210- الاشكال الثاني : لغوية تكليف القاطع بالخلاف اذ الامر انما هو بداعي ايجاد الداعي في المكلف ، وهذا غير ممكن اجوبة ثلاثة عن الاشكال ، مع نقاش مبنائي وبنائي 1ـ الامر قد يزحزح (القطع ) تكويناً فله فائدتان طوليتان 2ـ اندفاع اللغوبة باستحقاق العبد العقاب فيما لو قصًر في المقدمات 3ـ اندفاعها بالانبعاثات عن الامر ولو للحاظ المصلحة السلوكية
الثلاثاء 10 ربيع الأول 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ملخص ما تقدم
كان الكلام حول انه هل يمكن للشارع الاقدس بل مطلق المولى الحكيم، ان يكلف القاطع بالعجز او القاطع بالخلاف؟ وعلى فرض الإمكان فهل ذلك مقتضى الحكمة؟؛ وذكرنا ادلة اربعة، كان رابعها في طول الثلاثة الاولى، ثم انتقلنا إلى الموانع التي ذكرها الاصوليون عن صحة تكليفهما، وتقدم ذكر المانع الاول واجبنا عنه باربعة اجوبة.
لزوم اللغوية من تكليف القاطع بالعجز او القاطع بالخلاف
المانع الثاني: لزوم اللغوية من تكليف القاطع بالعجز او القاطع بالخلاف، وهذا المانع استحالته وقوعية وليست ذاتية, توضيح الاشكال: ان الامر الصادر من المولى او من اي آمر آخر وكذلك النهي، انما يصدر بداعي ايجاد الداعي في المأمور لامتثال الامر وللاتيان بالمأمور به، وكذلك في النهي فالمولى انما ينشئ النهي بداعي ايجاد الداعي للانزجار عن المنهي عنه في نفس المنهي، فقبل قوله اقم الصلاة لا يوجد داعي للصلاة، والأمر يوجده هذه هي الكبرى، اما الصغرى فان القاطع بالخلاف او القاطع بالعجز لا يعقل ايجاد الداعي فيه على خلاف ما قطع به فانه قاطع بان الخمرة محرمة فكيف يوجد في نفسه داع معاكس؟.
ولنا اجوبة عديدة على هذا المانع لعلها تصل إلى ثمانية:
1.يمكن ايجاد الداعي في نفس المكلف بالواسطة
الجواب الاول: على فرض تسليم الكبرى التي ادعوها (وان الداعي والغرض من الامر هو ايجاد الداعي في نفس المكلف للامتثال)، لكن مع ذلك نجيب: انه من الممكن ان يوجد الداعي في نفس القاطع بالخلاف لكن بعد تمهيد مقدمة وهي ان المولى بامره قد يوجد الداعي مباشرة في نفس المكلف وهذا هو المألوف, لكن في كثير من الاحيان قد يوجد الداعي في نفس المكلف بالواسطة اي بعد ازاحة علته اي بعد الازالة التكوينية للمانع، بنفس الامر، والمشاهد في الخارج كثيرا تحقق ذلك.
وبتعبير اخر: ان الامر له فائدتان طوليتان، الفائدة الثانية هي ايجاد الداعي في نفس العبد لكن قد تسبقه فائدة اخرى زمناً وقد يتقارنان ويبقى السبق الرتبي و الفائدة الاولى هي زحزحة قطعه تكوينا، فاذا زحزح قطعه انبعث في نفسه الداعي, فمن يعتقد مثلاً بوجوب صلاة الجمعة تعيينا في زمن الغيبة فاذا خاطبه الرسول (صلى الله عليه واله) مباشرة وقال له لا تجب الجمعة تعيينا في زمن الغيبة بل تجب تخييرا او قال تحرم، فان ذلك قد يوجد في نفسه، في كثير من الاحيان، الداعي للانبعاث او الانزجار لكن بعد تحقق زحزحة قطعه في مرتبة سابقة ببركة نفس هذا الأمر أو النهي، وكذلك في العلوم الحديثة كالفيزياء فان نظرية انشتاين النسبية – مثلاً – تعدّ من المسلمات بما يتفرع عليها من مسائل ومنها ان اسرع شيء في الكون هو سرعة الضوء ولكن مجموعة من العلماء حديثا اثبتوا بطلان النظرية النسبية بوجود خلل في بعض مقدماتها واثبتوا ان هناك ما هو أسرع من النور، ولذا فان عدداً من كبار العلماء رفضوا النظرية النسبية المعروفة, اذن عندما يتكلم الحكيم الذي تثق به بكلام - انشاءا او اخبارا - على خلاف قطع المخاطب فان هذا الكلام, قد يوجد الداعي للانبعاث في نفس السامع بعد زحزحة قطعه بنفس هذا الكلام، تكويناً.
والحاصل: انه في كثير من الصور يصح تكليف القاطع بالخلاف، وكما هو معلوم فان السالبة الجزئية هي نقيض الموجبة الكلية والموجبة الجزئية هي نقيض السالبة الكلية، وكان مدعى المانع: انه لا يمكن ان يخاطَب المكلف القاطع بالخلاف للزوم اللغوية اذ لا يمكن ايجاد الفاعلية او الزاجرية فيه، فنجيب: ينقض ذلك في كثير من الموارد ومنها: ما امكن ايجاد الداعي في نفس المخاطب وان كان مع واسطة، هذا اولا.
2.الفائدة من التكليف استحقاق القاطع بالخلاف للعقاب إذا كان عن تقصير
وثانيا: نترقى ونرفض اصل المبنى ونقول: في غير هذه الثلة من القاطعين، أي: من لم يتزحزح قطعه بالامر والنهي، فان الفائدة في امرهم ونهيهم تتحقق في الجملة، وهذه (في الجملة) تشمل شريحة واسعة من القاطعين ممن بقوا على قطعهم، وهم من كانوا قاطعين بالخلاف عن تقصير في المقدمات، فحتى لو فرض ان الامر لا يزحزحهم الا ان الفائدة من امرهم ونهيهم مترتبة وهي استحقاقهم للعقاب، فان القاطع بالخلاف بسبب تقصير في المقدمات وان لم يزحزحه الامر والنهي بل بقي على قطعه، مستحق للعقاب، وهذا الامر لعله من البديهيات بل هو من البديهيات، اذ القاطع بالخلاف عن تقصير في المقدمات هل يمكن القول بانه غير موجه له الامر والنهي؟ لا شك في انه موجه اليه الامر, وإلا لكان عقابه قبيحاً بل لم يكن وجه لعقابه.
النقض بالعاصي العالم المعاند
والحاصل: انه لا لغوية في توجيه الخطاب لامثال هؤلاء، ولنا ان ننقض بالعاصي العالم، وما اكثر العصاة، فلو ان المولى علم ان هذا العبد يعصي قطعا فهل يمنعه علمه بعصيانه لمولاه من ان يوجِّه الامر اليه؟، فلو قلنا ان توجيه الامر اليه لغو لانه لا يوجِد فيه الداعي ، فلا يصح إذن ان يوجه اليه الامر ويترتب عليه: انه لا يستحق العقاب، مع ان المسلم به عقلاً غير ذلك، فان العصاة يوجه اليهم الخطاب ويستحقون العقاب بالمخالفة دون ريب، فما نقوله في العاصي العامد نقوله في القاطع بالخلاف عن تقصير في المقدمات، والحل ما ذكر في ثانيا, والحاصل: ان هذا يعد اشكالاً على المبنى إذ نقول: الغرض من الامر تارة يكون ايجاد الداعي في نفس العبد وتارة لا يكون ذلك للقطع بان العبد لا يستجيب (اما للعلم بانه سيعصي قطعا او للعلم بانه قاطع بالخلاف وسيبقى قاطعا بالخلاف وان كان عن تقصير في المقدمات) لكن المصحح لتوجيه الامر له هو تحميله العقاب اي ترتب استحقاقه العقاب، اما العاصي فواضح لأنه يعصي عن علم وعمد واما القاطع فلتقصيره بالمقدمات وبعبارة أخرى: ان حاصل الجواب الثاني ان هناك غرضين على سبيل البدل وقد يجتمعان في الامر او في النهي: احدهما ايجاد الداعي في نفس المكلف والثاني استحقاقه العقاب
3.ايجاد الداعي بنفس الأمر، بنحو المصلحة السلوكية
الجواب الثالث: نعود هنا إلى التسليم بالمبنى بعد ان اشكلنا في الجواب الثاني على المبنى, فنقول الجواب الثالث فانه مبني على تسليم المبنى وان الامر إنما هو بداعي ايجاد الداعي في نفس المأمور فنقول : يمكن للامر الموجه للقاطع بالخلاف ان يوجد له الداعي للجري والعمل والانبعاث عن نفس هذا الأمر رغم قطعه بالخلاف وذلك من جهة ان المأمور يرى الموضوعية في الاطاعة لا الطريقية، اي يرى المصلحة السلوكية بتعبير اخر ،
توضيح ذلك: لو ان شخصا عاجزا عن الحركة كان قاطعاً بانه غير قادر على الحركة لكن الرسول (صلى الله عليه واله) او الامام المعصوم (عليه السلام) جاءه - أو أي أهل خبرة يثق به تماماً - وقال له قم وتحرك وامش, فما الذي يحدث في نفسه؟ الذي سيحدث اما الامر الاول الذي اشرنا اليه او هذا الامر الثالث أي انه اما ان يتزحزح قطعه، فيوجَد في نفسه داعي المشي لكن بعد ازالة قطعه تكوينا، فبكلام المعصوم – أو مطلق من يثق به - قد يرتفع قطعه فينبعث ويمشي، هذه هي الحالة الاولى والحالة الثانية ان لا يتزحزح قطعه الا انه عندما يرى ان المعصوم (عليه السلام) - أو الطبيب الخبير الذي يثق به تماماً - يأمره بان يمشي رغم قطعه بعدم قدرته على المشي فانه قد ينقدح في نفسه ان الامام يامره بالسعي للمشي والمحاولة، لا لأدائها للمشي بل من باب المصلحة السلوكية في المحاولة فيحاول وقد يجد ان المحاولة افلحت، اذن كان الانبعاث ههنا – على فرضه - عن الامر لكن لا لطريقيته وانما لتوهم المصلحة السلوكية فيه.
والحاصل انه انبعث القاطع بالخلاف عن نفس الامر لكن لا للجهة التي ارتآها الآمر بل لجهة اخرى، هذا هو الوجه الثالث في الاجابة عن هذا الاشكال فليتدبر.
4.ايجاد الداعي بنفس الامر لكن مع ضميمة
اما الجواب الرابع: فانه يمكن انبعاث المكلف عن الامر لكن بضميمة امر – أي شيء - اخر بان يكون الامر جزء العلة في ايجاد الداعي، والتتمة تأتي غدا ان شاء الله تعالى.
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
الثلاثاء 10 ربيع الأول 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |