108- ت- تتمة صور الدوران بين التعيين والتخيير هـ - اصالة الحظر -هل تخيير العامي بين احتياط الاعلم وفتوى المفضول منوط بفقده الادلة والاصول معاً؟ -هل التخيير خاص؛ باحتياط الاعلم ام شامل للاصليين الاخرين
الثلاثاء 11 جمادي الاول 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
كان الكلام حول الاحتياط الوجوبي و هل ان وجوبه عقلي ام شرعي؟ وما هي الوجوه التي يمكن ان تكون السبب في ان يصير الفقيه الى الاحتياط الوجوبي , وقد ذكرنا بعض الوجوه الى ان وصل الكلام الى اصالة دوران الامر بين التعيين والتخيير وذكرنا ان الصور لدى الدوران هي ثلاث: الصورة الاولى :صورة دوران الامر بين التعيين والتخيير في مرحلة الجعل في الاحكام الظاهرية مثل الحجية وقد تقدمت وان اصالة التعيين هي المحكمة
الصورة الثانية:هي الدوران بين التعيين والتخيير في مرحلة الجعل في الاحكام الواقعية والمثال المعهود لذلك هو دوران الامر بين وجوب صلاة الجمعة تعيينا زمن الغيبة عند بسط اليد او وجوبها تخييرا ، مثال اخر:لو دار الامر في اصول الدين بين كون الاجتهاد فيها واجبا تعيينا او كونه واجبا تخييرا بينه وبين التقليد ، وذلك لأن الاجتهاد في اصول الدين مبرء للذمة قطعا ومجزء وصحيح سواء أجاز التقليد في اصول الدين ام لم يجز اما التقليد فيحتمل كونه العدل الثاني في الحجية وصحة الاحتجاج ، فلو دار الامر بين الاجتهاد كواجب تعييني وبين التقليد كواجب تخييري فهذا هو المورد الثاني من موارد دوران الامر بين التعيين والتخيير في مرحلة الجعل ، في قبال مرحلة الامتثال في الاحكام الواقعية ، وان كان هذا المثال يرجع في وجه الى الصورة الاولى فليتدبر .
الصورة الثالثة:ان يدور الامر بين التعيين والتخيير في مرحلة الامتثال لا مرحلة الجعل بان كان يعلم في مرحلة الجعل ان هذا هو المعين وانه هو الواجب لكن في مرحلة الامتثال حيث لا قدرة له على الجمع مع وجود تردد في ان المعين ايهما فهنا تجري القاعدة ايضا فهذه صغرى من صغريات قاعدة الدوران والمثال المعهود لذلك هو ما لو وجد غريقان احدهما يحتمل كونه نبيا والمكلف غير قادر على الجمع بينهما ففي مرحلة الجعل الفرض ان ملاك انقاذ النبي هو الغالب على انقاذ غيره وهو المتعين لكن في مرحلة الامتثال اذا احتملت ان هذا هو النبي وذاك قطعا ليس بنبي فيدور الامر بين التعيين والتخيير في مرحلة الامتثال حيث المقياس القدرة وعدم القدرة على الاتيان بالتكليف ، هذا هو المثال المعهود لكن هذا المثال ليس موردا للابتلاء الان فلذا ينبغي التمثيل بامثلة اخرى : كما لو دار الامر بين انقاذ من هو من الاهل او غيره ، من الضلال والانحراف ففي مرحلة الجعل قد يقال بان انقاذ من هو من الاهل مقدم على غيره لقوله تعالى(قوا انفسكم واهليكم نارا) فلو دار الامر بين انقاذ شخصين احدهما يحتمل انه من الاهل فهنا مجرى القاعدة في مرحلة الامتثال بعد الفراغ من التعيين في مرحلة الجعل
وعلى اي تقدير فهذه الصور الثلاث فيها كلام طويل والذي يهمنا انه لو ذهبنا في بعض هذه الصور الى البراءة فالامر خارج موضوعا عما نحن فيه وان ذهبنا في كل هذه الصور او بعضها الى الاحتياط فهنا يقال ان الاحتياط وجوبه عقلي (اذ الاحتياط في موارد الدوران ، يحكم العقل بوجوبه) هذا هو الوجه الرابع الذي يلجئ الفقيه للقول بالاحتياط الوجوبي ، وفي ما نحن فيه ،فان الجواب هو ما سلف في المبحث المبنائي وان كل ما حكم به العقل فان حكم الشارع في مورده يمكن ان يكون مولويا وليس بالضرورة ان يكون ارشاديا
الوجه الخامس :والاخير الذي سوف نذكره -وبالتدبر والتفكر يمكن ان تظهر وجوه اخرى تلجئ الفقيه الى الاحتياط الوجوبي- وهو: القول باصالة الحظر عقلا فكلما وافق الشرع حكم العقل بالحظر فالاحتياط في مورده حكم عقلي,توضيحه بمثال: ان الزواج بالبكر البالغة الرشيدة بلا اذن ابيها قد يقال ان(الاحوط وجوبا تجنبه)هذا الاحتياط قد يكون من وجوهه اصالة الحظر لأن التصرف في ملك المولى جل وعلا بلا اذن منه محرم(هذه هي القاعدة الاولية بناءا على القول باصالة الحظر)فلو ذهب الفقيه الى المنع فاحدى وجوه المنع هي اصالة الحظر و قد خرجنا عن هذه الاصالة فيما اذا رضي الاب ، بالروايات غير المعارضة ، وما عدا ذلك يبقى على الاصل ففي ما خرجنا فيه فالاباحة شرعية وفيما لم نخرج فيه فالحظر عقلي فليتدبر وموارد هذا الوجه ليس بالقليلة
وبذلك نصل الى نهاية هذا المبحث (الوجوه التي يمكن ان يستند اليها للقول ان وجوب الاحتياط عقلي )
بقي كلام لاحد الاعلام جدير بالتأمل ، فاننا في اصل مسألتنا(في موارد الاحتياط الوجوبي للاعلم يتخير المكلف بالعمل باحتياط الاعلم وبين الرجوع الى المفضول في فتواه) لكن بعض الاعلام يقول: بان هذا التخيير بين الطرفين وصحة الرجوع للمفضول متفرع على امرين : الاول:ان يفقد الاعلم الادلة الاجتهادية فيصير للاحتياط ، وهذا الوجه لا نقاش لنا فيه (فانه احد الصور الاربعة المتقدمة)
الثاني: ان يفتقد الاعلم الاصول العملية ، وعلى هذا الكلام فان الفقيه لا يصير الى الاحتياط الا بعد ان يفقد الادلة الاجتهادية اولا يفقد الاصول العملية ثانيا فيلجأ الى الاحتياط وحينئذ يتخير المكلف بين العمل بالاحتياط وبين الرجوع للمفضول فهل هذا الكلام تام ام ليس بتام؟
والجواب: ان الاحتياط هو احد الاصول العملية فهذا التعبير منه يعاني من خلل فني اولا بالاضافة الى خلل حقيقي ، اما الخلل الفني فان الاحتياط هو في رتبة الاصول العملية وليس متاخرا عنها حتى تقول ان الاعلم لو فقد الادلة الاجتهادية اولا ثم فقد الاصول العملية ثانيا يلجأ الى الاحتياط ثالثا وانما الاحتياط في عرض الاصول العملية ، والصحيح فنّيا ان نقول: لو فقد الاعلم الادلة الاجتهادية اي ما يستنبط منه الحكم فانه يلجأ الى ما يحدد الوظيفة العملية فان كان ما يحدد الوظيفة العملية هو الاحتياط فيتخير حينئذ (بين الاحتياط و بين فتوى المفضول)
اذن من الناحية الفنية فكلامه يوهم وجود مراتب ثلاث وليس بصحيح ، لكن هذا الجواب يحتاج الى لمزيد من التحقيق والتدقيق وان كان صحيحا ، ولعله هو منشا الخلط في ذهن هذا الفقيه وهو: ان الاصول العملية الاربعة ليست كلها في عرض واحد بل هي على قسمين فبعضها في طول الاخر والبعض في عرض الاخر فمثلا الاستصحاب الذي عد من الاصول المحرزة هو سابق رتبة على تلك الاصول(اي باقي الاصول في طول الاستصحاب) فالاستصحاب مقدم على الاحتياط حتى في موارد العلم الاجمالي لأنه في موارد العلم الاجمالي لو جرى الاستصحاب في احد الطرفين ولم يبتلَ بالاستصحاب المعارض فان العلم الاجمالي سوف ينحل ، فالاستصحاب مقدم رتبة لأنه يحل العلم الاجمالي فيحل موضوع الاحتياط وينفي موضوعه ، مثاله: لو كان احد الانائين مستصحب الطهارة والاخر مستصحب النجاسة (وهذه احدى الصور) ثم وقعت قطرة بول في احدهما غير المعين فهنا استصحاب طهارة هذا الاناء غير معارضة باستصحاب الطهارة ذاك الاناء اذ لا استصحاب لطهارة ذاك الاناء-بل هو مستصحب النجاسة- واذا جرى هذا الاستصحاب فالعلم الاجمالي لا يتنجز ولا يؤثر هذا لو جرى الاستصحاب في احد الطرفين لكن لو جرى في كلا الطرفين فهل الاستصحاب ايضا مقدم رتبة على الاحتياط؟
الجواب ايضا نعم ، وذلك لان مشكلة الاستصحاب حينئذ هي المعارضة وليس عدم تقدمه رتبة على الاحتياط فالاستصحاب مقدم على الاحتياط الا ان معارضه ازاله فوصلت النوبة للاحتياط ,اذن الامر بالنسبة للاستصحاب واضح ، لكن الاحتياط بالنسبة للتخيير وبالنسبة للبراءة فانه في عرضها لأن موضوعاتها في عرض واحد وهذا الامر الى الان واضح كمبحث اصولي
لكن هنا مبحث جديد لم يبحث يحتاج للتأمل: وهو ان الاعلم لو احتاط ووصل الامر الى هذا الاصل العملي (الاحتياط) فنحن نتخير بين احتياطه الوجوبي وبين الرجوع للمفضول لكن ماذا لو ان الاعلم وصل الى التخيير من الاصول الاربعة فهل نحن ايضا مخيرون في العمل برأيه في التخيير وبين الرجوع الى المفضول الذي يرى تعين احد الطرفين مثلا فهل الامر كذلك ؟ وكذلك لو وصل الامر الى البراءة فهل نحن مخيرون بين مقتضى الوظيفة العملية التي وصل اليها الاعلم وبين الرجوع للمفضول حيث رأى المنع والحرمة ؟ اي في نظر الفقيه كان الشك الحاصل من حيث فقد النص او اجمال النص شكا في التكليف فكان مجرى البراءة لكن المفضول كان يرى المنع او الوجوب لادلة اجتهادية تامة لديه فهل التخيير كذلك جاري ام لا؟
ان الصورة التي ذكرها الفقهاء هي الاصل العملي(الاحتياط) لو وصل اليه الاعلم فهنا يتخير المكلف لكنه لو وصل الى البراءة او التخيير فهل يتخير المكلف ايضا بين رأي الاعلم وراي المفضول؟ وللحديث صلة تأتي ان شاء الله تعالى
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين ....
الثلاثاء 11 جمادي الاول 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |