192- دعوى القوانين بانسداد باب العلم في المعارف ــ الجواب : لا انسداد ، وتصنيف مسائل اصول الدين الى اربعة اصناف
الاحد 2 صفر 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ملخص ما تقدم
كان البحث حول الدليل الرابع وهو الاجماع المدعى على وجوب الاجتهاد في اصول الدين, والاجماع المحصل على وجوب المعرفة، وذكرنا ان صاحب القوانين استشكل على الاجماع بوجوه عديدة، وهو اشكال على ادلتهم في الوقت نفسه فلوالدين او كثير من مسائله ولكثير من المكلفين.
الاشكال الاول:القدرة شرط عقلي
وقد أشرنا إلى اشكاله الاول، وهو عدم الامكان ؛والقدرة شرط عقلي للتكليف وحيث ان تحصيل العلم في اصول الدين ممتنع في كثير من مسائله فلا تكليف، ونص عبارته(فان دعوى الاجماع على وجوب العلم لكل المعارف ولقاطبة المكلفين ممنوعة، اما اولا فلان من المشاهد المعاين انه لا يمكن تحصيل العلم في كثير منها)اي ان باب العلم منسد فيها، ومن المعلوم ان صاحب القوانين في (الفقه) انسدادي، فيبدو ان الروح الانسدادية قد سرت ولو في الجملة إلى العقائد وعلم الكلام.
توجيه صاحب القوانين للاطلاقات والعمومات
وحيث انه قد يستشكل على صاحب القوانين: بان الآيات والروايات عامة او مطلقة بوجوب تحصيل العلم فأجاب عن هذا الإشكال المقدر بانه لابد من تأويلها او تخصيصها,ونص عبارته(فكل ما ورد من اية او خبر في ذلك) عاما كان او مطلقا (فهي مخصصة)ووجه التخصيص هو عدم القدرة، والقدرة من الشرائط العامة للتكليف اذن هي مخصصة بغير المعارف التي يعجز المكلف عن تحصيل العلم فيها، ولعلها الاكثر، اي هي خاصة بالقلة القليلة من المعارف التي ينفتح فيها باب العلم (او مؤولة بالجزم) اي ان المقصود من العلم في مثل قوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) هو: اقطع او اجزم، وليس المراد اعلم بمعناه الحقيقي، اي ليس المراد المعنى الحقيقي لاعلم,وذلك لأن صاحب القوانين يبني على تغاير العلم عن الجزم والقطع فان الجزم يعني البت بالامر طابق الواقع او لم يطابق،اما العلم فلا يطلق الا على الجزم المطابق للواقع، وهذا تفصيل لصاحب القوانين الجأه اليه الاضطرار؛فانه وإن كان خلاف الظاهر لكنهلا بد منه ولا مناص من ان نؤول كلمة (اعلم)ونظائرها الواردة في القران في أكثر المعارف، بـ(اجزم)، لأن العلم غير مقدور عليه في أكثرها، بل قد يقال بكلمات على ما يظهر من كلام آخر له في موضع آخر لأن العلم يعني الجزم المطابق، والمطابقة غير مقدورة فانني استطيع ان اتصرف بحالاتي النفسية عبر المقدمات المعرفية، لكن مطابقة الصورة الذهنية للواقع ليس مقدوراً لي فلايعقل ان يكلفني به الشارع، هذا توضيح لكلامه ههنا وفي موضع آخر وسيأتي النقاش فيه.
والحاصل: انه يقول (فهي مخصصة او مؤولة بالجزم)ثم انه يترقى بالتنازل الانسدادي(او القدر المشترك بين الظن والجزم)، وذلك بناء على انه حتى الجزم في كثير من الاحيان غير ممكن،إذ كثيراً ما لا يصل المحقق والباحث إلى الجزم في مسائل العقائد فعلى هذا فإن قوله تعالى: (اعْلَمُوا) أو (اعلم) يعني حصِّل الجامع بين الجزم والظن، والجامع هو نوع من الكاشفية– ولو المتوهمة - سواءً اكان الكشف تاما او ناقصا.
تقييم لتوجيه صاحب القوانين
وهذا التأويل جدا بعيد,إذ أن نحمل العلم على الجزم، قريب؛ لكن ان نحمله على ما يشمل الظن فهذا جدا بعيد، اي ان نحمل العلم على الجزم والظن اي الجامع بينهما,لكنه صار إليه اضطراراً، لكن سنثبت ان لا اضطرار ولا ضرورة للتأويل(او القدر المشترك بين الظن والجزم) بل نقول: هذا غير مقدور أيضاً فكيف يكلف به؟(فكيف يكلف به سيما لقاطبة المكلفين) ولعل ظاهره ان بعض المكلفين غير قادر فكيف بالكل؟,مما يعني انه ينفي امكان حصول العلم حتى للاوحدي في كثير من اصول الدين، وهذه دعوى جدا ثقيلة, فلابد من التوقف عندها، ولا يخفى ان هذا الانسداد اسوء من الانسداد في الفقه.
هذا هو الاشكال الاول لصاحب القوانين والنقاش فيه متوقف على بيان مقدمتين:
عناوين ثلاثة: العلم والجزم والاصابة
المقدمة الاولى، اشرنا لها في ضمن شرح كلامه والان نفردها بعنوان خاص : ان هنا ثلاثة عناوين يمكن ان يقع البحث في ان ايا منها هومصبّدعوى وجوب المعرفة
العنوان الاول هو:(العلم) فهل يجب العلم بالله وبتوحيده وعدله وغيرها؟.
العنوان الثاني هو:(القطع) او الجزم.
العنوان الثالث هو:(الاصابة واللا اصابة)، وهنا نقطة اشكال اساسية على كلام صاحب القوانين كما سيأتي توضيحه : ان العلم امر والاصابة امر اخر، لأن الاصابة امر ينتزع من مطابقة الصورة الذهنية لذيها اي (مطابقة عالم الاثبات والوجود الذهني لعالم الثبوت والوجود العيني أو فقل مطابقة التصديق للواقع المصدق به)والاصابة غير مقدورة لأنها امر انتزاعي مثل زوجية الاربعة,والامور الانتزاعية التكوينية ليست في محيط قدرة الانسان، هذه المقدمة الاولى وسيأتي مزيد توضيح لها والجواب عنها، والحاصل: انه هل نحن مكلفون بالعلم؟هذا احتمال وهو ما نذهب اليه,وهل نحن مكلفون بالجزم او الاعم من الجزم والظن؟وهذا هو ما ذهب اليه صاحب القوانين هنا, ام نحن مكلفون بالاصابة وبالعلم بالاصابة؟ وهو احتمال ثالث وسننفيه بوجه وسنثبته بوجه اخركما سيأتي.
تصنيف رباعي لمسائل اصول الدين
المقدمة الثانية: وهي مقدمة موضوعية لها من القيمة ما لها، ونشير لها بمقدار موطن البحث، وبحسب الاستقراء الناقص ان هذا التصنيف المبدئي، لمسائل اصول الدين و مسائل علم الكلام بشكل عام، ضروري جداً، لجهات عديدة، ومنهالكي نحدد مصبّ اشكال صاحب القوانين اين هو؟، وبتصورنا ان علم الكلام والعقائد ينبغي ان يصنف إلى هذه الاقسام الاربعة، ولعل المتأمل يكتشف تصنيفا ادق ولعله يرى قسما خامسا، كما لا يبعد.
نقول مبدئيا ان مسائل اصول الدين تنقسم إلى اربعة مراتب متسلسلة حسب درجة اهميتها
القسم الاول:نعبر عنه باصول الاصول او قل الاصول الاصلية.القسم الثاني:نعبر عنه بالاصول الفرعية.القسم الثالث:نعبر عنه بفروع الاصول.
القسم الرابع:يمكن ان نعبر عنه باللواحق أو فروع الفروع.
اهمية التقسيم الرباعي
وهذا التقسيم بحسب الاستقراء الناقص غير مذكور لكنه ضروري لجهات عديدة، نذكر منها:
الوجه الاول:لضرورة التدرجية في التعليم على حسب درجات الاهمية، فان الانسان في كل علم عليه ان يبدأ بالاهم فالأهم, وعلم اصول الدين هو اهم العلوم على الإطلاق لارتباطه بالسعادتين الدنيوية والاخروية,ففي مقام التعليم علينا ان نصنف اصول الدين فنبدأ بالاهم, وهو القسم الاول الذي عبرنا عنه بالاصول الاصلية ونختم بالقسم الرابع الذي عبرنا عنه باللواحق، وان كانت هي من اهم المسائل الشرعية ولكنها هوامش بالنسبة للاصول الاصلية.
الجهة الثانية: لضرورة افراغ الذمة عن الواجب الأهم فالأهم، وهذا شامل للمجتهد فانه حتى المجتهد مبتلى ومكلف بلزوم الالتفات إلى هذا التقسيم فانه لو ذهبنا إلى وجوب الاجتهاد في اصول الدين كما ذهب اليه المشهور وادعى عليه الاجماع، فان الواجب وحسب هذا التقسيم ان يبدأ المكلف بالقسم الاول ثم الثاني ثم الثالث فالرابع إن خشي الفوت، بالانشغال باللاحق.
وحيث ان هذا التصنيف غير واضح لذلك كثيرا ما يحدث في ذهن المكلف تشوش فينشغل بتحقيق مسألة من الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة ويترك مسائل الدرجة الاولى مثلاً,والحاصل: ان المكلف عليه ان يبدأ بالاصول الاصلية ثم الفرعية ثم بفروع الاصول ثم اللواحق او عبر عنها بفروع الفروع.
ولا بد من توضيح الاصناف الأربعة بأمثلة ونماذج لنحدد موضع النزاع مع صاحب القوانين وانه ينكر اي قسم منها أو كلها؟ لانه يدعي الانسداد فلا بد ان يحدد الانسداد المقصود وانه في صنف من اصناف مسائل علم الاصول الاربعة؟.
(التوحيد) من الصنف الاول
اما الصنف الاول: وهوالاصول الاصلية فامثلته واضحة كوجود الله ووحدانيته وكذلك اصل المعاد ويفترق عن الصنف الثاني في ان منكر الاول لا كلام انه كافر اما منكر الصنف الثاني ففيه كلام، والنقاش يترك لمحاله.
(العدل) و(جسمانية المعاد)من الصنف الثاني
الصنف الثاني:الاصول الفرعية مثل مسألة جسمانية المعاد، ونحن نقول انه جسماني دون شك وان متواتر الروايات وقبلها الآيات تدل على ذلك لكن هل منكر جسمانية المعاد كافر؟ خلاف بين الاعلام، لكندرجة تصنيف هذا المعتقد تقع بعد درجة تصنيف اصل المعاد، ولا ندخل الآن في النقاش الصغرويلكن نشير فقط إلى درجة التصنيف لنرى ان تكليفنا في الاجتهاد أولاً بماذا؟ فنقول اولا هل يوجد معاد ام لا ؟وبعد ثبوته نقول هل هو جسماني ام روحاني فقط؟.
ومن الصنف الثاني، أيضاً,(عدل الله) على البحث فيه وانه هل هو من الصنف الاول وان منكر عدل الله كافر ام هو من الصنف الثاني؟
وكذلك (الامامة)، فهل هي من القسم الاول فمنكرها كافر وقد التزم به بعض او من الصنف الثاني فمنكرها غير شيعي وان كان مسلما، او فيه تفصيل فتجري عليه الاحكام الظاهرية، فاذاً هذا بحث في غاية الاهمية.
القضاء والقدر والبداء من الصنف الثالث
الصنف الثالث: هو فروع الأصول مثل (القضاء والقدر) فهو من فروع الاصول احتمالا ، وبحث(البداء) احتمالا,واما الاعتقاد بـ(الاعراف)، فهل ندرجه في القسم الرابع او في القسم الثالث؟ وهذا يحتاج إلى بحث كلامي قال تعالى: (وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ) فان الجنة والنار هما المصداقان البارزان للمعاد من الصنف الاول، لكن الاعتقاد بالاعراف بما هو هومن أي صنف ودرجة؟ نعم لا شك انه قد دل عليه القران الكريم لكن ليس كل ما دل عليه القران هو بدرجة واحدة فقد ذكرت فيه واجبات ومستحبات، كما ان الواجبات درجات،والاعراف ليس بدرجة التوحيد، فلو انكر شخص (الاعراف) من غير ان يرجع إلى انكار القران الكريم اي انكار الضروري، فما حكمه ؟فهل هو خارج عن الاسلام ام الايمان ام لا هذا ولا ذاك؟
بعض تفاصيل البرزخ من الصنف الرابع
الصنف الرابع:فروع الفروع اواللواحق مثل تفاصيل البرزخ ومنها ان القسم الاكبر من الناس يُلهى عنه، فمن محض الايمان محضا فيبشره مبِّشر وبشير، وليس منكر ونكير، ومن محض الكفر محضا سيبتلى بمنكر ونكير، والقبر روضة من رياض الجنة لأولئك، وحفرة من حفر النيران لهؤلاء، اما اكثر الناس فلا هذا ولا ذاك بل يلهى عنهم، مثل المغمى عليه، فهذه المسألة في اي دائرة تندرج؟الظاهر انها من الدرجة الرابعة
هذه هي المقدمة الثانية وان المسائل الكلامية والاعتقادية، يجب ان تصنف إلى هذه الدرجات الاربعة وينبغي على ان المجتهد ان يستفرغ وسعه اولا في الدرجة الاولى فاذافرغ فإلى الدرجة الثانية ثم إلى الثالثة ثم الرابعة، ولا يحق له شرعا,لو احتمل فوات الوقت ان ينشغل بالادنى قبل ان ينشغل بالاعلى,وبعد تمهيد ذلكنحاجج صاحب القوانين في انه يدعي الانسداد في اي قسم من هذه الاقسام؟ وللحديث صلة
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
الاحد 2 صفر 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |