380- بحث تمريني تطبيقي ــ وجوه عشرة لقوله ( عليه السلام ) ((ثلاثة لا تقي فيهن احداً : شرب المسكر ومسح الخفين ومتعة الحج))
الاربعاء 3 جمادى الاولى 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيَّما خليفة الله في الأرضيين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
تتمة مباحث فقه المعاريض
بحث تطبيقي : لا تقية في المسكر ومسح الخفين ومتعة الحج
وردت روايات عديدة ظاهرها ان لم يكن نص بعضها ، استثناء هذه الثلاثة من حكم التقية، ومنها صحيحة زرارة:
فقد روى في الكافي: (( قلت له: (في مسح الخفين (تقية؟ فقال: ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا: شرب المسكر، ومسح الخفين، ومتعة الحج ))[1].
اقول : وحيث ان الرواية بظاهرها مخالفة للقواعد[2] وللاطلاقات ، لذلك حملها الفقهاء على محامل :
أ ــ القضية شخصية لاحقيقية
المحمل الاول: ماحملها عليه زرارة اذ قال في تتمة الرواية ( ولم يقل الواجب عليكم الاتتقوا فيهن احداً ).
والنكتة في كلام زرارة هي عدول الامام( عليه السلام ) عن الجواب عن السؤال عن القضية الحقيقية العامة الى القضية الخارجية الشخصية الخاصة فتدبر، فهي من المعاريض والتورية اذن.
اشكال بعض الفقهاء على جواب زرارة
لكن اشكل بعض الفقهاء على زرارة بان توجيهه لايفي بحل الاشكال فانه وان صح في خصوص هذه الرواية الا ان هناك روايات اخرى عامة اجاب الامام( عليه السلام ) فيها بنحو القضية الحقيقية ومنها:
صحيحة او مصححة هشام عن ابي عمر الاعجمي ((ولا دين لمن لا تقية له، و التقية في كل شيء الا في النبيذ و المسح على الخفين))[3]
ورواية عمرو بن مروان[4] (( قال: قلت لأبي عبد اللَّه: ان هؤلاء ربما حضرت معهم العشاء فيجيئون بالنبيذ بعد ذلك فان لم أشربه خفت ان يقولوا فلانيٌّ فكيف اصنع؟ فقال: اكسره بالماء قلت: فان انا كسرته بالماء أشربه؟ قال: لا ))[5].
وحديث الاربعمائة ( ليس في شرب المسكر والمسح على الخفين تقية ).
انتصارنا لجواب زرارة
اقول: لكن الظاهر وفاء جواب زرارة بحل المعضلة حتى مع لحاظ هذه الروايات ايضاً؛ فان قوله ( ثلاثة لااتقي ... ) ظاهرة في تفسير هذه الروايات ايضاً . ووجهه يظهر بالتدبر في سر عدول الامام( عليه السلام ) عن الجواب بالقضية الحقيقية الى القضية الشخصية الخارجية مع ان مقتضى القاعدة الجواب عن الحقيقية بالحقيقية اضافة الى ان السؤال لم يكن عن وظيفة الامام( عليه السلام ) كما هو ظاهر، اضافة الى ان الجواب بتحديد وظيفة الامام( عليه السلام ) لاينفع السائل شيئاً اذ مورد السؤال والفائدة ، هو ماهي وظيفتنا ؟ وهل في مسح الخفين تقية لنا اولا ؟
وجه عدول الامام( عليه السلام ) عن الجواب على طبق السؤال
والنكتة الدقيقة في عدول الامام هو بيان ان التقية امر شخصي فكلٌ وظروفه ولاضابط عام لها ، ولذا قال ( لا اتقي فيهن ...) فلِمَ لا يتقي فيهن ؟ ولِم اجاب بـ( لا اتقي ) مع ان السؤال هو عن هل نتقي ؟ انما ذلك ليفهم ان الامر موكول الى ظروف المكلف ، فحيث انني ليست في حالة التقية من جهة هذه الثلاثة فلا اتقي فيهن ، اما انتم فانظروا الى ظرفكم وحالتكم
ويؤكد هذا الوجه ، اضافة الى انه ظاهر وعرفي بل واضح للذكي الملتفت ، ورود روايات عديدة تؤكد ان التقية شخصية وصاحبها اعلم بها حين تنزل به[6] . فتدبر[7]
ب ــ لا تقية في الفتيا
المحمل الثاني: ماذكره الشيخ الطوسي في الاستبصار: (( والثاني: أن يكون اراد لا اتقي فيه احدا في الفتيا بالمنع من جواز المسح عليهما دون الفعل لان ذلك معلوم من مذهبه فلا وجه لاستعمال التقية فيه ))[8]
اقول: اشار الشيخ الى نقطة هامة جداً في التقية وهي ان التقية على قسمين : التقية في الفتوى والتقية في العمل ، فقد لاتكون التقية في الفتوى وتكون في العمل وقد يعكس الامر، ووجهه واضح فإن العامة او السلطات تارة تتحسَّس على (العمل بخلافهم) كأن يصلى في مسجدهم مع التربة مُسبِلاً ولا تتحسس على صرف الفتوى . وتارة يكون العكس بان تتحسس على اظهار الرأي والنظر والفتوى اما كيف عملك في مسجدك او مسجدهم فلا يهمهم لكون دائرته محدودة النطاق . فتدبر
ثم ان الظاهر المتبادر عرفاً من ( لااتقي ) هو (التقية العملية)[9] ، فَحَمَلَ الطوسي كلام الامام( عليه السلام ) على التقية الفتوائية . فهل هو حمل على خلاف الظاهر بلاقرينة؟ تدبروا جيداً وابحثوا عن القرينة
ج ــ لا تقية مع المشقة العادية
المحمل الثالث : ماذكره ايضاً: (والثالث: أن يكون اراد لا اتقي فيهن احدا إذا لم يبلغ الخوف على النفس أو المال وان لحقه ادنى مشقة احتمله، وإنما يجوز التقية في ذلك عند الخوف الشديد على النفس أو المال))
وحاصله: وجود قيد محذوف، وقد دلتنا عليه سائر الرويات اذ ان الضابط العام المعطى فيها يقود الى هذا التقييد.
وان شئت فقل : ان الرواية – ونظائرها – منصرفة الى خصوص هذه الصورة، لكن يبقى سؤال ان الانصراف هل هو لكثرة الوجود؟ او لكثرة الاستعمال ؟ او لمناسبات الحكم والموضوع ؟ او غير ذلك؟ فتدبروا
د ــ انتفاء التقية موضوعاً
المحمل الرابع : انتفاء التقية موضوعاً لاختلاف مذهب المخالفين[10]
اما بالنسبة الى المسكر فلان اكثر المخالفين على حرمة شرب المسكر ، كما قاله العلامة الحلي، واما مسح الرجلين فلان اكثرهم خيّر بين المسح على الخفين او غسل الرجلين ، وغسل الرجلين اولى لانه ميسور المسح على الرجل فلا تقية في المسح على الخف
واما متعة الحج فقد قال بها بعضهم[11]- أي بعض العامة – كما قيل
هـ ـ وجود المخلص من التقية
المحمل الخامس : وجود مخلص
فانه وان قلنا بتحقق التقية في الثلاثة الا ان المخلص منها موجود :
اما متعة الحج، فلان المعهود عندهم ان يبدأوا قبل الحج بطواف وسعي استحبابيين ، لا بقصد عمرة ولاحج ، فيمكن ان يتظاهر الشخص بانه يقوم بذلك ثم يقصِّر سراً.
واما المسح على الخفين، فيمكن نزعهما والتظاهر بغسل الرجلين الا انه يسبقهما بمسح سريع خفي حتى كأنه عفوي
واما المسكر، فله ان يدعي المرض وانه يضره مثلاً وللحديث صلة .
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
[1] - الكافي ج3 ص32
[2] - لفطرية التقية ، ولكونها من المستقلات العقلية ، ولبداهة ان حفظ النفس والعرض مثلاً اهم من المسح على الخفين او شرب المسكر
[3] - وسائل الشيعة ج16 ص 215
[4] - وهي صحيحة أو كالصحيحة
[5] - وسائل الشيعة ج25 ص 351
[6] - ومنها صحيحة زرارة الواردة في الكافي الشريف وهي ( الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن حماد عن ربعي عن زرارة عن ابي جعفر( عليه السلام ) : التقية في كل ضرورة وصاحبها اعلم بها حين تنزل به )
[7] - اذ يحتمل ان ( لا اتقي ...) اخذ مرآة وطريقاً لوظيفة السائل ايضاً . فتأمل
[8] - الاستبصار ج 1 ص 77
[9] - او الاعم من الفتوائية والعملية لمكان الاطلاق
[10] - كما ذكره في المستمسك
[11] - وهذا المحمل يختلف عن الوجه الثاني للطوسي اذ ذاك انه لا تقية لان فتوانا بها معروفة فلا يجدي الانكار ، واما هذا : لا تقية لان فتوى كثير منهم مطابقة لنظرنا
الاربعاء 3 جمادى الاولى 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |