142- إشكال العراقي بورود قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) على (حكم العقل بوجوب شكر النعمة) وجوابان ـ اشكال كفاية شكر النعمة اجمالاً
الاربعاء 8 رجب 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام حول الادلة التي ذكرت او التي يمكن ان تذكر على وجوب الاجتهاد والنظر في مسائل اصول الدين وذكرنا من الادلة احتمال الضرر اولا وخوفه ثانيا ووجوب شكر النعمة ثالثا , وقد تقدمت بعض الاشكالات التي اوردت على ذلك او التي يمكن ان تورد
مبحث اليوم هو ان المرحوم اغا ضياء الدين العراقي ينسب اليه القول بان قاعدة قبح العقاب بلا بيان واردة على حكم العقل بوجوب شكر النعمة هذا ظاهر الكلام الذي نقله المرحوم كاشف الغطاء ونسبه الى المحقق ضياء الدين العراقي و توضيح كلامه اولا دفاعا عنه:
ان حكم العقل بوجوب شكر النعمة حكم اقتضائي وليس علة تامة للوجوب بمعنى ان هذا العنوان وهو شكر النعمة يقتضي الحكم عليه بالوجوب وليس هذا العنوان هو تمام الموضوع للوجوب اذن الوجوب مبدئي او شأني قابل للرفع فتأتي قاعدة قبح العقاب بلا بيان فترفع هذا الوجوب الاقتضائي او الشأني ، لأن الوجوب الاقتضائي وصوله الى مرحلة الفعلية والتنجز موقوف على رفع المانع وقاعدة قبح العقاب بلا بيان تصلح مانعا ,
لكن هذا الكلام يورد عليه بوجهين:
الوجه الاول:ان مقياس الورود هو كون الدليل الوارد بحيث يزيل موضوع الدليل المورود عليه حقيقة لكن بعناية التعبد ، كما في ورود الامارات على الاصول بحسب القول المشهور خلافا للبعض القليل مثل مصباح الاصول حيث يرى الحكومة لا الورود, وهذا المقياس عند تطبيقه على المقام نجد الامر بالعكس تماما مما ذكر،فان حكم العقل بوجوب شكر النعمة وارد على قاعدة قبح العقاب بلا بيان لأن القاعدة تكون عندما نصوغها بقالب موضوع ومحمول هكذا (ما لا بيان فيه لا عقاب عليه) وحكم العقل بوجوب شكر المنعم بيان اذن اللابيان اخذ في الموضوع فيرتفع موضوع قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) مع وجود البيان بل نقول ان هذا البيان من اوضح انواع البيان وهذه الحجة من اقوى الحجج لان اعلى مراتب البيان هو حكم العقل لأنه من المستقلات العقلية وهي حجيتها ذاتية واليها تعود حجية سائر الحجج ولولاها لما امكن اثبات الحجية للظواهر وخبر الثقة وغيره فحجية كل الحجج التي يبتني عليها الفقه والاصول متوقفة على المستقلات العقلية فلو شكك في حجيتها للزم طرح كافة الحجج المعهودة والمعروفة هذا اولا وهذا الاشكال واضح ولولا انه نسب الى المحقق العراقي لما كان من الضروري بيانه والاجابة عنه
الوجه الثاني: وهو مع قطع النظر عن الاشكال الاول في تحقيق معنى الورود :هو ان ورود قاعدة قبح العقاب بلا بيان على الاحكام العقلية كوجوب شكر المنعم ، فرع ثبوت تلك القاعدة ولمّا تثبت بعدُ اي في مرحلة ما قبل النظر لأن كلامنا هو في مرحلة ما قبل النظر وليس ما بعد النظر ، ومعرفتنا ان الله عادل حكيم غني الى اخر ما يتصف به جل وعلا ، وهي في مرحلة ما قبل النظر
وبتعبير اخر:هذان الحكمان مختلفان من حيث المنسوب اليهما ، اي (حكم وجوب شكر المنعم وقاعدة قبح العقاب) فقاعدة قبح العقاب تعود للمكلِّف (المولى)وشؤونه وقاعدة الوجوب العقلي لشكر المنعم تعود للمكلَّف(العبد)وشجونه ، فما يتعلق بالعبد فامره اليه والحكم به في متناول يده اي نحن نشهد ان عقلنا حاكم بوجوب شكر المنعم وبوجوب دفع الخوف ، اما في ما يتعلق بالمنعم المجهول (في مرحلة ما قبل النظر)فقاعدة قبح العقاب تتعلق به لا بنا فكيف نقول(يقبح عليه ان يعاقبني من غير بيان وان هذا ليس بيانا) اذ الحكم يتعلق به واذا كان متعلقا به ومن شؤونه به فمن اين لي ان ما لا نراه بيانا هو غير بيان عنده كذلك اذ لعله يراه بيانا كالاحتمال ، هذه صغرى ، بل نترقى في الصغرى(وان كنا لا نلتزم بهذا الترقي) فنقول: ان سيرة العقلاء على هذا الترقي وهو ما نلاحظه في قوانين غالب الدول ولعل كل دول العالم هكذا فهي تبتني على خلاف قاعدة قبح العقاب بلا بيان حتى البيان الشأني فان بنائهم على معاقبة المواطن او الغريب على ما لم يصله بيانه ولم يكن من شأنه الوصال اليه 1كما لو ان شخصا دخل المطار ببضاعة ممنوعة فانها تصادر ولا يلتفتون حتى الى كونه جاهلا قاصرا وحتى لو اثبت لهم ذلك وانه كان بحيث لم يكن لوسائل الاعلام حتى شأنية ايصال الخبر اليه فيعاقب رغم ذلك, فمع غض النظر عن صحة ذلك وعدمه فان سيرة الدول على ذلك ,
والحاصل : انه قد يكون ذلك المنعم المجهول يرى الاحتمال الموهوم بيانا او يرى اللابيان المحض بيانا بوجه او باخر، فيرى رغم اللابيان استحقاق العقاب2 كما يراه من يزعمون انهم عقلاء في هذا اليوم بل حتى الازمنة السابقة ، هذه صغرى وانه قد يكون اللابيان عندنا بيانا عنده ، اما الكبرى فلا نعلم انه يرى قبح ذلك اي بعد الفراغ عن الموضوع وانه بلا بيان فمن اين لنا ان هذا المنعم المجهول يرى هذه القاعدة (قبح العقاب بلا بيان) كذلك وانما يعرف ذلك بعد التعرف على عدله وحكمته وكلامنا قبل معرفة ذلك ,هذا الجواب الثاني الذي يمكن ان يورد على المحقق العراقي
اللهم الا ان يدافع عنه بوجه اخر على فرض صحة النسبة وهو ان يقال:ان قوله بان القاعدة واردة على حكم العقل بوجوب شكر المنعم يعني بها السمعية فقط لا مطلقا اي ان العراقي لا يرى قبح العقاب بلا بيان بقول مطلق بل القاعدة عنده هكذا(قبح العقاب بلا بيان سمعي ، فلو كان بيان عقلي فانه لا يكفي في دفع قبح العقاب) ونؤيده بانه قد يستند الى مثل قوله تعالى(وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)
ولكن هذا الدفاع غير مجدي اما الاية فقد اسلفنا الحديث عنها واشبعها علماء الاصول بالاجوبة ، واما تخصيص القاعدة بالبيان السمعي فبلا وجه فانه متى كان بيان من حجة باطنه او ظاهرة ارتفع القبح ، نعم للمولى ان يمتن كما تشير الاية الى ذلك الا ان الكلام عن الاستحقاق وحول القبح الذاتي وليس حول التفضل كما تقدم تفصيل ذلك ,هذا بعض الحديث عن ما نسب الى المحقق العراقي3
اما الاشكال الاخر على قاعدة وجوب شكر المنعم فهو ما اشار اليه الشيخ كاشف الغطاء في النور الساطع في الفقه النافع وهو:-بتصرف وتوضيح-
ان شكر النعمة وشكر المنعم على وجهين:(الوجه الاول):الشكر التفصيلي بان نعرفه الها واحدا احدا فردا صمدا قيوما لا شريك له ولا ند وهو القاهر فوق عباده،عادل حي وان غناه ذاتي وغيرها ,اذن تارة الشكر يتم عن طريق معرفة النعم تفصيلا ومعرفة المنعم تفصيلا (الوجه الثاني:)الشكر الاجمالي بان نعرف المنعم اجمالاً ونعرف ان هناك نعما منه واصلة الينا اجمالا فنشكره عليها
اذن المستشكل يقول انه لا يشترط في صدق شكر النعمة وفي امتثال هذا الواجب ان نعرف المنعم معرفة تفصيلية كما تطالبنا الاديان بل يكفي في ذلك المعرفة الاجمالية وان هناك منعما معينا في الكون ، اذن هو يسلم بوجوب شكر النعمة ولكن هذا الحكم العقلي لا يقتضي ان نتعرف عليه بصفاته التفصيلية بل يكفي ان نعلم بوجود منعم ما وان نشكره شكرا ما
المرحوم كاشف الغطاء اجاب بجوابين وسنضيف اليهما جوابين :(الجواب الاول مما اجبنا به:)ان المورد من صغريات قاعدة العنوان والمحصل وهي مجرى الاحتياط,
توضيح ذلك:ن الامر – وكذا الغرض - لو تعلق بعنوانٍ لا بفعل ، فان العقل يحكم بوجوب الاحتياط في محصِّله كما في قوله تعالى (وان كنتم جنبا فاطهروا)والمقام من هذا القبيل لان العقل حكم بوجوب شكر المنعم فالحكم و الغرض تعلق بهذا العنوان (شكر المنعم ) واذا كان هذا العنوان هو متعلق الغرض و الامر عقلا وشرعا (ان اشكر لي ولوالديك) -وان كان كلامنا الان عقليا - فلو شككنا في محصله وان الشكر الاجمالي محصل او لا ؟فالمجرى الاحتياط لأن الشكر التفصيلي محصل قطعا لذلك العنوان فهو مبرء للذمة قطعا اما الشكر الاجمالي فنشك انه محصل فالمجرى مجرى الاحتياط وللحديث صلة تأتي ان شاء الله وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين...
الاربعاء 8 رجب 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |