347- 3ـ التورية لكي يفهم الطرف الآخر لكن بنحوٍ لا يكون قادراً على النقل - مثال من الروايات ــ التورية في المسألة الفقهية : ( غسل الجمعة سنة واجبة ) ، ووجوه الجمع بين (سنة) و ( واجبة)
الاثنين 11 ربيع الاول 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضيين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين،
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
التورية بقصد ان يفهم السامع لكن بحيث لا يستطيع النقل
القسم الثالث من اقسام التورية هو التورية بقصد ان يفهم السامع المراد لكن يكون كلامه بنحوٍ لا يستطيع معه السامع أن ينسب ذلك المراد لقائله وينقله عنه
ومن امثلة ذلك قول الراوي: ( سألت ابا جعفر (( عليه السلام )) عن قوله تعالى ( وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) : قال تريد ان تروي عليّ الذي في نفسك ، ما انت بسامعٍ ذلك مني ، لتأتي العراق فتقول سمعت من محمد بن علي يقول كذا وكذا! لكنه الذي في نفسك!)
قال بعض الفقهاء : ان المراد من ( المؤمنون ) هم الأئمة لكن لم يصرح به الامام( عليه السلام )
اقول : الظاهر ان المراد هو معنى معرفي اعمق من ذلك واسمى ، فان كون المراد من ( المؤمنون ) (الأئمة ( عليه السلام )) ليس امراً بعيداً فيه التقية اذ لاشك لدى المخالف ان الائمة هم سادات المؤمنين فان نقاشهم هو في امامتهم لا أكثر ، بل يكفي اذعانهم بكونهم مؤمنين فلا غرابة في تفسير ( المؤمنون ) بالائمة ، ولو اشكل مشكلٌ لأشكل على الاية وانه كيف يرى المؤمنون عملهم لا على ان المراد بالمؤمنين الاءمة ، نعم قد يكون وجه الايراد[1] حصر المؤمنين بالائمة ومع ذلك فالاشكال سيكون على كيفية ذلك ، فإنه وارد على اصل كيفية رؤية المؤمنين اعمال الناس ، لا على رؤيتهم( عليه السلام ) بخصوصهم، على ان رؤيتهم بخصوصهم ليس بغريب لانهم اهل بيت الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولأن الايمان درجات ولبداهة عدم رؤية كل المؤمنين اعمال جميع الناس فلابد ان يراد بعضهم ، ومن هو الاولى منهم ؟ فتأمل
وعلى أي فالمستظهر هو ارادة معاني اعمق دلّت عليها روايات اخرى ومنها ما رواه في تفسير القمي ونقله تفسير الصافي ( وفي تفسير القمي و العياشي : عنه ( عليه السلام ) قال تعرض الاعمال على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اعمال العباد كل صباح ابرارها وفجّارها فاحذروها وهو قوله تعالى ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ ) الآية
وعن الرضا ( عليه السلام ) انه قيل له : ادع الله لي ولأهل بيتي فقال : أولست افعل والله ان اعمالكم لتعرض عليّ في كل يوم وليلة قال : فاستعظمت ذلك فقال : اما تقرأ كتاب الله ( عز وجل ) فقال ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) قال : هو والله علي بن ابي طالب( عليه السلام ) والقمي عن الصادق ( عليه السلام ) ( ... فاحذروا وليستحي احدكم ان يعرض على نبيه العمل القبيح) - انتهى
فإن هذا هو الاوفق بان يتقي الامام نقله عنه ويوّري فيه بذلك النحو من التورية اذ انه غير قابل للقبول عند الكثيرين منهم ، عكس الكثيرين منهم ، عكس المعنى الذي تسهل برهنته
كما قد يراد بذلك معنى آخر دلت عليه رواية اخرى وهي : وعنه ابن القمي- العياشي : عن الباقر( عليه السلام ) ما من مؤمن يموت او كافر يوضع في قبره حتى يعرض عمله على رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلى امير المؤمنين( عليه السلام ) وهلّم جرّا الى آخر من فرض الله طاعته على العباد فذلك قوله( عز وجل ) ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) بالموت ( فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بالمجازاة ) انتهى .
فإن ذلك ثقيل على الكثيرين ، فهو الاولى بأن يتقي الامام نقله عنه ويوّري فيه
التورية في وجوب غسل الجمعة
وقد يمثل للمعاريض او التورية ، بما لو كان منها لخرج الكلام او الرواية عن دائرة التعارض بين ظاهرها وغيرها، ومن ذلك بالروايات الدالة على وجوب غسل الجمعة قال في الجواهر ( وهو في مقابلة اخبار[2] دالّة على الوجوب ، وفيها الصحيح ، وقد اشتملت على الأمر ، ولفظ الوجوب ، والنهي عن الترك ، وتفسيق التارك وأمره بالاستغفار ، ونهيه عن العود ، مع اشتمالها على استثناء الخوف والرخصة للعليل ، ونحوها ممّا يفيد ذلك ويؤكّده )[3]
ومن ذلك ما نسب الى الصدوقين من انهما قالا ( وغسل الجمعة سنة واجبة فلا تدعه ) وهو نص رواية بل اكثر كما سيأتي كما ورد في الحديث عن ( النوافل انها فريضة )[4] فكيف يجمع بين كونه سنة وكونه واجباً ؟ اوبين كونها نافلة وكونها فريضة ؟
وجوه الجمع بين ( سنة وواجبه)
أقول : الجمع يكون اما بالتصرف في الموضوع ( وهو : سنة ، النوافل ) او التصرف
في المحمول ( وهو واجبة ، فريضة )
وقد جمع في الجواهر باحد الوجوه التالية :
1ــ ( مع احتمال ارادة السنة الاكيدة اللازمة )
و 2ــ ( على ان قولهما[5] سنة واجبة إن حمل فيه لفظ السنّة على حقيقته في زمانهما ونحوه من الاستحباب كانت عبارتهما اظهر في نفي الوجوب
و 3ــ ( لفظ السنة إن لم تكن حقيقة فيما قابل الواجب – كما هو الاقوى سيّما في زمن الأئمة ( عليه السلام ) ، ويرشد إليه أنّ عرف المتشرعة عنوان عرف الشارع – فلا أقلّ من الاشتراك بينه وبين الواجب بالسنّة دون الكتاب ، ويعيَّن إرادة أحد المعنيين بما ذكرنا )
ويمكن اضافة وجه رابع هو ان مصطلح السنة ، حسب روايات عديدة ، يقابل مصطلح الفريضة والمراد بالسنة سنة الرسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبالفريضة ما فرضه الله تعالى ، وكلاهما واجب والفرق ان ما فرضه الله( عز وجل ) ( كالركعتين الاوليين ) لا يدخله الشك فالصلاة تبطل عندئذ وما سنّه الرسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) - وامضاه الله – يدخله الشك ( كالركعتين الاخيرين) ويصحَّح باجراء احكامه فتامل[6]
نتائج وجوه الجمع الاربعة
ومن الواضح ان نتائج هذه التوجيهات الاربعة مختلفة :
فعلى الاول : لا تعارض بين هذا الكلام[7] وبين نفي الوجوب المستفاد من الروايات المقابلة، وكذا الثاني
وعلى الثالث : لا احراز للتعارض
وعلى الرابع : يقع التعارض اذ مفاده الوجوب فيعارض ما دلّ على انه تطوع
ثم انه على الاولين[8] ، يكون الكلام مصداق التورية او المعاريض ، اذ اريد بـ( واجبة ) الاستحباب لكن عُبّر بما ظاهره الوجوب
من وجوه الحكمة في التورية
وقد يسأل عن الحكمة في ذلك؟
والجواب من وجوه عديدة ، نشير الى بعضها اشارة ههنا : فانه قد يكون من المصلحة ابراز المستحب بصورة الواجب ، وذلك لبعث المكلف نحوه مما لو لم يبرزه كذلك لما فعل ، والسر في ذلك ان الحكيم قد يريد الجمع بين مصلحتين : مصلحة التسهيل على المكلفين فلا يوجِب الفعل عليهم رغم وجود المصلحة الاكيده فيه ( كغسل الجمعة والسواك وقد قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لولا ان اشق على امتي لامرتهم بالسواك) هذا من جهة لكنه من جهة اخرى يبرزه بما يفهم السامع او يحتمل انه واجب[9] فيدفعه دفعاً الى فعل ذلك الامر كي تحصل له منفعته مما لو لم يبرزه بعنوان الواجب لما فعله فتخلَّف عن الكمال وفَقَدَ المصلحة، والثمرة تظهر في انه لو لم يفعل لما عوقب عكس ما لو كان واجباً
ويقرب ذلك الى الذهن ان الوالد قد يقول لولده : يلزم عليك ان تأتي معي الى المسجد ، مع انه ليس بواجب ولذا لو لم يأت لم يعاقبه ، الا انه يبرزه بهذه الصورة كي يذهب للمسجد فيحرز فوائده لعلمه انه لو قال له انه مستحب لما جاء وللكلام تتمة...
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
[1] - وعدم قبول العامة هذا التفسير لـ( المؤمنون) بالائمة( عليهم السلام )
[2] - وسائل الشيعة : انظر باب 6،7 من ابواب الاغسال المسنونةج2 ص 943 و 947 ، بحار الانوار : باب 5 من ابواب الاغسال ح17 ج81 ص129
[3] - جواهر الكلام ج5 ص10 كتاب الطهارة الاغسال المسنونه
[4] - سيأتي نقل الحديث لاحقاً وبيانه بوجه آخر كما في الرواية
[5] - اقول لعل صاحب الجواهر لم يطلع على ان ما نقله الصدوقان هو نص رواية ، لذا قال ( قولهما ) وحاول توجيهه. فتدبر
[6] - اذ مرجع هذا الى ثاني شقي الوجه الثالث للجواهر . فتأمل اذ في الرابع نقول : ان ظاهر السنة هو ما سنه الرسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) وليس مشتركاً
[7] - اي (سنة واجبة) من تعبير الموهم للوجوب يستكشف اهميته لدى المولى ر
[8] - بل وعلى الثالث اذ المشترك من مصاديق المجمل وهو رابع صور التورية التي ذكرناها سابقاً
[9] - بل حتى لو علم بعدم وجوبه الاانه من تعبيره الموهم للوجوب يستكشف اهميته لدى المولى فتكون باعثيته اكبر
الاثنين 11 ربيع الاول 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |