149 ـ توجيه كلام القوانين بارادته الاستحالة ورده بوجهين ، والتفصيل في معاني الحجية وبيان تنوع الآيات ـ كلام الفقه : الذم لاتباع الباطل ، وجوابه
السبت 27 شوال 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام حول الادلة التي استُدل او يمكن الاستدلال بها على وجوب النظر والاجتهاد في اصول الدين وحرمة التقليد,وكان من الادلة طوائف من الايات,ووصل الكلام إلى الطائفة الثانية التي ذكرها صاحب القوانين وعدد اخر من الاعلام وهي الايات الدالة على ذم الكفار على اتباعهم آباءهم في اصول الدين من غير فكر ونظر كقوله تعالى: )قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ(
وتقدم ذكر الجواب الاول عن هذا الاستدلال,ووصل الكلام الى الجواب الثاني وتقدم ان صاحب القوانين ذكر ان أكثر هذه الايات وردت في فريقين (المتعنت والمقصر رغم قيام الحجة لديه ),ولا تشمل بحسب كلامه فرقاً ثلاثة اخرى( الجاهل القاصر والمطمئن والمنسد عليه باب العلم ),هذا كلام القوانين و تقدم الاشكال الاول على كلامه واشكالنا الثاني عليه بان كون أكثر الآيات كذلك لا يجدي نفعا، إذ يكفي الاستدلال بالاقل من الايات بل تكفي اية واحدة فقط ,فقوله ان اكثر الايات لا تصلح كدليل للخصم يستبطن ان بعض الايات تصلح دليلا للخصم, هذا ما مضى
اللهم الا ان يقال بان صاحب القوانين لا يتكلم عن الوقوع بل يتكلم عن الامكان ,توضيح ذلك:صاحب القوانين لا يقول بان الاقسام الثلاثة الاخيرة(الغافل والمطمئن والمنسد عليه باب العلم) لا تشمله اكثر الايات حتى يجاب بان شمول بعض الايات كاف ,بل صاحب القوانين يقول انه لا يمكن ولا يعقل شمول الايات للطوائف الثلاثة الاخيرة,فاذا لم يمكن فيها ذلك عقلا، لم يمكن عقلا شمول بعض الايات الاخرى(القلة) للطوائف الثلاث، إذ القاصر لا يعقل تكليفه ولا خطابه عقلا,فان قيل هكذا نقول:
اولا :ما مضى من وجود القسم السادس وهو مورد الكلام وهو الجاهل جهلا بسيطا، الملتفت، غير الظان ظنا شخصيا، بل المتوهم ان التقليد في اصول الدين طريق عقلائي وظن نوعي,فيمكن خطابه لأنه ليس بقاصر ويمكن عقابه ,اذن نظير الجواب السابق يكفي في المقام لكن نضيف جوابا اخر وهو يفيد في تحليل الايات الكريمة وهو ان نقول:
ثانيا:انا نبقى في هذا الجواب في حدود الطوائف الثلاث الاخيرة (غير السادس), ونقول لصاحب القوانين:سلمنا ان الايات لا يعقل ان تشمل القاصر بطوائفه الثلاثة ولكن أي من الايات ؟ انها الايات المشتملة على العقاب والانتقام فقط، فانها لا تشمل القاصر باقسامه الثلاثة إذ الغافل لا يمكن ان يقال له: انا سوف ننتقم منك لأنك لم تطع اوامر المولى لأنه قاصر بحسب الفرض لا انه مقصر بالمقدمات ليقال بالاختيار لا ينافي الاختيار وكذلك المطمئن والمنسد عليه باب العلم فلا يعقل ان نقول له انا سننتقم منك, والحاصل: انه صحيح انه لا يعقل توجيه الخطاب بالعقاب والانتقام لهذه الفرق الثلاثة ولكن طوائف اخرى من الايات تشملها وفيها الكفاية مثل الايات التي تقول انهم في ضلال مبين كقوله تعالى نقلا عن ابراهيم عليه السلام )لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ( فانه يمكن مخاطبة من في ضلال وان كان قاصراً بانك في ضلال مبين فلو كان شخص قاطعا بوجود شريك للباري فلا نستطيع ان نقول له انك مستحق للعقاب على قطعك بوجود الشريك أو على اعتقادك به (اذا لم يكن مقصرا في المقدمات) لكن نستطيع ان نقول له ان رأيك خطأ وانك على ضلال,فالعقاب امر وكونه ضالاً امر اخر.
وبتعبير اخر اكثر دقة :الحجية قد تعني الكاشفية ,فخبر الثقة حجة أي كاشف اما الرمل والاسطرلاب والقياس فليس بحجة أي ليس بكاشف لأن ملاكات الشرع لا يعلمها الا الشارع ,المعنى الثاني للحجية هو المنجزية والمعذرية أي استحقاق العقاب بالمخالفة والمعذرية بالموافقة ,وهو رأي الاخوند, فالكافر الجاهل الغافل القاطع قطعه حجة بمعنى المنجز والمعذر لكنه ليس بحجة بمعنى الكاشف لأن رأيه غير مطابق للواقع بل هو كاشف عما توهمه انه واقع.
وحاصل الإشكال على صاحب القوانين وهو :الايات التي تضمنت )فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ( حيث نتحدث عن الحجية بالمعنى الاخوندي وهو المنجزية فهذه لا تشمل القاصر ولا تخاطبه لكن لنا ايات اخرى نحو )لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ( وهي شاملة للقاصر ويصح خطابه بها فهذه الآيات تتحدث عن الواقع وان تقليد الاباء ليس كاشفا عن الواقع ويصح ان نقول لمن اتبع طريقا غير صحيح قاطعا به ,ان هذا ليس بحجة أي ليس بكاشف وان لم يصح ان نقول له بانك لست بمعذور وانك معاقب وسننتقم منك, وهنا وجه الدقة في الكلام
وايضا الاية الشريفة الاخرى )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ( فهذا الكلام وهذا الخطاب مما لا فرق فيه بين القاصر والمقصر, إذ يصح ان اخاطب من هو قاطع بان طريقه طريق الجنة واقول له :ان هذا طريق جهنم وان كنت لا استطيع ان اقول له:سننتقم منك ان مشيت في هذا الطريق ما دام قاطعاً قاصراً.
وبتعبير اخر:يصح الاخبار عن ضلاله ولا يصح الانشاء بخطابه بالاجتناب والفرق بينهما كبير ,فلا يصح الانشاء على القاطع لكن يصح الاخبار ,وهذا مبحث دقيق.
بل نقول:يصح الانشاء بخطاب القاصر القاطع بمراتبه الثلاثة الاولى وان لم يصح خطابه بالمرتبة الرابعة أي أن القاصر يمكن خطابه بمراتب الحكم الثلاثة الأولى ففي مرتبة الاقتضاء لأن المصلحة والمفسدة غير خاصة بغير القاطع بالخلاف، كما يمكن خطابه انشاء لأن الاحكام أنشأت لعامة المكلفين وليس في حق الملتفت فقط، بنحو القضية الحقيقية ، فمرتبة الاقتضاء عامة ثم الانشاء ثم الفعلية فهذه يمكن ان يخاطب بها القاصر بنحو القضية الحقيقية للقاصر انما التي لا يمكن خطابه بها وترتيبها عليه هي المرتبة الرابعة وهي استحقاق العقاب فان للقاطع بان شرب الخمر واجب فرضا استطيع ان اقول له ان الله يقول: )لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى( او ان شرب الخمر حرام في جميع المراتب الثلاث الاولى نعم في المرتبة الرابعة لا استطيع ان اخاطبه بمعنى أن أقول لك أنك تستحق العقاب بالمخالفة ما دام قاطعا هذا بحسب الرأي المشهور
وبتعبير مكمل وموضح اكثر يصح أن نقول للقاصر:انت على ضلال، هذا أولاً (وهذا أمر وضعي تكويني) ,وثانيا:نقول له: لو كنت على ضلال فرضا فلا يجوز لك سلوك هذا الطريق(وهذا حكم تكليفي) وهذا الخطاب ممكن بداعي أن نزحزح يقينه ونخرجه من القصور الى التقصير وعن الغفلة الى الالتفات فاذا او جد له ذلك الالتفات, كما يحدث ذلك كثيرا, وإذا اورثه هذا الكلام بشقيه الشك فننتقل الى المرحلة الثالثة وهي استحقاق العقاب بعدم الفحص فصح خطابه حينئذ باستحقاق العقاب لاستقلال العقل بان الاحتمال وان كان ضعيفا في الشؤون الخطيرة فانه منجز,وهذه المراحل الثلاث متسلسلة,وهذا خلاصة التحليل في مقام توضيح كلام صاحب القوانين مع مناقشته.
اما الجواب الثالث الذي ذكره الفقه ورده: فأصل المسألة انه هل يصح الاستدلال بالايات الذامة لاتباع الاباء على حرمة تقليد عوامنا لمجتهدينا في اصول الدين ام لا؟ ونص عبارة الفقه (لا يقال انه ذم للاتباع عن الباطل) أي لا تَقِس عوامنا بكفارهم لأن الله ذم الكفار على اتباع اباءهم في الباطل القطعي واين هو من اتباع عوامنا لمجتهدينا في الحق(فاين هذا من اتباع عوام المسلمين عن علمائهم بتقليدهم في الذي هو حق) هذا الوجه نراه حقا لكن الفقه يستشكل عليه بـ(لأنا نقول لو جاز التقليد في شرع الاسلام لكان للكفار افحام المسلمين بانهم كيف يقلدون؟ ولا مجال لأن يقول المسلمون حينئذ باننا نقلد الحق وانتم تقلدون الباطل لأن كلا الفريقين يعتقد بانه على حق والاختلاف في الواقع غير مجد في الفرق) هذا هو اشكال الفقه وهو في تصورنا غير تام لوجوه ثلاث ستأتي ان شاء الله، لكن اجمال كلامه أنه يقول اما ان التقليد جائز مطلقا لعوامنا وعوامهم او ليس بجائز مطلقا ,اما ان تقول انه يجوز لعوامنا ولا يجوز لعوامهم فانه تفريق غير صحيح لأنه احالة على امر يدّعيه كلا الطرفين، وفي مرحلة الإثبات فإن كلا الفريقين من المقلدين، مسافتهم عن الحق واحدة. وللحديث تتمة تاتي ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين ...
السبت 27 شوال 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |