157- تتمة مناقشة القوانين ووجوه ثلاثة تدل على ان الظواهر كثيراً ماتفيد القطع، ـ الجواب الرابع ـ الجواب عن اشكال (العام المخصص ، فيه الف كلام) ـ استناد القوانين للانسداد في (الكيفية) لا (المؤدى )
الثلاثاء 8 ذي القعدة 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام حول ما ذكره صاحب القوانين ردا على المحتجين بالايات الناهية عن اتباع غير العلم واشباهها حيث ذكر ان هذه الايات ظواهر والظواهر لا تفيد الا الظن واصول الدين مما يحتاج فيها الى القطع ,وقد اجبنا عن كلامه بثلاثة اجوبة وقلنا ان الظواهر كثيرا ما تفيد القطع فيما لو تعاضدت كما في المقام فان الايات والروايات كثيرة جدا بطوائفها والموجبة الجزئية نقيض السالبة الكلية وهي (لا تفيد الظواهر القطع) وقلنا ثانيا ان الظواهر كثيراً ما تفيد القطع لو كانت معللة ,وثالثا ان الظواهر كثيرا ما تفيد القطع لو كانت منبهة ومرشدة الى مستقل عقلي او مرتكز فطري ,واما مبحث اليوم فهو رابعا:وهو تحقيق صغروي لهذه الايات:
بعض هذه الايات نص في العموم او قل في الاستغراق فليست ظاهرة بل هي نص عرفا,ونذكر ايتين ثم نذكر كبرى كلية اشرنا لها سابقا واعتمد عليها الاخوند اخر كفايته , الاية الأولى قوله تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى * وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً( هذه الاية ندعي كونها نصا لوجهين : الاول: كون موردها الشؤون الغيبية الاعتقادية فليس الشمول بالعموم حتى يقال ان شمول العام للاصول الاعتقادية بالظهور , إذ هي وردت في شؤون العقيدة ) لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى( وهذا من شؤون الغيب ومما يرتبط بشؤون العقيدة ,والحاصل: ان المورد هو مورد غيبي اعتقادي, وردت الآية فيه فلم نستدل بعام يشمل الاصول والفروع لكي يقال ان شموله للاصول بالظهور. الثاني: هو ان هذه اللفظة عندما تلقى الى العرف ) وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً( فإنها بقوة ما لو قيل (ان كل ظن لا يغني من الحق شيئا), فالعرف لا يراها ظاهرة في الدلالة بل يراها نصا في المدلول خاصة مع لحاظ مدخولها: (من الحق شيئا) وبتعبير اخر:هذه الاية كأنها تعليل بمستقل عقلي وهي عرفا بقوة ما لو استخدمت لفظة كل.اما توضيح ذلك بكبرى كلية نشير لها اشارة فقط وهي :ما هو المرجع في تحديد الظاهر والاظهر والنص؟
تطرّق الاصوليون لذلك في مباحث عديدة في مبحث تعارض الاحوال من جهة وفي مبحث تعارض التعادل والترجيح في مبحث العام والمطلق من جهة، وغيرها، ففي مبحث العام والمطلق وهل ان العام يتقدم على المطلق كما لو قال (اكرم العلماء)وقال(لا تكرم الفاسق) ففي مورد الاجتماع ايهما يقدم؟قال مجموعة من الاصوليين ان العام يتقدم على المطلق لأن دلالته على العموم بالوضع فدلالته تنجيزية اما المطلق فدلالته معلقة على مقدمات الحكمة فدلالته تعليقية فيتقدم هذا على ذاك بالورود لأن من مقدمات الحكمة ان يكون المولى في مقام البيان والعام بيان ,اما الاخوند فاجاب عن هذا بما مضمونه: المرجع في الظهورات ليست هذه الاصول المؤسسة وانما المرجع في الظهورات هو العرف وبتعبير اخر:المرجع في الظهورات هو خصوصيات كل مورد مورد الموجبة لا ظهرية احدهما من الآخر فليس لدينا اصل نرجع اليه,واجاب عن شبهة ان هذا منجز وذاك معلق بما تجدونه في الكفاية,بان المطلق ظهوره تعليقي ما دام في مقام التخاطب فاذا انتهى مقام التخاطب فيكون ظهوره تنجيزياً , والخلاصة ان المرجع هو ملاحظة خصوصيات كل مورد مورد هذا الكلام ينفعنا في المقام لتوضيح مرجعية العرف ,فلاحظوا الاية: )وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ( فالمحورية للعلم وما عدا العلم ليس بحجة )إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً( فواضح ان الاية تقول ان الظن في مختلف الحالات لا يغني عن الحق شيئا
ولا يرد انه قد استثني منه إذ هو كما لو استثني من النص,فقال كل ظن لا يغني من الحق شيئا إلا الظن الكذائي لكن ذلك لا ينفي كون النص نصا موروثاً للقطع بذاته فليتدبر الاية الثانية: )أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً( هذه ايضا في اصول الدين )قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ( فالمرجعية إذن للبرهان وليس للتقليد )هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِي وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي( اي اذكركم بامور فطرية وليس تذكيراً مني ومِن مَن معي فقط، بل ان مَن سبقني من الانبياء ايضا ذكروا، وليس ذلك تقليداً بل هو تذكير بالمستقل العقلي اوالمرتكز الفطري فكأنه إذ قال: (هاتوا برهانكم) سئل: وانت ما هو برهانك؟ فيقول هذا تذكيربمرتكز فطري )هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِي وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي( ثم يقول )بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ( اذن من لا يعلم الحق مذموم, والظان ليس ممن يعلم الحق.
اذن نقول مع قطع النظر عن التشكيكات التي قد تطرح في علم الاصول فان هذا نص والتشكيك لا يضر بكون الشيء نصا مورثاً للقطع بذاته إذ حتى البديهيات قد يثار تشكيك فيها وكذا مطلق المستقلات العقلية قد يثار تشكيك حولها وهل ان الظلم مثلاً قبيح مطلقا؟ فعَلَم كالسيد الخوئي يقول ليس الظلم مطلقا قبيحا وسيأتي نقاشه، لكن هل يضر تشكيك حتى علم من الاعلام في بديهي من االبديهيات في كونه قطعيا؟ نقول لا يضر, فليتدبر
هذا تحقيق صغروي في الايات فاذا اقتنع شخص بما قلناه وهو واضح فبها والا كفتنا الاجوبة الثلاثة الاولى
اما تتمة كلام المحقق القمي فإنه بها يثّبت ويؤكد كلامه في ان هذه الايات الناهية عن اتباع الظن والاباء وغيرها، ظنية والظني لا يحتج به فيما يحتاج إلى القطع فقد قال أولاً: هذه الايات عمومات والعمومات ظاهرة,وأجبنا ان بعض العمومات نص كما في الايتين إضافة للأجوبة الثلاثة الأولى ثم قال ثانياً: هذه العمومات مخصصة بالفروع قطعا لأن الظن لا يتبع الا في الفروع بالايات والروايات والاجماع إلى غير ذلك,اذن هذه الايات مخصصة، والعام المخصص اوهن في الظهور من العام غير المخصص فاذن رتبة الظن الذي يفيده العام المخصص رتبة متأخرة وواهية وضعيفة ,والعام المخصص فيه الف كلام, بحسب تعبيره فيتنزل الظن الناشيء منه عن الظن الناشئ من الظن غير المخصص
نجيب عن هذا الكلام ونقول:العام المخصص اما ان يخصص بالمتصل او بالمنفصل. فان خصص بالمتصل فان ظهوره ينعقد ضيقا ولا يرى العرف فرقا بين العام في دلالته وشموله للافراد وبين العام المخصص في دلالته على الباقي، من حيث القوة، فلو قال (اكرم العلماء)فهو ظاهر في اكرام كل العلماء ولو قال(اكرم العلماء الا الفساق) فان دلالته على وجوب اكرام العلماء العدول لا تقل قوة عن دلالة اكرم العلماء على العدول منهم في ضمن المجموع، بل نقول انه قد يكون اقوى , لأن الاستثناء يقوّي الدلالة على إرادة المستثنى منه,فعندما يقول اكرم العلماء فالظاهر شموله للاطباء والمهندسين وغيرهم ,لكن لو قال اكرم العلماء الا الاطباء فإن الاستثناء يقوِّي الشمول للمهندسين أي أن الاستثناء يقوّي استظهار ارادة المتكلم لما لم يستثنه وانه تحت دائرة الحكم ,هذا بالنسبة للعام المخصص بالمتصل وانه لا يقل ظهورا ان لم يزد عن العام في هذه الحصة الباقية.
واما اذا كان المخصص منفصلا، ومورد كلامنا من هذا القبيل لأن الايات الشريفة التي تنهى عن اتباع الظن مخصصِّاتها منفصلة كـ) فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ( اذا قبل بانها في الفروع واية النبأ في الفروع, او الروايات (اجلس في المسجد وافت الناس) او (العمري ثقتي فما ادى اليك عني فعني يؤدي) وهذه المخصصات غير موجودة في نفس الاية بل هو في ايات اخرى او روايات أخرى، وبذلك نقوِّي مبدئياً كلام القوانين بان كلامنا في هذه الايات مورد للعام المخصص بالمنفصل، ومشكلته التي اوهنت ظهوره هي انه لما جاء الخاص لاحقا اثبت ان العام من الاول لم يكن مرادا للحكيم والا للزم الكذب فيبقى التردد في أن المراد هو تمام الباقي او ابعاضه وكلها مجاز لأن استعمال العام في تمام الباقي او في الابعاض مجاز واذا تردد الامر بين مجازات فانه يكون مجملا، وبتعبير اوضح لا تكفي القرينة الصارفة عن الشمول والعموم لتحديد ارادة تمام الباقي بل لابد من قرينة معينة ايضا وانه اي حد من الحدود الباقية هي المرادة؟ فهذا وجه من وجوه الاشكال ووجهُ وهنِ ظهور العام المخصص بالمنفصل، عن غير المخصص، بل وجه عدم حجيته
توجد عن هذا الاشكال خمس او ست اجوبة اجاب بها الاعلام ,الشيخ في مطارح الانظار اجاب بجواب، والميرزا النائيني اجاب بجواب، والاخوند اجاب بجواب ولعله من اسلسها فنشير له فقط ونرجع إلى معتَمدِنا الاصلي في الظهور:الاخوند يقول العام الذي خصص بمنفصل فان هذا المنفصل يدل على ان هذا المقدار المخصَّص المخَرج لم يُرِد للمتكلم من البداية لا انه لم يستعمل فيه, أي ان التخصيص يدل على ان المخرَج لم يكن مرادا للمتكلم وليس انه لم يكن مستعملا فيه والا لما امكن التخصيص الا بنحو الاستثناء المنقطع والحال انه ليس استثناء منقطعاً بل هو استثناء متصل بلا كلام فلو قال (اكرم العلماء) ثم قال (لا تكرم الاطباء من العلماء) فان هذا الاستثناء بلا شك ليس بمنقطع إذ ليس خروجه موضوعياً وانما خروجه حكمي وهذا الخروج الحكمي دل على ان العام استعمل في العموم فانثلمت الارادة الجدية بالمخصص لا الاستعمالية, والنتيجة حسب كلامه ان العام المخصَّص وغير المخصص استعمل بوزان واحد في هذا الباقي انما الذي حصل ان الذي اخرج اخرج من دائرة الارادة الجدية اي انه ليس مرادا لا انه ليس مستعملاً فيه
هذا كله للتوضيح الصناعي للبحث ولكن لنرجع إلى ما اعتمدنا عليه فنقول:ان العرف الملقى اليهم الكلام يجدون ان العام غير المخصص، في دلالته على الشمول لافراده ليس باقوى من العام المخصص بالمنفصل في دلالته على ما تبقى من الافراد بل نقول كما سبق انه اقوى فاذا قال (اكرم العلماء) دل على وجوب اكرام الاطباء والمهندسين ولو قال(اكرم العلماء الا المهندسين) كان الاطباء مشمولين بل الشمول سيكون اقوى, وهذا هو الجواب عن دعوى القوانين بان (العام المخصص ينزل الظن منه عن الظن الحاصل عن أصل الحقيقة) ,وقلنا لا يتنزل سواءا اكان المخصص متصلا او منفصلا, فليتدبر ولننتقل إلى كلام آخر للقوانين حري بالتدبر:هناك وجه جديد اخر لتصحيح الرجوع إلى الظن في اصول الدين اي للخروج عن الايات الناهية ,وهو (الانسداد) لكن الانسداد في الكيفية لا في المؤدى فيفيد الانسداد حجية الظن وسيأتي بيانه ان شاء الله وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين...
الثلاثاء 8 ذي القعدة 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |