160- توضيح وتفصيل الجواب الثاني : اصالة البراءة عن الوجوب أو عن تعيُّن الوجوب لايلزم منه الخروج من الدين ـ كلام جديد للقوانين : مسألة الاجتهاد في اصول الدين ، فرعيةٌ ، فيكتفى فيها بالظن
الاحد 13 ذي القعدة 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث يدول حول ان صاحب القوانين استدل على صحة التمسك بالظواهر القرانية الناهية عن اتباع الظن وعن التقليد, بدليل الانسداد الجاري في الفروع فاجراه في الحجج والاصول ايضا ,ومضى بعض الحديث عن بعض وجوه الاشكال عليه ووصل الكلام الى اشكال اخر وهو ان من مقدمات الانسداد: عدم جواز اجراء اصل البراءة في الفروع لأنه يستلزم الخروج من الدين ,فنقول له:هل يمكن التمسك بهذه المقدمة في مبحثنا حيث ذهب فيه الى التمسك بمقدمات الانسداد ومنها هذه المقدمة ,فهل يمكن هنا التمسك بأن اصالة البراءة تستلزم لزوم الخروج من الدين لو تمسكنا بها في الحجج ؟
الجواب:,كلا,لأنه يمكن ان نجري البر اءة بوجهين في الحجج ولا يلزم من إجرائها الخروج من الدين. اما الوجه الاول والاسهل والذي لا يرد عليه اشكال فهو ان نجري اصالة البراءة عن تعيّن التمسك بكل من الاجتهاد والتقليد، أي نجري اصالة البراءة عن الوجوب التعييني للاجتهاد او التقليد، ولا يلزم منه الخروج من الدين؛ لأننا مجتهدين كنا او مقلدين نتمسك بالدين عبر الاجتهاد او التقليد لأن من يقلد فقهائنا في اصول الدين فانه لم يخرج من الدين ,اذن نفي الوجوب التعييني لاحد هذين الطريقين والتمسك باصل البراءة لنفي التعين، غير مستلزم للخروج من الدين لكي يقول صاحب القوانين بانه لا مناص لنا الا من التمسك بالظواهر القرانية النافية لحجية التقليد والملزمة تبعا بالتمسك بخصوص الاجتهاد, إذا كان يلزم منه الخروج من الدين لصح التعين لكنه لا يلزم منه الخروج من الدين؛ اذ نفي هذا الطريق تعيينا مع انفتاح الطريق الاخر تخييرا يبقيك في دائرة الدين, هذا الجواب الاول وهو واضح , فهذا الأصل يمكن ان نجريه ولا يلزم منه الخروج من الدين في موطن بحثنا الذي هو دوران الامر بين الاجتهاد والتقليد
اما الاصل الثاني والذي يحتاج الى تدبر وهو اصالة عدم الوجوب لا اصالة عدم تعين الوجوب بان نجري اصالة عدم وجوب أي من الاجتهاد والتقليد معا ولا يلزم منه الخروج من الدين قد يتوهم لزوم الخروج من الدين لأن طريقنا الى الدين منحصر فيهما فلو نفينا اصل وجوبهما فاننا سنخرج من الدين قهرا ,لأن الطرق الاخرى كالاحلام ونحوها ليست بحجة قطعا,لكن نقول هذا الاصل الثاني يمكن اجراءه في الاصول ايضا أي في الحجج بدون لزوم محذور الخروج من الدين, وإن لزم في الفروع ذلك لأنه لو لم نجتهد او لم نقلد فان اغلب الاحكام او كلها لا نستطيع ان ننالها بدونهما, اما في الاصول فانا ندعي انه حتى لو لم يوجب الشارع الاجتهاد والتقليد وحتى لو تمسكنا باصالة عدم الوجوب لاي منهما مطلقا فلا يلزم من ذلك الخروج من الدين (لكي يفرع عليه صاحب القوانين: ان الظن الظواهري لا بد من القول بحجيته فرارا من هذا المحذور), والوجه في ذلك هو ان اصول الدين فطرية فهي امر حاصل وتحصيل الحاصل محال وطلب الحاصل قبيح فللشارع ان لا يلزمنا باي منهما في اصول الدين لأنها حاصلة ,لأن المؤدى هو معرفة الله تعالى ووحدانيته وعدله وغيرها من صفاته وضرورة ارساله الرسل والا للزم العبث وما اشبه، وان الرسول لا بد ان يعين اوصياء والا للزم العبث من الخلقة أيضاً, فهذه امور فطرية فحيث وجد الشارع انها حاصلة ومغروسة في الفطرة لم يوجب علينا احدهما فلا يلزم من عدم إيجاب أي منهما الخروج من الدين لانا طبعيا في دائرة الدين.
ويظهر ذلك أكثر بتنظير حال اصول الدين باعتبارها فطرية بحال المجتهد في فروع الدين بعد الفحص فانه بعد الفحص لو اجرى البراءة لا يلزم منه الخروج من الدين لأن الاعم الاغلب من هذه الاحكام حاصل لديه، فكذا حال عامة المكلفين بالنسبة لأصول الدين لأن الاصول الاصلية مغروسة بالفطرة فلو اجرى البراءة عن وجوب الاجتهاد والتقليد باعتبارهما طريقين لها، لا يلزم منها الخروج من الدين ,فهذا هو الفرق بين الاصول والفروع.
نعم يرد عليه اشكال في الجملة لا بالجملة وهو ان هذا الكلام بالنسبة الى قسم من اصول الدين الاصلية التي اشرنا اليها صحيح من قبيل وجود الله ووحدانيته وعدله وما شابه وكذلك اصل ضرورة ارسال الرسل ونصب الاوصياء واصل المعاد، لكن بعض اصول الدين الاخرى ليست حاصلة من دون اجتهاد أو تقليد مثل ان رسول الاسلام هو خاتم الانبياء، فإنه من اصول الدين فلو لم يعتقد أحد بنبوته شخصيا لما كان مسلما وكذلك امامة امير المؤمنين عليه السلام من اصول الدين بحيث لو لم يؤمن بها شخص فانه وان اجريت عليه احكام الاسلام ظاهرا لكنه، كما يصرح الشيخ الانصاري والسيد الخوئي واخرون، كافر واقعا, لكن من الناحية الظاهرية تجري عليه أحكام الطهارة والمناكحة ويصان دمه وعرضه وماله,ولكن الكلام الان في مرحلة القلب والواقع والذي يراه الله سبحانه وتعالى اسلاما حقيقةً (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ).
اذن الكلام هو ان الايمان برسول الله محمد المصطفى شخصيا هو من اصول الدين لكنه ليس امرا فطريا والنتيجة اننا لو اجرينا اصل البراءة عن اصل وجوب الاجتهاد والتقليد في هذا النمط من اصول الدين، للزم الخروج من الدين إذ لا طريق للوصول إلى ذلك الا بالفحص والنظر او تقليد الجامع للشرائط.
وهناك نقاش في نقاط اخرى مع القوانين لكن هذا يدخلنا في بحث تخصصي يتعلق بباب الانسداد فنعرض عنها ونتركها لمحالها ونكتفي بهذا المقدار.
وننتقل الى وجه جديد لكن قبل ذلك نقول:انه لا يخفى فنيا ان المبحث السابق وهذا المبحث اللاحق مكانه المناسب ياتي لاحقاً لكننا قدمناه تماشيا مع صاحب القوانين, لأن بحثنا الان هو: ما هي الادلة الدالة على المنع عن العمل بالظن فتطرقنا للعقلي أولاً ثم للآيات الشريفة, اما البحث الذي تقدم فهو ان دليل الانسداد دل على كفاية الظن في اصول الدين وحجيته وهذا يعد من ادلة الطرف المقابل لكن جئنا به الان تمشيا مع صاحب القوانين وكذلك الدليل اللاحق ايضا يعد من ادلة الطرف الاخر أي من ادلة المدعي بالاكتفاء بالظن في اصول الدين (فلابد من رده حتى نثبت وجوب الاجتهاد) لكن ايضا نسير حسب سير القوانين، لكن فنياً ينبغي تأخيره.
الوجه الاخر للاكتفاء بالظن وعليه ستكون هذه الايات حجة وهو ان يقال:ان هذه المسألة وان تعلقت بالاصول الا انها في حد ذاتها فرعية , أي ان اصل مبحثنا هو اصول الدين وان معرفة الله مثلاً واجبة, لكن هل يجب ذلك عن نظر ام يكتفى بالتقليد؟ أي هل الاجتهاد في اصول الدين واجب ام التقليد ؟ هذا البحث هل هو اصولي ام فرعي؟ أي هل هو بحث من دائرة اصول الدين ام من دائرة فروع الدين؟ فاذا قلنا انه من دائرة اصول الدين لأن المتعلّق اذا كان من اصول الدين فالمتعلِّق يكون ايضا من اصول الدين، أي اذا كانت معرفة الله اصلاً من اصول الدين فوجوب النظر في معرفة الله هي بالتبع هي مسألة من اصول الدين فاذا قلنا انها من اصول الدين فلا يكتفى بالظن (إذا الظواهر القرآنية الدالة حجية أو نفي حجية التقليد أو النظر، في أصول الدين، لا تكون حجة).
اما تخريج القوانين الجديد، فهو – مع إضافات توضيحية -: هو ان هذه المسألة فرعية فنلحقها بالفقه أي انه كما يوجد في الفقه مسائل مثل (هل يجب عليك السواك او الدعاء عند رؤية الهلال وما اشبه) وهي مسائل فرعية يكتفى فيها بالظن، كذلك وجوب الاجتهاد في اصول الدين هو مسألة فرعية إذ يكتفى فيها بالظن.
ولا يستشكل انه كيف يمكن ان يكون المتعلَّق اصليا والمتعلِّق فرعيا؟ نقول يمكن التفكيك مثل الكتابة فان معرفة ان الله واحد، مسألة من اصول الدين اما كتابة ذلك للناس - لو قلنا انه واجب - فهل هو واجب اصلي اوفرعي؟
والجواب انه من فروع الدين فللفقيه ان يفتي بانه واجب كفائي فهي مسألة فقهية,اذن الاجتهاد في اصول الدين وجوبه مسألة فقهية فرعية فيكتفى فيها بالظن ونص عبارة القوانين(بل يمكن ان يقال ان المسألة أيضا فرعية) مسألتنا هي هل يجب الاجتهاد في اصول الدين ام لا؟(ولا منافات بينه)بين كون المسألة فرعية(وبين تعلقها بالاصول، فكأن الشارع اوجب علينا اقامة الدليل على ما اذعنا به من العقائد )وما اذعنا به من العقائد مسألة اصولية وهو حاصل عندنا الان اقم عليها الدليل وهذه مسألة فرعية وللحديث صلة تأتي ان شاء الله تعالى وسنتوقف عند توضيح اكثر لكلامه وعند مناقشة دقيقة لأنه بحث هام ومفصلي
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين ...
الاحد 13 ذي القعدة 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |