38- التحقيق 1-معاني الصحة الثلاثة 2-المدار في الصحة الواقعية على (الواقع) لاغير 3- المدار في الصحة ( بمعنى الإجزاء) على مطابقة راي المجتهد الحالي لا غير
الثلاثاء 25 ذي الحجة 1432هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام في الوجوب الشرطي لـ(الاجتهاد والتقليد) وقد مضى بعض الكلام وقلنا إن النتيجة في المقام تتضح ببيان أمور:
الأول: ما تقدم أن الصحة والبطلان عند التدبر في كلمات الأعلام لها معاني ثلاث، وبحملهما في كل موطن على معنى، يندفع التناقض المتوهم في كلماتهم، ويعرف المراد من كلماتهم بالقرائن كما سبق من كلام صاحب العروة، وكما فيما ذكره السيد السبزواري في المهذب: (لا يصح كل فعل أو ترك إلا مع إحراز المطابقته للواقع),وفما المراد من الصحة هنا؟
أما المعنى الأول (الصحة الثبوتية) فغير مراد قطعاً، لوجود كلمة (الإحراز) فإنها من عالم الإثبات ولا يعقل تعليق عالم الثبوت على عالم الإثبات.
أما المعنى الثاني (المعذرية) بمعنى عدم استحقاق العقوبة، فلا يصح أي أنه يستحقها فغير مراد أيضاً لأن شأن الفقيه الكلام عن أفعال المكلفين لا عن نتائج أعمالهم من استحقاق العقوبة وعدمها، وإن أمكنت إرادته.
فالمراد إذن هو المعنى الثالث وهو الإجزاء على الصحة و وجوب القضاء أو الاعادة عند عدم الصحة فلا يصح، أي لا يجزئ إلا مع إحراز المطابقة للواقع عن طريق التقليد مثلاً.
2- ملاك الصحة الواقعية
الأمر الثاني: إن الملاك والمقياس للصحة الواقعية هو مطابقة المأتي به للمأمور به ثبوتاً، لا مطابقة رأي المجتهد الحالي ولا السابق فالصحة هنا مدارها الواقع ولا يعقل تفرع عالم الثبوت - الصحة الواقعية - على عالم الإثبات وعلى ذلك بنى السيد الوالد في آخر الأصول حيث ذكر (عمل العامي بلا تقليد إن طابق الواقع صح وإن كان مخالفاً بطل) وهنا المراد الصحة الثبوتية وأما مطابقة رأي المجتهد فأمر إثباتي ولا يعقل توقف الثبوت ـ بمعنى مطابقة المأتي به للمأمور به ـ على الإثبات، كما سبق.
3- ملاك الصحة الظاهرية
الأمر الثالث: إن المدار في الصحه الظاهرية بمعنى الإجزاء على مطابقة عمله لفتوى المجتهد الذي يجب عليه الرجوع إليه الآن فقط، لا حين العمل ولا مطابقة الواقع ما لم ينكشف لديه أو يحرزه قطعاً بالاحتياط.
مناقشة القول بالحصة لمطابقة رأي المجتهد السابق
وهذه المسألة محل خلاف فالبعض كالسيد عبد الهادي الشيرازي والسيد الوالد يرى كفاية المطابقة للواقع أو للمجتهد السابق أو الحالي، بدعوى أن المجتهد السابق كان المفروض رجوع المقلد إليه فيكفي مطابقة عمله له، فلا إعادة ولا قضاء، لأن الفرض أن ذلك المجتهد السابق كان هو الواجب الرجوع إليه، فلو طابق عملي قوله كفى.
ولكن قد يورد عليه أن هذا العامي على هذا الفرض، لم يستند حين العمل لرأي ذلك المرجع، فلا يمكن القول بالاجزاء بناء على أن التقليد ـ كما هو المشهور ـ هو العمل عن استناد ، والفرض أن العامي لم يعمل عن استناد، والواقع لا طريق له إليه غير الاجتهاد والتقليد، ورأي المجتهد الحالي على الفرض مخالف للمجتهد السابق.
اللهم إلا أن يقال بأنه قد استند في الحال إلى رأي المجتهد السابق في أعماله الماضية، ولكن هذا التخريج يرد عليه أن هذا غير مقبول على مبناهم من عدم جواز تقليد الميت ابتداءً أو بعد العدول إلى غيره,نعم لو التزم شخص بجواز تقليد الميت ابتداءً لكان وجه لهذا الكلام.
لكن قد يبرز إشكال جديد وهو أن الواقع لا ينقلب عما وقع عليه، فإنه سابقاً في عمله حينذاك لم يستند إلى المجتهد السابق فاستناده الآن إليه لا يقلب الواقع عما كان عليه حتى لو قلنا بجواز تقليد الميت ابتداءً، نعم يصح لي على هذا المبنى أن أسند أعمالي الحالية لرأيه، لا أن أسند أعمالي الفائته الواقعة بلا استناد إليه سابقاً، إليه، فتأمل.
السيد البروجردي ذهب إلى العكس أي إلى أن المطابقة لرأي المجتهد الماضي هو المصحح وقال: (مناط صحة عمل الجاهل قاصراً كان أو مقصراً عبادة كان العمل أو غيرها، هو وقوعه مطابقاً للواقع) وهنا لابد أن يكون مقصوده الصحة الثبوتبة (أو لفتوى من كان يجب عليه تقليده حين العمل) فنقول إن كان التقليد هو صرف العمل صح هذا القول، لكن التقليد لغة وعرفاً واصطلاحاً وعقلاً ليس مجرد العمل إذا طابق ثبوتاً قول ذلك الذي قلده، بل هناك ربط قصدي بين العمل ومَن استند إليه في العمل ، وتحقيق الكلام يترك لمحله، وسيأتي الكلام في الأمر الرابع إن شاء الله وصلى الله على محمد وآله الطاهرين...
الثلاثاء 25 ذي الحجة 1432هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |