بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث يدور حول الأقوال والمحتملات في مسألة وجوب الاجتهاد تعييناً أو كفاية التقليد بل غيرهما من سائر الطرق العقلائية وغير العقلائية سواءً أكانت مطابقة للواقع أم لم تكن مطابقة للواقع، فأي منها هو المشمول لطوائف الآيات كلها أو لبعضها؟
ووصلنا الى الصورة الخامسة عشرة وهي: (القاطع بالحق عن سائر الطرق غير الاجتهاد والتقليد)قد يقال أن النظر بالنسبة له واجب مستقل فعليه رغم وصوله الى الحق أن يعيد النظر ويجدد الاجتهاد وأن يكرره.
وهنا لا بد من الإشارة إلى إضافتين موجزتين: الإضافة الأولى:ما هي الحكمة المتصورة في أن يوجب الشارع على الواصل للحق، أن يكرر النظر؟لعل الحكمة في ذلك؟ ان يكون غرض الشارع استقر على أن يصرف عبيده والمكلفين عن الطرق التي لم يرتضها إلى الطرق التي ارتضاها، وأية فائدة أعظم من ذلك؟ لأن الشارع بعلمه المحيط إذ رأى أغلبية إيصال طرقه للواقع من غيرها فانه يمنع عن غيرها مطلقاً كالقياس حتى المحصِل منه للواقع، وذلك لأن كل قاطع يتوهم أنه واصلٌ فكان لا بد للشرع أن يوجب النظر بوجوب استقلالي لكي لا يتوهم القاطع بانه حيث وصل للحق فلا يشمله الخطاب بـ(انظروا) فأن القاطع لا يمكن خطابه بخلاف قطعه على حسب رأي المشهور، لذا فإن الشارع بهذا التخريج الفني يوجب النظر استقلالاً كي لا يقول قاطع بأنني قاطع فأنا واصلٌ فلا يجب عليَّ النظر، فإن النظر واجب استقلالي؟وهذه الوجه كان لتقريب الوجوب الاستقلالي أم أنه هل هو واقع أم لا فهذا كلام آخر.
الإضافة الثانية: إن هذه الصورة هي أولى من الصورة التي ذكرها الشيخ الطوسي وهي الصورة السادسة في كلام الشيخ و التاسعة في تسلسلنا للصور وهي: الظان اوالقاطع بالحق عن تقليد فانه يجب عليه النظر عند الشيخ بوجوب استقلالي لكنه معفو عنه. فما نحن فيه أولى لأن تلك الصورة كان القطع فيها أو الظن عن (تقليد) وهو طريق عقلائي حيث ان العقلاء يقلدون في مختلف الحقول والعلوم ، مع ذلك ارتأى الشيخ الطوسي وجوب النظر استقلالاً، فكيف بهذه الصورة حيث ان بعض الطرق غير عقلائية وان لم يردع عنها الشارع بالخصوص، كالأحلام فكيف بما ردع عنه الشارع كالقياس، فبطريق اولى ينبغي القول بوجوب النظر استقلالا في هذه الصورة وانها مشمولة لـ(قل انظروا...) ، وهذا التقريب نذكره لا للإلتزام به الآن لكن لنقول أن لشمول الآية الشريفة لهذه الصورة وجهاً وجيهاً.
الكلام في سائر الاقسام اما الصورة السادسة عشرةإلى الواحدة والعشرين،فانها تساق بعصا واحدة لأن حكمها واحد ونشير اليها على نحو الاختصار وسنوجز بعد ذلك الكلام في سائر الصور الى الصورة الخمسين بكلمات مختصرة لانها بشكل عام احكامها متحدة .
الصورة السادسة عشرة إلى الواحدة والعشرين، هي عكس الصور الست الأخيرة السابقة حيث كان المتعلَّق للظن او القطع هو (الحق) في تلك الصور، وفي هذه الصور المتعلَّق هو (الباطل) فتكون الصور الستة:
16- الظان بالباطل عن اجتهاد مطلقاً
17- الظان بالباطل عن اجتهاد حال كونه غير مستحضر للأدلة
18- الظان بالباطل عن اجتهاد حال كون ملكته قد قويت
19- الظان بالباطل عن اجتهاد حال تجدد شبهات أو أدلة جديدة
20- القاطع بالباطل عن اجتهاد
21- القاطع بالباطل لا عن اجتهاد أو تقليد، بل عن كشف وشهود مدّعى أو عن أحلام أو قياس أو ما أشبه ذلك
فنقول لا يخلو أما أن يقال بشمول أدلة النظر لتلك الصور الستة السابقة التي تعلقت بالحق أو لا نقول بذلك؟ فإن قلنا : بشمول الادلة لها أي الظان بالحق عن اجتهاد إلى أخر الصور، فبشكل أولى تشمل تلك الأدلة هذه الصور الستة الأخيرة إذ إذا كان الظان بالحق اجتهاداً يجب عليه ان يجدد النظر فالظان بالباطل عن اجتهاد عليه بشكل أولى أن يجدد النظر ، وكذلك لو قلنا أن القاطع بالحق عن غير الطرق الطبيعية عليه أن يكرر النظر للمصلحة السلوكية في الطريق، فما بالك بالقاطع بالباطل عن غير الطرق الطبيعية فهذه بشكل أولى ينبغي أن تكون مشمولة للأدلة.
وإن لم نقل بشمولها للصور الأولى، أختصت الأدلة بالصور الأخيرة اي لمكان مورد آيات (انظروا) – أي بعض مورها – الظان بالباطل ونظائره.
تتمة الصورالى الخمسين ثم بعد ذلك نأتي لمتمم الصور فنقول غير المصيب – وقد فرضنا له عشرة صور سابقا -أما أن يكون قاصراً و اما ان يكون مقصرا فالاقسام عشرين، و هذا ينقسم إلى معاند وغير معاند فتكون اربعين صورة لغير المصيب و هذه الصور نشير الى حكمها الكلي و لا نتوغل فيها لأن هذا ليس بحثا أصوليا بل هو بحث فقهي صرف في بعض الصور أو كلامي صرف في البعض الاخر لذا أوجزناه أشد الإيجاز:
فنقول: ما هو الفرق الجوهري بين المقصر والقاصر ؟ الفرق هو أن المقصر يستحق العقاب وأما القاصر فلا يستحق العقاب بل يعاد امتحانه، وما عدا هذا الفرق من الآثار والأحكام، داخل في بحث كلامي أو فقهي فإن القصور والتقصير لا يؤثر على معادلة الإسلام والكفر كما لا يؤثر في معادلة الإيمان –اي الولاية –واللاإيمان، نعم قد يؤثر في الفسق واللافسق أي (ثبوت الفسق وعدمه)
بيان ذلك : اولاً: (المبطل) كافرٌ لو أخطأ في أصول الدين سواءاً أكان قاصراً أم مقصراً ، والتقصير إنما يؤثر في استحقاق العقاب ولا يؤثر في حكم تكويني كالكفر، وإن شئت فقل الكفر حكم وضعي فالقصور لا يدفع الكفر إنما يدفع استحقاق العقاب وهذا البحث بحث كلامي.
ثانياً :الإيمان واللاإيمان ايضا ليس مرتهناً بالقصور أو التقصير فغير المعتقد بإمامة امير المؤمنين عليه السلام وسائر الأئمة الأطهار ليس بمؤمن وإن كان قاصرا لأنه حكم وضعي، وهذا ملحق ايضا بمباحث علم الكلام ثالثا : (الفسق) و يؤثر فيه القصور والتقصير كشخص لم يعتقد بوجوب واجب من الواجبات أو بحرمة محرم من المحرمات، كالغيبة مثلاً مع أنها من الكبائر، فان (الفسق) يكون مرتهناً بالقصور واللاقصور عن عناد أو لا عنه، فإن كان مقصراً أو قاصراً معانداً فهو فاسق وإن لم يكن معانداً سواءً أكان قاصراً أم مقصراً فليس بفاسق، وهذا الكلام دقيق ويحتاج مزيد من التفكر والتأمل .
وتوضيحه بإيجاز انه لو اقتحم الشخص في المحرم معتقداً حليته فانه لا يصير فاسقا حتى لو كان مصراً عليه – لتوهمه حليته -إلا اذا عاند، والمعاند لا فرق فيه بين المقصر والقاصر حيث يتصور في القاصر العناد أيضاً وذلك إذا كانت شاكلته النفسية بحيث لو عرف لأنكر فرغم قصوره إلا أنه في جوهره معاند لكن هذا لا يرتبط بنا، بل هو مما يرتبط بوضع المكلف في الآخرة أما غير المعاند، فالمقصرّ المصر فاسق، دون القاصر المصرّ. فتأمل
هذه رؤوس الصور ورؤوس مباحثها كفراً ، إيماناً ، فسقاً، و حيث أنها ترتبط بعلم الكلام أو بعلم الفقه لذا يترك تحقيقها إلى هنالك، وفي المبحث القادم سنوجز ما توصلنا إليه حتى الآن والمحصلة من الطائفة الأولى إلى الرابعة وانها على ماذا تدل استظهاراً وخلاصة ما توصلنا اليه في المباحث السابقة، ثم ننتقل الى الروايات إنشاء الله
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين...