194- دفاع آخر عن النائيني وجواب دقيق: (حجية) الطرق العقلائية تنجيزية غير معلقة على عدم الردع وان كان الردع، لو وجد، مانعاً فـ(اللاحجية) هي التعليقية
الاثنين 11 شعبان 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(194)
3- الردع مانع فعدمه شرط فيُحتاج إليه
الدفاع الثالث: ويمكن الدفاع عن الميرزا النائيني، وعن المشهور بالتبع ممن ارتأوا توقف حجية الطرق العقلائية على الإمضاء ولو بعدم الردع، حيث ارتآى ان الطرق العقلائية محتاجة إلى الإمضاء ولو بعدم الردع رغم إذعانه بان منشأها الفطرة، بانه لا شك في أن للشارع الردع عن الطريق العقلائي كما ردع عن القياس مثلاً، مثل ان يقول بان خبر الثقة ليس حجة على أحكامه بل لا بد من البيّنة مثلاً، كما انه ردع عن بعض الأحكام العقلائية كما في مسألة دية أصابع المرأة حيث ورد عنه (عليه السلام): "إِنَّ الْمَرْأَةَ تُعَاقِلُ الرَّجُلَ إِلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ فَإِذَا بَلَغَتِ الثُّلُثَ رَجَعَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى النِّصْفِ..."([1])
فإذا كان الردع مانعاً عن حجية الطريق العقلائي كان عدمه شرطاً أي يكون شرط حجيته أن لا يردع عنه الشارع، فقد توقفت حجية الطرق العقلائية على الإمضاء ولو بعدم الردع الشارعي.
الجواب: مرجع هذا إلى الدفاع الثاني والجواب الجواب
ولكنّ هذا الدفاع غير تام؛ فانه بجوهره يعود للدفاع الثاني وهو بيان آخر عن كون الحجية في الطرق العقلائية اقتضائية، فيرد عليه ما أوردناه عليه سابقاً([2]).
والردع مانع، لكن عدمه ليس شرطاً
ونضيف: ان هذا الدليل عليل، وذلك لأن الردع وإن كان مانعاً عن الحجية، لكن عدم الردع ليس شرطاً لها فلا تتوقف عليه.
وبعبارة أخرى: الردع مانع عن الحجية التنجيزية (أو فقل الفعلية) أما عدمه فليس شرطاً للحجية الفعلية أو التنجيزية، فهي (الطرق العقلائية) حجة تنجيزية مطلقاً من غير توقف لحجيتها فعلاً على أمر إلا انه لو ردع لما كانت حجة فـ(اللاحجية) هي التعليقية دون (الحجية) فانها تنجيزية.
والتكوينيات أدلّ دليل؛ إذ ليس العدم شرطاً
وسوف تظهر حقيقة الحال أكثر عند التعمق في حال التكوينيات فان بناء هذه الدار مثلاً متوقف على وجود العلة المادية كالأحجار والحديد والتراب والمقتضي كالبنّاء([3]) والشروط ككون الأرض صلبة لا رخوة مثلاً وغير ذلك([4]) أما عدم المانع كالزلزلة والخسف مثلاً فانه لا مدخلية له في وجود الدار، وقولهم عدم المانع شرط إنما هو مجاز؛ وذلك لوجهين:
فانه عدم والعدم ليس علة ولا معلولاً أو شرطاً أو جزءً
الأول: ان العدم عدم فلا هو علة ولا معلول ولا هو جزء علة كما ليس شرطاً أو غير ذلك فكيف يكون عدم الزلزلة شرطاً لوجود الدار؟ بل الصحيح انها لو وجدت كانت مانعاً لا ان عدمها شرط، وأين هذا من ذاك؟.
ولاستلزام عليته توقف الوجود على ما لا يتناهى من الاعدام
الثاني: ان الاعدام لا متناهية، والمقصود هنا اعدام الأشخاص، فلو كان العدم شرطاً لكان وجود الشيء متوقفاً على ما لا يتناهى من الاعدام، وحيث ان تحقق اللامتناهي محال كان تحقق ما يتوقف عليه محالاً فلزم محالية وجود أي شيء مادام متوقفاً على اعدام لا متناهية والتالي باطل بالضرورة فالمقدم مثله.
بيان التوقف: ان وجود الدار لو توقف على عدم الزلزلة أو الخسف أو الانفجار أو تخريب إنسان أو جن أو ملك فان الكلي وإن كان واحداً أو متعدداً لكن المصاديق لا متناهية والفرض ان وجود الدار متوقف على عدم هذا المصداق وذاك وذياك وهكذا فقد توقف الوجود على اللامتناهي العددي وهو محال.
ووجه كونها غير متناهية أنه لا تزاحم بين الاعدام أبداً فيمكن فرض عدم الزلزلة من هذه الجهة أو تلك أو تلك أو بهذا السبب أو ذاك أو ذياك أو هذا البديل والقسيم وذاك وذياك وهكذا. فتأمل([5]).
وفيما نحن فيه فان الحجية لو توقفت على عدم الردع توقف الوجود على العدم وهو محال، بل توقف على ما لا يتناهى من الاعدام إذ يجب سدّ باب العدم من جهتها جميعاً أي من جميعها وحيث كانت لا متناهية لم يمكن لاستحالة اللامتناهي العددي([6]) أولاً ولاستحالة اغلاق الأبواب اللامتناهية وقوعاً. فتأمل([7])
الفطرة والعقل كقول النبي، لا تتوقف حجيتها على عدم ردع حجة أخرى
ويوضح ذلك عرفياً بما يقبله حتى من يرفض البحث العقلي في أمثال المقام جملة وتفصيلاً: ان كلام النبي (صلى الله عليه واله) حجة دون شك وان حجيته غير متوقفة على إمضاء الوصي (عليه السلام)، كالعكس وكذا حجية كلام كل من الحسنين صلوات الله عليهما وعليهم أجمعين، فان كلام كل منهما وكل معصوم حجة بذاته نظراً لعصمته، ولكن كلام أي معصوم لو ردع عنه – أي عن اتباعه - معصوم آخر لا يكون حجة([8]) حينئذٍ بل الحجة هو الرادع (سواءً أكان الردع للولوية بإصداره حكماً ولائياً أم للجهة([9]) أو لمطلق الاحدثية) فالردع مانع عن حجية قول المعصوم السابق (والمراد بالحجية هنا لزوم الاتباع بل والمنجزية والمعذرية أيضاً بل والكاشفية فتدبر) وذلك يعني ان اللاحجية تعليقية موقوفة على الردع، لكن عدم الردع ليس بشرط للحجية أي ان الحجية تنجيزية وليست تعليقية، ولعله يأتي ما تنجلي به أطراف المبحث أكثر بإذن الله تعالى.
الثمرة: عدم وجوب الفحص عن الرادع على مبنانا
وأما الثمرة في دعوى ان الحجية معلقة على عدم الردع كما هو مسلك المشهور وربما المجمع عليه، أو انها تنجيزية غير متوقفة على عدم الردع بل الردع مانع واللاحجية تعليقية، فهي: انه على مبنانا فان الحجة لو وصلت إلينا (سواء أكانت حكم العقل أو الفطرة أو قول المعصوم) فانها فعلية تنجيزية ولا يجب علينا الفحص عن الردع حتى إذا لم نجده استدللنا بعدمه على الإمضاء؛ وذلك لفرض انه حجة تامة تنجيزية؛ بل على المولى جل وعلا الإبلاغ لو كان هناك رادع، أما على مسلك المشهور فالفحص واجب.
لا يقال: يلزم الفحص على كل تقدير وعلى كل الأقوال – حتى قولكم هذا – لما سلّم من أن بناءهم (عليهم السلام) على الاعتماد على المتفصلات كثيراً؟.
إذ يقال: ذلك وإن صح لكنه أجنبي عن جهة البحث؛ إذ كون دأبهم وديدنهم (عليهم السلام) كذلك، قرينة خارجية عامة على الخلاف وكلامنا في مقتضى الحجج العقلية والشرعية بما هي هي لا بما هي محتّفة بمثل هذه القرينة العامة هذا.
إضافة إلى ان صحة ذلك وتماميته لا يخدش بمدعانا في المقام إذ الكلام عن الحجج العقلائية والتي بنى عليها العقلاء بما هم عقلاء وانها غير متوقفة على عدم الردع ولا يلزم فيها الفحص، ولا ريب ان تلك القرينة العامة (قرينة الدأب) غير متحققة في الحجج العقلية بل هي خاصة بكلماتهم (عليهم السلام) إذ جرى دأبهم (عليهم السلام) على التخصيص أو التقييد بالمنفصلات، أما الفطريات والعقليات فهي حاضرة لدى العقلاء بتمام قيودها وشروطها([10]) فلا حالة انتظارية لها ولا تعليق بل الأحكام الفطرية والعقلية كلها فعلية منجزة. فتدبر جيداً يا من رعاك الله. وللبحث تتمة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
قال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): "إِنَّ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَيْنِ: حُجَّةً ظَاهِرَةً وَحُجَّةً بَاطِنَةً، فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْأَئِمَّةُ (عليهم السلام) وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُولُ " الكافي: ج1 ص15.
.................................................
الاثنين 11 شعبان 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |