141- اشكال على الشيخ: التمسك برواية الناس مسلطون يستلزم التمسك بها لاثبات الحكم الشرعي ـ الجواب: الرواية في الحكم الوضعي لا التكليفي وفي الجواز بعد ثبوت الحكم الشرعي
السبت 15 ربيع الاخر 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(141)
تتمة: انجبار رواية (الناس مسلطون) بعمل الفقهاء
سبق نقل كلام صاحبي المسالك والجواهر، ونضيف: أن تتبع كلمات الكثيرين من الفقهاء يفيد استنادهم إلى هذه الرواية أيضاً:
فمنهم المقدس الأردبيلي – على ما حكاه عنه في الحدائق – قال:
(استدل القائلون بالجواز- و منهم المحقق الأردبيلي، فإنه قد أطال في ذلك، و نحن ننقل كلامه ملخصا، فإنه قد بالغ في نصرة القول المشهور بين المتأخرين بجدة و جهده، فاستدل- بعموم القرآن و الاخبار الدالة على جواز البيع، و الأصل، و بأن الناس مسلطون على أموالهم، و حصول التراضي مع عدم المانع عقلا، و عدم الخروج عن قانون و قاعدة)([1]).
ومنهم صاحب الحدائق، قال: (والتحقيق أن المعلوم من الاخبار ثبوته([2]) في البيع و القرض، و أما غيرهما فإشكال ينشأ من عموم أدلة الحل- كأصالة الإباحة و دلالة الآيات و الروايات على أن حصول التراضي كاف في الإباحة و حصر المحرمات، و ليس هذا منها، "إِنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِم" خرج ما خرج من ذلك بدليل، و بقي الباقي- و من أن الربا قد ثبت تحريمه بالكتاب و السنة و الإجماع)([3])
وقد أسند في الحدائق الاستناد إلى الرواية، إلى جماعة فقال:
(احتج القائلون بالكراهة بما ورد من "إِنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِم".
والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالمقام زيادة على الخبر المذكور ما رواه المشايخ الثلاثة)([4])
كما ان ممن استدل برواية "إِنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِم" من القدماء: الشيخ الطوسي في الخلاف كتاب البيوع بحث اقراض الجواري قال:
(دليلنا: أن الأصل الإباحة، و الحظر يحتاج الى دليل. وأيضا الأخبار التي رويت في جواز القرض و الحث عليه عامة في جميع الأشياء، إلا ما أخرجه الدليل.
وأيضا روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) انه قال: «الناس مسلطون على أموالهم»([5]). و قال: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه»([6]).
وقال في "جامع المقاصد" في أبواب الاحتكار في شرح قول العلّامة (قدس سره): "ويجبر على البيع لا التسعير" ما هذا نصه: "أي هذا أصح لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم، إلّا أنّ يجحف في طلب الثمن أو يمتنع من تعيينه"([9]).
وقال في "جامع المقاصد" أيضاً: في جواز التفريق بين الطفل وأُمه في المملوكة ما هذا نصّه: "يجوز التفريق بعد سنتين في الذكر، وبعد سبع في الأنثى (في الحرّة) على المشهور بين المتأخرين، فليجز ذلك في الأمة لأن حقّه لا يزيد على حقّ الحرّة، ولأن الناس مسلطون على أموالهم"([10]).
وقال في مفتاح الكرامة، في أبواب الاحتكار بعد نقل كلام القواعد في نفي التسعير: "إجماعا وأخباراً متواترة كما في (السرائر)، وبلا خلاف كما في (المبسوط)، وعندنا كما في التذكرة، للأصل وعموم السلطنة"([11]).
وقال أيضا في شرح مسألة تأجيج النار وإرسال الماء في ملكه: "إنّه لما كان الناس مسلّطين على أموالهم كان للإنسان الإنتفاع بملكه كيف شاء"([12]).
إلى غيرها من الموارد الكثيرة.
بل إن المتتبع لكلمات العديد من الفقهاء كصاحبي الجواهر والمكاسب سيجد أنهم أرسلوها إرسال المسلّمات. ومزيد التتبع لعله يورث الاطمئنان.
نعم قد يقال بأن استناد القدماء للرواية هو الجابر لها، ولكن حققنا في محله([13]) عدم الفرق.
3- لازم استدلال الشيخ صحة التمسك بالرواية لإثبات حِلّية اللحم المشكوك
كما أشكل في (العقد النضيد) على استدلال الشيخ بـرواية "إِنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِم"([14]) بـ(الثاني: وأمّا من حيث الدلالة؛ فإنّ لازم كلام المستدلّ بإطلاق هذا الدليل، هو القول بجواز التمسّك بعمومها عند الشكّ في الحكم التكليفي من الحلّية والحرمة، بمعنى أنّه إذا شككنا في حِلّية لحمٍ ما أو حرمته، يجب أن نتمسّك بإطلاق الدليل والحكم بالجواز والحلّية، لأنّ الحكم بالحرمة وعدم الجواز يعدّ تحديداً وتضييقاً لدائرة السلطنة، وهذا ما لا يلتزم به فقيه)([15]).
الجواب: كلام الشيخ عن السقوط بالإسقاط لا عن الجواز
وذلك مما لا يلزم الشيخ ولا يرد عليه بوجه أبداً؛ فإن كلام الشيخ ليس عن جواز الإسقاط وعدمه أي ليس في أنه لو شك في جواز إسقاط خيار المجلس، كحكم تكليفي، وحرمته، تمسكنا بـ(الناس مسلطون) ليقال بأن لازم كلام المستدل بإطلاق هذا الدليل كذا... بل إنما تمسك به الشيخ لإثبات الحكم الوضعي أي صحة الإسقاط وعدمه أي كونه ذا أثر أو لا، فإن مورد الكلام هو هذا وأنه هل يسقط الخيار بالإسقاط أو لا يسقط، وشمول (الناس مسلطون على أموالهم) للسلطنة على الإسقاط أي لكون إسقاطه مسقطاً أمرٌ وتعديتُهُ للجواز التكليفي أمرٌ آخر، ولا تلازم بينهما بالمرة بل النسبة بين الجوازين([16]) من وجه؛ ألا ترى أنه يجوز، تكليفاً، أن يجري العقد على الحائط مثلاً لكنه ليس بنافذ أي باطل لا أثر له؟ وأيضاً يجوز أن يطلق زوجته في طهر المواقعة أي ليس إنشاء الطلاق بحرام لكنه باطل؟
هذا من جهة ومن جهة أخرى قد يكون صحيحاً نافذاً لكنه غير جائز شرعاً كأن يتزوج الثانية وقد شرط للأولى في ضمن عقد ملزم أن لا يتزوج غيرها فانه - على حسب فتوى جماعة - عقده الثاني صحيح أي نافذ وهي زوجته لكنه عملٌ محرمٌ لمخالفته للشرط.
بل لا حاجة لإثبات الانفكاك من الطرفين؛ إذ حتى لو كان تلازم ثبوتي بينهما فإن التفكيك بين الأحكام الظاهرية غير عزير.
بل قد يقال بأن دليل الناس مسلطون لا يدل على أكثر من السلطنة الوضعية دون التكليفية. فتأمل([17]).
معنى "إِنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِم"
وبعبارة أخرى: "إِنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِم" يفيد السلطنة على التصرفات والتقلبات في أموالهم فهذا هو مصبُّه أو منصرَفُه، ولا يفيد السلطنة على أحكام أموالهم.
وبعبارة ثالثة: مسلطون على الأموال لا على الأحكام.
وبعبارة رابعة: مسلطون بالتقلب في أموالهم بعد ثبوت جوازها التكليفي فكل ما كان مالاً لهم ولم يثبت من الشرع تحريمه فهم مسلطون على فعله.
ولعل المستشكل خلط بين الجواز التكليفي والجواز الوضعي وكلام الشيخ عن الجواز الوضعي ولذا قال (سقوط الخيار بالتصرف) و(إلا نفوذ تصرفهم...). فتأمل([18]).
نعم قد يكون منشأ الوهم هو اللام في القاعدة: (لكل ذي حق إسقاط حقه) حيث يتوهم أن اللام تفيد الحكم الوضعي والتكليفي أي يجوز وينفذ مع أن الظاهر أن مرادهم منها النفوذ والصحة لا الجواز في مقابل الحرمة لو شك فيها، على أنه لو أرادوها لما تولد إشكال بعد ما سبق.([19]) وما يأتي.
صلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "لَيْسَ يَتْبَعُ الرَّجُلَ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنَ الْأَجْرِ إِلَّا ثَلَاثُ خِصَالٍ: صَدَقَةٌ أَجْرَاهَا فِي حَيَاتِهِ فَهِيَ تَجْرِي بَعْدَ مَوْتِهِ، وَسُنَّةُ هُدًى سَنَّهَا فَهِيَ يُعْمَلُ بِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ"
الكافي: ج7 ص56.
..............................................
السبت 15 ربيع الاخر 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |