313- مكمّل التحقيق عن مبادئ التشريع : ـ الفرق بين مبادئ التشريع وبين علل الاحكام : ان الاولى كمقام التعليم والثانية كمقام الفتوى ـ فوائد علم المقاصد : 1ـ تأكيد الاطلاق 2ـ انها سبب للانصراف 3ـ او للاجمال مثال : (من جاز ملك) وهل تشمل الحيازة عبر الوكيل ؟ وهل تشمل من حاز كل الغابات والصحاري؟
الثلاثاء 2 ذي الحجة 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
22- مبادئ التشريع ومقاصد الشريعة
الفرق بين المبادئ وعلل الأحكام
بعد وضوح ان مبادئ التشريع وعلله الكلية العامة، لا تصلح مستنداً لاستنباط الأحكام الفرعية، ولا يستكشف بها تشريع الشارع لحكم من عدمه، قد يُسأل عن الفرق بينها وبين علل الأحكام؟ وانه لِمَ كانت علل الأحكام (كمسكرية الخمر) معمِّمة ومخصِّصة دون علل التشريع العامة؟
والجواب: ان ذلك يعود لظهور علل الأحكام في الانحصار، عكس علل التشريع ومبادئه العامة فانها اما مقتضيات أو هي جزء المقتضي لا غير، ويظهر ذلك أكثر إذا عرفنا ان علل الأحكام تذكر في مقام الفتوى وعلل التشريع تذكر في مقام التعليم أو نظيره([1])، وقد سبق الفرق بين المقامين وان مقتضى مقام التعليم هو التدرجية، ولذا تنفك فيه الإرادة الجدية عن الاستعمالية ولا يصح فيه التمسك بالإطلاق([2]).
واما مقام الفتوى فهو مقام الفعلية والنتيجة النهائية أي الناتج الكلي النهائي بعد ملاحظة المفتي – الشارع أو المرجع – كافة المقتضيات والمزاحمات والموانع... الخ
وحيث ان علل الأحكام تذكر في مقام تعليل حكم خاص لموضوع خاص، كان ظاهرها ملاحظة الشارع كافة المزاحمات والموانع والروافع.. الخ ومع ذلك حَكَمَ وعلَّلَ مما يظهر منه ان العلة تامة من غير مزاحم أو دافع لذا تعمم وتخصص
اما مبادئ التشريع فانها تذكر عادةً مجردةً عن تطبيقها على عناوين موضوعاتها، فتبقى كلية من الكليات ولا تجدي معرفتها في معرفة حال سائر المكتنِفات بالموضوع فتأمل([3])
ثمرات وفوائد مناشئ التشريع ومقاصد الشريعة في الفقه
ولكن مع كل ما سبق، فانه قد يقال: ان مناشئ التشريع يمكن دخولها في عملية الاستنباط وهي ذات مدخلية في استكشاف بعض الأحكام الشرعية، وذلك بوجوه ثلاثة:
1- انها قد تفيد تأكيد الإطلاق وتوسعة مدلول الدليل
2- انها قد توجب الإنصراف
3- انها قد تنتج إجمال الدليل، فيقتصر فيه على القدر المتيقن.
بحث تطبيقي: (من حاز ملك)
ويتضح ذلك بملاحظة البحث الآتي:
فقد ورد في لسان الشارع (من حاز ملك) و(من أحيى أرضاً ميتة فهي له) و(من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له).
أ- هل تشمل الروايات الحيازة عبر الوكيل أو الأجير؟
وحينئذٍ: هل يشمل ذلك ما لو حاز عبر وكيله أو أجيره؟ فقد يقال: ما حازه الوكيل والأجير من سمكٍ أو طائر أو ما أحياه من أرض فهو له – أي للوكيل أو الأجير – لأنه الذي حاز وأحيى حقيقة تكويناً دون الموكّل والموجر، وقد يقال: انه للموّكل والموجر لأنه حاز وأحيى بالواسطة، والحيازة – وكذا الاحياء والسبق - أعم من التكوينية والاعتبارية.
وقد تؤكد مبادئُ التشريع الرأيَ الثاني فتفيد توسعة مدلول الدليل أو تأكيد الإطلاق، فان من مبادئ التشريع (لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) والحيازة عبر الأجير ليست بظلم لأحدهما ما دامت عقلائية وما دامت الأجرة مناسبة، بل حرمانهما من حق أن يَستأجِر وأن يُستأجَر هو الظلم لكليهما لمنعه مما رغب فيه ومما له فيه المنفعة.
كما ان من مبادئ التشريع (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم) ومقتضى سلطته على نفسه سلطته على ان يوجر نفسه لقاء أجر أو ان يستأجِر غيره لقاء منفعةٍ، فالحيازة كالخياطة وغيرها مما تقبل التوكيل والاستئجار.
والحاصل: ان هذا المبدأ يؤكد إطلاق (من حاز ملك) ليشمل من حاز ولو عبر وكيله، ملك. فتأمل.
ب- هل تشمل الروايات حيازة شخص لكل الغابات والأنهار؟
وفي مقابل ذلك قد يخل مبدأ التشريع بالإطلاق ويوجب الإنصراف، وذلك مثل القول([4]) بانصراف (من حاز ملك) ونظائرها عن من([5]) حاز فرضاً نصف أراضي العراق أو كل غاباته أو كل أنهاره أو سبق إليها مما لا يترك مجالاً للملايين من الناس لحيازة شيء أو لإحياء أرض بعد ذلك ومنشأ الإنصراف هو:
قوله تعالى: (لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) فان سبقه أو حيازته لكل الغابات والبحار والأنهار والأراضي ظلم عرفاً للآخرين وإن سَبَقَهم.
والحاصل: ان (لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) أوجبت توسعة (من حاز...) ليشمل الحيازة بالوكالة، فيما أوجبت –في المقابل - تضييق (من حاز...) فلا تشمل من حاز أكثر من الحدود المتعارفة في الحيازة، فتأمل وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) كالإقناع.
([2]) على تفصيل مضى.
([3]) لما سبق من الإشكال مفصلاً في علل الأحكام وان المستظهر انها إلا النادر منها حكم وليست عللاً، فهي كمناشئ الأحكام لا تعمّم ولا تخصص، ولأن بعض مناشئ التشريع ذكرت مع موضوع خاص أو مع تطبيقها على عنوان معين كـ( كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) وكـ(وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) فتأمل
([4]) وهو ما ذهب إليه السيد الوالد في الفقه.
([5]) كشخص ملياردير أو كشركة عملاقة.
الثلاثاء 2 ذي الحجة 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |