143- الفصول : الملازمة بين حكم العقل والشرع، ظاهري بمعونة الاصل المناقشة : 1ـ مع تشكيكية المقتضي ، لاحكم للعقل فلاحكم للشرع 2ـ وكذلك مع بعض أنواع المقتضي 3ـ الشك هو في ما نعيه الموجود لا وجود المانع فلا يجري الأصل 4ـ بل حتى لو كان الشك في وجود المانع وطرو المزاحم ، فانه أصل مثبت فلا يجري
السبت 13 ذو الحجة 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ونصل الى خاتمة بحثنا عن مدى تمامية كون العقل دليلا على حرمة الكذب بقول مطلق وان كانت توجد بحوث أخرى يمكن أن تطرق في المقام, إلا إننا نكتفي الآن بما ذكرناه لننتقل بعد ذلك إلى مسألة أخرى،
وقد سبق: أن دليل العقل يفيد الحرمة في الجملة لا بالجملة فلا إطلاق فيه؛ إذ استشكلنا على قاعدة الملازمة بوجوه عديدة ثالمة لذلك الإطلاق المدعى.
الفصول: الملازمة الظاهرية بين حكم العقل والشرع ثابتة بالأصل
وهناك وجه آخر للدفاع عن من يتنبى كون العقل دليلا على حرمة الكذب بقول مطلق وهو المبنى الذي ارتضاه صاحب الفصول في قاعدة الملازمة فانه ذهب إلى تحقق الملازمة الظاهرية بين حكم العقل وحكم الشرع([1]) بعدما أنكر الملازمة الواقعية([2]) بينهما وذهب الى خلاف ما ذهب إليه المشهور أو الإجماع .
بيان ذلك:
وبيان ذلك: ان صاحب الفصول ذهب إلى([3]) ان العقل لو أحرز جهة حسن في أمر كجهة الحسن في الصدق او أحرز جهة قبح في أمر آخر كجهة القبح في الكذب فان الإشكال وان كان مستحكما على دعوى الانتقال من حكم العقل بالحسن او القبح الى حكم الشرع بالوجوب او الحرمة استناداً إلى دعوى الملازمة الواقعية، ولكن يوجد تخريج في المقام وهو الانتقال من عالم الثبوت إلى عالم الإثبات، وذلك لأن إنكار الملازمة كان اما لاحتمال وجود مانع من فعلية حكم الشرع بالحرمة على ضوء حكم العقل وذلك نظراً لكون القبح بحكم العقل مقتضياً وليس علة تامة، واما بسبب احتمال وجود مزاحم؛ فان الكذب وان كان قبيحا ولكن يحتمل ان تكون فيه جهة حسن مساوية فتنتج التخيير او الإباحة، او أقوى فتنتج وجوبه أو استحبابه، ولكن ذلك يندفع بالأصل العملي الظاهري فإن الأصل هو عدم وجود المانع او المزاحم، وعليه فتثبت الملازمة بينهما أي بين حكم العقل والشرع.
ولو تم ما ذكره صاحب الفصول لكان ذلك دليلا ظاهرياً على حرمة الكذب بقول مطلق استنادا الى حكم العقل بقبحه او المفسدة فيه([4]).
مناقشة كلام صاحب الفصول:
أولا وثانيا: إشكالان سابقان
ونذكر في نقاش صاحب الفصول عدة إشكالات:
أما الإشكال الأول والثاني فقد ذكرناهما سابقا ونشير إليهما هنا إشارة وهما في مرحلة (المقتضي) ومقدَّم قاعدة الملازمة، وحاصلهما: انه حتى لو فرض ان العقل أدرك او حكم بالقبح او المفسدة في الكذب فان ذلك مما لا يسوغ الانتقال منه الى حكم الشرع وذلك:
الإشكال الأول: المفسدة على درجات
ان المفسدة على درجات وليست كل درجة منها حتى في حكم العقل مما تقتضي الحرمة فكيف والحال هذه يحكم الشرع بالحرمة؟؛ لوضوح ان بعض درجات المفسدة تقتضي الكراهة.
الإشكال الثاني: المصلحة والمفسدة على أنواع
وأما الإشكال الثاني فهو:
ان المصلحة والمفسدة ومطلق الحسن والقبح على أنواع، وليس كل نوع منها يقتضي الحرمة بنظر العقل.
وهذان الإشكالان كما هو واضح هما في مرتبة المقتضي، أي: في مقدم القضية الشرطية في قاعدة الملازمة الظاهرية المدعاة وهي: ان كل ما حكم العقل به أي بمفسدته حكم الشرع بحرمته، فالإشكال هنا هو إن العقل لا يحكم بان كل قبح أو مفسدة محرمة، وعليه فكيف ينتقل الى حكم الشرع بالحرمة بعد عدم حكم العقل بها، وهذان الإشكالان قد مضيا فلا نفصل فيهما فراجع.
الإشكال الثالث: لا يجري الأصل لو شك في مانعية الموجود
وأما الإشكال الثالث على ما ادعاه صاحب الفصول فهو:
ان الظاهر إن الشك في المقام هو في مانعية الموجود لا في وجود المانع حتى ينفى بالأصل؛ والأصل العملي يجري تبعا للشيخ وآخرين – وعلى المنصور – فيما لو شك في وجود المانع كما لو كان بدن الإنسان خاليا من جرم مانع ثم شك بعد ذلك في وجوده وطروه فانه يستصحب عدم هذا الجرم وعدم طروه على البدن، ولكن لو شك في مانعية الموجود فان الأصل لا يجري؛ إذ لا حالة سابقة محرزة ومتيقنة حتى يشك فيها فتستصحب، وإنما هذا الشيء ومنذ أول لحظات إحرازنا لوجوده كان معه شيء آخر إلا إننا لا نعلم بكونه مانعا او لا فهو منذ بدأ وجوده لا يعلم انه مانع أم لا، وعليه فلا توجد حالة سابقة كي تستصحب، اللهم إلا بناءا على حجية استصحاب العدم النعي لكنه غير صحيح([5]).
والمتحصل: ان مقامنا هو صغرى الشك في مانعية الموجود لا وجود المانع،
وقد يكون المقام من صغريات الشك في مزاحمية الموجود لا في طرو المزاحم وحدوثه؛ وذلك ان البحث الذي دار بين صاحب المكاسب والسيد الخوئي والآخرين هو في عالم التشريع ويشك في ان الموضوع منذ بدأ وجوده كان مبتلى بالمانع اللازم للذات، أو يشك في ان ما هو موجود في هذا الموضوع الآن من الجهات الأخرى، هل هو مزاحم مساو أو أقوى أو لا؟ فمورد البحث هو: عن صنع الشارع عند ملاحظته الملاكات والموانع والقائلون بالملازمة الثبوتية الواقعية ملتزمون بان العقل أحرز الملاك وعدم المزاحم وعدم الموانع، في كل ما كان في سلسلة علل الأحكام كما سبق.
واما صاحب الفصول فانه يقول بان الملازمة الاثباتية الظاهرية لعدم إحاطة العقل بكل الجهات فبمعونة الأصل يحكم العقل ظاهراً بالحرمة والوجوب ثم يلزمه حكم الشرع.
ونحن نقول: ان الكذب – وكذا غيره - في طبيعته مجهول لنا من حيث مزاحمية الجهات الأخرى الموجودة فيه لمفسدته أو قبحه ونعني بذلك ما هو مورد النزاع من المزاح والقصص المخترعة – موطن البحث – فان لها جهة مصلحة في قبال جهة المفسدة فلا يصح القول بان هذه الجهة – من القبح - الموجودة في الكذب المزاحي منذ تصور الطبيعي وبدء وجوده، الأصل عدم كونها مزاحمة بما هو موجود فيها من الجهات المحسنة؟([6]) او الأصل عدم كونها مانعة, انما هذا هو هو استعمال الأصل عند الشك في مانعية او مزاحمية الموجود،
ونذكر توضيحا لذلك مثالا سابقا وهو تقليد الأعلم فان فيه جهة رجحان وهي الاقربية للإصابة، وعليه فهل العقل يحكم بوجوب تقليد الأعلم كيما نقول ان الشرع قد حكم بالوجوب أيضا؟
وهنا نقول: ان المشكلة ان هناك جهة واقعية أخرى هي الحرج – كما ارتضاه صاحب الجواهر – يحتمل كونها مزاحمة لحسن تكليفنا بتقليد الأعلم، وهذا الحرج هو أمر موجود في فرض إيجاب تقليد الأعلم وقد شكّ في مزاحميته او مانعيته عن اقتضاء مصلحة الاقربية وتقليد الأعلم للإيجاب
والمتحصل من كل ذلك: ان الشك ليس هو في وجود المانع حتى يطبق الأصل الظاهري، بل هو في مانعية الموجود،
هذا هو الوجه الثالث للاشكال
الإشكال الرابع: حتى لو كان الشك في وجود المانع أو المزاحم فانه من قبيل الأصل المثبت فليس بحجة([7])
وأما الإشكال الرابع على كلام صاحب الفصول - وهو إشكال دقيق - فهو:
سلمنا انه قد يكون الشك في وجود المانع لا في مانعية الوجود، فإننا أحرزنا وجود المفسدة في الكذب، وكذلك أحرزنا – تسليما – انه لا مصلحة مزاحمة او مانعة منذ البداية، بل استجد لنا احتمال حدوث مانع او مزاحم فيكون الشك في وجود المانع، ولكن مع ذلك نقول ان هذا لا ينفع صاحب الفصول في مقالته؛ لأنه من الأصل المثبت وهو على الرأي المنصور وما تبناه الشيخ وآخرون ليس بحجة فلا يجري في المقام.
بيانه:
ان الكلام كل الكلام هو في عالم المصالح والمفاسد وفي عالم المزاحمات التكوينية؛ وان العقل يلحظ الكذب فيرى ان فيه مفسدة او وجه قبح ثم يشك([8]) بعد ذلك في انه يوجد مانع تكويني او مزاحم أو لا؟ والأصل هنا غير جارٍ؛ لأنه لا يرفع إلا ما كان مجعولا للشارع وما كان في حيطته، أي ان الأصل يرفع الأمور المجعولة والتي هي بجعل شارعي([9]) لا الأمور التكوينية، والمصب في المقام تكويني واللازم كذلك تكويني وعقلي لا يرتبط بالشرع والتشريع، وتوضيحه ان جريان الأصل يراد به إثبات ان المقتضى التكويني قد أثّر في حكم العقل على طبقه، وهذا لازم عقلي، إذ اننا نريد ان نجري الأصل لإثبات عدم المانع حتى نقول ان ذلك المقتضي وهو الحسن (وهو الذي اقتضى حكم العقل) اقتضاؤه تام ومنجز فيحكم العقل بالفعل، وهذا كله ليس من مجعولات الشارع، نعم لو كان المانع شرعياً فان من اثار عدم المانع الشرعي وجود المقتضى الشرعي فتدبر جيداً.
وخلاصة الجواب الرابع: إننا لو شككنا في وجود المانع وطروه فلا ينفع إجراء الأصل ؛ لأنه مثبت وهو ليس بحجة، وللكلام تتمة.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) وهذا بحث جميل وأساسي ويعد ابتكارا من صاحب الفصول وان كنا لا نرتضيه وسنناقش فيه
([2]) كما أنكرناه سابقا وان كان بتخريج ووجوه أخرى.
([3]) بإضافة وتوضيح منا.
([4]) وهذا تقرير للملازمة الظاهرية والتي ذهب إليها صاحب الفصول ونص عبارته في الفصول ص337 الطبعة الحجرية (هذا إذا أريد بالملازمة القطعية الواقعية منها، ولو أريد بها الملازمة بحسب الظاهر فالظاهر ثبوتها).
([5]) كما هو محقق في محله وسنشير إليه لاحقا إن شاء الله تعالى
([6]) نعم لو كان مجرد احتمال وجود جهة محسنة فانه يندرج في الشك في وجود المانع أو المزاحم وسيأتي جوابه – على هذا الفرض – في الإشكال الرابع.
([7]) وقد أشار الشيخ في مطارح الأنظار إلى هذين الجوابين الثالث والرابع إجمالاً فراجع ج2 ص367 -368.
([8]) والكلام كل الكلام في تصوير الملازمة الظاهرية كما ادعاها صاحب الفصول.
([9]) مثل المانع الشرعي.
السبت 13 ذو الحجة 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |