211- اجوبة ثلاثة اخرى عن اشكال اللغوية 4ـ اندفاع اللغوية بالانبعاثات عن الامر بضميمة (كجزء للعلة) 5ـ اندفاعها فيما لو كان الامر داعياً على الداعي 6ـ7 اندفاعها بكون الغرض الزام المكلف اوغيره قسراً ، وان لم يوجد فيه الداعي
الأربعاء 11 ربيع الأول 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ملخص ما تقدم
كان البحث انه هل يمكن تكليف القاطع بالعجز عن الامتثال، وكذلك هل يمكن تكليف القاطع بالخلاف، وذكرنا انه ذكرت محاذير لذلك؛ منها توهم العبد ان يكون مولاه مناقضا، والمحذور الثاني هو محذور اللغوية بدعوى ان الأمر إنما هو بداعي إيجاد الداعي في نفس المكلف للانبعاث او الانزجار، وما دام العبد قاطعا بالخلاف فانه لا يمكن ايجاد الداعي في نفسه للانبعاث او الانزجار, واجبنا عن محذور اللغوية بوجوه ثلاثة مضت.
4. إيجاد الداعي بنفس الأمر لكن مع ضميمة
اما الوجه الرابع فهو ان نقول: ان اللغوية يمكن ان تندفع فيما لو كان الامر جزء العلة للانبعاث ففي هذه الصورة تندفع اللغوية أيضاً، بمعنى ان انبعاث العبد تارة يكون عن الامر باعتباره علة مستقلة للانبعاث وهي الصورة المعهودة، وتارة تندفع اللغوية بان ينبعث العبد عن الامر بضميمةٍ؛ اذ لا يشترط في الدفع كون الشيء علة تامة بل يكفي كونه علة ناقصة، فان توفر 100 جزء من أجزاء العلة مثلاً إذا كانت تنتج معلولا فان الجزء الواحد لو لوحظ بنحو بشرط لا أو كان بما هو هو لكان لغوا اذ لا يترتب عليه المعلول لكنه بشرط شيء لا يكون لغوا، وحينئذ فلو كان الامرُ بضميمةٍ، اي مع ضميمةٍ باعثاً ومحركاً للعبد رغم قطعه بالخلاف فانه يكفي ذلك في نفي اللغوية ورفع العبثية
هذه هي الكبرى وهي امر معقول وعلى مقتضى القاعدة ولا خلاف فيها, لكن الكلام في الصغرى, فما هي الضمائم المتصورة للأمر لكي تكون بانضمامها للامر باعثةً ومحركة للعبد للانبعاث او الانزجار؟
الجواب: ان الضمائم كثيرة، فقد تكون الضميمة الرغبة في القرب للمولى او القرب للمحبوب، وقد تكون الضميمة الرغبة في ان يحترم في المجتمع وقد تكون الضميمة الخوف من العقاب أو حتى من أن تنتهك حرمته وقد تكون غير ذلك , فالضمائم تصويرها ليس بالامر الصعب صغرى
ويمكن توضيح ذلك بالمثال وسوف تلاحظون ان العرف قائم على ما نقول وليس ذلك مجرد فرض عقلي، وان كفانا الفرض العقلي لدفع السالبة الكلية بدعوى الامتناع الوقوعي وانه لا يعقل بالنظر للحكمة ان يامر المولى الحكيمُ عبدهَ القاطعَ بالخلاف اذ لا يمكن ان ينبعث عندئذ، إذ يكفي مجرد وجود فرض عقلي تقديري للامكان، اذ الامتناع يجاب بصرِف إثبات امكان مضاد ولا يشترط فيه الفعلية، لكن مع ذلك نقول انه بالفعل قد وقع ذلك في العرف كثيرا بل حتى في الشرع وسوف نمثل بمثالين عرفيين ثم بمثال شرعي.
اما المثال العرفي، فان ذلك كثير واقع في العشائر والاحزاب وغيرها، فانه كثيرا ما يأمر شيخ العشيرة بما يقطع بعض افراد العشيرة بكونه خلاف الواقع وخلاف المصلحة القطعية لكن هذا الفرد من العشيرة او الحزب يرضخ وينبعث عن هذا الامر او ينزجر عن ذاك الزجر، لا لأنه يراه مطابقاً للواقع لفرض كونه قاطعاً بأنه مخالف للواقع وللمصلحة، وانما لضميمة شيء إلى الأمر وهي الخوف من ان تنتهك حرمته او يطرد، فلولا الامر لما سار وعمل ولولا انتهاك حرمته لما امتثل الامر، بل كان ضم احدهما إلى الاخر هو السبب لأن ينقاد على خلاف قطعه اليقيني
والأمثلة في العرف العام أيضاً كثيرة، فكثيرا ما ترضخ الأم أو حتى الأب لطلبات ابنهم الصغير رغم القطع بان هذا الطلب مضر وانه ليس بالمصلحة وما ذلك الا لأن ذلك الطلب بضميمة المحبة يبعثُهما بحيث لو جُرِّد احدهما عن الاخر لما انبعث الاب او الام، اذن في العرف ليست تحقق الضميمة ووجودها امرا نادرا بل الشواهد والامثلة تملأ العرف والمجتمعات، وعليها البناء العقلائي ايضا
واما من الشرع فيمكن التمثيل بقوله (صلى الله عليه واله وسلم) إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَ الْأَيْمَانِ وَ بَعْضُكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَيُّمَا رَجُلٍ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْئاً فَإِنَّمَا قَطَعْتُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّار فانه (صلى الله عليه واله) قاطع في مثل هذه الصورة التي أشار اليها بان هذه الأرض مثلاً ليست لمن جاء بالبينة الكاذبة واقعا او المخطئة واقعا، لكنه (صلى الله عليه واله وسلم) مع ذلك يعطيها للطرف الاخر المدّعي لمصلحة ضرب القانون باتباع الايمان والبينة، فالضميمة هي المصلحة النوعية التي اضيفت للمصلحة الشخصية، فهذا المجموع – من البينة وقيام المصلحة النوعية على اتباعها وان كانت ثبوتاً غير مصيبة - هو الذي سبب (الاقتطاع له) رغم عدم وجود مصلحة ثبوتية في خصوص هذا المصداق، بل ليست فيه الا المفسدة لو لوحظت القضية بشخصها لكن ضميمةَ المصلحةِ النوعية، وهي ضرب القانون هو الذي سبب تسليم هذه الارض للمدعي الكاذب على خلاف ما قطع به.
لكن هذه الصورة هل هي مصداق هذا الكلي ام هي نظير ؟، فليتدبر لكن الظاهر انه لا فرق في جوهر الجواب، بين الوجهين هذا هو الوجه الرابع لرد القول باللغوية: ان العبثية تندفع ولو كان الامر جزء العلة.
5.ايجاد الباعث بايجاد الداعي على الداعي
الوجه الخامس وهو يختلف عن الوجه الرابع من حيث ان في الوجه الرابع افترض اندفاع اللغوية بضميمةٍ، والضميمة هي في عرض الامر فيكون الامر جزء العلة، اما الوجه الخامس فالأمر الاخر هو في طول الأمر وذلك بان يكون الامر بنحو الداعي على الداعي فينبعث العبد عن الداعي المتولد من الامر فتندفع اللغوية بذلك ايضا
ومثاله حفظ النظام في مثل اشارات المرور فانها وضعت لتنظيم حركة المركبات كي لا تصطدم ببعضها ولكن ومع ذلك فانه اذا وصل الشخص إلى الاشارة الضوئية بعد منتصف الليل مثلاً وهو قاطع بان لا سيارة، فليس له ان يقتحم، ولو اقتحم لغُرِّم، والحاصل: ان مصلحة حفظ النظام هي مصلحة نوعية عقلائية تنظم إلى المصلحة الخاصة في كل متعلَّق متعلَّق، ففي خصوص هذا المورد قد لا تكون تلك المصلحة الشخصية الباعثة لانشاء الحكم موجودة لكن هذه المصلحة الطولية إذ وجدت كفت في لزوم التوقف عند الاشارة الحمراء، وتطبيق ذلك على المقام: ان أمر المولى عبده القاطع بالخلاف لا يمكن ان يبعثه بما هو هو لأنه قاطع بالخلاف لكن هذا الامر يوجد مصلحة نوعية أخرى هي لزوم حفظ النظام فينبعث العبد عن حفظ النظام المتولد من امر المولى وإن قطع بعدم المصلحة الشخصية وانه لا أمر بلحاظها. ويمكن توضيح ذلك فقهيا: فقد ذهب بعض الفقهاء المتأخرين، على خلاف المشهور، إلى وجوب الالتزام بقوانين الدولة الجائرة مع العلم انها قوانين ما انزل الله بها من سلطان، وانما يجب الالتزام بها رغم القطع بكونه خلاف أمر الله وقد قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) استناداً إلى لزوم حفظ النظام وحينئذٍ: فان أمر الحاكم غير الشرعي لهذا المواطن مع قطعه بالخلاف، لا يبعثه لأنه لا يرى له سلطة عليه، لكنه قد يبعثه فيما لو كان هذا الامر بنحو الداعي على الداعي، أي لو أوجد هذا الامر - برأي هذا الفقيه - معادلة اخرى اسمها معادلة حفظ النظام فينبعث العبد وينقاد على خلاف قطعه حفظا للنظام المتولد من الامر المخالف للواقع قطعا ، هذا هو الوجه الخامس لدفع اللغوية, فليتدبر .
6.الامر ليس لاجل انبعاثه بل لالزامه قسرا
الوجه السادس والسابع: ويبتني على إنكار الكبرى الكلية وهو ان يقال ببطلان مبنى (ان الأمر إنما هو بداعي إيجاد الداعي في نفس المكلف) عكس الوجه الرابع الذي بنى على هذا المبنى لكن تفصّ منه بناءاً بنحو كونه جزء العلة، وعكس الوجه الخامس الذي قبله أيضاً لكنه تفص بناءاً عبر الذهاب إلى وجود داع اخر طوليا، فالجوابان يسلمان المبنى لكن مع فذلكة بنائية فنية؛ اما الجواب السادس فنقول فيه: كلا، لا دليل على حصر صحة الأمر بما لو كان بداعي إيجاد الداعي في نفس المكلف وإلا لكان لغواً، بل قد ترتفع اللغوية حتى مع قطع الآمر بان الداعي لا يوجَد في نفس المأمور حتى طولياً وحتى كجزء العلة؛ وذلك فيما إذا كان الوجه في أمره لا انبعاث العبد لعلمه بعدم انبعاثه بل لإلزامه قسرا بنتائج ذلك الأمر أو إلزام غيره بنتائج ذلك الأمر
توضيح ذلك بمثال: من كسر زجاج الغير قاطعا بكونه ملكا له فلا ضمان عليه او كسر زجاج الغير رغم علمه بانه ليس ملكه لكنه كان قاطعا بان لا ضمان عليه فان الشارع يلزمه بالضمان وكذا العقلاء، رغم علمنا في كثير من الاحيان ان قطعه لا يتزحزح بل يبقى قاطعا بان هذا ملكه وان حكمنا عليه ظلم او يبقى قاطعا بانه ليس ضامناً لتصوره كون المالك كافرا حربيا وكانت ممتلكاته في ساحة المعركة مثلا، فرغم علم المولى بان هذا القاطع لا يتزحزح قطعه الا انه يأمره بان يسدد ثمن ما كسره لا لينبعث لعلمه فرضاً بعدم انبعاثه بل لكي يلزمه قسرا بدفع ذلك الضمان الذي هو بعهدته,هذا بيان فقهي مبسط اما التحليل الفلسفي لما ذكرنا فنتركه ليوم السبت بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
الأربعاء 11 ربيع الأول 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |