بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تحدثنا فيما مضى حول مدى صحة نسبة اعتماد الشيخ الطوسي على اصالة العدالة في تصحيحه للروايات وناقشنا حتى احتمال نسبة ذلك اليه, فنفينا حتى الاحتمال.وقد اجبنا باجوبة عديدة، ووصلنا الى ان المبنى في العدالة لو كان هو الاسلام وعدم ظهور الفسق، فإن الشيخ حتى لو ذهب اليه – كما في كتاب النهاية – فان ذلك لا ينفع المدعي اعتماد الشيخ على اصالة العدالة، واوضحنا كل ذلك, وذكرنا كذلك تصريح الشيخ في العدة بان العدالة لها معان مختلفة، وان المعنى المراد في الراوي هو غير ذلك المراد في في الشاهد، هذا ما مضى .
تتمتان: ونذكر تتمتين للبحث السابق: التتمة الاولى معنى: (الاعتماد على ظاهر الإسلام والامانة) وفيها ننقل عبارة أخرى للشيخ الطوسي مع تفسيرها، فانه يقول في الاستبصار :" لا يجب على الحاكم التفتيش عن بواطن الناس، وانما يجوز له ان يقبل شهادتهم اذا كانوا على ظاهر الاسلام والامانة، وان لا يعرفهم بما يقدح فيهم ويوجب تفسيقهم " انتهى.وهذه العبارة منه قد يستند اليها في ان الشيخ يصرح بانه لايجب التفتيش عن بواطن الناس وانما الاعتماد هو على ظاهر الاسلام والامانة فقط وعلى هذا: فان مسلك الشيخ في التوثيق سيكون وسيعا فلا يصحّ للمضيق والمتشدد، والذي لا يكتفي بظاهر الاسلام والامانة، وانما يعتمد على التفتيش والاحراز، الاستناد إلى توثيقاته المستندة الى اعتماده على ظاهر الإسلام والأمانة.وهذه العبارة منه قد تكون هي اقوى العبارات والاكثر دلالة لأولئك المدعين او المحتملين لكون الشيخ يعتمد على اصالة العدالة بمعنى لا يجدي المتشدد، في ثوثيقاته.
جواب الاشكال :ونقول في الجواب: - اضافة الى ما بيناه فلا نعيد – ان التامل في هذه العبارة يودي الى غير ما يتوهم منها ظاهرا؛ حيث يقول الشيخ ( اذا كانوا على ظاهر الاسلام والامانة ) .وقفتان مع عبارة الشيخ الطوسي :وهنا وقفتان مع عبارة الشيخ: الوقفة الاولى: عند كلمة ( ظاهر الاسلام ) الوقفة الثانية: عند كلمة ( ظاهر الامانة ) 1- معنى كلمة (ظاهر الإسلام)اما الوقفة الاولى، وفيها نقول: ماهو المراد من كلمة ظاهر الاسلام ؟
والجواب: ان ما حققناه في البحث الماضي في مبحث ظهور الفسق والدوائر الست، يفيدنا في المقام، حيث ان (الظهور) هو معنى ذو مديات وابعاد متعددة.
تطبيق البحث الكبروي : والبحث الكبروي يطبق هنا وهو :هل ان المراد من ظاهر الاسلام ما هو ظاهر عند اهل المحلة والعشيرة؟،2 او ان المراد منه عند اصدقائه3؟ او عند زوجته واولاده4؟ او المراد من الظهور عند صديقه الصدوق اللصوق وصاحب سره5؟ او المراد عند قوم معاصرين له وان كانوا بعيدين6؟ او المراد من الظهور هو عند قوم وان تاخروا عنه؟ ½6 وهذه هي المعني الست المارة الذكر,قد يقال كلام الشيخ الطوسي ظاهر في المعنى الثالث والرابع – بالترتيب السابق – أي: ظاهر الاسلام عند اهل المحلة والعشيرة او عند اصدقائه، وليس ظاهرا في بقية المعاني بل هو ناف لبعضها، ويدل على ذلك عبارة نفس الشيخ وهي: (ولا يجب على الحاكم التفتيش عن بواطن الناس )؛ فان هذه البواطن من الخصوصيات والتي لا تظهر لاهل المحلة او الاصدقاء العاديين، عادة، والتي تعرف من مراقبته بشكل خفي، او من استقصاء استنطاق بطانته الخاصة جداً، فيكتفى إذن بالظاهر لدى أهل المحلة والأصدقاء العاديين.وعليه فان الشيخ في عبارته يثبت وينفي، حيث يثبت احتمالين من الاحتمالات الست السابقة وينفي المعنيين الأخيرين – الخامس والسادس – لعدم عرفية التعبير بمثل ذلك عن ظهور حاله عند أهالي بلد آخر أو عصر آخر، ويحتمل نفيه أيضاً للمعنى الثاني (الظهور للأهل والخدم ونظائرهم) لأنه تفتيش لبواطن الناس لو حقق الحاكم منهم، والحاصل وضوح مراده من خلال ملاحظة عقد السلب والايجاب في كلامه، وخاصة لواننا لاحظنا القرينة الثانية وهي ( الامانة ) .
2- معنى: (قرينة الامانة )كون الشخص على ظاهر الامانة المذكورة يراد به في المتفاهم العرفي، أي عند اهل المحلة – وهو المعنى الرابع - ولو اردنا التشدد لقلنا عند الاصدقاء – المعنى الثالث - ، فانه عندما يقال: ان فلانا تاجر امين أو هو على ظاهر الأمانة يراد به انه أمين معروف بذلك في سوقه ومحلته ولا يقصد انهم تتبعوا حاله عند زوجته واولاده ,
وبتعبير اخر: عندما يقول الشيخ (إذا كانوا على ظاهر الإسلام والامانة) فانه يريد منه الظهور المستقر في بناء العقلاء لا الظهور البدوي الأعم منه. سلمنا، لكن ذلك لا يضر استدلالنا؛ اذ كان لنا جواب اخر في المقام حيث ان الشيخ يصرح ان ما اعتمده من العدالة في الراوي هو غير ما اعتمده من العدالة في الشاهد وصرح بتعريفه للعدالة ي الرواي، فراجع. ولعل مما يؤكد ذلك كله قول الشيخ (وان لا يعرفهم بما يقدح فيهم ويوجب تفسيقهم) فإن طريق المعرفة العرفي هو غير المعنى الخامس والسادس، وغيرهما يعد إمارة نوعية على العدالة.
التتمة الثانية: للعدالة معاني عديدةوهذه التتمة هي تتمة مهمة، ولها الموضوعية، الا اننا نشير لها بنحو الاشارة فنقول:ذكرنا فيما سبق ان العدالة يراد منها في الابواب المختلفة معان مختلفة – وكان هذا مفتاحاً لاحدى الاجوبة السابقة –، فقد ورد لفظ العدالة أو ما يفيد معناها في الشاهد والراوي ومرجع التقليد والقاضي وامام الجماعة، الا ان المعنى مختلف في الجملة.
توضيح ذلك :وننقل هنا كلام السيد الوالد ونص عبارته مع توضيح منا :" اللازم في كل باب مراجعة الاخبار الواردة في ذلك الباب لاثبات الحكم او نفيه او المراد بالموضوع الذي علق عليه الحكم "، ثم يقول ما مضمونه: "ان قبول شهادة الشاهد علقت على العدالة وكذلك في باب الجماعة الصلاة علقت على كون الامام عادلا، وينبغي ان نرى الروايات في باب امام الجماعة وما الذي ذكرته وكيف عرّفت العدالة هنالك ؟ وكذا نرى الروايات في باب الشهادة وكيف عرفت العدالة هنالك ؟فنستفيد من الروايات وتفسيرها في ذلك الباب ونتقيد بتعريف الروايا ت للعدالة في هذا الباب، ولا نحمل المعنى من احد البابين على الاخر فانه بلا وجه)
واما نص عبارته الاخرى: " ولا يجوز الجمع بين تلك الروايات وحمل بعضها على بعض وجعل المجموع واحدا معلقا عليه الحكم في جميع الابواب فان هذا اشبه شيء بالقياس"
معنى العدالة في الابواب المختلفة وعدم صحة حمل بعضها على بعض ونضيف ونقول: اذا ذكرت الروايات العدالة – أو ما يفيد مفادها - في باب وفسرتها بتفسير معين ثم فسرت الروايات الاخرى العدالة أو ما يفيد معناها في باب اخر بتفسير اخر، فما هو المستظهر عندئذٍ؟
والجواب: انه ينبغي ملاحظة الاحتمالات الثبوتية في المقام، ثم استظهار أحدها من الأدلة أو القرائن لو كانت
والمحتملات هي:الاحتمال الاول :ان تكون العدالة مقولة بنحو التشكيك وبمراتب وبدرجات مختلفة، ففسرت في احد الابواب بالدرجة الاشد وفي باب آخر فسرت بالاخف وهكذا، وذلك قد يكون لاختلاف الموضوعات في درجة الخطورة والاهمية وغيرها, فان امام الجماعة من حيث المهام والمسؤولية اخف وطاة وشدة من مرجعية التقليد فان ازمة الامور بيده, وهذا بخلافه في امام الجماعة، كما ان العدالة المشترطة في القاضي هي اشد من تلك المشترطة في امام الجماعة، - خاصة وان الجماعة مبنية على التخفيف – , وعليه: فالتعريفات للعدالة اختلفت نظرا للمعنى التشكيكي فيها وبلحاظ كل باب من الابواب أريدت مرتبة خاصة منها.ونذكر مثالا لمزيد توضيح فنقول : ان (الايمان) كذلك له عدة تعريفات والسر في ذلك أيضاً هو اختلاف المراتب، وتبعا لذلك فان الاحكام ستختلف، وكذا الحال في الوثاقة فانه في الاخبار الخطيرة والدقيقة نحتاج الى درجة عالية منها، بخلاف الحال في الاخبار العادية والبسيطة، وهكذا حال العدالة وغيرها من المعاني التشكيكية.
الاحتمال الثاني :ان تكون هناك معان متباينة، وقد اطلقت عليها العدالة بنحو الاشتراك اللفظي .الاحتمال الثالث :ان تكون تلك التعاريف المختلفة في الروايات كلها تشير الى ذلك المعنى، لكن الامام (عليه السلام) تارة يذكر امارة على العدالة في باب معين، ويذكر امارة اخرى عليها في باب اخر وهكذا، فتوهم التعارض والاختلاف، فالأمارت مختلفة ولكن المشار اليه واحد .وهذه هي الاحتمالات الموجودة مبدئياً في المقام بحث مكمل: محورية ألفاظ الروايات دون مقارباتها ان كل ما ذكرناه من كلام حول العدالة إنما هو فيما لو ذكرت الروايات في الابواب المختلفة لفظ العدالة، ولكن كثيرا منها لم يذكر هذا اللفظ فيها, حيث ان المذكور فيها هو صفات اخرى كقول الامام (عليه السلام):" اذا كان خيرا ", وفي عبارة اخرى: " وعرف بالصلاح في نفسه "، وفي عبارة اخرى :" اذا كان عفيفا صائنا "، وفي اخرى: " اذا عرف منه الخير ".
مقارنة بين رأيين في الجمع بين روايات العدالة وكاشارة نقول :ان العلماء قد انقسموا الى قسمين، فالسيد الوالد، وجمع آخر، يقول: "توضيحا لكلامه " , يجب ان نتقيد بالموضوع الذي ذكرته الرواية وهو مثلا كونه عفيفاً صائنا، ومن الخطأ تفسيرها بالعدالة, ثم بعد ذلك البحث عن مدى تضييق وتوسعة معناها ليدور الحكم مدارها بل اللازم أن نجعل المدار في السعة والضيق وفي فهم موضوع ذلك الحكم هو نفس كلام الامام (عليه السلام)، ولا يصح تفسيره بشيء آخر لا نعلم نسبته مع تلك الصفة المذكورة والتي اخذها الامام (عليه السلام) موضوعا ثم الدوران مدار هذا التفسير، وذلك اننا لا نعلم النسبة بين عفيفاً صائنا وبين العدالة، - إذ نجهل ملاكات الأحكام ونجهل حدود كل منهما أو بعضها على الأقل وعليه فمثل الوالد يرى ضرورة التقيد بالمصطلح الشرعي واناطة الحكم به.
رأي في آخر:وهناك الفقيه الاخر الذي يرى ان المقام من مقامات استنباط واكتشاف العلة والمناط، وان (عفيفاً صائناً) قد أخذت في كلام الإمام كامارة على العدالة، ثم يعمم ذلك على كل الابواب.
ثم ان السيد الوالد يقول انه ظفر بكلام للشيخ الانصاري يشهد لما ذكره من اختلاف معاني.
ونضيف: ان الشيخ الطوسي في عدته ايضا يصرح بذلك حيث يقول :" لان العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه ( أي الراوي الفاسق والذي هو ثقة في لهجته)، وانما الفسق في افعال الجوارح يمنع من قبول شهادته وليس بمانع من قبول خبره" , وهذا تصريح من الشيخ بانه يرى ان العدالة هي ذات معان مختلفة،
ونقتصر في هذا البحث على ما ذكرناه في هذه العجالة وتترك التوسعة لمحلها
وللكلام تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين