197- وجوه استغناء (الحقوق) و (العقود) و (الشروط) عن امضاء الشارع، والمناقشات
الاثنين 18 شعبان 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(197)
البحث عن وجه عدم حاجة الحقوق والعقود إلى الإمضاء
هذا كله عن الطرق العقلائية التي استندوا إليها بما هم عقلاء، وأما الحقوق عامة ومنها الحقوق المستجدة كحق التأليف والاختراع والإبداع والاسم التجاري والعلامة التجارية ونظائرها، وكذا العقود عامة ومنها العقود المستجدة كعقد التأمين وعقد الخلو (وهو مورد البحث) وبعض أنواع عقد الصيانة وعقد الاستصناع وأمثالها، وكذا الشروط المتجددة كالشرط الطولي كما في عقد الخلو كما سبق، فلتصحيحها من غير حاجة إلى الإمضاء ولو بعدم الردع وجوه:
الحقوق والعقود والشروط فطرية، فلا تحتاج إلى إمضاء
الوجه الأول: ان الثلاثة الأخيرة([1]) هي صغرى النكتة الآنفة الذكر في وجه عدم حاجة الطرق العقلائية إلى الإمضاء، وهي كون مرجعها إلى حكم العقل أو الفطرة، وما كان كذلك كانت حجيته ذاتية بمعنى انها غير محتاجة إلى إمضاء حجة أخرى لها.
والحاصل: ان طرق النقل والانتقال العقلائية كالبيع والإجارة والصلح والمزارعة والمساقاة ونظائرها، وطرق ثبوت الحق العقلائية وهي الحيازة والاستصناع المراد به مصدره المجرد إذ قد يأتي باب الاستفعال بمعنى المصدر المجرد، وكذا الشروط العقلائية، كلها إذا كان العقلاء قد بنوا عليها بما هم عقلاء فان صحتها تستند إلى الحجة الباطنة وهي العقل فلا حاجة إلى إمضاء الشرع، فكما ان طرق العقلاء في الحجاج والاحتجاج والوصول والإيصال حيث استندت إلى عقلهم إذ اعتمدوا عليها بما هم عقلاء، كانت حجة ذاتية غير محتاجة للإمضاء كذلك طرق العقلاء في التمليك والتملك والنقل والانتقال والشرط والاشتراط وثبوت الحق حرفاً بحرف. وعليه فلا نحتاج لتصحيح مطلق العقود أو المستحدث منها إلى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)([2]) وغيره فان مرتبته لاحقة، على هذا.
الحيازة والاستصناع موجبان للسلطة، بالعقل والفطرة
ويمكن بيان ما سبق بوجه آخر وهو ان نعيد صياغة الدليل بشكل صغرى وكبرى وهما:
(الحيازة موجبة للعلقة) و(العلقة موجبة للسلطة) فـ(الحيازة موجبة للسلطة) والصغرى والكبرى كلتاهما مما يحكم به العقل بل الفطرة أيضاً وقد سبق إيضاح ذلك([3]).
وكذلك نقول: (الاستصناع موجب للعلقة) و(العلقة موجبة للسلطة) فـ(الاستصناع موجب للسلطةٍ).
وحيث كانت له السلطة عقلاً وفطرة، بالحيازة أو الاستصناع أو بتوابعها كما لو ورث ممن حاز أو اشترى منه، كان له التقلب فيها بمختلف أنواع التقلبات فكل هذه الحقوق ثابتة له، وكان له نقلها بمختلف أنواع النقل، كالبيع والإجارة وأيضاً كالنقل بالسرقفلية وهو مورد البحث، وبمختلف أنواع الشروط ومنه الشرط الطولي المتسلسل رغم ان قوام الشرط المتعارف بالمتشارطين.
وحيث ان هذه كلها صغريات تلك النتيجة([4]) فانها تكون عقلية أو فطرية كذلك لأن انطباق الكبرى على صغرياتها قهري وجداني.
البيع والإجارة وغيرها فطرية عقلية
ويشهد لما ذكر اننا نجد ان العقود كالبيع والإجارة والمزارعة والرهن وغيرها، كلها عقلائية بنى عليها العقلاء بما هم عقلاء من أية قومية كانوا ومن أي عرق أو لون أو دين ومذهب فحتى منكر الإله والشيوعي والعلماني وغيرهم والحضري والقروي والبدوي والأبيض والأسود كلهم يجدون من أنفسهم صحة مبادلة مال بمال أو نقل منفعة بإزاء مال وهكذا، وما ذلك إلا لأنهم يرون سلطنتهم على أموالهم بالحيازة أو الاستصناع فطرية وجدانية عقلية وان سلطنتهم على نقلها أيضاً كذلك، كما يجدون من انفسهم ان كلما صدق عليه انه حق لهم فهو كذلك أي لهم التقلب فيه بمختلف أنواع التقلب ونقله بمختلف أنواع النقل.
وجه الاختلاف في مثل حق التأليف
واما الاختلاف في مثل حق التأليف فللاختلاف في صدق الحق عليه وعدمه، فمن رأى انه حق عرفاً لم يشك في انه لا يصح انتهاكه، والكلام هو ان السلطنة على الحقوق فطرية عقلية وهذه الكبرى لا تتكفل حال الصغرى وان هذا حق أو لا فإن ثبت انه حق بالعقل أو الفطرة أو ببناء العقلاء بما هم عقلاء([5]) ثبت انه يجوز له نقله ومنع الغير عن التصرف فيه بأنحاء التصرفات إلا بإذنه.
واما صغرى المقام: فكما لا يشك العقلاء بما هم عقلاء في صحة البيع أو الإجارة، لا يشكون، لولا تشكيك المشكك([6])، في صحة بيع السرقفلية وغيره من العقود المتجددة هذا.
الإشكالات
ولكن ما ذكر يعاني من الإشكالات التالية:
1- فطرية الأصل لا تستلزم فطرية الحدّ والصغريات
فأولاً: قد يقال بان ذلك وإن صح وان الحيازة والاستصناع موجبان لعلقة والعلقة موجبة لسلطة وان كلتا المقدمتين فطرية أو عقلية، إلا ان الجواب واضح وهو ان أصلها فطري دون حدها وحدودها وشروطها وموانعها بل وصغرياتها أو بعضها على الأقل فتحتاج إلى الإمضاء في ذلك الحد أو الشرط أو في صغروية الصغرى، ولو بعدم الردع؛ ألا ترى ان البيع وإن قيل بكونه من فطرة البشر (ان يبادل ماله بمال غيره) إلا ان حدوده وشروطه وصغرياته ليست فطرية أو عقلية، ألا ترى الشارع ردع عن بيع الكالي بالكالي؟ وعن البيع الربوي؟ واشترط في البيع شروطاً كأن يكون فيما يملك؟ وهكذا. ففطرية الأصل لا تستلزم فطرية الحدّ والصغريات فليس مستندها الفطرة أو العقل فتحتاج إلى إمضاء.
وسيأتي الجواب عن ذلك مع بيان إشكالات أخرى ومناقشات غداً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "الْمَسْجُونُ مَنْ سَجَنَتْهُ دُنْيَاهُ عَنْ آخِرَتِهِ" الكافي: ج2 ص455.
..............................................................................
([1]) الحقوق والعقود والشروط.
([2]) سورة المائدة: آية 1.
([3]) في عدة دروس ومنها موجزاً في الدرس (189- 532).
([4]) نتيجة القياس السابق.
([5]) وكذا لو ثبت ذلك بالشرع، كما هو واضح.
([6]) مما قد يشككهم حتى في البديهيات.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(197)
البحث عن وجه عدم حاجة الحقوق والعقود إلى الإمضاء
هذا كله عن الطرق العقلائية التي استندوا إليها بما هم عقلاء، وأما الحقوق عامة ومنها الحقوق المستجدة كحق التأليف والاختراع والإبداع والاسم التجاري والعلامة التجارية ونظائرها، وكذا العقود عامة ومنها العقود المستجدة كعقد التأمين وعقد الخلو (وهو مورد البحث) وبعض أنواع عقد الصيانة وعقد الاستصناع وأمثالها، وكذا الشروط المتجددة كالشرط الطولي كما في عقد الخلو كما سبق، فلتصحيحها من غير حاجة إلى الإمضاء ولو بعدم الردع وجوه:
الوجه الأول: ان الثلاثة الأخيرة([1]) هي صغرى النكتة الآنفة الذكر في وجه عدم حاجة الطرق العقلائية إلى الإمضاء، وهي كون مرجعها إلى حكم العقل أو الفطرة، وما كان كذلك كانت حجيته ذاتية بمعنى انها غير محتاجة إلى إمضاء حجة أخرى لها.
والحاصل: ان طرق النقل والانتقال العقلائية كالبيع والإجارة والصلح والمزارعة والمساقاة ونظائرها، وطرق ثبوت الحق العقلائية وهي الحيازة والاستصناع المراد به مصدره المجرد إذ قد يأتي باب الاستفعال بمعنى المصدر المجرد، وكذا الشروط العقلائية، كلها إذا كان العقلاء قد بنوا عليها بما هم عقلاء فان صحتها تستند إلى الحجة الباطنة وهي العقل فلا حاجة إلى إمضاء الشرع، فكما ان طرق العقلاء في الحجاج والاحتجاج والوصول والإيصال حيث استندت إلى عقلهم إذ اعتمدوا عليها بما هم عقلاء، كانت حجة ذاتية غير محتاجة للإمضاء كذلك طرق العقلاء في التمليك والتملك والنقل والانتقال والشرط والاشتراط وثبوت الحق حرفاً بحرف. وعليه فلا نحتاج لتصحيح مطلق العقود أو المستحدث منها إلى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)([2]) وغيره فان مرتبته لاحقة، على هذا.
ويمكن بيان ما سبق بوجه آخر وهو ان نعيد صياغة الدليل بشكل صغرى وكبرى وهما:
(الحيازة موجبة للعلقة) و(العلقة موجبة للسلطة) فـ(الحيازة موجبة للسلطة) والصغرى والكبرى كلتاهما مما يحكم به العقل بل الفطرة أيضاً وقد سبق إيضاح ذلك([3]).
وكذلك نقول: (الاستصناع موجب للعلقة) و(العلقة موجبة للسلطة) فـ(الاستصناع موجب للسلطةٍ).
وحيث كانت له السلطة عقلاً وفطرة، بالحيازة أو الاستصناع أو بتوابعها كما لو ورث ممن حاز أو اشترى منه، كان له التقلب فيها بمختلف أنواع التقلبات فكل هذه الحقوق ثابتة له، وكان له نقلها بمختلف أنواع النقل، كالبيع والإجارة وأيضاً كالنقل بالسرقفلية وهو مورد البحث، وبمختلف أنواع الشروط ومنه الشرط الطولي المتسلسل رغم ان قوام الشرط المتعارف بالمتشارطين.
وحيث ان هذه كلها صغريات تلك النتيجة([4]) فانها تكون عقلية أو فطرية كذلك لأن انطباق الكبرى على صغرياتها قهري وجداني.
ويشهد لما ذكر اننا نجد ان العقود كالبيع والإجارة والمزارعة والرهن وغيرها، كلها عقلائية بنى عليها العقلاء بما هم عقلاء من أية قومية كانوا ومن أي عرق أو لون أو دين ومذهب فحتى منكر الإله والشيوعي والعلماني وغيرهم والحضري والقروي والبدوي والأبيض والأسود كلهم يجدون من أنفسهم صحة مبادلة مال بمال أو نقل منفعة بإزاء مال وهكذا، وما ذلك إلا لأنهم يرون سلطنتهم على أموالهم بالحيازة أو الاستصناع فطرية وجدانية عقلية وان سلطنتهم على نقلها أيضاً كذلك، كما يجدون من انفسهم ان كلما صدق عليه انه حق لهم فهو كذلك أي لهم التقلب فيه بمختلف أنواع التقلب ونقله بمختلف أنواع النقل.
واما الاختلاف في مثل حق التأليف فللاختلاف في صدق الحق عليه وعدمه، فمن رأى انه حق عرفاً لم يشك في انه لا يصح انتهاكه، والكلام هو ان السلطنة على الحقوق فطرية عقلية وهذه الكبرى لا تتكفل حال الصغرى وان هذا حق أو لا فإن ثبت انه حق بالعقل أو الفطرة أو ببناء العقلاء بما هم عقلاء([5]) ثبت انه يجوز له نقله ومنع الغير عن التصرف فيه بأنحاء التصرفات إلا بإذنه.
واما صغرى المقام: فكما لا يشك العقلاء بما هم عقلاء في صحة البيع أو الإجارة، لا يشكون، لولا تشكيك المشكك([6])، في صحة بيع السرقفلية وغيره من العقود المتجددة هذا.
ولكن ما ذكر يعاني من الإشكالات التالية:
فأولاً: قد يقال بان ذلك وإن صح وان الحيازة والاستصناع موجبان لعلقة والعلقة موجبة لسلطة وان كلتا المقدمتين فطرية أو عقلية، إلا ان الجواب واضح وهو ان أصلها فطري دون حدها وحدودها وشروطها وموانعها بل وصغرياتها أو بعضها على الأقل فتحتاج إلى الإمضاء في ذلك الحد أو الشرط أو في صغروية الصغرى، ولو بعدم الردع؛ ألا ترى ان البيع وإن قيل بكونه من فطرة البشر (ان يبادل ماله بمال غيره) إلا ان حدوده وشروطه وصغرياته ليست فطرية أو عقلية، ألا ترى الشارع ردع عن بيع الكالي بالكالي؟ وعن البيع الربوي؟ واشترط في البيع شروطاً كأن يكون فيما يملك؟ وهكذا. ففطرية الأصل لا تستلزم فطرية الحدّ والصغريات فليس مستندها الفطرة أو العقل فتحتاج إلى إمضاء.
وسيأتي الجواب عن ذلك مع بيان إشكالات أخرى ومناقشات غداً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "الْمَسْجُونُ مَنْ سَجَنَتْهُ دُنْيَاهُ عَنْ آخِرَتِهِ" الكافي: ج2 ص455.
([2]) سورة المائدة: آية 1.
([3]) في عدة دروس ومنها موجزاً في الدرس (189- 532).
([4]) نتيجة القياس السابق.
([5]) وكذا لو ثبت ذلك بالشرع، كما هو واضح.
([6]) مما قد يشككهم حتى في البديهيات.