122- اجوبة اخرى عن الاشكالات وعن قول القوانين (لايصح تكليف الغافل) -النقض بان في النظر والاجتهاد مظنة الوقوع في الشبهة والانحراف
الثلاثاء 9 جمادي الثاني 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام حول الدليل الذي ذكره صاحب القوانين على وجوب النظر ومحوره (الخوف) وقد استشكل عليه بوجوه مرت واجبنا :
اولاً:بان مدار حكم العقل بوجوب دفع الضرر ليس هو الخوف وحده بل الاحتمال ايضا اي ان العقل يحكم بوجوب دفع الضرر المخوف منه ووجوب دفع الضرر المحتمل ايضا
وثانياً:ان الخوف الذي يحكم العقل بوجوب دفعه ليس خاصا بالخوف الشخصي بل هو عام للخوف النوعي ، فلو لم يخف هو بما له من خصوصيات نفسية فانه لا يعد مؤمّنا له من العقاب مع وجود الخوف النوعي هذا ما سبق
الجواب الثالث:ان المستشكل ذكر (لو فرض حصول الخوف فقد يزول بما ظن به "اي التقليد" اذا شكره على حسب ما ظن ) والحاصل ان الانسان الذي يخاف من الضرر الاخروي لو قلد في العقائد فان خوف الضرر يزول بالظن الناشيء من التقليد في اذا طابق فعله ظنه بان امتثل وانقاد لما ظن
نقول:يرد على هذا بأن زوال الخوف بحصول الظن وبالانقياد للظن لا يجدي ولا ينفع الا لو اعتبر من يُخاف منه ذلك الظن حجة فيكون هذا هو المؤمّن لا غير ,فخلاصة كلام المستشكل ان المقلد يظن بالمطابقة فكثيرا ما يزول خوفه فلا يحكم العقل بوجوب الاجتهاد ، وفيه :
انه لو فرض انه قلد فظن المطابقة فزال خوفه ، الا ان ذلك لا يكفي في دفع حكم العقل بوجوب الاجتهاد لأن الفرض ان زوال خوفه مستند للظن وهذا الظن ان لم يعتبره من بيده العقوبة ، حجة اي معذرا فانه ليس بمؤمّن فلا مؤمّن الا بان يعتبر الخالق جل اسمه هذا الظن حجة فلو رجعنا لذلك لكان خروجا عن مورد البحث لأن مورده هو حكم العقل مع قطع النظر عن النقل وسيأتي بحثه لاحقا لكن الكلام هنا هل لنا دليل عقلي تام على وجوب الاجتهاد وعدم كفاية التقليد؟اجبنا هناك دليلان : الدليل الاول هو ما سبق من (الاحتمال) والدليل الثاني ما بينه صاحب القوانين من (الخوف) فلو زال هذا الخوف بالظن فالظن اذا لم يثبت حجيته من قِبَل من بيده العقوبة فيبقى الحكم العقلي منجزا
اذاً الرجوع الى المؤمن الشرعي خروج عن الاستدلال العقلي الى الاستدلال النقلي ، ولا نأباه لكن في مرحلته وعند وصول النوبة اليه وكلامنا هو في مقتضى حكم العقل بما هو هو ، وانه هل العقل بما هو هو يؤمنك من العقاب لو قلدت في اصول الدين ام لا ؟حتى الان لم يثبت ذلك ، نعم في مرحلة لاحقة لو استفدنا ذلك من الشرع فالمستند لصحة التقليد سيكون شرعيا لكن هل يصح الاستناد للشرع في هذه المسألة؟سيأتي ان البعض يرى ان ذلك دوريا فلا يصح ، فان قلنا لا يصح فقد انحصر الامر بالعقل وان قلنا انه يصح الاستناد في مسائل المعارف للنقل رجع الاستدلال للنقل من جديد لا الى العقل ، وهو خلف ,هذا هو الجواب الثالث على كلام المستشكل
الجواب الرابع على ما يظهر من كلام القونين حيث يقول في بداية كلامه (ان ذلك"الخوف"ربما يحصل لبعض الناس دون بعض فلا وجه للاطلاق "اطلاق القول بوجوب الاجتهاد" كمن قلد محقا وجزم به) فاذا جزم به فلا خوف ولا احتمال (واطمئنت به نفسه ...) ثم يقول..(وكذلك من قلد مبطلا واطمأن به وجزم به فلا يحصل له خوف اصلا بتركه)
نحن نقول:في هذه الصورة ايضا لا يصح اطلاق القول فيها بعدم استحقاق العقاب ، فانه لو قطع شخص من التقليد بمسألة فهل قطعه هذا يدفع عنه العقاب ؟ المستشكل يقول نعم ونحن نقول لا في الجملة ونعم في الجملة ,توضيح ذلك:ان هذا القاطع لو اخطأ في المقدمات فان كان قاصرا لم يستحق العقوبة ولكنه لو كان مقصرا في المقدمات لكن الان قاطع فهل يصح خطابه بالتكليف ام لا يصح؟
المعروف لا يصح خطاب القاطع وان كان مقصرا ، بتكليف يناقض اعتقاده . لماذا؟ لادلة عديدة مذكورة في محالها منها:انه يستلزم بنظره اجتماع النقيضين ,اذ مع كونه قاطعا بان هذا طاهر مثلا لو قال له المولى اغسله وطهره فانه يلزم منه جمع النقيضين بنظره وهو محال كما قالو واستدلوا على ذلك بادلة عديدة وقد ناقشناها في كتاب فقه التعاون وكتاب الاوامر فليراجع ونحن الان لسنا بصدد مناقشة المبنى فلنسلم ما اشتهر عنهم من ان القاطع وان كان مقصرا فانه لا يعقل خطابه اما للزوم اجتماع النقيضين بنظره او لزوم اللغوية حيث لا يمكن ان ينبعث عن هذا الامر المناقض لاعتقاده القطعي
نقول:سلمنا ان القاطع المقصر لا يمكن خطابه الا ان القاعدة التي يقبلها المشهور ايضا وهي ان الامتناع خطابا لا ينافي الاستحقاق عقابا , او الامتناع خطابا لا يستلزم الامتناع عقابا فهذه القاعدة تفكك بين الخطاب وبين الاستحقاق للعقاب ، والحاصل : ان الشخص القاطع عن تقصير سابق لا يمكن خطابه الان لأنه قاطع لكن عدم امكان خطابه لا يدفع عنه استحقاق العقاب لأن الفرض انه مقصر في المقدمات
والمحصل حتى لو سلمنا انه لا يمكن خطابه لكن لا ريب في ترتب العقاب عليه بلحاظ ان المقدور بالواسطة مقدور لان المفروض انه مقصر في المقدمات ، والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، وذك كما لو ان شخصا القى بنفسه من شاهق فانه اثناء الهُويّ لا يمكن خطابه ب(لا تقتل نفسك) لكن هذا لا يمنع من ترتب العقوبة لأنه قبل القاء نفسه كان قادرا ففرّط فاستحق العقوبة بتسبيبه لما يؤدى الى هلاكه
هذا هو الجواب الرابع عن كلام المستشكل الذي قبله صاحب القوانين
والمحصلة النهائية للفرق بين ما التزمنا به وبين ما ذهب اليه صاحب القوانين استسلاما لاشكال المستشكل ، امور ثلاثة:
الاول:نحن عممنا الدليل العقلي للاحتمال والخوف ، اما صاحب القوانين فقد قبل كلام المستشكل بان حكم العقل يدور مدار الخوف فقط وانه اذا انتفى الخوف فلا حكم للعقل
الثاني:نحن عممنا الخوف للخوف النوعي وانه كالشخصي ، اما صاحب القوانين فقد قبل قول المستشكل بان الخوف الشخصي هو مدار حكم العقل بلزوم دفع الضرر
الثالث:اننا فصلنا في القاطع بين القاصر والمقصر وان المقصر يستحق العقاب وان لم يتوجه له الخطاب اما القاصر فلا يتوجه له العقاب واما صاحب القوانين فلم يفصل هنا وقد يكون قد فصّل في غير المقام لانه –اي التفصيل- على القاعدة ,فهذه فروق ثلاثة والحاصل اننا نرى في هذا المبحث ان العقل يحكم بوجوب الاجتهاد والنظر مطلقا واستحقاق العقوبة لو قلد فخالف الا في صورة كون القاطع قاصرا
لكن يبقى لزوم الجواب على استدلال صاحب القوانين للمستشكل اذ استدل له بقبح تكليف الغافل وقبح التكليف بما لا يطاق وبحسب تعبيره)اذ من اصولهم الممهدة وقواعدهم المسلمة عدم تكليف الغافل وعدم تكليف ما لا يطاق ) لكن استدلال صاحب القوانين بالقاعدتين غير تام :اما اولاً:فلان المحتمِل كالخائف ليس بغافل فالخروج صغروى فلا يصح من صاحب القوانين ان يستدل بكبرى غير منطبقة على المقام ،لان المحتمل ليس بغافل فلا يقبح تكليفه وثانياً:انه وان كان غافلا لكن يصح تكليفه اذا كان مقصرا في المقدمات
هذا في الجواب عن اشكال تكليف الغافل ونفس الكلام يقال في التكليف بما لا يطاق اذ (المحتمل) تكليفه ليس مما لا يطاق كالخائف هذا اولا وثانيا ان القاطع وان كان تكليفه وخطابه الان غير ممكن لكن لاختيارية المقدمات استحق العقاب فالجواب الجواب اذاً الى الان استدللنا بوجهين للحكم العقلي : الاول هو الاحتمال والثاني هو الخوف ، وذكرنا بعض الاشكالات واجوبتها لكن هنا اشكال جديد ذكره صاحبا الفصول و القوانين الوالد في الفقه كما ذكره اخرون على الاجتهاد وهو يعارض الاشكالات السابقة لأن الاشكالات السابقة كان مدارها ان التقليد مظنة الوقوع في الهلاك الاخروي الابدي اما هذا الاشكال فيرد الحجر من حيث اتى ان صح التعبير فهو يرى وجوب التقليد في اصول الدين وحرمة الاجتهاد ودليله :ان في الاجتهاد مظنة الوقوع في الهلاك والضرر والسقوط في الشبهات والضلال لأن من يريد الاجتهاد عليه ان يراجع مختلف الادلة والردود والشبهات والكثير من الناس يسقط في امتحان الشبهات لان الشبهة هي ما شابهت الحق ، اما المقلد فيمشي على ارض مطمئنة وقد سلم زمامه الى من يثق به فهو مطمئن من عدم العقوبة الاخروية اذاً الاجتهاد مظنة الوقوع في الشبهات ومظنة الانحراف عن الدين الحق ، اذاًَ هو المحرم لا غير؟
ولا يخفى ان هذا الدليل له ان يستند الى كلا الدليلين السابقين : للاحتمال وللخوف ، لان خوض لجج الشبهات عبر النظر فيها (خوف) الانحراف و(احتمال) الانحراف فالعقل يحكم عليه بان لا يخوض لجج الشبهات حذرا من هذا الخطر العظيم المحتمل وسيأتي الجواب عنه ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين...
الهوامش .................................
فائدة:يعتبر كتاب القوانين من الكتب المهمة جدا والذي يطالعه ويتأمل فيه يجده بحرا عميقا واسعا ولا قياس بينه وبين الكفاية من حيث العلة المادية وغزارة المادة و وفرة المباحث نعم من حيث العلة الصورية فان الكفاية اقوى واكثر اختصارا ولكن قد اهمل للاسف تدريسه في الحوزات اخيرا ولا يخفى من جهة اخرى ان الرسائل والكفاية لأنها متأخرة فانها تمتاز بالتراكم المعرفي وقد اكملوا كثيرا من البحوث التي طرحها القوانين ,
والاكمل والاشمل والافضل ان يدرس المرء ويطالع القوانين والفصول ثم الرسائل والكفاية ثم كتب المتأخرين كالنائيني والعراقي وغيرهم فانه سيحيط ويزداد دقة واحاطة وخبروية بل ستقوى لديه ملكة الاستنباط وسيمتاز بذلك على من اقتصر على مطالعة الكتب المتأخرة
ولعل الذي سبب الاعراض عن تدريس القواين في الحوزات امران: الاول:ان القوانين مفصل جدا بالقياس الى الكفاية ونحوها الثاني : عمقه وعدم سلاسة بعض عباراته لكن من يروم الاجتهاد حقا عليه ان يستسهل الصعب ويستعين به وان يتحلى بالصبر وطول النفس كي يصل الى المراتب العالية باذن الله
الثلاثاء 9 جمادي الثاني 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |