106- وجوه دعوى كون الاحتياط الوجوبي، بمعنى اللزوم العقلي أ- وقوعه في سلسلة معاليل الحكم الشرعي ب- استقلال العقل به، ومناقشتهما
الاحد 9 جمادي الاول 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
كان الكلام حول الشق الثاني من المسألة الثالثة والستين من مسائل العروة وهي ان الاحتياط الوجوبي هو ما لم يكن مسبوقا او ملحوقا بالفتوى ويسمى بالاحتياط المطلق واسماه البعض بالاحتياط اللزومي ومن احكامه ان المكلف مخير بين العمل بهذا الاحتياط وبين الرجوع للغير مفضولا كان ام لا ؟
وقد تقدم ان السيد العم في بيان الفقه فسر الوجوب باللزوم العقلي فالاحتياط الوجوبي يعني الاحتياط اللزومي ولا يراد من الوجوب هنا الوجوب الشرعي الذي هو احد الاحكام التكليفية الخمسة وانما يراد به حكم العقل والزامه من غير مدخلية للشرع وحسب تعبير بيان الفقه (والمراد به هو اللازم فعله ولو بدليل عقلي لا الوجوب الشرعي الذي هو احد الاحكام التكليفية الخمسة)
وذكرنا ان هذا الكلام ينبغي معرفة وجهه ودليله , وما يمكن ذكره لذلك وجوه:
الوجه الاول:ان يكون المستند هو ما ذهب اليه المحقق النائيني في مبحث الاحكام العقلية التي تقع في سلسلة معاليل الحكم الشرعي , توضيح ذلك: ان الميرزا النائيني يرى بان الاوامر الشرعية (اي الصادرة من الشارع) اذا تعلقت بحكم عقلي او بمدرك عقلي وقع –اي هذا الحكم او المدرك-في سلسلة معلولات الحكم الشرعي اي كان معلولا للحكم الشرعي (وفي طوله وفي رتبة لاحقة عنه) فان هذا الامر يكون امرا ارشاديا
اما الامر الشرعي (اي الصادر من الشارع) اذا تعلق بما وقع في سلسلة علل الاحكام الشرعية فانه يكون امرا مولويا ، امر الاحتياط من القبيل الاول لأن الامر به امر بحكم عقلي واقع في سلسلة معاليل الحكم الشرعي فهو اذن امر ارشادي واللزوم لزوم عقلي وليس وجوبا شرعيا و توضيح ذلك:عندما يقول الشارع (اقم الصلاة) يتفرع على هذا الامر حكم بل احكام منها(وجوب الاطاعة) اذ لو لم يكن الامر باقامة الصلاة في رتبة سابقة لكان الامر بالاطاعة من باب السالبة بانتفاء الموضوع اي لم يكن له موضوع فهو متأخر عنه رتبة وفي طوله اذ الامر الشرعي محقق لموضوعه .
وكذلك الحال في (امر الاحتياط) لأن الاحتياط شُرّع لاجل التحفظ على اوامر المولى اذن هو متاخر رتبة عنها و معلول لها اي في رتبة المعلول اذ لو لم يكن امر من المولى بالصلاة الى القبلة لما كان موضوعٌ للاحتياط بالصلاة الى جهتين اوالى اربع جهات فالامر بالصلاة محقق لموضوع الاحتياط وبدونه لا يعقل الاحتياط اذ يحتاط بماذا ولا امر موجودا ؟
وفي المقابل فان الامر الشرعي يتعلق بما هو في رتبة العلل فلو تعلق الامر الشرعي بما هو في رتبة علل احكامه لامكن ان يكون مولويا وليس بالضرورة ان يكون مولويا اذ لعل الشارع كان في مقام النصح ، وفي المثال السابق في الصلاة لو تعلق الامر بالانتهاء عن الفحشاء(ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) او بالقرب الى الله (الصلاة قربان تقي ) فان المصالح الواقعية الثبوتية الملزمة هي في رتبة علل الاحكام وكذلك المفاسد الثبوتية الملزمة فهي في رتبة علل التحريم الشرعي
والحاصل : ان هذا الكلام للميرزا النائيني يصلح ان يكون وجها يستند اليه لتعليل ما التزمه السيد العم في بيان الفقه في المقام حيث رأى ان الاحتياط الوجوبي في الرسائل العملية والكتب الاستدلالية لا يراد به الوجوب الشرعي بل العقلي بل نترقى ونقول ان البعض يرى انه لا يعقل ان يراد به الوجوب الشرعي في ما لو تعلق الامر الصادر من الشارع بما كان في رتبة معاليل احكامه، و ذلك لمحاذير عديدة فصّل البحث عنها في محلها لكن نشير لها :
فمنها : لزوم التسلسل لو قلنا ان (امر الاطاعة) مولوي وكذلك بحسب كلام السيد الحكيم في المستمسك(الامر بالتوبة) حيث انه رأى انه لو كان مولويا للزم التسلسل ، وكذلك (الامر بالاحتياط) فانه من القول بمولويته يلزم احد محاذير اربعة اما التسلسل او الدور او تحصيل الحاصل او اللغوية هذه المحاذير الاربعة التي يمكن ان تذكر كوجه للامتناع الذاتي (المحاذير الثلاثة الاول) او الامتناع الوقوعي(المحذور الرابع) وهو اللغوية لان اللغو خلاف الحكمة وهو ليس بممتنع ذاتا لكنه ممتنع وقوعا , والامر بالاحتياط من هذا القبيل فعندما يحتاط الفقيه وجوبيا فما هو الباعث لي والمحرك لي لكي امتثل واطبق عملي على ذلك الاحتياط ؟ ليس ذلك المحرك الا العقل (بحسب ناتج كلام المحقق النائيني وكذلك كلام البيان) ولا يمكن ان يكون الشرع هو الباعث والمحرك لما ذكرنا
لكن هذا الوجه مناقش فيه مبنى لما اشرنا اليه سابقا وكما جرى تفصيله في كتاب (الاوامر المولوية والارشادية) من ان ملاك المولوية وملاك الامر المولوي والنهي المولوي هو ما صدر من المولى بما هو مولى معملا مقام مولويته ولا فرق في ذلك سواء اكان المتعلق واقعا في سلسلة المعاليل للحكم الشرعي ام كان واقعا في سلسلة العلل ، وقد فصلنا هناك الوجه في ذلك وان هذه المحاذير الاربعة لا تلزم
اذن لو كان المستند هذا الوجه فانه مناقش فيه مبنائيا ، فعلى هذا فان الامر بالاحتياط امر مولوي فقوله عليه السلام(اخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت)يمكن ان يلتزم بانه مولوي رغم كون الاحتياط في رتبة معاليل الاحكام الشرعية وذلك لكونه صادرا من المولى بما هو مولى معملا مقام مولويته
كما ان بعض الاعلام كالسيد الخوئي فصل في المقام بين مثل اوامر الاطاعة فاعتبرها ارشادية ببرهان الاستحالة وبين مثل امر الاحتياط فاعتبره مولويا وذلك لأنه ذهب تبعا لجمع من الاعلام الى ان الضابط في المولوي هو ما كان بداعي البعث والتحريك كما ان النهي المولوي هو ما كان بداعي الزجر والحيلوله ، والنقاش المبنائي حول هذا التفصيل يترك لمحله
والحاصل انا نقول انه لا يصح القول بان الاحتياط الوجوبي يراد به الوجوب العقلي بشرط لا عن الوجوب الشرعي
الوجه الثاني لما يمكن ان يستدل به لكلام بيان الفقه: ان يقال ان هذا الاحتياط الوجوبي الصادر من الفقيه اما ان يكون قد صدر منه قبل الفحص واما ان يكون قد صدر منه بعد الفحص اي انه احتاط اما لانه لم يفحص واما انه فحص ولكنه احتاط لكون المورد مثلا من موارد اطراف العلم الاجمالي ، فهنا صورتان(وهما صورتان من الصور الاربعة المتقدمة):
الصورة الاولى: ان يكون احتياط الفقيه قبل الفحص فاذا كان هذا الاحتياط قبل الفحص فان ذلك مما يستقل العقل بوجوبه لأن العقل يستقل بوجوب الاحتياط قبل الفحص في الشبهات الحكمية كما هو مسلم اذن هذا الاحتياط عقلي وليس شرعيا
الصورة الثانية: لو كان الاحتياط بعد الفحص كما في موارد العلم الاجمالي كالجمع بين القصر والاتمام فهنا العقل ايضا يستقل بالحكم لأنه من موارد العلم الاجمالي فالعقل يستقل بمنجزية العلم الاجمالي ويتفرع عليه لزوم الاحتياط
اذاً الامر عاد الى استقلال العقل بلزوم الاحتياط
اذاً هذا الاحتياط سواء اكان من قبيل الاول ام من قبيل الثاني فانه من المستقلات العقلية والحكم به حكم عقلي بنحو اللزوم وليس وجوبا شرعيا مولويا (يثاب عليه ان ان التزم ومعاقب عليه ان عصى) فهل هذا الوجه تام ام لا؟
ثم ان النتيجة لهذا الوجه ان تم ان كل الاحتياطات الوجوبية تخرج عن كونها احكاما فرعية وانما ذكرها الفقهاء في الرسائل العملية كارشاد لحكم العقل لا غير وليست مسائل فرعية مرتبطة بالفقه بالمعنى الاخص اضافة الى انه لا ثواب ولا عقاب في اتباعها او مخالفتها بالاضافة الى ثمرات اخرى تترتب على كون هذا الاحتياط عقليا ام شرعيا يأتي الكلام عنها ان شاء الله تعالى .
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين .....
الاحد 9 جمادي الاول 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |