بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(151)
اندفاع ضرر الشفيع بنقله حق الشفعة للغير بعوضٍ
وأما لو لم يأخذ المنتقِل إليه حقُ الشفعة، بها، فانه قد يندفع أيضاً ضرر صاحب الشفعة بنقله حق الشفعة للغير (بالمصالحة وشبهها حسب المشهور وبالبيع أيضاً حسب المنصور) وذلك فيما إذا استفاد منه مالاً أو غيره مما جَبَر به ضرر دخول الأجنبي عليه في حصتهما المشاعة؛ فانه قد يبيع حقه في الشفعة لآخر فقد لا يأخذ
([1]) بها ذلك الآخر فتمضي معاملة الشريك الأول مع المشتري الأجنبي فيتضرر به صاحب الشفعة (فرضاً وقد سبق أن دخول الأجنبي عليه لا يلازم تضرره بل قد يكون به نفعه) لكنه قد لا يعدّه العرف متضرراً لانجبار ضرره بنفع أكثر عائد إليه من بيع حق شفعته للغير فرضاً، أو بنفعٍ مساو.
والحاصل: أن دفع الضرر، الذي اعتبر هو العلة لجعل حق الشفعة، يكون بأحد وجوه لا بأولها خاصة:
الأول: أن يكون للشفيع حق الشفعة ويأخذ به فلا يرد عليه الضرر من تجويز الشارع بيع شريكه لثالث إذ له أن يأخذه بالشفعة.
الثاني: الصورة نفسها لكن بدون أن يأخذ به، وهذا خارج عن مورد البحث والنزاع بيننا وبين الاصفهاني، ولكن ومع ذلك سيظهر وجه اندفاع الضرر به مما سيأتي في المتن.
الثالث: أن يحصل على ربح وفائدة من بيع حق الشفعة لغيره فلا يرد عليه الضرر بالمآل ونتيجةً للكسر والانكسار وإن عُدّ بدواً ضرراً أو قيل بأنه قد ورد عليه بنحو المقتضي الضرر فإن
([2]) العقلاء والعرف يرون الضرر المتدارك خاصة المنجبر بأكثر منه كلا ضرر بل قد يرونه بالحمل الشائع الصناعي منفعة.
وبعبارة أخرى: الشفعة إنما
([3]) جعلت لدفع الضرر الأعم من دفعه مباشرة بالأخذ بها أو بواسطة نقلها للغير بعوض فتدبر.
الدليل على جواز نقل حق الشفعة قاعدة الامتنان في جعلها
وقد يستدل على ذلك: بأن قاعدة لا ضرر التي هي المنشأ لحق الشفعة، إنما هي من باب الامتنان، ومن المخالف للامتنان أن يمنع الشارع الشفيع من نقل حقه في الشفعة إذا كان له النفع الأكثر من أخذه بها
([4])، والوجه فيه
([5]) أن حق الشفعة جعل له لا عليه فإذا منع من نقله مطلقاً كان عليه، ويكفي كونه في الجملة كذلك لدفع سالبة الاصفهاني الكلية من أنه لا معنى لنقل الحق إلى غير الشريك
([6]) أو فقل: لدفع السالبة الكلية من أن دفع الضرر انما يقوم بثبوت حق الشفعة للشريك مع منع نقله أو إسقاطه فتدبر.
دليل آخر: لا ضرر علّة لجعل الشارع للحكم لا لما يعمله المكلف
كما يمكن الاستدلال على المدعى أيضاً أن (لا ضرر) هي عِلّة لجعل الحكم وليس علّة لما بعده من المراحل وإلا للزم على الشفيع الأخذ بالشفعة وإبطال البيع إذا كان فيه ضرره مع أنه لا شبهة في عدم لزومه.
بعبارة أخرى: إن جعل حق الشفعة كان دفعاً للضرر القهري الشارعي أي الناشئ من قبل الشارع ولم يكن لدفع الضرر الإرادي الناشئ من اختيار العبد لترك الأخذ بها أو لنقل هذا الحق إلى الغير وهو الشفيع في المقام.
فلا ينشأ من قبله الضرر، لا أن الضرر الإرادي للعبد حرَّمه الشارع مطلقاً([7])
توضيحه: أن الشارع جعل حق الشفعة كي لا ينشأ من قبله الضرر أي انه يقول: حيث أن لا ضرر هي من مبادئي التشريعية (أي من مناشئ التشريع وعلله) فانني أجعل لك حق الشفعة كي لا تتضرر تضرراً ناشئاً من قبلي إذ انه إذا جوّز للشريك بيع حصته من الأجنبي ولم يجوّز لي الأخذ بالشفعة فقد اضرني بتشريعه ذلك وعدم تشريعه الشفعة، فيقول الشارع حيث لا ضرر وانني لا أريد أن أضر أحداً بتشريعاتي لذا اجعل لك حق الشفعة، ولا يفيد (لا ضرر) أكثر من ذلك إذ لا يفيد، بضرورة الفقه، أنه يجب عليك الأخذ بحق الشفعة لأن الشارع جعلها دفعاً لضرره.
والحاصل: أن لا ضرر في هذا الحديث تعليل لوجه جعل الشارع حق الشفعة، لا أكثر، فلا يفيد لزوم الأخذ كما لا يفيد حرمة النقل أو بطلانه ولا غير ذلك مما هو من المرحلة اللاحقة للجعل ومما هو من دائرة عمل المكلف بعد مرحلة دائرة عمل الشارع وهو تشريع الحق أو عدمه.
لا ضرر علة للأعم على سبيل البدل لا الأخص
بعبارة أخرى: لا ضرر علّة للأعم
([8]) فكيف يكون دليلاً على الأخص.
والأخص هو: عدم جواز النقل بصلح أو بيع أو نحوهما.
والأعم هو: ذلك أو الأخذ بالشفعة، أو صِرف ثبوت هذا الحق له. فتدبر جيداً وتأمل.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
عن عبد الله بن أبي يعفور قال: شَكَوْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) مَا أَلْقَى مِنَ الْأَوْجَاعِ، وَكَانَ مِسْقَاماً، فَقَالَ لِي: "يَا عَبْدَ اللَّهِ لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا لَهُ مِنَ الْأَجْرِ فِي الْمَصَائِبِ لَتَمَنَّى أَنَّهُ قُرِّضَ بِالْمَقَارِيض"
الكافي: ج2 ص255.
.................................................