144- 5ـ ( الاصل) لايجري في أصول الدين وأصول الفقه وأصول التشريع والعلميات اما لأنه من الشك الساري ، او لأنها من الأمور الخطيرة أو لأنه لا تعبّد ـ عقلاً أو شرعاً ـ بذلك 6ـ استصحاب عدم وجود المانع أو المزاحم ، من قبيل العدم ألنعتي فلا يجري الاستصحاب الذي ذكره الفصول
الاحد 14 ذو الحجة 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
لازال الكلام في نقاش صاحب الفصول وادعائه الملازمة الظاهرية بين حكم العقل وحكم الشرع استنادا الى تتميم مبدأ التشريع – أي المقتضي – بأصالة عدم وجود المانع، إذ ان العقل لو أحرز جهةَ حسنٍ في فعل ما – كالصدق – ثم شك في انه هل هناك جهة قبح مزاحِمة لها فيجري اصالة عدمها، ثم لو حكم العقل لزمه حكم الشرع.
وكذلك الحال في الكذب حيث يرى العقل قبح الكذب ثم يشك في وجود مزاحم كما في الكذب الهزلي والقصص المخترعة فينفيه بالاصل، هذا هو خلاصة كلام صاحب الفصول مع تطبيقه على المقام،
وقد استشكلنا عليه بعدة وجوه، وكان آخرها ان هذا الأصل هو من قبيل الاصل المثبت؛ لان اللازم عقلي اذ ان المقتضي التكويني لحكم العقل بالوجوب إنما قلنا بكون اقتضائه تاماً ببركة الاصل النافي للمانع فيثبت بنفيه الفعلية وترتب حكم العقل وهذا لازم عقلي، هذا ما مضى في الإشكال الرابع السابق.
الاشكال الخامس:الأصل لايجري في الاعتقاديات واصول الفقه والمبادئ والعلميات
الإشكال الخامس:
انه حتى لو قبلنا بان الأصل المثبت حجة وان قاعدة الملازمة وهي ان كل ما حكم به العقل حكم الشرع به ثابتة, فيما لو شك في مزاحم فيرفعه العقل بالأصل فمع ذلك كله ان الأصل لا يجري في موارد([1]) وهي:
1- الاعتقاديات وأصول الين.
2- وكذلك الأصل لا يجري في اصول الفقه([2]).
3- ولا في مبادئ الاستنباط ومقاصد الشريعة.
4- والأصل([3]) لا يجري في العلميات.
توضيحه: ان الاصل لا يجري في الاعتقاديات وذلك كمن علم بوجود الله تعالى بالبرهان ثم طرأت لديه شبهة فشك – والعياذ بالله – بوجود الحق جل اسمه فهل يمكنه ان يستصحب ما كان عليه من اعتقاد وعلم؟ والجواب: كلا؛ لان ذلك العلم قد زال وجدانا والمستصحَب قد انتفى قطعا، ولذا فعليه ان يبحث ويحقق.
والفرق بين المقام وبين الاستصحابات المعهودة انه في الأخيرة ليس المستصحب منتفيا قطعا أي لا قطع بانتفائه كما لو علم وجود شيء ثم شك بعد ذلك فيه، فان مصب الاستصحاب المتيقن هو العاَلم الثبوتي، لكنه في عالم الإثبات يشك فيه,
واما في الاعتقاديات فان مصب الاستصحاب أي المستصحب المفروض هو نفس ما في عالم الاثبات([4]) – أي الاعتقاد – وهذا قد انتفى بالوجدان؛ فان الشخص في المثال كان معتقدا بوجوده تعالى فزال وانتفى هذا الاعتقاد فكيف يستصحب ما هو منتف قطعا؟! والمتحصل ان الاستصحاب لا مجرى له في الاعتقاديات لهذه الجهة([5]).
والأمر في أصول الفقه كذلك، فانه لو استظهر الفقيه ان خبر الواحد حجة بالأدلة, ثم بعد ذلك طرأت شبهات عليه كأمثال ما ذكره السيد المرتضى فحصل الشك له فهنا توجد قاعدة واضحة ومسلمة وهي ان الشك في الحجية مساوق لعدم الحجية، ولا يستطيع الفقيه ان يقول انني كنت سابقا استظهر ان خبر الواحد حجة والان شككت فاستصحب استظهاري، كلا لا يمكن ذلك؛ لان الاستظهار قد انتفي وجداناً تماما.
وكذلك الحال في الشؤون العلمية وذلك كمن استظهر او قطع بصحة النظرية النسبية لاينشتاين ثم بعد ذلك راجع المعادلات فوجد ان هناك أخطاء في المعادلات الرياضية وان هذه النظرية ليست على اطلاقها فحدث له شك فان علمه الأول وقطعه قد انتفى قطعاً ولا يستطيع ان يستصحبه في حاله شكه المتأخر لانتفائه وجداناً.
ثم ان الاستصحاب أصل عملي بناء على حجيته من باب التعبد يجري لترتيب الآثار العملية وليس من موارد جريانه نفس الاعتقادات واصول الفقه والعلميات ونظائر ذلك([6]).
الشك الساري وانتفاء المتيقن ليس موردا للاستصحاب:
وكما هو واضح فان كلام صاحب الفصول هو حول قاعدة الملازمة وهي اما من أسس التشريع فهي سابقة حتى على علم أصول الفقه أو هي منها([7])، فالعقل لو رأى جهةَ حسنٍ في شيء ثم شك في وجودِ جهةِ قبحٍ تمنعه من الحكم بالوجوب فانه شاك ثبوتا في حكمه وجداناً فكيف يحكم استناداً لأصل لا ينفي شكه؟
وبتعبير آخر : إن الشك في المقام هو من قبيل الشك الساري وليس الطارئ والشك الطارئ هو مجرى الاستصحاب لا الساري إلى المبدأ, إذ لا يوجد متيقن سابق يحكم به العقل ثم يشك فيه حتى يستصحبه.
ثم ان الاستصحاب حجيته إما لبناء العقلاء او الأخبار وعلى كلا التقديرين اما لافادته الظن أو للتعبد، فان قلنا ان الاستصحاب حجة من باب التعبد فلا تعبد للعقل في الاعتقاديات والعلميات والأصول وان قلنا انه من باب إفادة الظن فانه ليس مورثاً للظن فيها كذلك.
وجه آخر: الاستصحاب غير جار في الشؤون الخطيرة
ويمكن أن نذكر وجها آخر للإشكال على ما مضى وهو ان الاستصحاب غير جار في الشؤون الخطيرة([8]).
إذ قد يقال ان بناء العقلاء هو على حجية الاستصحاب في غير الشؤون الخطيرة، وأما فيها فلا، كما هو الحال في دولة كانت تستورد بضاعة من دولة أخرى ثم حدث بعد ذلك شك عقلائي في كون الاستيراد من هذه الدولة مضراً بالاقتصاد الوطني، فهل يجري العقلاء في الدولة الأولى الاستصحاب فيستمرون في استيراد بضاعتهم؟ كلا بل ان سيرتهم على الفحص والتحقق،
والحاصل: ان العقلاء لا يبنون على الاستصحاب في الشؤون الخطيرة، هذا من جهة العقلاء .
وأما الشارع فان بيده ان يجري البراءة رغم ان كل ما يرتبط بمخالفته خطير([9]) وما عدا ما تدخل به وبنى عليه فان العقلاء ليسوا على جريان الاصل في الشؤون الخطيرة، ومبادئ الاستنباط هي من اخطر الشؤون بل هي أكثر خطورة وأهمية من أصول الفقه ومن الكثير من العلميات وما شابه فلا يجري فيها الاستصحاب. فتأمل
الاشكال السادس: استصحاب العدم النعتي ليس بحجة
كما يرد على ما ذكره صاحب الفصول من الملازمة الظاهرية ان هذا الأصل هو من قبيل استصحاب العدم النعتي وهو ليس بحجة.
بيانه: انه تارة يكون الاستصحاب في مفاد كان التامة وهذا لا كلام فيه، وتارة أخرى يكون الاستصحاب في مفاد كان الناقصة وهذا هو موطن العدم النعتي وهو ليس بحجة فيما لو لم تكن لعدم الاتصاف حالة سابقة مع وجود الموضوع.
ولنضرب مثالا لذلك :
عندما يقال (كان زيد) و (لم يوجد زيد) فان لدينا هنا وجوداً محموليا وعدماً محمولياً فلو لم يكن زيد موجوداً ثم شككنا بوجوده فنستصحب عدمه، هذا هو مفاد كان التامة وهو مورد الاستصحاب الحجة.
وأما في مفاد كان الناقصة كما في (كان زيد عالما) فهل نستطيع ان نستصحب بنحو العدم الأزلي – او النعتي([10]) – عدم كون زيد عالما؟ والجواب: كلا إلا لو علمنا بوجود زيد فترة وهو غير عالم فههنا توجد حالة سابقة محرزة، واما العدم النعتي غير الحجة فمثاله: لو ان زيدا مذ ان خلق لم نكن نعلم انه سيد، وعلوي او لا، أو إن المرأة لم نعلم أنها قرشية او لا، فهل نستطيع ان نستصحب العدم النعتي باعتبار انه من مصاديق العدم الازلي؟ والجواب: كلا لأن استصحاب العدم النعتي لا حالة سابقة له، واما استصحاب العدم الأزلي المحمولي فهو مثبت فليس بحجة.
توضيحه:
قد يقــال: هذه المرأة قبل ان تخـلق لم تكن قرشيةٌ([11]) او قرشيةً([12]) – رفعا ونصبا- بنحو مفـاد كان التامة والناقصة, ثم ولـدت وبعد ذلك شك ان ذلك العــدم الازلي المحـــمولي والاتصافي هل انقلب الى وجود او لا؟ فنستصحب العدم، وهنا نقول: هذا خطأ، إذ استصحاب عدم (القرشية) بذاتها مثبت إذ يراد بها إثبات ان هذه إذن ليست قرشية واما استصحاب عدم كون هذه قرشية (وهو العدم النعتي) في الأزل ففيه (مُوطن كلام صاحب الفصول هو من هذا القبيل كما سيأتي) ان القرشية واللاقرشية تتوقف على المحل القابل ولا محل فلا يصح الوصف بالقرشية وعدمها قبل وجودها فان الشك عند خلق المرأة في قرشيتها لا حالة سابقة له([13])،
ومحل كلام صاحب الفصول هو هذه الصورة أي استصحاب العدم النعتي فانه في تقليد الأعلم مثلا - وهو حسن لأنه الأقرب للواقع - العقل يشك: هل هناك جهة مزاحِمة للحُسْن، كالحرج، تقتضي ان لا يحكم العقل بالوجوب؟ فترفع هذه الجهة وهي الحرج المزاحم بالأصل؟
ولكن هذا مصداق لاستصحاب العدم النعتي وذلك ان موضوع حكم العقل مركب إذ العقل لا يحكم على وجوب تقليد الأعلم مجردا وإنما يقول ان تقليد العلم غير الحرجي حسن وواجب فالمحمول الذي يراد استصحابه ليس بنحو مفاد كان التامة فلا يجري الاستصحاب فيه بالمرة فتأمل وتدبر. وللكلام تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) وهذا بحث مهم وقليل الطرق
([2]) أي جريان الأصل لاحراز أصول الفقه أو التعبد بها.
([3]) والمقصود بالأصل هنا هو الاستصحاب وان كانت الأصول الأخرى لا تجري كذلك ولكن عمدة الكلام الآن هو الاستصحاب إذ عليه استند صاحب الفصول في إثبات الملازمة الظاهرية.
([4]) ونقصد به هنا الذهن أو صقع النفس.
([5]) والجهة الثانية ستأتي ان شاء الله تعالى
([6]) واما بناء على كونه امارة وكون وجه حجيته الظن، فسيأتي.
([7]) أي من أصول الفقه.
([8]) ما ذكر سابقاً هو: ان الاستصحاب لا يجري بسبب الشك الساري وان اليقين والمتيقن قد انتفيا وجدانا.
([9]) المنصور هو انه عند الشك في التكليف في الشبهة الحكمية فالمجرى هو الاحتياط العقلي حتى بعد الفحص وعدم العثور على دليل وذلك على حسب القاعدة المعروفة في عبودية العبد لمولاه وما يعرف بمسلك حق الطاعة والبراءة النقلية، بعد الفحص، لا الاحتياطان في التحريمية كما ذهب إليه الاخباري ولا البراءتان.
([10]) (الأزلي) استصحاب عدم العلم
(النعتي) استصحاب عدم اتصافه بالعلم وهو مورد الكلام.
([11]) بنحو العدم المحمولي.
([12]) بنحو العدم النعتي.
([13]) وقد فصل ذلك المحقق النائيني فراجع فوائد الأصول وأجود التقريرات.
الاحد 14 ذو الحجة 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |