488-الأجوبة عن دعوى عدم المقتضي في الصبي الراشد-الاحتمالات الاربع في آية (وابتلوا ...)
الثلاثاء 10 /ربيع الثاني/1443هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(488)
الزنجاني: الحجر على الصبي لقصوره، فالإذن غير مُجدٍ
وقال المحقق الزنجاني: (بل المستفاد من الآية من حيث تحديد جواز الدفع بالأمرين معاً، أن حجر غير البالغ كحجر السفيه بمناط واحد، وهو قصور نظره ورأيه في إيجاد العقد والإيقاع، وسلب سلطنته على ذلك، وعدم ترتيب الآثار عليه، فمحجوريته لقصور المقتضي لا لوجود المانع. فلا فرق في ذلك بين الأموال – له ولغيره – وغيرها، ولا بين إذن الوليّ أو توكيله أو رضاه اللاحق وعدمه.
وعليه: فعدم مشروعية تصرّف الصبي في ماله وكالة عن الوليّ، أو في مال الوليّ أو الأجنبي وكالة عنه أو برضاه اللاحق، كعدم مشروعيّة تصرّفه في ماله عقداً وإيقاعاً – سواء كان بالاستقلال أم بإذن الوليّ أو رضاه – أمر مستفاد من الآية بمناط واحد، من دون حاجة إلى ضمّ مقدمة أخرى. كدعوى التسالم على اعتبار البلوغ في الوكالة مطلقاً)([1]).
المناقشات
ولكن قد يورد على ما ذكره([2]):
1- ليست القضية منفصلة حقيقية
أولاً: ان القضية ليست منفصلة حقيقية ومانعة الخلو، وليس الأمر دائراً بين شقين كي يكون نفي الشق الأول مؤدياً إلى ثبوت الشق الثاني لا محالة (والشق الأول: الحجر على الصبي([3]) لعدم قابلية أمواله للتصرف فيها وكونها كأموال المفلَّس وكالعين المرهونة، والشق الثاني: الحجر عليه لعدم قابليته هو أي بما هو مالك أي قصوره هو وعدم قابليته للتصرف أي ان محجوريته لقصور المقتضي كما صرح به) وذلك لوجود الشق الثالث وهو: ان يكون الحجر عليه، لا لقصور في ماله ولا لعدم المقتضي في نفسه بل لوجود مانع عن تصرفه وهو عدم إذن الولي مثلاً فيرتفع بالإذن([4])، وقد يكون لمنع الشرع عن تصرفه تعبداً رغم صلاحيته ووجود المقتضي فيه، فيرتفع المانع برفع الشارع يده عن تعبده في بعض الصور كما في صورة كون المعاملة ابتلائية على ما سبق بيانه وكما في صورة فقدان الولي حتى الحاكم الشرعي فيكون أمره إليه مادام المقتضي موجوداً والولي مفقوداً مع عدم القول بوصول النوبة إلى فساق المؤمنين مثلاً أو مع فرض عدم تصدي أحد منهم، فقوله: (بل حجره لا محالة مستند إلى قصوره، وعدم قابليته لإيجاد التصرّف الذي يكون البالغ المدرك قابلاً له بأسبابه المشروعة)([5]) المبني على الحصر بين الأمرين كما هو صريح عبارته التي نقلناها في الدرس السابق، غير تام. والحاصل: ان للحجر أنواعاً وأسباباً، وما ذكره إنما هو نوعان منه فقط.
2- دعوى قصور الصبيان ذاتاً مخالفة للوجدان
ثانياً: ان قوله هذا (بل حجره...) وكذا قوله: (لقصور في أنظارهم وأفكارهم، وتمييز الصالح والأصلح عن غيرهما، لا لخصوصية في الأموال. فلا محيص عن حجرهم في مطلق التصرفات التي تترتّب عليها أحكام تكليفية أو وضعية – كالعقود والإيقاعات – لو صدرت من البالغين المدركين، سواء كانت في الأموال – لهم أو لغيرهم – أم في غيرها)([6]) مخالف للوجدان والضرورة؛ لبداهة ان كثيراً من الصبيان لا قصور في أذهانهم وأنظارهم وبداهة ثبوت القابلية لهم بل لا شك ان بعضهم أذكى وأفهم وأعرف بالمصالح والمفاسد في المعاملات من كثير من البالغين.
3- قصورهم إن كان علّة نَقَضَ كلامه
ثالثاً: ان قوله (بل حجره...) و(لقصور...) لا يخلو اما ان يكون حِكمةً أو يكون علّةً، فإن كان علّة، كما هو الظاهر من كلامه كله وكما هو مبناه، فإن الحكم يدور حينئذٍ مداره، فيكون استدلاله عليه لا له؛ إذ انه إذا أحرزت قابليته وتمييزه الصالح عن الأصلح وحسن نظره وفكره لزم ان تصح معاملاته وهذا مما ينقض كلامه من أوله إلى آخره، وإن كان حكمة صح ما ذكره من عدم صحة تصرفات الصبي وإن كان راشداً إذ سفهه، على هذا، حِكمة فلا تصح معاملاته حتى مع رشده كما في استبراء رحم الطالق المدخول بها فانه حكمةُ وجوب العدة لذا لو علمنا بعدم حملها لما سقطت العدة، لكنّ كونه حكمة هو ما أصرّ على نفيه في طول كلامه وعرضه فلاحظ.
4- مفاد الآية مغاير لما استفاده
رابعاً: ان الآية الكريمة لا يستفاد منها أبداً كونهم محجورين لقصور في أنظارهم وأفكارهم بل ظاهرها مدارية الرشد، ((فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ))، نعم غاية الأمر ان يستفاد منها محجوريتهم رغم رشدهم نظراً لعدم بلوغهم، ولكن هذا وإن صح لكنه مغاير لكلامه أولاً وثانياً: ان الآية تفيد محجورية غير البالغ (الراشد) عن الاستقلال بالتصرف لا عن التصرف مع الإذن؛ لما سبق من ان المفهوم هو نفس المنطوق ولكن على العكس منه في حُكمه وسلبه وإيجابه، وحيث ان ((ادْفَعُوا)) ظاهر في الدفع الاستقلالي فمفهومه (عدم الدفع لدى عدم الرشد) ظاهر في عدم الدفع الاستقلالي فيكون الدفع مع الاذن (وهو الدفع الآلي) غير مردوع عنه في الآية الكريمة.
وبذلك ظهر وجه الخطأ في قوله: (بل المستفاد...) بل الآية صريحة في عكسه وان مناطه ليس مناط حجر السفيه؛ إذ حجر السفيه إنما هو لسفهه، وأما حجر الصبي الراشد فهو لسفهه وعدم بلوغه وكون كل منهما كافياً في الحجر عنه لذا انيط رفع الحجر عنه بارتفاعهما معاً (بان يبلغ ويكون راشداً) ولا يكفي ارتفاع أحدهما (كارتفاع السفه مثلاً) عكس السفيه الذي يكفي ارتفاع سفهه في إرجاع سلطنته على أمواله.
والحاصل: ان الآية الكريمة تفيد، بمفهوم الشرط، عدم دفع المال إليه استقلالياً مادام غير بالغ أو غير راشد، لأنها أفادت بمنطوقها الدفع إليه إذا بلغ ورشد، استقلالياً، كما سبق، بل لو كان مناط حجر الصبي هو نفس مناط حجر السفيه وهو قصور نظره، كما قال، للزم كما سبق صحة تصرفاته لو لم يكن نظره قاصراً، إلا ان يقول بتعبد الشارع إيانا بقصور نظر الصبي، لكنه لا دليل عليه من الآية كما ان كلامه لا يوحي به. فتدبر.
بقي الكلام في ان فقه الآية يقتضي البحث عن أضلاعها الثلاثة([7]) (الابتلاء، إن لم يرشدوا لم تدفع إليهم أموالهم، إن رشدوا دفعت إليهم) وان صورها من حيث إرادة الآلية والاستقلالية فيها جميعاً أو بالاختلاف متعددة ومختلفة وسيأتي بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الحسن عليه السلام: ((عَلِّمِ النَّاسَ عِلْمَكَ وَتَعَلَّمْ عِلْمَ غَيْرِكَ فَتَكُونَ قَدْ أَتْقَنْتَ عِلْمَكَ وَعَلِمْتَ مَا لَمْ تَعْلَمْ)) (كشف الغمة: ج1 ص571).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) الميرزا محمد باقر الزنجاني، المكاسب، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم، ج2 ص14-15.
([4]) فيكون إذن الولي شرطاً، ومنعه (أو عدم إذنه) مانعاً.
([5]) الميرزا محمد باقر الزنجاني، المكاسب، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم، ج2 ص9.
([7]) مع قطع النظر الآن عن الضلع الرابع: شرطية البلوغ.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |