369- بعض الروايات الدالة على تفويض امر الدين للائمة ( عليهم السلام ) ــ تحقيق معنى التفويض للمعصومين : احتمالات خمسة احدها للاخوند في الكفاية واثنان منها للنائيني في (الاجود )
الثلاثاء 18 ربيع الآخر 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
منتخب روايات المعاريض
تتمتان مهمتان لبحث تفويض الدين للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ):
1- روايات دالة على التفويض للأئمة أيضاً
وقد دلت روايات عديدة على التفويض للأئمة عليهم السلام أيضاً وهي متعددة، نكتفي هنا بالإشارة إلى بعضها:
فمنها: (عَنْ مُوسَى بْنِ أَشْيَمَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثاً فِي مَقْعَدٍ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) قَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثٍ ثُمَّ جَاءَهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ عَنْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا فَقَالَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ فَأَظْلَمَ عَلَيَّ الْبَيْتُ لِمَا رَأَيْتُ مِنْهُ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ يَا ابْنَ أَشْيَمَ إِنَّ اللَّهَ فَوَّضَ الْمُلْكَ إِلَى سُلَيْمَانَ فَقَالَ هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ وَ إِنَّ اللَّهَ فَوَّضَ إِلَى مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أَمْرَ دِينِهِ فَقَالَ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فَمَا كَانَ مُفَوَّضاً إِلَى مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فَقَدْ فُوِّضَ إِلَيْنَا)([1])
ووجه تقديم ذكر تفويض الملك لسليمان واضح وهو ان الله كما اقتضت حكمته تفويض الملك لسليمان اقتضت حكمته تفويض أمر الدين للرسول والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) والجامع هو قابلية القابل وصلاحية المحل وجود وكرم وحكمة الفاعل. فتدبر
ثم ان الآية مطلقة شاملة لكل ما أتاناه الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سواء أكان بوحي من الله أم كان بما منحه الله تعالى من الصلاحية وما فوضه إليه من الأمر([2])، والرواية دليل على هذا التعميم أيضاً.
ومنها: (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السلام ) فَذَكَرْتُ اخْتِلَافَ الشِّيعَةِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ فَرْداً مُتَفَرِّداً فِي الْوَحْدَانِيَّةِ ثُمَّ خَلَقَ مُحَمَّداً وَعَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ (عيهم السلام) فَمَكَثُوا أَلْفَ دَهْرٍ ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ وَأَشْهَدَهُمْ خَلْقَهَا وَأَجْرَى عَلَيْهَا طَاعَتَهُمْ وَجَعَلَ فِيهِمْ مَا شَاءَ وَفَوَّضَ أَمْرَ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِمْ فِي الْحُكْمِ وَ التَّصَرُّفِ وَالْإِرْشَادِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي الْخَلْقِ لِأَنَّهُمُ الْوُلَاةُ فَلَهُمُ الْأَمْرُ وَ الْوَلَايَةُ وَ الْهِدَايَةُ فَهُمْ أَبْوَابُهُ وَ نُوَّابُهُ وَ حُجَّابُهُ يُحَلِّلُونَ مَا شاءوا وَ يُحَرِّمُونَ مَا شاءوا وَ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا مَا شَاءَ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ فَهَذِهِ الدِّيَانَةُ الَّتِي مَنْ تَقَدَّمَهَا غَرِقَ فِي بَحْرِ الْإِفْرَاطِ وَ مَنْ نَقَصَهُمْ عَنْ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الَّتِي رَتَّبَهُمُ اللَّهُ فِيهَا زَهَقَ فِي بَرِّ التَّفْرِيطِ وَلَمْ يُوَفِّ آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ ثُمَّ قَالَ خُذْهَا يَا مُحَمَّدُ فَإِنَّهَا مِنْ مَخْزُونِ الْعِلْمِ وَمَكْنُونِهِ)([3]) والكلام عن فقه هذين الحديثين ونظائرهما يوكل لمظانه
2- معاني ومحتملات التفويض إليهم
ثم ان المحتملات أو الأقوال في التفويض إليهم متعددة، فلنشر إليها إشارة:
أ- روح الدين هو المنزل فقط
الاحتمال الأول: ما سبق من ان روح الأحكام وجوهرها أوحي إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مطلقاً دون خصوصياتها وأركانها ونحوِ تَمَصْدُقها.
وهذا القول باطل تشهد الأدلة بخلافه، وقد سبق بعضها
ب- المصالح والمفاسد هي الموحى بها للنبي فقط لا الأحكام
الاحتمال الثاني: ما نسبه بعض الأعلام إلى الآخوند في الكفاية، فقد قال: (الرأي الثاني: وهو ما ذكره المحقق الآخوند في الكفاية من ان المشرِّع في جميع الأحكام هو النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والأئمة (عليهم السلام)، وأما الوحي، أو الإلهام فهو اسطة في إلهام المصالح والمفاسد الى نفوسهم المقدسة، وحينئذٍ يشرعون بأنفسهم الأحكام على ضوء هذه المصالح والمفاسد الملهمة لهم)
ج- الأحكام الشأنية موحى بها للنبي لكن دون إرادة أو كراهة من الله تعالى
الاحتمال الثالث: رأي صاحب الكفاية:
فان الظاهر عدم تمامية تلك النسبة إلى الآخوند في كفايته وذلك لصراحته في ان (الحكم الشأني) قد أوحي إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو ألهم إلى الإمام ( عليه السلام ) لا مجرد المصلحة أو المفسدة، بل الحكم الذي من شأن تلك المصلحة أو المفسدة اقتضاؤهُ هو الذي أوحى به إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) غاية الأمر انه شأني لا فعلي.
قال في الكفاية([4]): (حيث انه مع المصلحة أو المفسدة الملزمتين في فعل وان لم يحدث بسببها إرادة أو كراهة في المبدأ الأعلى إلا انه إذا أوحى بالحكم الشأني من قبل تلك المصلحة أو المفسدة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو ألهم به الولي لا محالة ينقدح في نفسه الشريفة بسببهما الإرادة أو الكراهة الموجبة للإنشاء بعثاً أو زجراً).
أقول: حيث ان الآخوند فسّر الإرادة في الله تعالى بعلمه بالصلاح والفساد، لذا لم يمكنه القول بإرادة الله تعالى للواجبات وكراهته للمحرمات إذ يلزم عليه التغير لكون علمه عين ذاته والإرادة لم تكن فكانت. ولأنه أراد شيئاً ولم يرد شيئاً آخر فكيف تكون الإرادة صفته وصفاته عين ذاته؟
لذلك كله نَقَلَ الإرادة والكراهة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعليه وحسب كلامه: 1- فان الله يوحي إليه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالمصلحة والمفسدة. 2- ويوحي إليه بالوجوب الشأني للصلاة المحددة([5]). 3- فيريد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو الإمام الصلاة 4- فينشئ وجوبها 5- فتكون واجبةً لازمة الإتباع أي منجزة معذرة.
ولا يخفى بطلان مبناه وبطلان ما بناه عليه لضرورة اختلاف مفهوم العلم عن الإرادة وللآيات ومنها قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) إذ لا يصح تفسيرها بـ(إذا علمنا ان نهلك قرية...) وكذلك (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ). إلى غير ذلك. واما ما بناه عليه ففيه: ان الإرادة من صفات الفعل لا من صفات الذات فهي كالخلق، والذي يلزم من تغيره تغيّر الذات هو تغير صفات الذات، لا تغير صفات الفعل([6]).
نعم السيد الوالد ذهب إلى رأي آخر فراجع الوصول ج3 ص388-389 وتأمل فيه
ولعل مرجع كلامه إلى ان الإرادة على نوعين: الإرادة الفعلية المقارنة لوقوع المراد وهي من صفات الفعل، والإرادة القائمة به تعالى السابقة على الأشياء وهي من صفات الذات. فتأمل
د- إرادة النبي سبب وجوب الفعل
الاحتمال الرابع: ما احتمله النائيني أولاً وهو:
ما جاء في أجود التقريرات الجزء الثاني ص 304 قال (فإن قلت يعد الفراغ عن أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا ينطق عن الهوى، فما معنى كون الفرض منه في قبال فرض الله... قلت يمكن ان تكون إرادة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) موجبة لوجوب فعل على المكلف بنفسها كما لا يبعد ان يكون ذلك مقتضى تفويض الدّين إليه الثابت بالإجماع والضرورة وحينئذٍ يكون كيفية الوجوب تابعة لإرادته فإذا تعلقت إرادته بتقييد الواجب بشيء فلا محالة يكون مقيداً به)
ويمكن التمثيل له لتوضيح كلامه، بولاية الأب والأم فإن إرادتهما لو تعلقت بان يأتي ابنهما بفعل مباح بذاته، فانه سيتحول إلى واجب لو كان تركه موجباً لإيذائهما أو مطلقاً.
فنفس إرادة الأبوين كانت سبباً لوجوب الفعل على الابن بنفسها، وكذلك – بل أولى منه – إرادة النبي أو الإمام
و- إرادته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سبب تولّد المصلحة في الواقع
الاحتمال الخامس: ما احتمله النائيني ثانياً من (على انه لو تنزلنا عن ذلك فيمكن ان يقال: ان وجوب بقية الأجزاء ناشئ عن مصلحة لا تتم إلا بإرادة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فجملة من الأجزاء يكون ملاكها ملزِما على الإطلاق وجملة أخرى يتوقف تمامية ملاكها على إرادته...)
وتوضيح كلامه: ان الإرادة يمكن ان تؤثر في عالم التكوين فتغيّره فيتبعه تغير المصلحة والمفسدة، فالحكم بالتبع، أو يتبعه وجودهما (في المباح)
ويقربه إلى الذهن: ان إرادة الدولة أو بعض الجهات كثيراً ما تغير الواقع تكوينياً فمثلاً لو قررت الدولة شراء بيوتٍ وأراضيَ في منطقة ما بعد شهر مثلاً فإن أسعار كافة البيوت سترتفع فوراً من الآن فقد أثّر مجرد القرار – بل حتى مجرد طرح احتماله – في رفع الأسعار، ولو قررت الدولة توزيع بيوت على الناس بعد فترة انخفضت الأسعار فوراً.
وكذا لو قررت الدولة منع استيراد السيارات بعد ستة أشهر فان اسعارها ترتفع من الآن أو قررت إجازة استيرادها بعد ستة أشهر فان اسعارها من الآن تنخفض
بل ثبت علمياً وتجربياً ان الإرادة قد تؤثر في الخارج تكوينياً، ولذا نجد بعض ذوي الإرادة القوية بمقدورهم ان يحركوا الأجسام الثقيلة أو يوقفوها معلَّقةً في الهواء بمجرد تركيز إرادتهم عليها. وللحديث صلة بإذن الله تعالى
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) وسائل الشيعة ج22 ص70.
([2]) بل لعل ظاهر الآية هو ما آتاهم الرسول من ما نشأ من ولايته وتفويض الأمر إليه، وإلا لكان الأنسب أن يقال: ما نقله لكم الرسول. فتأمل
([3]) بحار الأنوار ج25 ص339.
([4]) الكفاية ص277 من النسخة الليزرية وراجع الوصول إلى كفاية الأصول ج3 ص387.
([5]) لاحظ صراحة عبارته السابقة (إلا انه إذا أوحى بالحكم الشأني من قبل تلك المصلحة أو المفسدة).
([6]) ومقياس صفة الذات وصفة الفعل: ان ما أمكن ان يُثبَت له تعالى تارة ويُنفى عنه أخرى فهو من صفات الفعل مثل (الخلق) إذ يقال: خلق الله زيداً ولم يخلق حفيده أو خلق سبع سماوات ولم يخلق الثامنة أو خلق زيداً السبت ولم يخلقه الجمعة، وكذلك الإرادة إذ يقال أراد الله ان يبعث الرسول ولم يرد ان يبعث غيره شريكا له (كمسيلمة الكذاب مثلاً) واما صفات الذات فهي ثابتة له مطلقاً كالعلم والقدرة إذ هو عالم أبداً قادراً أبداً ولا يقال قَدِرَ ولم يقدر أو عَلِم ولم يعلم.
الثلاثاء 18 ربيع الآخر 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |