379- بيان وجه ان السيرة العقلائية لاتشمل التقليد في مبادئ الاستنباط 11ــ ان التقليد في بعض مسائل الاصول بلا أثر ( كمسألة حجية خبر الثقة وكالاصول العملية في الشبهات الحكمية)
الثلاثاء 2 جمادى الاولى 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيَّما خليفة الله في الأرضيين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
تتمة الدليل العاشر: السيرة العقلائية لا تشمل مبادئ الاستنباط
سبق انه: قيل ان الدليل على جريان التقليد وصحته اما الكتاب او السنة او السيرة العقلائية، اما الكتاب والسنة فلا يشملان مبادئ الاستنباط لعدم كونها من الدين ولا من الحلال او الحرام وقد مضى.
اما السيرة العقلائية ، فقد قال في التنقيح (( واما السيرة العقلائية فلانها وان جرت على رجوع الجاهل الى العالم، ورجوع المجتهد الى العالم بتلك القواعد ايضاً من رجوع الجاهل الى العالم، إلّا أن ذلك على اطلاقه ليس مورداً للسيرة أبداً، لاختصاصها بالمسائل النظرية المحتاجة الى التدقيق والاستدلال[1] كما في الطبابة والهندسة وغيرهما . واما الاُمور الحسية ألتي لايحتاج فيها الى الدقة والاستنباط فلم تقم فيها السيرة على رجوع الجاهل الى العالم ، وهذا كموت زيد وولادة ابنه ونحوهما فإنه اذا علم بها احد باجتهاده وحدسه لم يكن أي مجوّز لتقليده ، لانهما أمران حسيان لا يحتاجان الى الاستنباط والاجتهاد ، ولاسيرة على رجوع الجاهل الى العالم في مثلهما .
ومبادئ الاستنباط من هذا القبيل ، لان القواعد الادبية راجعة الى إثبات الظهور ، وهو من الامور الحسية فإذا بنى اللغوي او غيره على ان اللفظة المعينة ظاهرة في معنى كذا بحدسه واجتهاده ، لم يجز اتباعه فيه لأنه لا دليل على مشروعية التقليد في الاُمور الحسية ،ومن هنا قلنا في محله إن اللغوي لا دليل على حجية قوله ونظره، وكذلك الحال بالنسبة إلى علم الرجال، لأن العدالة والوثاقة من الاُمور المحسوسة والاخبار عنها حدساً ليس بمورد للتقليد ابداً.))[2]
المقياس العام لمرجعية الفقيه في الحسيات أو الحدسيات
اقول: كلامه يتكون من كبرى وصغرى :
اما الكبرى فهي – مع اضافة وتوضيح وتلخيص ايضاً:
1ــ ان الامور الحسية لو توصل اليها المجتهد بالحدس فإنه لا يصلح تقليده فيها ، كما لو علم بموت زيد لابرؤيته يموت بل بمعادلات طبية أعملها فاكتشف حدساً موته فإنه لو اخبر بذلك زوجته وابنائه فإنه لا تبين زوجته ولايقسم ارثه الخ[3].
2ــ ان الامور الحسية لو توصل اليها الشخص بالحس فإنها تدخل في دائرة خبر الثقة ، لا التقليد ، فكلامه حجة من هذا الباب لا من باب التقليد المصطلح.
3ــ ان الامور الحدسية لو توصل اليها المجتهد بالحدس جاز تقليده ، كالطب وكالفقه ، هذا كبرى
مبادئ الاستنباط هي امور حسّية
واما الصغرى، فان مبادئ الاستنباط امور حسية لان الوثاقة والعدالة مما تحس اذ الوثاقة صدق اللهجة وهي مما يُسمع والعدالة تجنب المعاصي وفعل الطاعات وهي مما ترى وتسمع ، وكذلك اللغة فإنها مما تسمع، والنحو والصرف فان قواعدها سماعيات.
وحينئذٍ: فلو نقلها عن حس جاز قبول قبوله من باب خبر الثقة لا التقليد، لكن المعهود هو وصول المجتهد اليها عادة عن حدس لانه لم يكن حين الوضع ليسمع وضع هذا اللفظ لهذا المعنى ، بل رأى موارد الاستعمال مثلاً او الاطراد وعدم صحة السلب وسائر علائم الحقيقة فحدس منها انه الموضوع له الحقيقي، وهكذا حَدَسَ من مراجعة كتب التأريخ والرجال وغيرها ان فلاناً الراوي عادل او ثقة ، اذ انه لم يره ولم يسمع كلامه ليكون تعديله وتوثيقه عن حس. هذا وستأتي مناقشته ومناقشة سائر الادلة باذن الله تعالى.
الدليل الحادي عشر: بعض مسائل الاصول الشرعية لا اثر للتقليد فيها فلا يصح
قال في ( النور الساطع ) (( الساس من الامور التي لا يجوز التقليد فيها: مسائل اصول الفقه ، لان ما كان منها شرعية كالأصول العملية في الشبهات الحكمية وكحجية خبر الواحد ونحو ذلك فانها وان كان يصح للعامي ان يرجع فيها للمفتي الا انه لا اثر لتقليده فيها ؛ لعدم إمكانه العمل بها لفقده شروط العمل بها من الفحص عن المخصص والمقيد والمعارض والناسخ وتمييزه الصحيح عن غيره.
وأما ما كان يمكنه العمل بها ولايتوقف العمل بها على امر غير مقدور له فيجوز ان يقلد المجتهد فيها كمسألة البقاء على تقليد الميت ومسألة العدول عن المفتي في موارد احتياطاته ، لغيره بناءً على كونها من مسائل الاصول.
نعم، لو فرض ان العامي تمكن من الفحص كما اذا كان مراهقاً للاجتهاد فلا مانع من التقليد فيها كما انه لو فرض ان المجتهد قد فحص ورفع موانع العمل بها كان للمجتهد ان يفتي بان المورد مورد هذه الاية او هذا الخبر او هذا الاصل والعامي يقلده في ذلك))[4]
اقول: ههنا نقاط:
التفريق بين ماله اثر وما لا اثر له
النقطة الاولى: ان ملخصة التفريق بين المسائل الاصولية الشرعية وغيرها، اما الثانية فستأتي واما الاولى فالتفريق بين ماله اثر فيجوز التقليد فيه وما ليس له اثر فلا يجوز التقليد،
ثم التفصيل بين نوعي المكلف فقد يكون للتقليد في المسالة الشرعية الاصولة اثر، كما في الفاضل المقارب للاجتهاد وقد لا يكون له اثر كما في العامي المحض في مثل الاصول العملية في الشبهات الحكمية ومثل حجية خبر الثقة . اذ لاقدرة له على الفحص، والحكم والاستنتاج موقوف على الفحص.
امثلة للشبهات الحكمية
النقطة الثانية: ( الشبهات الحكمية ) كنجاسة الحديد او أي معدن جديد، فان مرجعه الى : اصالة الطهارة ، ونظيره نجاسة عرق الجنب من الحرام لو شك فيها[5]، وكذلك لو شك في حلية أي نبات مستحدث أو قديم لم يعرف حكمه[6] فان اصالة الحلية محكمة ، لكن تقييده بالشبهات الحكمية غير تام اذ يجري الكلام في الشبهات الموضوعية في الجملة ، كما سيأتي .
المسألة تكون اصولية او فقهية بحسبِ جهةِ بحثِها
النقطة الثالثة: ان مسألة البقاء على تقليد الميت ، ومسألة العدول في موارد احتياطاته وكذا نظائرها كتقليد الميت ابتداءاً وكالتبعيض في التقليد وغيرها ، يمكن ان تطرح اصولية كما يمكن ان تبحث فقهية.
اما الاول: ففيما لو كان مصب البحث هو ( حجية رأي الميت بالنسبة لمن قلّده في حال حياته ) و ( حجية رأيه مطلقاً ) و(حجية رأي المفضول فيما لو لم تكن للاعلم فتوى) ... الخ وذلك لان موضوع علم الاصول هو (الحجة المشتركة القريبة في الفقه ) كما فصلناه في كتاب (الحجة، معانيها ومصاديقها ) بل الامر كذلك حتى على سائر التعريفات فتدبر.
واما الثاني: ففيما لو كان مصب البحث هو الجواز والحرمة وما اشبه من الاحكام التكليفية كجواز تقليد الميت ابتداءاً او مطلقاً ... الخ ، وذلك لما سبق تفصيله في العام الماضي من ان هذه العلوم هي علوم اعتبارية فتدخل فيها المسألة او تخرج على حسب ( الجهة ) والاعتبار، فتدبر. وللحديث صلة .
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
[1] - اي الامور الحدسية
[2] - التنقيح في شرح العروة الوثقى: ص351
[3] - هذا لو لم يورث قوله العلم، اما لو اورثه فيدخل في عنوان آخر
[4] - النور الساطع في الفقه النافع : ج2 ص88
[5] - كما مثّل لهذا الاخير في العروة المسألة 70 من اولها
[6] - كالتبغ وفاكهة الكيوي وغيرها
الثلاثاء 2 جمادى الاولى 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |