248- ج ـ (الكشف) لا ظابط له ، وليس منضبطا ولا مرجعية له دـ (الكشف) قد يخالف صريح العقل ((رواية الكشي عن كشف ابي المنصور وان الله مسح على رأسه ، ولعن الامام الصادق (عليه السلام له )) هـ ـ (الكشف) قد يخالف مسلمات المذهب (كشف ابن عربي في اول الفتوحات ورؤيته لا بي بكر وعمر...) وـ الكشف قد يخالف ظاهر القرآن (كشف ابن عربي في الفصوص ان الذبيح هو اسحاق وليس اسماعيل )
السبت 10 جمادى الأولى 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ملخص ما تقدم كان الكلام حول الاجتهاد في أصول الدين، وحول العلم في أصول الدين ووجوب تحصيله، وذكرنا ان الشارع قد تصرف في الاجتهاد من جهة كما تصرف في العلم من جهة ثانية حيث اشترط في القطع في أصول الدين بل حتى في الفروع بان يكون من طريق خاص وهو طريق القرآن والرسول وأهل البيت عليهم السلام، وان لا يكون من طرق أخرى كالمنامات والكشف والشهود والقياس وما أشبه، وجرى بعض الحديث عن الكشف والشهود وانه ليس بحجة، وذكرنا ان مما يدل على عدم صحة سلوك هذا الطريق كموصل للحقائق في أصول الدين وجوه، الوجه الأول ان أرباب الكشف والشهود فالشخص الواحد منهم قد تناقض في كشفين له كما ذكرنا شاهد ذلك من صدر المتألهين. الوجه الثاني: أن كشفين لشخصين قد يكونا متناقضين أو متضادين فأية حجية تكون مع ذلك للكشف والشهود؟، الوجه الثالث: انه لا ضابطة مرجعية محددة يرجع إليها ولا ميزان ولا مقياس يرجع إليه في تمييز الكشف الشيطاني من الكشف الرحماني، هذا الوجه الثالث سيأتي مزيد توضيح بيان له.
وجوه أخرى لعدم حجية الكشف والشهود
4- الكشف يناقض حكم العقل
الوجه الرابع: ان الكشف قد يخالف صريح حكم العقل فليس بحجة، فلو فرض ان شخصا ادعى انه كشف له ان النقيضين يجتمعان فهل يقبل منه ذلك عاقل؟، او كشف له ان التسلسل أو الدور ليس بمحال، أو كشف له بان الله جسم، أو كشف له ان هنالك إلهين اثنين، كمرتاض او مشرك يدعي انه كشف له انه رأى بالعيان وجود إله للنور وإله للظلمة فهل يقبل منه ذلك؟ اذن فان الكشف قد يخالف صريح العقل فلا حجية له.
5- الكشف قد يناقض مسلمات المذهب
الوجه الخامس: ان الكشف قد يناقض مسلمات المذهب، والخطاب في هذا الوجه خاص بالشيعي .
6- الكشف قد يناقض ظاهر الكتاب والسنة
الوجه السادس: قد يناقض الكشف ظاهر الكتاب والسنة فلا حجية له، فلو أن شخصاً ذكر انه في عالم الكشف رأى ان الله لم يحلل البيع خلافاً لـ(أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) لكنه يقول انه كشف لي ان الله لم يحل البيع إذ ان احل الله البيع ظاهر ولكني كشف لي ان كثيراً من البيوع محرمة أو ان ( أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) كان خاصاً بزمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهل يقبل مسلم ذلك؟ وسيأتي مثال ذلك.
والحاصل: ان مخالفة الكشف لظاهر الكتاب أو السنة دليل على عدم حجيته فكيف بمخالفة الكشف لنصوص الكتاب او نصوص السنة، فانه ليس بحجة دون شك
وكذلك لو خالف الكشف مسلما تاريخيا أو مسلما علميا كشخص يقول انه كشف له ان بُعد كربلاء عن النجف ليس 80كم بل 180كم فهل يقبل منه عاقل ذلك؟ او كشف له ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد هاجر قبل 6 آلاف سنة وليس قبل[1] 1434 عاما كما هو المعروف فانه لا يمكن قبول ذلك منه.
اذن الكشف كثيرا ما يخالف النص أو الظاهر أو مسلمات الدين أو مسلمات المذهب أو مسلمات التاريخ أو العلوم، فليس بحجة حينئذٍ بل مطلقاً كما سبق وجه الإطلاق، فإذا خالفها كشف منه ان هذا الكشف المدعى انه علم حضوري ليس به أو المدعى انه الهام الهي ليس كذلك.
شواهد على بعض هذه العناوين
شاهد من (رجال الكشي): مسح الله على رأس أبي المنصور!
فقد نقل الكشي في رجاله (وهو اختيار معرفة الناقلين عن الائمة الصادقين) الذي اختاره الطوسي من رجال الكشي، الرواية التالية عن مخالفة الكشف لصريح حكم العقل ولنص المعصوم (عليه السلام) بإسناده إلى الحصين بن عمر النخعي - والروايات متعددة نذكر ههنا رواية واحدة فقط - في حالات محمد بن ابي زينب المقلاص[2] (قال: كنت جالسا عن ابي عبد الله (عليه السلام) فقال له جعلت فداك ان ابا منصور حدثني أنه رفع إلى ربه ومسح على رأسه) الظاهر ان قصده هو ان الله هو الذي مسح على رأس هذا المدعي لا العكس اعاذنا الله من هذا الكفر (وقال له بالفارسية يا بسر) أي يا أبني او يا بني، لكن هل ادعى رؤيته تعالى بالبصر وكشفه بهذه الحاسة وباللمس[3] او بالعلم الحضوري الذي هو احد انواع الكشف والشهود، لأن الكشف والشهود يقسم عندهم إلى أقسام كما سيأتي توضيحه: منها الإلهام القلبي ومنها الشهود الروحي ومنها غير ذلك (ورفع إلى ربه ومسح على رأسه وقال له يا بسر فقال له أبو عبد الله (عليه السلام)) ولنتأمل في جواب الإمام فانه تحليل علمي للذي يجري، إذ انه قد يكون رأى ذلك، لكن ما تحليله؟ وهذا جواب مهم جدا فقد يكون الشخص غير كاذب في دعواه بأنه رأى لكن الكذب أين؟ هذا هو ما يبينه الإمام (عليه السلام)، كما إننا نجد ان البعض يدعي انه رأى مناما او ما شابه شيئاً فقد يكون كاذباً وقد يكون حقا رأى لكن الكذب في المرئي لا في الرائي، فجواب الإمام جدا مهم (فقال له أبو عبد الله حدثني أبي عن جدي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ان إبليس اتخذ عرشا فيما بين السماء والأرض واتخذ زبانية بعدد الملائكة فاذا دعى رجلا فأجابه) أي اتبع الشيطان (ووطئ عقبه وتخطت إليه الاقدام) فهنا يتجلى له الشيطان ليريه بالكشف والشهود أموراً (ترائى له إبليس ورفع اليه) فقد يتجلى له بأنه الله ويمسح على رأسه! (ورفع إليه) فيكون بالفعل ارتفع روحا ورأى ماسحا يمسح على رأسه الا ان الكذب هو ان الماسح هو إبليس الذي تصور بهذه الصورة وأوهمه انه الله تعالى، وكذلك الأمر في المنام فانه على قسمين: فقد يكون المدعي كاذباً وقد يكون قد رأى لكن الشيطان هو الذي تصور له فرأى ما راه[4] (وان أبا منصور كان رسول إبليس، لعن الله أبا منصور لعن الله أبا منصور لعن الله ابا منصور) اذن الكشف قد يناقض صريح حكم العقل فشخص مثلا قد يرى، كما في هذا المثال[5]، وغيره ان الله جسم، فهذا الكشف باطل كما هو واضح ولا حجية له، فاذا تسرب مثل هذا الخطأ إلى الكشف دل على عدم حجيته بالمرة، كما ذكرنا وجه التلازم سابقاً.
مناقضة الكشف لمسلمات المذهب
الوجه الخامس: مناقضة الكشف لمسلمات المذهب، وفي هذا الوجه فان الخطاب خاص للشيعي، فانه حجة عليه[6]، يقول ابن عربي، الذي يروج له بعض الشيعة، في الفتوحات المكية (وكلمات ابن عربي التي تشهد بكفره كثيرة – كما فيما يصرح فيه بوحدة الوجود والموجود - لكن لسنا في مقام بيان كلماته التي تشهد بكفره بصراحة بل في كلمة له في سياق بحثه في عالم الكشف حيث كشف له أمر مسلم على خلاف مسلمات الشيعة وخلاف متواتر الروايات والآيات الشريفة في شأن نزولها)،
ابن عربي يشاهد أبا بكر وعمر و... في حضرة غيبية!
يقول في أول الفتوحات [7] (شاهدته[8] عند انشائي هذه الخطبة في عالم حقائق المثال في حضرة الجلال) وهل شاهد الله ام لا؟ (مكاشفة قلبية في حضرة غيبية، ولما شهدته (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك العالم سيدا معصوم المقاصد محفوظ المشاهد منصورا مؤيدا، وجميع الرسل بين يديه مصطفون، وأمته التي هي خير امة عليه ملتفون، وملائكة التسخير من حول عرش مقامه حافون، والملائكة المولدة[9] من الاعمال بين يديه صافون والصديق[10] على يمينه الأنفس، والفاروق على يساره الأقدس، والختم بين يديه قد حنى يخبره بحديث الانثى وعلي يترجم عن الختم بلسانه، وذو النورين مشتمل برداء حياءه مقبل على شأنه) وله بعد ذلك كلام لا نتوقف عنده لأنه تفوح منه رائحة دعوى النبوة ان لم نقل انه صريح بدعوى النبوة إذ يعتبر نفسه بمستوى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في عدة كلمات مختلفة، ولا داعي للإطالة لأن البحث ليس الآن في تقييم ابن عربي وما يقوله من دعوى وحدة الوجود بل دعوى وحدة الموجود وان كل شيء هو الله بالوحدة الحقيقة الحقة الشخصية أو دعوى النبوة أو شبه ذلك.
كيف يمكن للشيعي أو لعالم شيعي ان يروج لأبن عربي ويعتبره من العرفاء ومن الأولياء ويرفعه إلى أعلى عليين في أعالي السماء؟ فاما ان يرفع اليد عن تشيعه ويقبل مكاشفة ابن عربي واما ان يرفع اليد عن تمجيد ابن عربي ويبقى على تشيعه إذ النور والظلمة لا يجتمعان، اذن هذا وجه اخر والامثلة كثيرة وقد اقتصرت على بعض الأمثلة، ولو تتبع الإنسان بطون كتبهم لشاب وشاخ وابيض شعر رأسه من الأسى، والغريب ان هؤلاء الذين يقولون بكفريات واضحة ومستنكرات ومستقبحات لا شك فيها، أصبح البعض يروج لهم.
مناقضة الكشف لظاهر القرآن
الوجه السادس: ان الكشف يناقض كثيرا ما ظاهر القران ولا يمكن لمسلم ان يلتزم بان الأحلام أو الكشف او غيرها تخصِّص عموم الكتاب أو تقيد إطلاق القران أو تصرف الظواهر عن ظاهرها، وإلا لما بقي حجر على حجر، وهذا ما صنعه العديد من العرفاء والفلاسفة في العديد من كتبهم ومن الأمثلة على ذلك[11].
ابن عربي: الذبيح هو إسحاق!
ان ظاهر القران الكريم يدل على ان الذبيح هو إسماعيل على نبينا واله وعليه السلام والروايات تؤكد ذلك كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (انا ابن الذبيحين)، لكن ابن عربي كشف له ان الذبيح هو إسحاق، وهذا هو رأي اليهود فانهم ينكرون كون الذبيح هو إسماعيل كي لا تكون منقبة لجد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فنسبوها إلى إسحاق (ولا شك ان إسحاق نبي من أنبياء الله لكن القران يسند هذه المكرمة لإسماعيل) لكن ابن عربي كشف له انه إسحاق - فراجع الفص الاسحاقي في الفتوحات -، وهنا وقع أصحاب ابن عربي في حيص بيص إذ كيف تحدث لأبن عربي مكاشفة خلاف القران الكريم؟ لذا نجد القيصري وهو من أهم أعلامهم يقول (ان ظاهر القران يدل على ان الفداء عن إسماعيل، وهو الذي رأى إبراهيم انه يذبحه وإليه ذهب أكثر المفسرين وذهب بعضهم إلى انه إسحاق، والشيخ معذور فيما ذهب إليه) من مخالفة ظاهر الكتاب (لأنه به مأمور)[12] كما قال في اول الكتاب حيث قال ان الرسول سلمه كتاب الفصوص وقال له خذه، وفي هذا الكتاب يذكر ان الذبيح هو إسحاق! لأن الكشف هو ارتباط بالله مباشرة (حدثني قلبي عن ربي) كما قال بعضهم وسيأتي جواب عن هذا الكلام الباطل، فهل هذا توجيه سليم يصدر من مسلم حكيم؟ إذ ان هذا يعني ان القران متناقض والرسول في أقواله متناقض فمن جهة يقول (انا ابن الذبيحين) ومن جهة أخرى يقول ان الذبيح هو إسحاق؟.
وقد نقل (القيصري ما ادعاه ابن عربي في اول الفصوص من انه رأى رسول الله في المنام) اذن المنام أصبح حجة في قبال ظاهر الكتاب (وبيده كتاب وقال له هذا كتاب فصوص الحكم خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به)[13] وللحديث صلة.
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
[1]- كما انه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث قبل 1445عاما بالضبط لأن التاريخ الهجري ابتدأ بعد 11عاما من البعثة – المقرر.
[2]- رجال الكشي / ط مؤسسة الاعلمي/ حالات محمد بن أبي زينب القلاص رقم 135 وفي طبعة اخرى195 في اخر حالاته ص215.
[3] - كما هو الظاهر.
[4]- سننقل لاحقا رواية خاصة عن المنام والشيطان المسمى المتكوِّن, وسيأتي باذن الله تعالى بحث خاص عن المنامات حيث كثر الاحتجاج بها الان فيجدر أن يعقد لها بحث أصولي كامل، إذ المدعى ان هناك روايات في الموضوع وبالفعل هناك روايات فينبغي أن تبحث سندا ودلالة, كما انه قد يرى الإنسان منامات وينكشف له صحتها، والكثير من الناس يرون المنام حجة، فينبغي ان يبحث، وان كان بديهيا عندنا بطلانه، لكن عندما يكون مئات الملايين من الناس يسندون أمورهم للمنامات في فروع الدين أو اصوله أو حياتهم الشخصية، فيجب ان يبحث بشكل أشمل وأكثر تفصيلاً.
[5]- في رجال الكشي والبحار وغيرهما
[6]- الأدلة متنوعة فبين ما هو حجة على الكل كما في الوجوه السابقة، وبين ما هو حجة على الشيعة فقط كما في هذا الوجه.
[7]- (الفتوحات المكية) ص16طبعة دار صادر
[8]- اي الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)
[9]- أي المتولدة من الاعمال
[10]- هنا الشاهد
[11] - من الضروري مراجعة كتاب (بحوث هامة في المناهج التوحيدية) فقد بذل جهداً كبيراً في التتبع والتحقيق والتحليل.
[12]- شرح الفصوص ص606 وفي طبعة أخرى 556.
[13] - شرح الفصوص 309.
السبت 10 جمادى الأولى 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |