||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 83- من فقه الحياة: استبدال عناوين المحرمات بعناوين أخرى جذابة وبراقة

 156- مفردات ومصاديق مبادئ الاستنباط (3): علم البلاغة- علم اللغة- علم النحو – علم الصرف- علم المنطق

 317- (خلق لكم ما في الأرض جميعاً) 5 معجزة الاسعار في ادارة الاسواق وتوازنها

 52- (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا) إستباق الخيرات هو الطريق نحو الكمالات وفلسفة التوزيع الجغرافي لأصحاب الإمام المنتظر عج في آخر الزمن

 214- مباحث الاصول: الفوائد الأصولية (الدليل العقلي) (7)

 191- مباحث الاصول : (مبحث العام) (4)

 141- من فقه الحديث: قوله(عليه السلام): ((ما أمرناك ولا أمرناه إلا بأمر وسعنا ووسعكم الأخذ به))

 234- مقام التسليم والانقياد لولاة الأمر وأَبطال حول أمير المؤمنين (عليه السلام) (قيس بن سعد بن عبادة)

 بحوث في العقيدة والسلوك

 258- مباحث الأصول: بحث الحجج (حجية قول الراوي والمفتي والرجالي واللغوي) (5)



 الحسين المحمول عليه السلام على أجنحة الملائكة صريع على أرض كربلاء

 الإِمَامُ الحُسَينُ خَليفَةُ اللهِ وَإِمَامُ الأُمَّةِ

 تعلَّمتُ مِن الإِمامِ.. شرعِيَّةُ السُّلطةِ

 اقتران العلم بالعمل



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 310- الفوائد الأصولية: القصد (1)

 قسوة القلب

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة



  • الأقسام : 91

  • المواضيع : 4535

  • التصفحات : 28478147

  • التاريخ :

 
 
  • القسم : الظن (1442-1443هـ) .

        • الموضوع : 087-الاستدلال على العصمة، بإيداع المخصصات عندهم (عليهم السلام) فليست ظواهر كلامه (ص) حجة علينا! .

087-الاستدلال على العصمة، بإيداع المخصصات عندهم (عليهم السلام) فليست ظواهر كلامه (ص) حجة علينا!
السبت 8 شعبان 1443هـ



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(87)

موجز الآراء المتقابلة في حجية الظنون المتعلقة بالقرآن الكريم

وفي مقابل الرأي الذي نسبه المحقق الهروي (قدس سره) إلى المشهور من حجية كافة الظنون النقلية ولو كانت في غاية الضعف، تقع الآراء التالية:

أ- رأي الأخباريين بعدم حجية ظواهر الكتاب لأنها لم يقصد بها استفادة المراد منها بأنفسها بل بضميمة تفسير أهل الذكر.

ب- ورأي السيد صدر الدين (قدس سره) لم يعتبرها أصلاً ظواهر لكونها، أو لاحتمال كونها، من المتشابهات كما سبق تفصيله([1]).

الحكيم: حجية قوله (صل الله عليه واله) وفعله وتقريره بعد الرجوع للأئمة (عليهم السلام)

ج- ويقع رأي السيد محمد تقي الحكيم (قدس سره) الذي طرح رأياً جديداً في المسألة وهو عدم حجية حتى ظواهر كلام الرسول (صل الله عليه واله) إلا بعد الرجوع لعترته باعتبارهم مستودع علمه وكونهم الذين أحاطوا بخاصه وعامه وناسخه ومنسوخه.. الخ وهو (قدس سره) وإن طرح هذا الرأي في بحث كلامي يقصد به إثبات عصمة الأئمة (عليهم السلام) في تبليغ الأحكام، بل مطلقاً، لكن جوهر كلامه أصولي يطرح رأياً جديداً فيما نحن فيه.. وملخص كلامه مع بعض الإيضاح والتطوير وإعادة الترتيب في ضمن الحقائق التالية:

الأولى: أنه لا شك في أن قول الرسول (صل الله عليه واله) وفعله وتقريره، حجة، في تبليغ الأحكام.

الثانية: أن المنشأ العقلي للقول بعصمته (صل الله عليه واله) في التبليغ، هو حصول الوثوق بقوله (صل الله عليه واله).

الثالثة: أن نفس المنشأ يدعونا إلى القول بعصمته مطلقاً، إذ كثير من الناس إن لم يكن أكثرهم بل عامتهم يفقدون وثوقهم به في عدم خطئه أحياناً في إبلاغه الأحكام إذا وجدوه يخطئ في الأمور الإجتماعية والعائلية والشخصية، كحديث نهيه (صل الله عليه واله) عن تأبير النخل وتلقيحه مثلاً، على ما زعموه.

فهاتان المقدمتان كلاميتان، وستأتي مقدمة أخرى في آخر البحث كلامية أيضاً هي مقصده الأساس، ولكن ليس الكلام الآن معقوداً لأجلهما وإنما الكلام في بعض المقدمات الأصولية الآتية:

الرابعة: أنه (صل الله عليه واله) (كان يعتمد القرائن المنفصلة كاستعمال المخصصات والمقيدات لعموماته ومطلقاته والناسخ لبعض ما انتهى أمد مصلحته من أحكامه)([2]).

أقول: وعليه: فظواهرها لم تكن حين صدورها مرادة بالإرادة الجدية ولا تكون الإرادة الاستعمالية حينئذٍ مرآة لها.

قِلّة المطلعين على أقواله (صل الله عليه واله) وأفعاله وتقاريره

الخامسة: أن فعله وتقريره يشاركان قوله في أن المطلعين عليها كانوا قِلّة قليلة عادة، قال: (وطريقته في التبليغ كيف كانت؟ أكان يجمع الناس جميعاً عندما يريد أن يقول أو يفعل أو يقر أمراً يتصل بشؤون التشريع؟ وهل من الممكن له ذلك؟ وإذا أمكن أن نتصوره عندما يريد أن يبلغ من طريق القول فهل يمكننا تصوره عند الفعل أو الإقرار؟ أي إذا أراد أن يفعل شيئاً أو يقرّ، جَمَعَ الناس كلهم ففعل ما يريد فعله أو أقر ما يريد إقراره أمام الجميع؟ ستقول بالطبع: لا وإنما كان يبلغ على الطرق المتعارفة كأن يصدر الحكم أمام فرد أو فردين وهؤلاء يكونون الواسطة في التبليغ)([3]).

أقول: ويوضحه أنه (صل الله عليه واله) كان كثيراً ما يقضي بين اثنين، وقضاؤه حكم، فهل كان يستدعي الناس والرواة ليشهدوا ذلك، أم كان يكتفي بمن حضر وقد يكون واحداً لا أكثر بل قد لا يتواجد غير المتقاضيين؟، كما أنه (صل الله عليه واله) كثيراً ما كان يستفتيه شخص فيجيبه ومن البديهي أنه لم يكن يستدعي الناس عند كل فتوى، ليرووا عنه كلامه، وقد يكون الكلام الصادر منه حكماً عاماً أو مطلقاً، كما قد يكون الصادر منه مخصِّصاً أو مقيِّداً لعامٍّ أو مطلق.

ثم إنه (قدس سره) استشهد على النقطة الخامسة بكلام ابن حزم ("ولا خلاف بين كل ذي علم بشيء من أخبار الدنيا، مؤمنهم وكافرهم، أن النبي صلى الله عليه وآله كان بالمدينة وأصحابه مشاغيل في المعاش، وتعذر القوت عليهم لجهد العيش بالحجاز، وأنه صلى الله عليه وآله كان يفتي بالفتيا ويحكم بالحكم بحضرة من حضره من أصحابه فقط، وأن الحجة إنما قامت على سائر من لم يحضره صلى الله عليه وآله بنقل من حضره، وهم واحد أو اثنان" ويقول أيضاً: "وبالضرورة نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن إذا أفتى بالفتيا أو إذا حكم بالحكم يجمع لذلك جميع من بالمدينة هذا ما لا شك فيه، لكنه صلى الله عليه وآله كان يقتصر على من بحضرته ويرى أن الحجة بمن يحضره قائمة على من غاب، هذا ما لا يقدر على دفعه ذو حس سليم"([4]))([5]) واستنتج من ذلك الحقيقة التالية وهي:

السادسة: (وإذا كان حساب السنة هو هذا، سواء من حيث الإعتماد على القرائن المنفصلة، أو من حيث اُسلوب تبليغها، وهي لم تدوّن على عهده أو عهود الخلفاء من بعده، فهل يمكن اعتبارها مصدراً تشريعياً يجب الرجوع إليه؟)([6]) واستنتج من ذلك كله:

الفحص واجب لكنه كان متعذراً عادةً

السابعة: وعليه: يكون الفحص حينئذٍ واجباً دون شك فإن (على من لم يحضر أن يفحص عما يجده من الأحكام)، ولكن المشكلة هي في تعذر الفحص عادة كما قال:

الثامنة: أن الفحص كان متعذراً عادةً أو متعسراً جداً إذ (هب أنه وجد عاماً عند أحد الصحابة، واحتمل أن يكون له مخصص عند غيره، أو وجد حكماً واحتمل نسخه، أو مطلقاً واحتمل تقييده، فماذا يصنع إذ ذاك؟

قال: عليه الفحص من قبل بقية الصحابة.

قلت: كيف؟ والصحابة مشتتون؟ أيظل هذا السائل ـ وافترضه ممن دخل الاِسلام جديداً ـ يبحث عنهم حتى يستوعبهم فحصاً، وفيهم من هو في الحدود يحمي الثغور، وفيهم الحكام والولاة في البلاد المفتوحة بعيداً عن الحجاز، وفيهم المشتتون في قرى الحجاز وأريافها، وربما أنهى عمره قبل أن يصل إلى ما يريد؟!)([7])

التاسعة: أن الفحص في زمنه (صل الله عليه واله) إذا كان متعذراً أو متعسراً جداً فكيف بالفحص بعد زمنه فإنه (إذا امتنع استيعاب الفحص عن الصحابة مع قلتهم نسبياً، فهل يمكن ذلك بالنسبة إلى من أخذ عنهم، وهم أضعاف مضاعفة، وكثير منهم مجهول، وإذا جاز ذلك في عصر التابعين، فهل يجوز في العصور المتأخرة عنهم وكيف؟)([8])

ورتّب على ذلك:

فكيف يُلزم الناس بالرجوع للسنة وهي غير مجموعة يتعذر نيلها؟

العاشرة: (ألا ترى معي أنه ليس من الطبيعي أن يفرض على الاُمة ـ أية أمة ـ مصدر تشريعي يلزمون بالأخذ به، وهو غير مجموع ومدوّن ومحدد المفاهيم ليمكن أن تقوم الحجة به عليهم؟.

ثم هل يمكن لأية دولة متحضرة أن تعتبر تصرفات أحد حكامها قولاً وفعلاً وتقريراً في مدى حياته قانوناً يجب الرجوع إليه إلى جنب أحد قوانينها المدوّنة، مع أن هذه الأقوال والأفعال والتقريرات لا تقع إلا أمام أفراد محدودين وغير معروفين تفصيلاً، ولا الأحاديث التي جرت أمامهم معروفة، وهم لم يجمعوها بدورهم ولم ينسقوها، كأن يضعوا إلى جنب العمومات قرائن التخصيص مثلاً وهكذا)([9]).

ونضيف: إن إبلاع الأحكام لعامة الناس في هذا الزمن متيسر نسبياً عبر الجرائد والمجلات والإذاعات وعبر الكتب التي تسهل طباعتها بالألوف المؤلفة، ولكن ذلك كله كان مفقوداً في تلك الأزمنة، وكانت الطريقة المتداولة هي الإبلاغ الشفوي الذي عرفت ما فيه من الصعوبة، وأيضاً الإبلاغ عبر الكتب التي كانت تستنسخ، لكنّ ذلك كان صعباً جداً كما أن أكثر الناس لم يكونوا ممن يعرف القراءة والكتابة.

الصور الأربع، والحل في إيداعه (صل الله عليه واله) كل الحجج لدى الأئمة (عليهم السلام)

الحادية عشرة: ثم استنتج من ذلك كله أن النبي أودع كل المخصصات والمقيّدات والنواسخ.. إلخ لديهم (عليهم السلام) فلا يصح لنا أن نعتمد على ظواهر كلامه (صل الله عليه واله) بمجردها، بل لا تكون حجة إلا بعد الرجوع إليهم (عليهم السلام) قال:

إن (الصور المتصورة في المسألة أربعة، نعرضها ونختار أكثرها ملائمة للواقع العقلي والتأريخي.

الاُولى: أن نسقط السنة عن الحجية ونكتفي بالكتاب، وفي هذا محق للإسلام من أساسه، وأظن أن إخواني العلماء يؤمنون معي أن الكتاب وحده لا ينهض ببيان حكم واحد بجميع ما له من خصوصيات، فضلاً على استيعاب جميع الاَحكام، بكل ما لها من أجزاء وشرائط.

الثانية: أن نحمّل النبي صلى الله عليه وآله ـ وحاشاه ـ مسؤولية التفريط برسالته بتعريضها للضياع عندما لم يدونها، أو يأمر الصحابة بالتدوين والتنسيق.

الثالثة: أن نحاشي النبي صلى الله عليه وآله عن تعمد التفريط ونرميه بعدم العلم، وحاشاه بما ينتج عن إهماله التدوين من مفارقات، أيسرها ضياع كثير من الاَحكام الشرعية، نتيجة موت قسم من الصحابة حملة السنة، أو نسيانهم أو غفلتهم ـ وهم غير معصومين بالإتفاق ـ وهكذا، هذا بالإضافة إلى ما يسببه الفحص عن الأحكام من قبل المحتاجين إليها من المكلفين، من عسر وحرج بسبب تشتت الصحابة وتشتت رواتهم بعد ذلك، إن لم يكن متعذراً أحياناً.

الرابعة: أن نفترض له جمعها وتنسيقها وإيداعها عند شخص مسؤول عنها، عالم بجميع خصائصها ليسلمها إلى من يحتاج إليها من المسلمين، ثم يورثها من بعده لمن يقوى على القيام بها من بعده، كما ورثها هو، حتى تستوعب من قبل المسلمين تدويناً، ويسهل الإعتماد عليها من قبلهم، ولو بالطرق الإجتهادية.

فإذا اعتبرنا السنة ـ بحكم الضرورة ـ من مصادر التشريع ، ونزهنا النبي صلى الله عليه وآله عن الجهل والتفريط برسالته، تعيّن الأخذ بالفرض الرابع)([10]).

تأكيده (صل الله عليه واله) على الرجوع للعترة الطاهرة

الثانية عشرة: ثم استشهد على ذلك، إضافة للبرهان العقلي الآنف، بالروايات المسلمة فقال: (ومن هنا نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله ما كان مسوقاً بدوافع عاطفية، وهو يؤكد ويحث ويلزم بالرجوع إلى أهل بيته، بأمثال هذه النصوص، ((إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق))([11]). ((إن مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل، من دخله غفر له))([12]) ((إني تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفونني فيهما)).

وقوله في تحذيرهم، وهو يمهد لإعلان النص على الاِمام يوم الغدير: ((كأني دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، ثم قال: إن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي عليه السلام فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)).

وقوله ـ صلى الله عليه وآله في خصوص الاِمام علي عليه السلام ـ: ((علي باب علمي، ومبين لأمتي ما اُرسلت به من بعدي))([13]).

وقال له: ((أنت أخي ووارثي، قال: وما أرث منك؟ قال صلى الله عليه وآله: ما ورّث الاَنبياء من قبلي))([14]).

وفي رواية كنز العمال ((ما ورث الأنبياء من قبلي، كتاب ربهم وسنة نبيهم))([15]))([16]).

ثم استنتج النتيجة الكلامية.

البرهان العقلي النقلي على عصمة الأئمة (عليهم السلام)

الثالثة عشرة: (قلت: ما هو السر في التزامنا بعصمة النبي صلى الله عليه وآله؟

قال: أحدهم: سدُ فجوات الشك في أن ما يأتي به النبي صلى الله عليه وآله من قول أو فعل أو تقرير فإنما هو من الله عز وجل، لا مجال فيه لرأي أو شبهة أو سهو أو غفلة أو تعمد كذب.

قلت: فإذا افترضنا أن أهل البيت عليه السلام كانوا هم الأمناء على السنة وهم ورثتها بمقتضى هذه الأحاديث، ونحن مأمورون بالرجوع إليهم باعتبارهم الورثة لها، أفلا ترون أن الباعث الذي دعانا إلى الإلتزام بعصمة النبي صلى الله عليه وآله ما يزال قائما بالنسبة إليهم، وهو سدُ فجوات الشك في أن ما يؤدون إنما هو السنة الموروثة، لا آراؤهم الخاصة، ولا ما ينتجه الخطأ والنسيان والسهو وتعمد الكذب.

وإن شئتم أن تقولوا: إن فكرة الإمامة امتدادٌ لفكرة النبوة وبقاءٌ لها باستثناء ما يتصل بعوالم الإتصال بالسماء من طريق الوحي، فإذا احتاجت النبوة لأداء أغراضها ـ بحكم العقل ـ إلى تحصينها بالعصمة، احتاجتها الإمامة لنفس السبب ما دامت الإمامة امتداداً لها من حيث أداء الوظائف العامة كاملة، وأهمها تبليغ السنة وإيصالها إلى الناس.

على أنا في غنى عن هذا النوع من الإستدلال بالعودة بكم إلى مضمون نفس هذه الأحاديث، ليكون استدلالنا بالسنة نفسها على عصمة أهل البيت عليهم السلام بدلاً من دليل العقل، ولنختر من هذه الأحاديث ما فيه تعميم لجميع أهل البيت عليهم السلام كحديث السفينة أو الثقلين)([17]) ثم أسهب (قدس سره) في الإستدلال بحديث الثقلين على عصمتهم (عليهم السلام) وأضاف بعد كلام مطول (قلت: أسألك إذا صدر الذنب من العبد، أو سها عن أحد الأحكام، مثلاً، فهل هو متفق في حالة سهوه أو عصيانه مع الكتاب، أو مفترق عنه؟.

قال: بل هو مفترق، لأن الإلتقاء لا يكون إلا مع التوافق والإنسجام بين الحكم المتبنى في الكتاب، والسلوك الذي صدر عنه، ومع المخالفة ـ مهما كان شأنها ـ لا إنسجام بينها ولا وفاق.

قلت: وأضيف إلى ما تفضلتم به: أن السهو والغفلة وإن أوجبا لأصحابهما المعذرية شرعاً، إلا أنهما لا يمنعاه من صدق الإفتراق، لأن الإفتراق المعنوي كالإفتراق الحسي، مداره ابتعاد أحدهما عن الآخر، فالشخص الذي يُقسر على ترك صديقه والإبتعاد عنه يصدق عليه الإفتراق عنه، وإن كان معذوراً في مفارقته، وهكذا من يخالف الكتاب.

وإذا صح هذا، عدنا إلى تذكر ما سبق أن اتفقنا عليه، من مفهوم العصمة التي أوجبناها للنبي صلى الله عليه وآله بحكم العقل، وهي استحالة صدور الكذب أو الخطأ أو السهو عليه، في مقام التبليغ، لنسأل على ضوئه هل يجوز وقوع افتراق العترة عن الكتاب لأي سبب كان، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله عن عدم وقوعه بمفاد لن التأبيدية ((لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)).

قال: أحدهم وما في ذلك من محذور؟

قلت: أليس في تجويز وقوع الإفتراق عليهما تجويز للكذب أو السهو على الرسول صلى الله عليه وآله الذي أخبر عن عدم الإفتراق ـ وهو في معرض التبليغ لإلزامه صلى الله عليه وآله بالتمسك بهما، وهو ما سبق أن اتفقنا على منافاته لعصمة النبي صلى الله عليه وآله، فأهل البيت عليهم السلام إذن بمقتضى هذا الحديث معصومون، وبخاصة فقرته الأخيرة.

وما يقال عن هذا الحديث يقال عن حديث السفينة وباب حطة والكثير من نظائرهما)([18]) وسيأتي غداً رأي المحقق النائيني في المسألة، ثم سنناقش بعض كلامهما (قدس سرهما).

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً اجْتَرَّ مَوَدَّةَ النَّاسِ إِلَى نَفْسِهِ فَحَدَّثَهُمْ بِمَا يَعْرِفُونَ وَتَرَكَ مَا يُنْكِرُونَ)) (الخصال: ج1 ص25).

 

________________________________________


([1]) يراجع الدرس (86) وأيضاً فرائد الأصول ج1 ص154.

([2]) الإيمان مجلة دينية تاريخية أدبية، العدد التاسع والعاشر من السنة الأولى عام 1384هـ ق، مطبعة القضاء في النجف الأشرف، ص20.

([3]) المصدر.

([4]) تمهيد لتأريخ الفلسفة الإسلامية لمصطفى عبد الرزاق ص132 نقلاً عن الإحكام في اُصول الأحكام لابن حزم، ص114.

([5]) الإيمان مجلة دينية تاريخية أدبية، العدد التاسع والعاشر من السنة الأولى عام 1384هـ ق، مطبعة القضاء في النجف الأشرف، ص20-21.

([6]) المصدر: ص21.

([7]) المصدر.

([8]) المصدر: ص21-22.

([9]) المصدر: ص22.

([10]) المصدر: ص22-23.

([11]) مجمع الزوائد : ج ۹ ص ۱٦۸ ، الصواعق المحرقة : ص ۱٥۲ .

([12]) مجمع الزوائد : ج ۹ ص ۱٦۸ ، الصواعق المحرقة : ص ۱٥۲ .

([13]) تراجع هذه الأحاديث وعشرات أمثالها في كتاب المراجعات وفي موسوعة الغدير.

([14]) المراجعات ص215.

([15]) السقيفة للمرحوم الحجة المظفر ص49 ط2.

([16]) الإيمان مجلة دينية تاريخية أدبية، العدد التاسع والعاشر من السنة الأولى عام 1384هـ ق، مطبعة القضاء في النجف الأشرف، ص23-24.

([17]) المصدر: ص24-25.

([18]) المصدر: ص28.

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : السبت 8 شعبان 1443هـ  ||  القرّاء : 3049



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net