158- استدلال (القوانين) على صحة الاعتماد على (الظن) كدليل على حجية (الظنون) بدليل الانسدادووجه المناقشة فيه
الاربعاء 9 ذي القعدة 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام حول الايات التي استدل بها على حرمة العمل بالظن في اصول الدين ووجوه الاستدلال بها، وقد مضى بعض الكلام، اما المبحث الجديد فهو ما ذكره صاحب القوانين من دليل الانسداد الطريقي لا في المؤدى بل الانسداد في الدليل على هذا الطريق تعيينا أي ليس الحديث عن الانسداد في الاحكام الشرعية والمؤديات,
مقدمات الانسداد السبعة والملاحظ ان صاحب القوانين يذكر بعض مقدمات الانسداد ويستدل بها على المدعى,وقبل ذكر نص عبارته ومناقشتها، لا بد أن نشير الى مقدمات الانسداد ,لأن صاحب القوانين لم يذكر الا بعضها مع ان عدم ذكر بعضها يخل باستدلاله إن كان عدم ذكر بعضها الآخر غير ضار لوجه سيأتي ,اما مقدمات الانسداد بايجاز فهي:المقدمة الاولى: وهو ان هناك احكاما الزامية فعلية وهذه لا شك فيها في المؤديات. المقدمة الثانية: ان باب العلم اليها منسد وكذا باب العلمي، وهاتان المقدمتان اشار اليهما صاحب القوانين مع تغيير المقدمة الاولى بما يناسب المقام المقدمة الثالثة: التي لم يذكرها ,ان الاحتياط موجب للعسر والحرج او غير مقدور (فهل المقام راي الاحتياط في الطرق – كذلك؟). المقدمة الرابعة: الرجوع الى الاصل في كل مورد كاصل البراءة مستلزم للخروج عن الدين ,هذه المقدمة كان ينبغي ذكرها وتثبيتها في المقام وهو وجه اشكال عليه كما سيتضح المقدمة الخامسة: ان الرجوع للقرعة لا دليل عليه شرعا وعقلا في مثل هذه القضية المقدمة السادسة: ان العمل بالمرجوح – وهو الوهم – قبيح، مما ينتج لزوم العمل بالظن,حيث انسد باب العلم بحسب المقدمة الثانية. المقدمة السابعة: ان الرجوع الى الانفتاحي لا وجه له, فاذا كنتُ انسدادياً واردت ان استنتج ان الظن حجة فلابد ان اثبت عدم امكان الرجوع للانفتاحي فاذا لم يصح لي ذلك فالظن حجة، وإثباته ببيان ان الانسدادي يخطّئ الانفتاحي فكيف يرجع له.
هذه مقدمات الانسداد بايجاز ولنعد إلى أصل المبحث فنقول: الانسداد تارة يكون في المؤدى وتارة يكون في الطريق.
اما الانسداد في المؤدى فهو مثل ان لا نعلم ولا يوجد طريق علمي لنا بان جلسة الاستراحة مثلا واجبة او مستحبة ودعوى الانسداد هي عامة لكل الشريعة كما هو مدعى الانسدادي حيث يقولون انه في كل الشريعة الا الضروريات منها كوجوب الصلاة، فان باب العلم منسد.
الانسداد في المؤدي أو الطريق اما والانسداد في الطريق فتوضيحه بمثال, ففي مبحث خبر الواحد حجة ام لا؟ فانه قد يدعى ان هذا الطريق باب العلم به – أي بحجيته - منسد كما هو موطن كلام القوانين، فانه تارة نقول يمكن لنا بالرجوع الى العقل والايات والروايات ان نصل الى العلم بحجية خبر الواحد أو عدمها، وتارة نقول الباب منسد والادلة قاصرة ولا يمكن الاستدلال بها على احد المبنيين بما يورث العلم اذن الانسداد إنما هو في حجية هذا الطريق فنبقى حيارى, هل نعمل بالظن او لا نعمل.
اذن الانسداد قد يكون في نفس الطريق الى الاحكام بان ينسد باب العلم بحجية هذا الطريق او لا حجيته، والمقام, (الاجتهاد اوالتقليد في اصول الدين) من هذا القبيل، فهل الاجتهاد واجب للوصول للحقيقة وهل التقليد حرام والبعض النادر يقول بانه واجب تعييناً, فتارة نقول باب العلم منفتح بالرجوع الى الايات والروايات والعقل فتوصلنا الى العلم بان الاجتهاد هو الطريق لا غير او توصلنا الى ان التقليد طريق أيضاً أو لوحده وتارة نقول: أن الأدلة قاصرة ولا توصل الى ان الاجتهاد هو الطريق التعييني او التخييري او ليس بطريق أصلاً، وكذا التقليد، وعلى هذا التوضيح سنرى وجه الاشكال على كلام القوانين حيث يقول:(الا ان يقال:كما ان الفروع مخرجة بالدليل)اي يجب تحصيل العلم الا في الفروع فيكتفى بالظن(للزوم تكليف ما لا يطاق)لأنه لا يمكن تحصيل العلم بالفروع لأن باب العلم منسد (مع فرض ثبوت التكليف) فلا شك في وجوب المعرفة بان الله موجود وصفاته ورسله ومعاده وما يرتبط بهما من عدل وامامة (وسد باب العلم لو لم نعمل به فهكذا في هذه المسألة فأن التكليف بوجوب معرفة الله في الجملة ثابت) لكن الاشكال في الطريق وانه هل (معرفته عن اجتهاد) هو الواجب ام معرفته عن تقليد هو المجزء والواجب تخييراً؟ (والاشكال في كيفيته) كيفية المعرفة عن نظر او تقليد (فاذا لم يمكن تحصيل العلم بحقيقة التكليف بالكيفية) أي كيفية الاجتهاد او التقليد وبتعبير ادق بالطريق اللازم اتباعه (فيكفي الظن) أي الظن الناشئ من الظواهر القرانية مثلا )وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ( وان التقليد ليس علما فهو مردوع عنه بظهور اصالة الحقيقة, هذا كلام صاحب القوانين وسنناقش فيه في عدة مواطن:الموطن الاول:قوله(مع فرض ثبوت التكليف) الموطن الثاني: (وسد باب العلم) وموطن اخر سيأتي,
هل الاحتياط في الطرق ممكن؟ لكن قبل ذلك نقول: هناك مقدمة اخرى كان ينبغي ان يذكرها صاحب القوانين ولم يذكرها مع الحاجة اليها كي يتم المدعى وهي الاحتياط, ففي الفروع نقول إنّ تجنّب كل محتملات الحرمة وفعل كل محتملات الوجوب كصلاة الليل ونحوها، مستلزم للعسر والحرج او غير ممكن في كثير من الاحيان, وأما تطبيقها في المقام فبأن نقول: ان العمل بالاحتياط في الطريق, أي الاجتهاد الذي هو طريق او التقليد ايضا طريق), غير ممكن، لأن الاحتياط لا يؤدي للمعرفة وانما الاحتياط وظيفة عملية إذ ليس الاحتياط موصلاً للعلم بان الاجتهاد هو الطريق فقط او التقليد طريق إذ هذا غير ممكن ونضيف ان الاحتياط بالمؤدى ايضا غير ممكن مثلا,هل الله واحد او ثلاثة؟ لا يمكن الاحتياط بان نقول بالثلاثة, لأن التوحيد بشرط لا, لا انه لا بشرط، فالذي يقول ان الله واحد يقول (ان الله لا يغفر ان يشرك به) اذن الاحتياط بالطريق غير ممكن، ولا في المؤدى أي لا يؤدي الى المعرفة,نعم في بعض المؤديات الاحتياط ممكن كعدل الله ,فهل الله عادل او ظالم؟فنقول احتط وآمن بعدل الله لأن الايمان بان الله ظالم لا ينفعك شيئاً حتى لو كان حقا,فالاحتياط هنا ممكن، لكنه غير مجدي لأنه في اصول الدين المعرفة مطلوبة وهذا الاحتياط لا يؤدي الى المعرفة,بخلاف فروع الدين فان العمل هو المطلوب والاحتياط يؤدي للعمل,اذن هذه المقدمة كان ينبغي ان تذكر وان لم يكن فيها رد لصاحب القوانين وان كانت مقدمة مفيدة
باب العلم بالطرق ليس منسداً اما قوله (سد باب العلم) نقول:كلا ,ليس باب العلم في الطريق منسدا، كما انه ليس باب العلم في المؤديات منسدا لوجهين: الدليل الأول الوجه الأول قد تقدم لكن لا بد من ربطه بالمقام فان موطن الكلام هو ان الايات القرانية ظواهر تمنع عن العمل بالظن (أي التقليد واتباع الاباء) فصاحب القوانين يقول حيث انسد باب العلم لمعرفة ان الظن يجوز العمل به او لا فيصح أن نستند لهذه الايات وان افادتنا مجرد الظن من باب الانسداد ,فنقول لصاحب القوانين:كلا,حتى بناءا على تمامية سائر المقدمات فانه لم ينسد الباب لما سبق من الاجوبة الثلاث التي اسلفناها التي اثبتت ذلك, وان الظواهر التي رأى انها لا تفيد إلا الظن، نقول: لكنها مع التعاضد او كونها معلله او كونها منبهة لأمر فطري ارتكازي، تفيد القطع, اذن مع اننا بقينا في دائرة نفس الظواهر إلا أننا حققناها صغرويا كما اوضحنا سابقا, هذا هو الوجه الاول. الدليل الثاني: اما الوجه الثاني وهو جواب عام: فهو ان باب العلم بالطريق,أي حجية احد الطريقين,ليس منسدا ولو بنحو الاجتهاد البسيط, لأن القضية عقلية تدخل في دائرة المستقلات العقلية فباب العلم ليس بمنسد,والمقصود من المستقلات العقلية هي ما تقدم من الملاكات الاربع ومنها ان الضرر البالغ المحتمل واجب عقلا والاجتهاد فيه دفع للضرر المحتمل بالقياس الى التقليد وان كانت نسبة من احتمال الخطأ موجودة اما التقليد فليس فيه تلك النسبة العالية من دفع الضرر المحتمل, والحاصل: ان الطرف فيه أيضاً الاخر الانفتاحي يقول ان باب العلم منفتح لأنه مرتبط بمستقلات عقلية وبفطريات مثل شكر النعمة فإن التعرف على المولى عن اجتهاد وبراهين فيه شكر للنعمة اكبر وفيه دفع للضرر اكبر وفيه ايفاء لمن يستحق الشكر اكثر وجلب للمنفعة أكبر ، من اتباع مجرد قول عالم، مغمض العينين، فراجع ما سبق. ولا بد من تنبيه عام وهو: ان صاحب القوانين انسدادي بقول مطلق وتشبث هنا بالانسداد لأن رأيه بالفروع أيضاً ان الباب منسد ، وان باب العلم في الفقه منسد وانما باب الظن المطلق منفتح، على عكس المشهور، فمسلكه هنا على الاصل عنده وان باب العلم منسد في المؤديات في الطرق أيضاً، ونحن نقول باب العلم منفتح فيهما ونفس ادلتنا على انفتاح باب العلم في المؤديات نسوقها كدليل على الانفتاح في الطرق ونزيد ان هذه مستقلات عقلية اما تلك فليست مستقلات عقلية كوجوب صلاة الليل وعدمه فلا يمكن الرجوع فيها للعقل اما وجوب الاجتهاد او التقليد في معرفة الله فمستقل عقلي, بقيت تتمة يأتي الكلام عنها ان شاء الله تعالى
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين...
الاربعاء 9 ذي القعدة 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |