105- هل الرجوع لفتوى المفضول المطابقة للاحتياط تشريع؟ وما هو ملاك التشريع المحرم؟
السبت8 جمادي الاول 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم أجمعين ولاحول ولاقوة الابالله العلي العظيم
كان الكلام حول ان الاحتياط الاستحبابي للاعلم وقد مضت بعض البحوث عن ذلك ووصل الكلام الى انه قد قيل ان اعلم لو افتى واحتاط استحبابا وكانت فتوى المفضول مطابقة لاحتياطه فانه لا يجوز للمكلف العمل بفتوى المفضول مستندا اليها لانه وان جاز العمل بالاحتياط تخييرا كقسيم ولكن لا يجوز العمل بما وافق الاحتياط من فتوى المفضول وذلك لوجهين:
الاول: حرمة العدول والتي لا تصدق بالتمسك بالاحتياط ولكنها تصدق بالتمسك بفتوى المفضول
الثاني:حرمة التشريع حيث ان العمل باحتياط الاعلم ليس تشريعا ولكن العمل بفتوى المفضول تعد تشريعا لأن الفرض ان فتوى المفضول ليست بحجة بناءا على وجوب تقليد الاعلم فالاستناد في احكام الشارع الى المفضول تشريع محرم واجبنا عن الوجه الاول بان العدول ليس محرما لعنوانه بل هو محرما لملاكه وهو الانتقال من الحجة الى اللاحجة اما اذا كان المنتقل اليه ايضا حجة فلا باس به , على اشكال في هذا الوجه سيأتي بيانه
واما الوجه الثاني : فان بعض الاعلام اجاب عنه بانه لو كان رأي المفضول في العبادات فالاستناد اليه تشريع محرم والا بان كان في المعاملات بالمعنى الاعم فانه ليس تشريعا محرما
لكن الظاهر ان هذا التفصيل ليس بتام والظاهر انه حدث خلط لهذا المفصّل بين حرمة التشريع وبين وجوب قصد القربة والتفصيل يجري في الثاني دون الاول اي يجب ان يقصد المكلف القربة في العبادات ولا يجب ذلك في المعاملات ولم يكن اشكال ذلك العلم من حيث افتقاد قصد القربة بالاستناد الى فتوى المفضول ليقال باختصاصه بالعبادات وانما اشكاله هو حرمة التشريع بلحاظ عدم كون فتوى المفضول حجة فكيف يُستند اليه و كيف يسند الى الشارع ما افتى به فهذا تشريع محرم سواء أكان في العبادات ام في المعاملات .
ونقول ان هذا التفصيل لا وجه له لأن التشريع محرم مطلقا سواء اكان في العبادات ام في المعاملات وتوضيح ذلك يتوقف على تعريف التشريع بايجاز ووجه حرمته وسنجد ان التعريف ينطبق على كلا الامرين وان الادلة عامة للعبادات والمعاملات
اما تعريف التشريع فهو (اسناد ما لم يعلم انه من الشارع الى الشارع سواء اشك هذا المسنِد ام ظن بالخلاف ام ظن بالوفاق ظنا غير معتبر ، فكيف لو علم بالخلاف)
اذن فالصور اربعة:ان يسند الى الشارع مع علمه بعدم صدوره منه او يسند مع شكه بالصدور او يسند مع ظنه ظنا غير معتبر بالصدور او يسند مع ظنه بعدم الصدور , و لا فرق فان كل ذلك تشريع محرم ، وكذا لا فرق بين ان يكون ما اسنده للشارع في علم الله وعالم الثبوت ومتن الواقع مخالفا ام لم يكن كذلك ، اي انه لو اسند للشارع حكما وهو لا يعلم كونه منه ، وكان كما اسنده ثبوتا من غير ان يعلم صحة الاسناد فهو تشريع محرم على حسب رأي المحقق النائيني(وهو القول المختار) على خلاف من اِرتأى ان التشريع هو اسناد ما لم يعلم انه من الشارع اليه ، ولم يكن كذلك واقعا فان طابق الواقع فليس تشريعا نعم هو تجري وان خالف فهو تشريع محرم لكن هذا الرأي غير صحيح ويظهر ذلك بملاحظة ما سيأتي من ملاحظة ادلة حرمة التشريع ، اذن التشريع هو اسناد ما لم يعلم انه من الشارع الى الشارع وهذا التعريف كما ينطبق على العبادات فهو ينطبق على المعاملات ايضا فاذا كانت فتوى المفضول محرمية العشر رضعات وهي مسالة غير عبادية و اسندت ذلك الى الشارع اعتمادا على قول المفضول والفرض ان فتوى المفضول ليست بحجة فهو تشريع محرم
ولابأس بالاشارة الى الفرق بين التشريع والبدعة فهو ان البدعة هي ادخال ما ليس من الدين في الدين والتشريع ما تقدم والفرق بينهما هو الفرق بين الاثبات والثبوت لأن التشريع هو الاسناد فالحديث يدور في عالم الاثبات و ان اسنادي الى الشارع محل اشكال اما البدعة فهي ادخال ما ليس في الدين من الدين سواء اسندت ام لم اسند وهذا هو الفرق المفهومي بينهما ، اما الفرق من حيث النسب الاربعة فهناك كلام وانه هل هو عموم مطلق او من وجه او التساوي فليتدبر
واما الدليل على حرمة التشريع بقول مطلق , فنقول بايجاز اما من النقل فقوله تعالى(آلله اذن لكم ام على الله تفترون) فظاهر الاية منفصلة حقيقية فاذا لم يكن اذن من الله بالاسناد اليه فيكون افتراء على الله , فالاستدلال بالاية واضح وهناك ايات اخرى يمكن الاسناد اليها ليس هذا محل تفصيلها ، واما الاستدلال بالعقل على حرمة التشريع:
اولا: هذا ظلم بحق المولى
وثانيا:هذا ظلما بحق العباد
وثالثا: ان هذا يستلزم الهرج والمرج التشريعي والقانوني اذ يسند كل احد ما شاء الى الشارع ، اضافة الى انه كذب بل اقبح انواعه لكونه كذبا على الله تعالى , بالاضافة الى وجود وجوه فساد اخرى تترك لمحالها
اذن نقول لهذا العلم المفصّل بين العبادات و غيرها ، ان هذا التفصيل لا وجه له ، بل التشريع محرم مطلقا وعلى ذلك فتوى اعاظم الفقهاء بل المسألة اجماعية مع قطع النظر عن ذاك الخلاف في المطابقة واللا مطابقة والذي لا يرتبط بهذا التفصيل
لا يقال: ان المكلف عندما استند الى قول المفضول فحيث ان قول المفضول مطابق للاحتياط فقد برأت ذمته
فانا نقول: لو كانت هناك حجة طابقتها لا حجة فان استناد المكلف لللا حجة لو عاد لُبا لاستناده للحجة لكان معذورا بحكم العقل لكن ذلك اتباع للحجة حقيقة ، واما لو لم يعد اليه لما كان معذورا لو خالف ذلك الرأي الواقع (والا كان متجريا) وذلك كما لو ان الثقة اخبر وطابق خبره خبر الفاسق فهل الاستناد لخبر الفاسق مبرء للذمة؟
نقول: اذا كان هذا المكلف او السامع للخبر ملتفتا الى المطابقة وكان بحيث عاد تقليده لبّا الى خبر الثقة لكان ذلك خروجا عن موضوع البحث ولم يكن ذلك عدولا الى ذاك الفاسق بل هو عمل بقول الثقة لكنه لو لم يعد لبّا الى ذلك اي لاحظ المقلد او السامع خبر هذا الفاسق بشرط لا مثلا واتبعه بعنوانه لا غير فلا شك انه في حكم العقل لو لم يطابق حكمه الواقع لما كان معذورا
اما الحجج التي امضاها الشارع فلو لم تطابق الواقع لكان معذورا ، وفي المقام : ان التمسك بالاحتياط مبرء للذمة لأن الاحتياط قسيم للاجتهاد والتقليد عقلا لكن فتوى المفضول المطابقة للاحتياط لو استند اليها لكان غير معذور لو خالفت هذه الفتوى الواقع .
المسألة الجديدة والتي تعد الشق الثاني في مقابل الشق الاول الذي كان البحث فيه عن الاحتياط الاستحبابي فهو البحث عن الاحتياط الوجوبي وهو الاحتياط الابتدائي غير المسبوق او الملحوق بالفتوى فانه لو احتاط الاعلم وجوبيا ، تخير المكلف بين العمل باحتياطه وبين الرجوع لفتوى المفضول هذه المسالة كما ذكرها صاحب العروة وهنا مباحث:
المبحث الاول: عندما نقول الاحتياط الوجوبي فهل هذا الوجوب هو وجوب شرعي الذي هو احد الاحكام التكليفية الخمسة المجعولة والمعتبرة من قبل الشارع ولو لم يجعله الشارع لم يتحقق ام ان هذا الوجوب عقلي غير مجعول من الشارع ويراد به اللزوم سواء جعله الشارع ام لم يجعله ؟
هنا احتمالان: السيد العم في بيان الفقه يستظهر ان الوجوب عقلي ويقول هذا الوجوب وجوب عقليا وليس مجعولا للشارع فعندما يقول الاعلم(الاحوط وجوبا) فهو حكم عقلي لا غير
هذا الكلام لم يذكر له بيان الفقه دليلا فينبغي اولا ملاحظة ما يمكن ان يكون دليلا على هذا الكلام ثم نلاحظ هل هذا الكلام تام ام لا ؟
سيأتي الكلام في ذلك ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين ....
السبت8 جمادي الاول 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |