||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 323- من فقه الحديث الشريف: الكذب يهدي الى الفجور

 226- مباحث الاصول (الواجب النفسي والغيري) (1)

 دراسة في كتاب "نسبية النصوص والمعرفة ... الممكن والممتنع" (15)

 394- فائدة فقهية: حكم حضور المرأة الصلاة على الجنازة

 111- بحث اصولي قانوني: ضرورة تأصيل المصطلحات

 الحوار الفكري

 420- فائدة أصولية: الأصل الفوقاني في المعاملات

 318- الفوائد الأصولية: الحكم التكليفي والحكم والوضعي (5)

 121- آفاق و ابعاد الرسالة الالهية في البراءة من اعداء الله

 241- حاكمية عالم الاشياء على الامم المتخلفة ومحورية الرسول (صلى الله عليه وآله) والآل (عليهم السلام) لعوالم الافكار والقيم



 الحسين المحمول عليه السلام على أجنحة الملائكة صريع على أرض كربلاء

 الإِمَامُ الحُسَينُ خَليفَةُ اللهِ وَإِمَامُ الأُمَّةِ

 تعلَّمتُ مِن الإِمامِ.. شرعِيَّةُ السُّلطةِ

 اقتران العلم بالعمل



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 91

  • المواضيع : 4532

  • التصفحات : 28063487

  • التاريخ :

 
 
  • القسم : الطهارة (1446هـ) .

        • الموضوع : 001- ثمرة البحث في الحقيقة الشرعية في معنى (الطهور) .

001- ثمرة البحث في الحقيقة الشرعية في معنى (الطهور)
الاحد 11 ربيع الأول 1446هـــ



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(1)


بحث عن الحقيقة الشرعية في الطهارة وغيرها
قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (سورة الفرقان: 48)، و{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ}      (سورة الأنفال: 11)، وقال: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (سورة البقرة: 222)، وقال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (سورة المدثر: 4).
وفي صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام): (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ التُّرَابَ طَهُوراً كَمَا جَعَلَ الْمَاءَ طَهُوراً)[1] واستفاض قوله (عليه السلام) (الماء يطهِّر ولا يطهَّر)[2].
وقد وقع الكلام بين الفقهاء في (الحقيقة الشرعية) كبرىً وفي الطهارة بمشتقاتها صغرىً:


الأقوال في الحقيقة الشرعية
وموجز الكلام في الكبرى، بما ينفع في تنقيح حال صغرى المقام، أن القوم اختلفوا في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمها على أقوال: قول بإثباتها مطلقاً وهو المنقول عن القدماء بل نقل عنهم الاتفاق عليها، وقول بنفيها مطلقاً وهو المنقول عن المتأخرين[3] وأقوال أخرى: بالتفصيل بين العبادات فنعم والمعاملات فلا، والتفصيل بين العبادات بثبوتها فيما يكثر دورانه، كالصلاة والصوم والزكاة والوضوء دون ما قلّ، مع العدم مطلقاً في المعاملات، وبالتفصيل بين زمان النبي (صلى الله عليه وآله) فلا، وزمان الصادقين عليهما السلام فنعم[4].
ونضيف: التفصيل بين أوائل زمان النبي (صلى الله عليه وآله) فلا، وأواخره وزمان الأمير (عليه السلام) فصاعداً فنعم.
والمستظهر تفصيل آخر كما سيأتي.
لكنّ المجدد الشيرازي أرجع التفاصيل كلها إلى قولين، ومحصل كلامه حمل كلام المطلقين على المفصلين، لا العكس، وحيث ان البحث ليس معقوداً إلا للإشارة الإجمالية بما ينفع مورد الكلام، لذلك لا نتوقف عند ذلك.

مثال تطبيقي: هل للطهور والكنز حقيقة شرعية؟
ومما يقع فيه البحث[5] (الطهارة) نظراً لورود الطهور والتطهر ونظائرهما في الكتاب والسنة كما سيأتي.
ومن الأمثلة الطريفة (الكنز) فقد ورد قوله تعالى: (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)، إذ وقع الخلاف قديماً في كون المراد منه المعنى اللغوي أو المعنى الشرعي، وتفصح عن ذلك رواية القمي[6] في تفسيره عن حوار أبي ذر مع كعب الأحبار وفيها: (ونظر عثمان إلى كعب الأحبار فقال له: يا أبا إسحاق ما تقول في رجل أدّى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك؟ فقال: لا ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شئ!
فرفع أبو ذر عصاه فضرب بها رأس كعب وقال: يا بن اليهودية المشركة ما أنت والنظر في أحكام المسلمين، قول الله عز وجل أصدق من قولك حيث قال: (الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم إلى قوله فذوقوا ما كنتم تكنزون)[7].
إذ قد يقال: إن الظاهر منه أن أبا ذر كان لا يقول بالحقيقة الشرعية في الكنز وانه حتى إذا أدى زكاة ماله، فإن تكدس الثروة والذهب عنده، محرم لأنه كنز عرفاً ولغةً (مطلقاً أو إذا وضعه في خزانة مقفلاً عليها أو هو خاص بما إذا دفنه في الأرض) فهو مشمول للآية الكريمة وأما كعب الأحبار فالظاهر انه كان يقول بالحقيقة الشرعية وأنّ الإنسان إذا دفع الزكاة الواجبة، فلا يصدق عليه انه قد كنز ماله وان بنى بيته لَبِنةً من ذهب وأخرى من فضة[8].
وبذلك وغيره مما سيأتي تظهر الثمرة في بحث تحقق الحقيقة الشرعية وعدمها في أمثال هذه العناوين والموضوعات.

الكفاية: ثمرة القول بالحقيقة الشرعية
ثم ان المحقق الخراساني (قدس سره) ذهب إلى ثبوت الثمرة بين القول بالحقيقة الشرعية وعدمها فقال في الكفاية: (وأما الثمرة بين القولين ، فتظهر في لزوم حمل الألفاظ الواقعة في كلام الشارع بلا قرينة على معانيها اللغوية مع عدم الثبوت ، وعلى معانيها الشرعية على الثبوت ، فيما إذا علم تأخر الاستعمال ، وفيما إذا جهل التاريخ ، ففيه إشكال)[9].

النائيني: لا ثمرة إذ الحقيقة المتشرعية مرآة الشرعية
لكن المحقق النائيني (قدس سره) أشكل، بحسب مصابيح الأصول قال: (وقد أنكر شيخنا الاستاذ (قدس سره)[10] وجود الثمرة في هذا البحث بعد أن سلم بوجودها كبروياً، وذلك بإنكارها من حيث الصغرى، إذ ليس لنا مورد يشك في المراد الاستعمالي فيه، لاحتفاف جميع الموارد بالقرينة العامة التي تدل على إرادة المعاني المستحدثة، باعتبار أنه في زمان الصادقين عليهما السلام قد أصبحت هذه الألفاظ تدل على المعاني الجديدة، فمع التنزل عن ثبوت الحقيقة الشرعية فلا أقل من كونها حقائق متشرعية في أزمانهم عليهم السلام: أما ما ورد عن لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحكمه حكم ما يرد عنهم إذا ورد من طريقهم، وما ورد من طريق غيرهم فهو خارج عن محل ابتلائنا ليصلح أن يحقق الثمرة لهذا البحث.
وما أفاده (قدس سره) متين جداً، وعليه فالثمرة منتفية لهذا البحث)[11].
وحاصله: ان الحقيقة المتشرعية زمان الصادقين (عليهما السلام) مرآة للحقيقة الشرعية زمان الرسول (صلى الله عليه وآله)، وكذا عدمها زمنهما (عليهما السلام) امارة عدمها زمنه (صلى الله عليه وآله) فيما روياه عنه، فإذا نقل أحدهما (عليهما السلام) عنه (صلى الله عليه وآله) حديثاً فيه أمر بالصلاة أو الصوم أو الحج أو الوضوء فإنه حيث كانت هذه ونظائرها حقائق في زمانهما (في معانيها المخترعة) فإن نقلهما (عليهما السلام) عنه (صلى الله عليه وآله) دون تنبيه على اختلاف المصطلح دليل على انه هو هو وإلا للزم الإغراء بالجهل.

مناقشات مع المحقق النائيني
ولكن قد يناقش كلامه (قدس سره) بوجوه:
الأول: إنّ نفي الثمرة إن تم فإنما يتم في أحاديثهما التي نقلاها عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ولكنها لا تتم في الآيات الشريفة التي وردت فيها الألفاظ المختلف فيها كالآيات مورد البحث وآية الكنز وغيرها.
نعم يمكن أن يعمم وجهُ كلامه أو يتمم ليشمل الآيات الكريمة إذا استند إليها الإمام (عليه السلام) في إثبات حكم أو نفيه، فتأمل.
الثاني: ان كلامه (قدس سره) إنما يصح لو كان المصطلح زمن النبي (صلى الله عليه وآله) أعم والمصطلح في زمن أحدهما (عليهما السلام) أخص، دون العكس.
 وعلى سبيل المثال فإن لفظ (كَرِه) قيل بانه كان حقيقة في التحريم لكنه الآن ظاهر في الكراهة بالمعنى الأخص القسيم للحرمة أو في الأعم، (ولعل منشأ الاختلاف هو أن كره تقع مقابل أحب كما تقع مقابل أراد، فعلى الأول فهي ظاهرة في الكراهة، مقابل التحريم، أو في الأعم، أما على الثاني فهي ظاهرة في الحرمة، أو لعله: لأن الكره يأتي بمعنى الإباء والمشقة كما قاله ابن سيده و(أبى كذا) ظاهر في الحرمة وأما (شق عليه كذا) فهو أعم.
فلو كان لفظ كره في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يراد به الأخص (كما فيما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لِي سِتَّ خِصَالٍ ثُمَّ كَرِهْتُهُنَّ لِلْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ بَعْدِي: الرَّفَثَ فِي الصَّوْمِ‌...)[12]، وكقوله (صلى الله عليه وآله): (إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ كَرِهَ لَكُمْ أَشْيَاءَ اَلْعَبَثَ فِي اَلصَّلاَةِ وَ اَلْمَنَّ فِي اَلصَّدَقَةِ وَ اَلرَّفَثَ فِي اَلصِّيَامِ وَ اَلضَّحِكَ عِنْدَ اَلْقُبُورِ وَ إِدْخَالَ اَلْأَعْيُنِ فِي اَلدُّورِ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَ اَلْجُلُوسَ فِي اَلْمَسَاجِدِ وَ أَنْتُمْ جُنُبٌ)[13] بناءً على إرادة الحرمة، وما خرج خرج بالدليل، وكذا قول أمير المؤمنين: (إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين)[14] وروى الصادق (عليه السلام) (قال الرسول (صلى الله عليه وآله) (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ أَرْبَعاً وَ عِشْرِينَ خَصْلَةً وَ نَهَاكُمْ عَنْهَا كَرِهَ لَكُمُ الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ...)[15]، وروى الكاظم (عليه السلام) (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبْغِضُ الْقِيلَ وَالْقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)[16].
وكان في زمن الصادقين (عليهما السلام) يراد به الأعم، لما اضرّ نقله (عليه السلام) عنه (صلى الله عليه وآله) دون إلفات لاختلاف المصطلحين لأن المحرم مكروه على أي تقدير، ولا يلزم على الإمام (عليه السلام) بيان الحرمة في نفس المجلس، إذ يصح منه أن يبيّن الكراهة وإن أفادت الأعم، على أن يبيّن، بمنفصلٍ، الحرمة، لكون دأبهم (عليهم السلام) على المنفصلات بل وتفكيك الإرادة الجدية عن الاستعمالية.
نعم، لا عكس أي لو كان المصطلح زمن النبي (صلى الله عليه وآله) أعمياً وزمن الصادق (عليه السلام) أخصيا لما صح أن تُنقل الكراهة عنه (صلى الله عليه وآله) دون بيان، لأنه موهم لقوله (صلى الله عليه وآله) بالتحريم، ولعل من أمثلته ما عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إِنَّ اَللَّهَ كَرِهَ اَلْكَلاَمَ بَيْنَ اَلْأَذَانِ وَاَلْإِقَامَةِ فِي صَلاَةِ اَلْغَدَاةِ حَتَّى تُقْضَى اَلصَّلاَةُ وَنَهَى عَنْهُ)[17]، إلا إذا كان المصطلح زمنه (صلى الله عليه وآله) أعمياً لكنه (صلى الله عليه وآله) أراد منه الحرمة بقرينة متصلة أو منفصلة واختفت القرينة مثلاً.
الثالث: انّ قوله (وما ورد من طريق غيرهم...) قد يورد عليه: أن الحجة من الروايات ليس هو الصحيح فقط بل والموثق والحسن أيضاً، وما ورد من طريق غيرهم (عليهم السلام) إن كان رواية ثقة فهو حجة فهو مورد ابتلائنا في بحث الحقيقة الشرعية، اللهم إلا أن يريد (قدس سره) نفى الصغرى مطلقاً وانه لا يوجد خبرٌ واردٌ من طريقهم (عليهم السلام) وقد تضمن احدى الألفاظ المختلف في كونها حقيقة شرعية إلا وقد ورد مثله عن طريقنا فانتفت الحاجة إلى بحث ما ورد من طريق العامة، إذ ما ورد من طريقنا عنهما (عليهما السلام) مرآة لما ورد عنه (صلى الله عليه وآله).

أسئلة:
كيف نجمع بين ظاهر كلام أبي ذر وفتوى العلماء بعدم حرمة الكنز إذا دفع زكاته والحقوق الواجبة؟ وهل كلام أبي ذر حظي بتقرير الإمام علي (عليه السلام)؟.
ما هي الحقيقة ما قبل شارعية؟ وما فرقها عن الحقيقة الشرعية؟

الملحق:
وتمام الرواية كما في تفسير علي بن إبراهيم هو: (وأما قوله‌ وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ‌ الآية
وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي أَبِي ذَرٍّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ‌ وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ لَمَّا أَمَرَ عُثْمَانُ بِنَفْيِ أَبِي ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ وَكَانَ عَلِيلًا مُتَوَكِّئاً عَلَى عَصَاهُ وبَيْنَ يَدَيْ عُثْمَانَ مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ- قَدْ حُمِلَتْ إِلَيْهِ مِنْ بَعْضِ النَّوَاحِي- وَأَصْحَابُهُ حَوْلَهُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَطْمَعُونَ أَنْ يَقْسِمَهَا فِيهِمْ- فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لِعُثْمَانَ مَا هَذَا الْمَالُ- فَقَالَ عُثْمَانُ مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ حُمِلَتْ إِلَيَّ مِنْ بَعْضِ النَّوَاحِي- أُرِيدُ أَضُمُّ إِلَيْهَا مِثْلَهَا ثُمَّ أَرَى فِيهَا رَأْيِي- فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ ((يَا عُثْمَانُ أَيُّمَا أَكْثَرُ مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ)) فَقَالَ عُثْمَانُ بَلْ ((مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ)) قَالَ أَ مَا تَذْكُرُ أَنَا وَ أَنْتَ وَ قَدْ دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص عَشِيّاً- فَرَأَيْنَاهُ كَئِيباً حَزِيناً فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا السَّلَامَ- فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَتَيْنَاهُ فَرَأَيْنَاهُ ضَاحِكاً مُسْتَبْشِراً- فَقُلْنَا لَهُ‌ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا دَخَلْنَا إِلَيْكَ الْبَارِحَةَ- فَرَأَيْنَاكَ كَئِيباً حَزِيناً ثُمَّ عُدْنَا إِلَيْكَ الْيَوْمَ- فَرَأَيْنَاكَ فَرِحاً مُسْتَبْشِراً- فَقَالَ نَعَمْ كَانَ قَدْ بَقِيَ عِنْدِي مِنْ فَيْ‌ءِ الْمُسْلِمِينَ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ- لَمْ أَكُنْ قَسَمْتُهَا وَخِفْتُ أَنْ يُدْرِكَنِي الْمَوْتُ وَهِيَ عِنْدِي- وَقَدْ قَسَمْتُهَا الْيَوْمَ وَاسْتَرَحْتُ مِنْهَا فَنَظَرَ عُثْمَانُ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَقَالَ لَهُ- يَا أَبَا إِسْحَاقَ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ الْمَفْرُوضَةَ- هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئاً
فَقَالَ لَا وَلَوِ اتَّخَذَ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ.
فَرَفَعَ أَبُو ذَرٍّ عَصَاهُ فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ كَعْبٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الْيَهُودِيَّةِ الْكَافِرَةِ- مَا أَنْتَ وَالنَّظَرَ فِي أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُ اللَّهِ أَصْدَقُ مِنْ قَوْلِكَ حَيْثُ قَالَ ((الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ- فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمى‌ عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى‌ بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ- هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ‌))
فَقَالَ عُثْمَانُ ((يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ خَرِفْتَ وَ ذَهَبَ عَقْلُكَ - وَ لَوْ لَا صُحْبَتُكَ لِرَسُولِ اللَّهِ لَقَتَلْتُكَ))
فَقَالَ ((كَذَبْتَ يَا عُثْمَانُ أَخْبَرَنِي حَبِيبِي رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ لَا يَفْتِنُونَكَ يَا أَبَا ذَرٍّ وَ لَا يَقْتُلُونَكَ وَأَمَّا عَقْلِي فَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ مَا أَحْفَظُهُ- حَدِيثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فِيكَ وَفِي قَوْمِكَ)) فَقَالَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فِيَّ وَفِي قَوْمِي قَالَ سَمِعْتُ يَقُولُ إِذَا بَلَغَ آلُ أَبِي الْعَاصِ ثلاثون [ثَلَاثِينَ‌] رَجُلًا- صَيَّرُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلًا وَ كِتَابَ اللَّهِ دَغَلًا- وَ عِبَادَهُ خَوَلًا وَ الْفَاسِقِينَ حِزْباً وَ الصَّالِحِينَ حَرْباً))
فَقَالَ عُثْمَانُ ((يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ! هَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالُوا لَا مَا سَمِعْنَا هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ))
فَقَالَ عُثْمَانُ ادْعُ عَلِيّاً فَجَاءَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ انْظُرْ مَا يَقُولُ هَذَا الشَّيْخُ الْكَذَّابُ)) فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَهْ يَا عُثْمَانُ لَا تَقُلْ كَذَّابٌ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ ((مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ ولَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ (اللَّهْجَةُ اللِّسَانُ) أَصْدَقُ مِنْ أَبِي ذَرٍّ))
فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الهل عليه وآله) صَدَقَ أَبُو ذَرٍّ وَ قَدْ سَمِعْنَا هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَبَكَى أَبُو ذَرٍّ عِنْدَ ذَلِكَ- فَقَالَ وَيْلَكُمْ كُلُّكُمْ قَدْ مَدَّ عُنُقَهُ‌ إِلَى هَذَا الْمَالِ- ظَنَنْتُمْ أَنِّي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ مَنْ خَيْرُكُمْ- فَقَالُوا مَنْ خَيْرُنَا فَقَالَ أَنَا- فَقَالُوا أَنْتَ تَقُولُ إِنَّكَ خَيْرُنَا قَالَ نَعَمْ- خَلَّفْتُ حَبِيبِي رَسُولَ اللَّهِ ص فِي هَذِهِ الْجُبَّةِ- وَ هُوَ عَنِّي رَاضٍ- وَ أَنْتُمْ قَدْ أَحْدَثْتُمْ أَحْدَاثاً كَثِيرَةً- وَ اللَّهُ سَائِلُكُمْ عَنْ ذَلِكَ وَ لَا يَسْأَلُنِي- فَقَالَ عُثْمَانُ يَا أَبَا ذَرٍّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ ص إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَنْ شَيْ‌ءٍ أَسْأَلُكَ عَنْهُ- فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ وَاللَّهِ- لَوْ لَمْ تَسْأَلْنِي بِحَقِّ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) أَيْضاً لَأَخْبَرْتُكَ- فَقَالَ أَيُّ الْبِلَادِ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَكُونَ فِيهَا فَقَالَ مَكَّةُ حَرَمُ اللَّهِ وَحَرَمُ رَسُولِ اللَّهِ أَعْبُدُ اللَّهَ فِيهَا حَتَّى يَأْتِيَنِي الْمَوْتُ.
فَقَالَ لَا وَ لَا كَرَامَةَ لَكَ- قَالَ الْمَدِينَةُ حَرَمُ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) قَالَ لَا وَ لَا كَرَامَةَ لَكَ فَسَكَتَ أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ عُثْمَانُ أَيُّ الْبِلَادِ أَبْغَضُ إِلَيْكَ أَنْ تَكُونَ فِيهَا.
قَالَ الرَّبَذَةُ الَّتِي كُنْتُ فِيهَا عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ عُثْمَانُ سِرْ إِلَيْهَا
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ قَدْ سَأَلْتَنِي فَصَدَقْتُكَ- وَ أَنَا أَسْأَلُكَ فَاصْدُقْنِي قَالَ نَعَمْ
قَالَ أَخْبِرْنِي لَوْ بَعَثْتَنِي فِي بَعْثٍ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَسَرُونِي فَقَالُوا لَا نَفْدِيهِ إِلَّا بِثُلُثِ مَا تَمْلِكُ- قَالَ كُنْتُ أَفْدِيكَ قَالَ فَإِنْ قَالُوا لَا نَفْدِيهِ إِلَّا بِنِصْفِ مَا تَمْلِكُ- قَالَ كُنْتُ أَفْدِيكَ قَالَ فَإِنْ قَالُوا لَا نَفْدِيهِ إِلَّا بِكُلِّ مَا تَمْلِكُ قَالَ كُنْتُ أَفْدِيكَ
قَالَ أَبُو ذَرٍّ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ حَبِيبِي رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَوْماً ((يَا أَبَا ذَرٍّ وَ كَيْفَ أَنْتَ إِذَا قِيلَ لَكَ- أَيُّ الْبِلَادِ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَكُونَ فِيهَا- فَتَقُولُ مَكَّةُ حَرَمُ اللَّهِ وَ حَرَمُ رَسُولِهِ أَعْبُدُ اللَّهَ فِيهَا حَتَّى يَأْتِيَنِي الْمَوْتُ- فَيُقَالُ لَكَ لَا وَ لَا كَرَامَةَ لَكَ- فَتَقُولُ فَالْمَدِينَةُ حَرَمُ رَسُولِ اللَّهِ فَيُقَالُ لَكَ لَا وَ لَا كَرَامَةَ لَكَ- ثُمَّ يُقَالُ لَكَ فَأَيُّ الْبِلَادِ أَبْغَضُ إِلَيْكَ أَنْ تَكُونَ فِيهَا- فَتَقُولُ الرَّبَذَةُ الَّتِي كُنْتُ فِيهَا عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ فَيُقَالُ لَكَ سِرْ إِلَيْهَا)) فَقُلْتُ وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ- فَقَالَ ((إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَكَائِنٌ)) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ فَلَا أَضَعُ سَيْفِي هَذَا عَلَى عَاتِقِي- فَأَضْرِبُ بِهِ قُدُماً قُدُماً قَالَ لَا اسْمَعْ وَ اسْكُتْ وَ لَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ- وَ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَ فِي عُثْمَانَ آيَةً- فَقُلْتُ وَ مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ قَوْلُهُ تَعَالَى‌: ((وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ- وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ- ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ- وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ- تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى‌ تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ- أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ- فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ- إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى‌ أَشَدِّ الْعَذابِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ‌)[18].


وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

-----------------------------------

[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة: ج1 ص109.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، دار إحياء التراث: ج77 ص8.
[3] ولعل تعاكس الشهرة كان قبل صاحب المعالم وبعده.
[4] يراجع تقريرات الروزدري لأصول المجدد الشيرازي ج1 ص248 وهداية المسترشدين ص93.
[5] في كونها حقائق شرعية أو لغوية.
[6] وروايات تحديد الكنز بأربعة آلاف وغيرها كما فصّلناه في بحث سابق.
[7] الفيض الكاشاني، تفسير الصافي، مكتبة الصدر ـ طهران: ج1 ص55، وراجع تمام الرواية في الملحق.
[8] ستأتي تتمة في تحليل وجه كلام أبي ذر ومعنى الآية فأنتظر.
[9] الآخوند الخراساني، كفاية الأصول، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث ـ قم: ص22.
[10] أجود التقريرات 1: 48.
[11] السيد علاء الدين بحر العلوم / تقرير لأبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، مصابيح الأصول، دار الزهراء: ج1 ص106.
[12] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج4 ص89.
[13] الجعفريات: ج1 ص36.
[14] نهج البلاغة: الخطبة 206.
[15] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج3 ص300.
[16] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج10 ص503.
[17] بحار الأنوار: ج81 ص135.
[18] علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي، دار السرور – بيروت: ج1 ص52-53.

 

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الاحد 11 ربيع الأول 1446هـــ  ||  القرّاء : 570



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net