176- نظائر للبحث مما اتحد فيه الاسم واختلف المسمى: ـ التعارض والحكومة والسلطنة والحق وغيرها
الاحد 27 جمادى الاخرة 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(176)
من المؤيدات: الملكية أمر إضافي متقوّم بطرفين
ومما قد يؤيد دعوى ان (الملكية) مقولة بالاشتراك على أكثر من نوع: ان الملكية من الأمور الإضافية المتقوّمة بمتعلَّقها وبمن تقوّم به فالمتعلق هو المملوك ومن تقوّم به هو المالك، فباختلاف المتعلَّق تختلف الملكية فان متعلقها إذا كان وقفاً عاماً كالمسجد كانت الملكية (وهي الخيط الواصل بين المالك والمملوك – حسب تعبير الميرزا النائيني) من نوع وإذا كان متعلقها ملكاً طلقاً كالدكان والدار كانت من النوع المعهود المرتكز في الأذهان، كما انه إذا كان المالك محجوراً عليه لسَفَهٍ أو جنون أو فَلَسٍ أو صغر كان نوع ملكيته مغايراً لنوع ملكية غير المحجور عليه ولذا اختلفت الآثار الذاتية والوضعية للملك.
من المقربات لتعدد النوع والاسم واحد
ومما يقرّب المدعى أيضاً النظائر؛ فان الكثير من ألفاظ الكلي الطبيعي تطلق على أنواع مختلفة بالذات والجامع اسمي أو عنواني أو جامع بعيد شبيه بالجنس([1]):
التعارض المستقر وغيره
ومنها: (التعارض) فانه يطلق على المستقر منه كتعارض المتباينين ولو من وجه وغير المستقر كالخاص والعام والمطلق والمقيد والحاكم والمحكوم، فانه جامع اسمي إذ لا تعارض في غير المستقر حقيقةً لذا اختلفت أحكامه عن أحكام المستقر، بل عدّ عدد من الأعلام خروجه من التعارض موضوعياً وأن إطلاقه عليه مجاز لكنه على فرض الدخول فهو سنخ أو نوع آخر من التعارض والبرهان الإنّي كاشف عن التغاير الذاتي.
الحكومة التنزيلية والعرفية
ومنها: (الحكومة) فانها تطلق على الحكومة المصطلحة التنزيلية بالتضييق أو التوسعة كما تطلق على الحكومة العرفية وهي([2]) التي لو عرض الدليلان على العرف وفق بينهما بتقديم أحدهما على الآخر أو بالتصرف في كليهما بدون ان يرى معارضةً بينهما، كما في حكومة لا ضرر ومطلق العناوين الثانوية على الأولية.
والحاصل: انه لا جامع ماهوي قريباً بين القسمين الأولين من الحكومة (تنزيل موضوع منزلة موضوع آخر كـ"الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ"([3]) وتنزيل ما هو موضوع منزله ما ليس بموضوع كـ"لَيْسَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَوَلَدِهِ رِباً..."([4])) مع القسمين الأخيرين من الحكومة مما تطرقت لحال المحمول سلباً للحكم عن موضوعه كلا ضرر ولا حرج أو إثباتاً له، فلا جامع ما هوي قريباً بينهما إذ قوام الأولى بالنظر والتنزيل وليس قوام الثانية بذلك بل قوامه بعدم النظر على بعض التعريفات والأقوال([5])، فتأمل كما فصلناه في مباحث الحكومة فراجع.
الأمر المولوي والإرشادي
ومنها: (الأمر) فانه يطلق على الأمر المولوي والأمر الإرشادي مع انهما من سنخين مختلفين إذ لا وجوب في الثاني ولا عقوبة فيه عكس الأول، بل حتى لو قلنا بان الأمر الإرشادي قد يفيد الإلزام كما ذهب إليه الميرزا الشيرازي ناقلاً له عن الشيخ فان فرق الوجوبين يكون حينئذٍ في ان أحدهما فيه العقوبة دون الآخر كما ان فرقهما من حيث المنشأ ان المولوي صادر من المولى بما هو مولى معملاً مقام مولويته عكس الإرشادي وإن كان فيه الإلزام فانه من النصح أو الوعظ اللزومي لا الحكم الإلزامي. وقد فصلنا الكلام عن ذلك في كتاب (الأوامر المولوية والإرشادية) فراجع.
السلطنة بأنواعها
ومنها: (السلطنة) فان الزوج ذو سلطنة على زوجته (بالتمكين والدخول والخروج، لا غير) كما ان الرجل له السلطنة على أمواله، لكن من الواضح اختلاف نوعية السلطنة ماهيةً وسنخاً فيهما فان سلطنته على زوجته بالأمرين فقط ولا سلطنته له على بيعها أو هبتها أو غير ذلك كما ان سلطنته على أمواله بنحو آخر دون ذينك النحوين لوضوح انه لا يصح له التمتع الجنسي بأمواله من حيوان وجماد كما لا مجال لتوهم السلطنة بالدخول أو الخروج على الجمادات منها.
وأيضاً: للقاضي السلطنة على استيفاء الحقوق للخصوم، كما ان لحاكم الشرع السلطنة على الأراضي العامرة المفتوحة عنوة فيؤجرها مثلاً لصالح المسلمين، ولا اتحاد في النوع بين السلطنتين، كما لا سنخية لبعض ما سبق مع سلطنة ولي المقتول على القصاص أو سلطنة الوالي على الرعية.
الحق بأنواعه
ومنها: (الحق) فان السابق إلى إمامة الجماعة له حق السبق وكذا السابق إلى موضع بالصف الأول مثلاً، كما ان المحجّر له حق التحجير فيما حجّره من الأراضي، ومن الواضح اختلاف سنخ الحق في حق السبق للصف الأول وفي حق التحجير فانه في الأخير مالك أو كالمالك (على الرأيين) ويورث منه وله بيعه على رأي جمع من الأعلام، عكس حق السبق للصف فانه لا يورث وليس له بيعه الخ.
فائدة: ذهب جمع من الفقهاء إلى أن (الإمام الراتب) مقدم على غيره حتى وإن سبقه الغير، بينما ذهب جمع إلى أن كونه راتباً لا يُثبت له حقاً بل الحق للأسبق منهما فلو كان إمام راتب لسنين فسبقه في يوم ما غيره كان له ذلك، نعم هذا في غير ما لو عيّن المتولي إماماً فانه لا يحق لأحد مزاحمته وذلك غير نشوء الحق من مجرد كونه راتباً كما لو لم يكن للمسجد متولي أو كان له وخيّر الناس وأوكل الأمر لهم
كلام المحقق الاصفهاني
ثم ان ما ذكرناه في (الملك) وانه ليس حقيقة واحدة بل ماهيات متباينة، هو نظير ما ذهب إليه المحقق الاصفهاني في (الحق) فقال: (ويمكن أن يقال: - وإنْ لم أجد من وافق عليه صريحا - أنَّ الحق مصداقا في كل مورد اعتبارٌ مخصوص له آثار خاصة، فحق الولاية ليس إلَّا اعتبار ولاية الحاكم والاب والجد، ومن احكام نفس هذا الاعتبار جواز تصرّفه في مال المولّى عليه تكليفاً ووضعاً، ولا حاجة إلى اعتبار آخر، فإضافة الحق إلى الولاية بيانية، وكذلك حق التولية وحق النظارة، بل كذلك حق الرهانة، فانه ليس إلَّا اعتبار كون العين وثيقة شرعاً، وأثره جواز الاستيفاء ببيعه عند الامتناع عن الوفاء، وحق التحجير أي المسبب عنه ليس إلَّا اعتبار كونه أولى بالأرض من دون لزوم اعتبار آخر، وحق الاختصاص في الخمر ليس إلَّا نفس اعتبار اختصاصه به في قبال الآخر، من دون اعتبار ملك أو سلطنة له، وأثر الاولوية والاختصاص عدم جواز مزاحمة الغير له.
نعم لا بأس بما ساعد عليه الدليل من اعتبار السلطنة فيه كحق القصاص، حيث قال عز من قائل: (فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً)([6]) وكذا لو لم يكن هناك معنى اعتباري مناسب للمقام كما في حق الشفعة، فإنَّه ليس إلَّا السلطنة على ضم حصة الشريك إلى حصته بتملّكه عليه قهراً، فإنَّ الشفع هو الضم، والشفعة - كاللقمة - كون الشيء مشفوعاً، أي مضموماً إلى ملكه، ولا معنى لاعتبار نفس الشفعة، وإلَّا كان معناه اعتبار ملكية حصة الشريك، مع أنَّه لا يملك إلَّا بالأخذ بالشفعة لا بمجرد صيرورته ذا حق. وكذا حق الخيار...)([7]).
وقد سبق نقاشنا معه ولكن ههنا مزيد سيأتي بعض ما يرتبط منه بالمقام غداً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
======================
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: "إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيُنَادِي كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ، أَلَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُونِي لآِخِرَتِهِ وَدُنْيَاهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأُجِيبَهُ، أَلَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَتُوبُ إِلَيَّ مِنْ ذُنُوبِهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ، أَلَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ قَدْ قَتَّرْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ يَسْأَلُنِي الزِّيَادَةَ فِي رِزْقِهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأُوَسِّعَ عَلَيْهِ، أَلَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ سَقِيمٌ يَسْأَلُنِي أَنْ أَشْفِيَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأُعَافِيَهُ، أَلَا عَبْدُ مُؤْمِنٌ مَحْبُوسٌ مَغْمُومٌ يَسْأَلُنِي أَنْ أُطْلِقَهُ مِنْ حَبْسِهِ فَأُخَلِّيَ سَرْبَهُ، أَلَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ مَظْلُومٌ يَسْأَلُنِي أَنْ آخُذَ لَهُ بِظُلَامَتِهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَنْتَصِرَ لَهُ وَآخُذَ لَهُ بِظُلَامَتِهِ، قَالَ: فَمَا يَزَالُ يُنَادِي بِهَذَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ" من لا يحضره الفقيه: ج1 ص421.
.....................................................
الاحد 27 جمادى الاخرة 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |