بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
كان البحث يدور حول دعوى طولية الاحتياط للاجتهاد والتقليد والادلة التي اقيمت او التي يمكن ان تقام على ذلك ووصلنا في سياق البحث الى كلام الميرزا النائيني واوضحنا انه يلتزم بالطولية وقد نقلنا تلخيص عبارته التي ذكرها السيد الخوئي في التنقيح المجلد الاول من الطبعة الخمسينية صفحة54 وعلى ضوء هذا التلخيص اجبنا عن كلام النائيني وذكرنا الاحتمالات في كلامه وانه ان كان المراد هو الورود فقد سبق الجواب عنه وان كان المراد الحكومة فقد فصلنا الجواب وكذا اجبنا ان كان المراد هو التقدم بالشرف او الامكان او الوقوع .
واما مبحث اليوم فانه عند الرجوع الى نص عبارتة (لا تلخيص التنقيح) فوجدته يذكر وجها آخر للطولية ولا بد من الاجابة عنه ايضا فهو اذن وجه سادس فلابد من التطرق له والجواب عنه وهو ايضا مذكور في التنقيح لكن قبل ذلك بصفحات
يقول الميرزا النائيني: (الامتثال الاجمالي) انما هو في طول الامتثال التفصيلي (هذا مدعاه) اما دليله: لأنه من المعتبر في العمل العبادي (اذن كلامه في الاحتياط في العبادات لا مطلق الاحتياط) ان يكون التحرك والانبعاث عن البعث نفسه لا عن احتمال البعث .
وفرق هذا الكلام عن ذاك التلخيص يظهر بالتأمل , فالمعتبر في صحة العمل العبادي (حسب رأيه) ان تنبعث عن بعث المولى لا عن احتمال البعث فاذا عجزت ان تنبعث عن نفس البعث المولوي حينئذ تنتقل الى الدرجة لنازلة من الانبعاث بأن تنبعث عن احتمال الامر المولوي اي عن احتمال (البعث المولوي), اذن الطولية صارت بين البعث واحتمال البعث وان الانبعاث عن البعث شرط الصحة في العمل العبادي (بان اتي بهذه الصلاة لأن الله امر بها وليس لأني احتمل ان الله قد امرني بها) والمشكلة ان الاحتياط غير متوفر على هذا الشرط اذ في الاحتياط حين تأتي بالصلاة الى الجهتين لا تستطيع ان تنوي اصلى , لأن الله امرني بالصلاة الى هذه الجهة , بل تنوي: اصلي لاحتمال انه امرني بها , ولنذكر مثالا لتقريب الامر : الوضوء والتيمم (فان لم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا طيبا ) اذن فقدان الماء شرط صحة التيمم فلولا فقدان الماء لما صح التيمم اذن في المرتبة الاولى شرط الصحة هو الوضوء فان فقدته انتقل الى التيمم , وهذه صورة جديدة للطولية ومعنى جديد يحتاج الى جواب جديد اما الاجوبة السابقة فلا بد ان تلاحظ هل انها تفي ام لا؟ سيتضح ان بعضها يفي , فنقول في الجواب:
ان هذا الوجه للطولية ايضا غير تام لوجوه ثلاث (الثالث منها قد سبق ذكره):
الاول: بالنقض بان الاتيان بالعمل العبادي عن اجتهاد اوتقليد ايضا ليس انبعاثا عن بعث المولى بل هو انبعاث عن الظن ببعث المولى غاية الامر انه ظن معتبر , وكلام الميرزا هو : في الاحتياط لا ننبعث عن بعث المولى بل ننبعث عن احتمال البعث والحال ان شرط الصحة هو الانبعاث عن البعث , ونقول : البعث هو امر ثبوتي والذي هو فعل المولى, اما الاحتمال فهو حالة نفسية لك و حسب كلامه ينبغي ان تنبعث عن امر المولى الذي هو واقع ثبوتي لا عن ما يدور في نفسك من الاحتمال لبعث المولى فاذا تمّ ذلك , فالاشكال على الاجتهاد والتقليد ايضا وارد بعينه فان المجتهد ينبعث عن (الصورة الذهنية له عن بعث المولى) لكن هذه الصورة ظنية اما في الاحتياط فهي احتمالية , وبتعبير آخر: باعثه الوجود الذهني وليس الوجود العيني وكذلك في التقليد فان المقلد ينبعث ليس عن امر المولى الثبوتي لأن الثبوت لا يؤثر في الانبعاث بما هو الا بوسيلة وهي انطباع صورة في الذهن عن ذلك الثبوت , وبتعبير آخر: ان الوجودات الواقعية بما هي ,غير محركة والمحرك هو الوجود العلمي او الظني او الاحتمالي , هذا هو النقض الاول .
بل نزيد ونقول حتى في القطع الامر كذلك اي حتى لو قطعت بان هذا هو امر المولى بل حتى لو علمت فانا غير منبعث عن امر المولى لأن الاشياء بوجوداتها الواقعية غير محركة بل المحرك هو الامر بوجوده العلمي او الظني او الاحتمالي فانبعاثي فيما لو قطعت او علمت بامر المولى ليس عن نفس امر المولى وانما عن قطعي بامر المولى .
وهذا البحث نظير ما يذكره الشيخ في اول الرسائل , يقول: لا يصح ان تقول هذا مقطوع الخمرية وكل مقطوع الخمرية حرام فهذا حرام لأنه لابد ان تقول هذا خمر وكل خمر حرام فهذا حرام فان الحرمة رتبت على الخمر الثبوتي لا الخمر الاثباتي فالشيخ يفرق بين مقطوع الخمرية ومظنون الخمرية وما اجبنا به هنا ينفع في الجواب عن كلام الشيخ ايضا.
والحاصل : ان فالميرزا يقول : ان شرط الصحة في العبادات هو ان تنبعث عن البعث لا عن احتمال البعث , فننقض عليه بانه في الادلة الاجتهادية ننبعث عن الظن بالبعث فان خبر الواحد يفيد الظن وكذا الشهرة والظواهر بل حتى في القطع بالحكم الشرعي فأن الانبعاث هو عن القطع بالحكم الشرعي لا عن (البعث) نفسه .
وثانيا : (وهذا الجواب مضاد للجواب الاول فلا يجتمعان على سبيل منع الجمع ويشكل هذا الجواب جوابا حليا عن الشبهة كلها): ان الانبعاث عن الاحتمال كالانبعاث عن الظن المعتبر وكالانبعاث عن العلم والقطع , يصدق عليه عرفا وبالحمل الشايع الصناعي انه انبعاث عن بعث المولى , اذ من الصحيح انه بالتحليل الدقي هناك بعث ثبوتي وهناك علم او ظن او احتمال بذلك العلم و ان شرط الصحة هو ان تنبعث عن البعث , لكن نقول ان من انبعث عن الظن المعتبر يصدق عليه عرفا انه انبعث عن امر المولى فلو ان شخصا سمع كلام زرارة عن الامام الصادق عليه السلام (حج بيت الله مثلا) وانبعث عنه فانه يستطيع ان يقول انبعثت عن كلام الامام الصادق عليه السلام وما ذلك الالما تقدم من ان هذا القطع او الظن او الاحتمال متمحض في المرآتية والطريقية .
والحاصل انا نقول للميرزا: هل تفرق بين البعث الثبوتي وبين الصورة الذهنية عنها ام لا ؟ فان قلت ان ما ينسب الى الصورة هو في الواقع و بالحمل الشايع الصناعي منسوب الى ذي الصورة فالامر في القطع والظن والاحتمال كله من هذا الباب ويكون الانبعاث عن اي منها انبعاثا عن الثبوت اي عن البعث وان لم تقبل ذلك فلا يصح الامر في الصور الثلاث كلها لأنه حتى في صورة العلم فان المكلف ليس منبعثا عن البعث الواقعي بل هو منبعث عن الصورة الذهنية للبعث الواقعي لا غير
والمختار لنا هو الامر الثاني وبه يجاب عن شبهة الشيخ المتقدمة بانه لايصح : (هذا مقطوع الخمرية وكل مقطوع الخمرية حرام لان الحكم رتب على الخمر الثبوتية) فنقول ان هذا القطع لوحظ بما هو كاشف وهو متمحض في المرآتية نعم لو لوحظ موضوعيا لكان اشكال الشيخ صحيحا , ولذا نلاحظ ان الشيخ وقع في التناقض حين اعتبر ان مقطوع الخمرية لايقع حدا اوسطا اما مظنون الخمرية فهو يقع حدا اوسط , اذ اذا قلنا ان المعيار هو الثبوت فكل منهما لا يقع حدا وسطا واذا قلنا ان المعيار المرآتية فكلاهما مرآة ويمكن ان يقع كحد اوسط (وهذا البحث في اوائل الرسائل وقع محلا للنقض والابرام وان كلام الشيخ هل هو صحيح ام لا لأن الشيخ عرف الحجة بالاوسط في القياس وقد اشرنا لتفصيله في بعض الكتب)
الجواب الثالث: هو ما سبق تفصيله من ان العقل يستقل بأن الانبعاث عن احتمال امر المولى ايضا مقرّب ولا يشترط في العمل العبادي اكثر من الانبعاث المسند الى امر المولى سواء اكان هذا الاسناد بنحو القطع ام الظن ام الاحتمال وهنا بحوث مطولة نتركها لمظانها لكن نشير بكلمة: ان القطع كاشف في تصور القاطع عن الواقع مائة بالمائة اما العلم فكاشف عن الواقع ثبوتا بغير قيد (تصور العالم) اما الظن فهو كاشف عن الواقع بنسبة سبعين بالمائة مثلا اما الاحتمال فهو كاشف عن الواقع بنسبة الاحتمال وهذا البحث من المباحث المفتاحية وقد فصلت الكلام فيه في كتاب (الحجة) ,ومبحث حساب الاحتمالات هنا محله حيث انه بحساب الاحتمالات حتى لو كان الاحتمال واحدا بالمليون فان له كاشفية بمقداره وتترتب عليه بعض الثمار
اما المقطع الثاني من كلام الميرزا فهو : يجب ان نرجع الى قاعدة الاشتغال لأنه من الشك في كيفية الاطاعة والامتثال لأنك عندما تشك هل يجب ان امتثل تفصيلا ام ان الامتثال الاجمالي بالاحتياط كاف فهنا شككت في كيفية الاطاعة والامتثال والمجرى هو الاحتياط لأنه من قبيل دوران الامر بين التعيين والتخيير , توضيح ذلك:اذا تعلق الامر بشيء ولا تعلم انك لو اتيت بالمأمور به بهذا النحو فهل امتثلت ام لا؟لكنك تعلم لو انك اتيت به بذلك النحو الاخر فانت ممتثل فقد دار الامر بين تعين هذا او التخيير بين هذا وذاك فالمجرى مجرى الاشتغال بحسب كلام الميرزا,
والحاصل انه حين الشك في اصل وجود الامر فالمجرى البراءة لكن الفرض اننا نعلم بوجود الامر بقصد القربة في العبادة الا اننا لا نعلم كيفية الامتثال فان قصد القربة يمتثل بالاسناد الاحتمالي ايضا ام لايمتثل الا بالاسناد التفصيلي فقط فالمرجع هو الاشتغال .
البحث السابق والاجابة هناك تنطبق على هذا البيان الجديد لكن مع بعض التدبر ونضيف: ان الميرزا بحسب نقل التنقيح ارجع المسألة الى مبحث الدوران بين التعيين والتخيير والجواب ما سبق لكن يمكن ان نطور كلام الميرزا (ان لم يكن مقصوده ذلك)بارجاع المسألة الى مبحث العنوان والمحصل حيث ان الامر لو تعلق بالعنوان وشككت في محصله فالمجرى الاحتياط فاجمال اشكال الميرزا نستطيع ان نصوغه بهذه الطريقة. واجمال جوابنا عن شبهة العنوان والمحصل هو : ان الجامع وهو الاسناد الى المولى معلومٌ اشتراطه والخصوصية مشكوك فيها (اي اشتراط خصوص الاسناد القطعي) اذن الجامع معلوم والخصوصية مشكوك فيها والاصل عدمها .
والخلاصة : ان الميرزا اذا ارجع الشك الى العنوان والمحصل فنقول : كلا بل هي من قبيل الجامع والخصوصيات فليتدبر . وللحديث صلة , وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين .....