انه لو تلف من غير تعدٍّ من أحد ولا تفريط فانه يتلف من مالكه أي انه يكون هو الخاسر فهذا مقتضى ذات الملك حسب الارتكاز العرفي بل والمتشرعي، فإذا رفع([3]) في موطن بأن جعل التلف على الغير كشف ذلك عن ان هذا السنخ من الملك سنخ آخر مغاير للسنخ المعهود، والالتزام بكونه من نفس السنخ لكنه رتب عليه حكم مضاد بعيد جداً إن لم يكن ممتنعاً مادام ان كون الخسارة على المالك إذا تلفت بضاعته من غير تعدٍّ من أحد أو تفريط يعد خصيصة ذاتية للملك؛ ألا ترى أن الوديعة لو تلفت في يد المستودَع من غير تفريط تلفت من مال المودِع لأنه المالك وكذا العين المستأجرة لو تلفت من غير تعدٍّ ولا تفريط كان التلف من مال البائع؛ وألا ترى ان ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده؟.
ولذا نجد العرف يستغربون من هذا الحكم الشرعي ربما أشد الاستغراب([4]) وما ذلك إلا لأن ارتكازهم على أن تلف الملك هو من مال مالكه، فالقول بانه – أي المبيع قبل القبض – سنخُ ملكٍ جديد أهون من القول بانه ملك على ما هو المعهود من معناه عرفاً لكنه بخاصية مضادة لخاصية المملوكات، حتى إن لم نقل بكونه متعيناً. فتأمل
تلف الحيوان بعد القبض في مدة الخيار من مال بائعه
ومنها: ما افتوا به في خيار الحيوان من انه بعد القبض فان للمشتري الخيار إلى ثلاثة أيام وانه لو تلف في مدة الخيار بموت أو عثرة أو شبه ذلك مما يحدث للحيوان طبيعياً فانه من مال البائع مع ان أركان العقد من إيجاب وقبول قد تمَّت وزاد عليها القبض أيضاً.
مطلق الملك المتزلزل
ومنها: مطلق الملك المتزلزل، وما سبق من مصاديقه، فان سنخه سنخ آخر مغاير للملك المستقر، ومنه([5]) ما التزم به جمع كبير من أن المعاطاة تورث الملك المتزلزل فقد كان المشهور قديماً على انها تفيد الإباحة ثم تغيرت الشهرة إلى انها تفيد الملك المتزلزل وتغيرت – ظاهراً – الآن إلى أنها تفيد الملك المستقر كالبيع باللفظ، والظاهر لدى التدبر ان الملك المتزلزل مغاير للملك المستقر بالنوع.
نعم، يمكن القول فيه وفيما سبقه بان للملك مراتب لكل منها خواص ككل حقيقة تشكيكية أخرى، وسيأتي بحثه صغرى وكبرى بإذن الله تعالى.
المحجور عليه لسَفَهٍ أو فَلَسٍ
ومنها: المحجور عليه لسَفَهٍ أو فَلَسٍ فانه مالك رغم ان خواص الملك والمالك مسلوبة عنه إذ لا يمكنه بيعه ولا الصلح عليه ولا الجعالة ولا الهبة معوضةً أو غير معوضة ولا إيجاره ولا غير ذلك فأية ملكية هذه؟ والحل بانه سنخ ملكية آخر، فتأمل
ملك الكعبة لكسوتها والمسجد لما يهدى له
ومنها: ما التزم به بعضهم من ملك الكعبة لكسوتها والمسجد لما يُهدى له وكذا المشهد الشريف والحسينيات والمدارس، فانه خلاف المشهور لكنّ من التزم به لا مناص له من القول بان هذا سنخُّ من الملك مغاير للسنخ المعهود ولذا لا تترتب عليه الآثار المعهودة للملك ولا فيه خواصه المعروفة إذ لا سلطنة للمسجد على ما يهدى له بل انها وإن فرضت اعتباراً إلا انها مغايرة لسلطنة زيد على ممتلكاته بالبداهة.
وكذلك ملك الحيوان لما يهدى له أو يُتصدَّق به عليه من طعام أو عش أو شبه ذلك.
مؤيدات للمدعى وردود
ولا يخفى ان هذا المدعى يفتح باباً جديداً في الملكية فانه إذا ثبت ان للملك أنواعاً وإطلاقات فانه إذا فرض ان العرف، كما في بعض البلاد، يرى بعض الحيوانات مالكة كان اللازم ترتيب آثار الملكية عليه إلا ما علم إنصراف الأدلة عنه فلمالكه مثلاً أن يهبه عنه باعتباره ولياً له أو يبيع ويشتري عنه وهكذا.
ولا تخفى غرابة ذلك فالمسألة بحاجة إلى تأمل وما طرح ههنا لمجرد قدح الاحتمال في الذهن لا للتبني، وإن كان قد يؤيَّد بان الفطرة أو الغريزة([6]) في الحيوان على ذلك شاهدة فان الحيوان بحيازته الطعام أو بنائه العش أو عثوره على عش وسكناه فيه يعتبر نفسه مالكاً لذا يهاجم الطائر الذي يزاحمه بل يقاتل دون طعامه وعشه، وإن أمكن الجواب بان من المعلوم انه يرى لنفسه بالنسبة لها حق الاختصاص اما الملكية فلا تعلم، على ان ما يَبنِي عليه الحيوان لا يعد دليلاً شرعياً أو مستنداً فلنفرض انه يعدّ نفسه مالكاً فهل يترتب عليه اعتبار الشارع له أو العقلاء مالكاً؟ وقد يجاب بانه إذا ثبت انه مقتضى الغريزة والفطرة كان من صنعه تعالى فكان حجة لذلك، لكن الوجه هو في بناء العرف والعقلاء عليه وعدمه.. وللبحث صلة فتدبر حتى ذاك الحين والله العالم.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "اقْنَعْ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ وَلَا تَنْظُرْ إِلَى مَا عِنْدَ غَيْرِكَ وَلَا تَتَمَنَّ مَا لَسْتَ نَائِلَهُ، فَإِنَّهُ مَنْ قَنِعَ شَبِعَ وَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ لَمْ يَشْبَعْ وَخُذْ حَظَّكَ مِنْ آخِرَتِك" الكافي: ج8 ص243.
................................................
الثلاثاء 22 جمادى الاخرة 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(174)
التلف قبل القبض من مال بائعه
ومنها: ما التزموا به من ان التلف قبل القبض من مال بائعه سواء أكان التلف بآفة سماوية أم أرضية وكذلك إذا تعذر الوصول إليه وإلى بدله سواء بتوسط فاعل مختار كما لو سُرق أو لا كما لو غَرق، مع أنه ملك للمشتري ومع فرض كون يد البائع يداً أمينة وعدم كونه متعدياً، هذا من جهة ومن جهة أخرى فان النماء للمشتري مع أن من له الغنم فعليه الغرم، وذلك لوضوح أن العقد يتم بالإيجاب والقبول وان المشتري يملك المثمن بذلك من غير أن تتوقف الملكية على أمر آخر ومقتضى ذلك أن يكون تلف المثمن عليه ومن كيسه في فرض عدم تعدي البائع وعدم تفريطه، لكن الشارع وهو سيد العقلاء وهو ممن بيده الاعتبار بل سيد من بيدهم جعل التلف من مال الأجنبي([1]) لا من مال المالك([2])، مما يكشف منه ان هذا نوع آخر من الملكية إذ النوع المعهود لا يكون فيه التلف إلا من مال المالك إلا لو تعدى الغير أو فرّط.
وبعبارة أخرى: ذاتي الملك حسب المرتكز في الأذهان هو انه لو تلف من غير تعدٍّ من أحد ولا تفريط فانه يتلف من مالكه أي انه يكون هو الخاسر فهذا مقتضى ذات الملك حسب الارتكاز العرفي بل والمتشرعي، فإذا رفع([3]) في موطن بأن جعل التلف على الغير كشف ذلك عن ان هذا السنخ من الملك سنخ آخر مغاير للسنخ المعهود، والالتزام بكونه من نفس السنخ لكنه رتب عليه حكم مضاد بعيد جداً إن لم يكن ممتنعاً مادام ان كون الخسارة على المالك إذا تلفت بضاعته من غير تعدٍّ من أحد أو تفريط يعد خصيصة ذاتية للملك؛ ألا ترى أن الوديعة لو تلفت في يد المستودَع من غير تفريط تلفت من مال المودِع لأنه المالك وكذا العين المستأجرة لو تلفت من غير تعدٍّ ولا تفريط كان التلف من مال البائع؛ وألا ترى ان ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده؟.
ولذا نجد العرف يستغربون من هذا الحكم الشرعي ربما أشد الاستغراب([4]) وما ذلك إلا لأن ارتكازهم على أن تلف الملك هو من مال مالكه، فالقول بانه – أي المبيع قبل القبض – سنخُ ملكٍ جديد أهون من القول بانه ملك على ما هو المعهود من معناه عرفاً لكنه بخاصية مضادة لخاصية المملوكات، حتى إن لم نقل بكونه متعيناً. فتأمل
تلف الحيوان بعد القبض في مدة الخيار من مال بائعه
ومنها: ما افتوا به في خيار الحيوان من انه بعد القبض فان للمشتري الخيار إلى ثلاثة أيام وانه لو تلف في مدة الخيار بموت أو عثرة أو شبه ذلك مما يحدث للحيوان طبيعياً فانه من مال البائع مع ان أركان العقد من إيجاب وقبول قد تمَّت وزاد عليها القبض أيضاً.
مطلق الملك المتزلزل
ومنها: مطلق الملك المتزلزل، وما سبق من مصاديقه، فان سنخه سنخ آخر مغاير للملك المستقر، ومنه([5]) ما التزم به جمع كبير من أن المعاطاة تورث الملك المتزلزل فقد كان المشهور قديماً على انها تفيد الإباحة ثم تغيرت الشهرة إلى انها تفيد الملك المتزلزل وتغيرت – ظاهراً – الآن إلى أنها تفيد الملك المستقر كالبيع باللفظ، والظاهر لدى التدبر ان الملك المتزلزل مغاير للملك المستقر بالنوع.
نعم، يمكن القول فيه وفيما سبقه بان للملك مراتب لكل منها خواص ككل حقيقة تشكيكية أخرى، وسيأتي بحثه صغرى وكبرى بإذن الله تعالى.
المحجور عليه لسَفَهٍ أو فَلَسٍ
ومنها: المحجور عليه لسَفَهٍ أو فَلَسٍ فانه مالك رغم ان خواص الملك والمالك مسلوبة عنه إذ لا يمكنه بيعه ولا الصلح عليه ولا الجعالة ولا الهبة معوضةً أو غير معوضة ولا إيجاره ولا غير ذلك فأية ملكية هذه؟ والحل بانه سنخ ملكية آخر، فتأمل
ملك الكعبة لكسوتها والمسجد لما يهدى له
ومنها: ما التزم به بعضهم من ملك الكعبة لكسوتها والمسجد لما يُهدى له وكذا المشهد الشريف والحسينيات والمدارس، فانه خلاف المشهور لكنّ من التزم به لا مناص له من القول بان هذا سنخُّ من الملك مغاير للسنخ المعهود ولذا لا تترتب عليه الآثار المعهودة للملك ولا فيه خواصه المعروفة إذ لا سلطنة للمسجد على ما يهدى له بل انها وإن فرضت اعتباراً إلا انها مغايرة لسلطنة زيد على ممتلكاته بالبداهة.
وكذلك ملك الحيوان لما يهدى له أو يُتصدَّق به عليه من طعام أو عش أو شبه ذلك.
مؤيدات للمدعى وردود
ولا يخفى ان هذا المدعى يفتح باباً جديداً في الملكية فانه إذا ثبت ان للملك أنواعاً وإطلاقات فانه إذا فرض ان العرف، كما في بعض البلاد، يرى بعض الحيوانات مالكة كان اللازم ترتيب آثار الملكية عليه إلا ما علم إنصراف الأدلة عنه فلمالكه مثلاً أن يهبه عنه باعتباره ولياً له أو يبيع ويشتري عنه وهكذا.
ولا تخفى غرابة ذلك فالمسألة بحاجة إلى تأمل وما طرح ههنا لمجرد قدح الاحتمال في الذهن لا للتبني، وإن كان قد يؤيَّد بان الفطرة أو الغريزة([6]) في الحيوان على ذلك شاهدة فان الحيوان بحيازته الطعام أو بنائه العش أو عثوره على عش وسكناه فيه يعتبر نفسه مالكاً لذا يهاجم الطائر الذي يزاحمه بل يقاتل دون طعامه وعشه، وإن أمكن الجواب بان من المعلوم انه يرى لنفسه بالنسبة لها حق الاختصاص اما الملكية فلا تعلم، على ان ما يَبنِي عليه الحيوان لا يعد دليلاً شرعياً أو مستنداً فلنفرض انه يعدّ نفسه مالكاً فهل يترتب عليه اعتبار الشارع له أو العقلاء مالكاً؟ وقد يجاب بانه إذا ثبت انه مقتضى الغريزة والفطرة كان من صنعه تعالى فكان حجة لذلك، لكن الوجه هو في بناء العرف والعقلاء عليه وعدمه.. وللبحث صلة فتدبر حتى ذاك الحين والله العالم.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "اقْنَعْ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ وَلَا تَنْظُرْ إِلَى مَا عِنْدَ غَيْرِكَ وَلَا تَتَمَنَّ مَا لَسْتَ نَائِلَهُ، فَإِنَّهُ مَنْ قَنِعَ شَبِعَ وَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ لَمْ يَشْبَعْ وَخُذْ حَظَّكَ مِنْ آخِرَتِك" الكافي: ج8 ص243.
................................................