||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 166- فائدة رجالية: بناء العقلاء على حجية مراسيل الثقات

 428- فائدة أصولية: افتراق الإرادة الجدية عن الإرادة الاستعمالية لوجود حكمة

 49- مرجعية الفقيه للموضوعات الصرفة

 430- فائدة فلسفية: الموضوع الحامل للمصلحة على أصالة الوجود أو اصالة الماهية

 320- فائدة لغوية: الاحتمالات في معنى (قول الزور)

 10- المودة في القربى 2

 3-فائدة لغوية استدلالية

 262- مباحث الاصول: بحث الحجج (حجية الشهرة) (4)

 7- الصلاة عند قبر الإمام الحسين عليه السلام

 275- مباحث الأصول: (الموضوعات المستنبطة) (5)



 الحسين المحمول عليه السلام على أجنحة الملائكة صريع على أرض كربلاء

 الإِمَامُ الحُسَينُ خَليفَةُ اللهِ وَإِمَامُ الأُمَّةِ

 تعلَّمتُ مِن الإِمامِ.. شرعِيَّةُ السُّلطةِ

 اقتران العلم بالعمل



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 91

  • المواضيع : 4532

  • التصفحات : 28065497

  • التاريخ :

 
 
  • القسم : الظن (1444هـ) .

        • الموضوع : 164- تحقيق رأي الاخباريين والشيخ الطوسي في المسألة .

164- تحقيق رأي الاخباريين والشيخ الطوسي في المسألة
الأثنين 17 جمادى الأولى 1444 هـ



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(164)

مناقشتان فيما نقله الشيخ عن الطوسي والاخباريين

سبق أنّ الشيخ (قدس سره) نقل ستة أقوال في اعتبار الظن في أصول الدين، ولكن الذي يبدو ان ما نقله (قدس سره) عن الشيخ (قدس سره) في العدة غير دقيق، وكذلك ما نقله مما حكاه العلامة عن الاخباريين فانه غير صحيح ظاهراً.

أما ما نقله الشيخ عن الشيخ (قدس سرهما) فهو: (السادس: كفاية الجزم بل الظن من التقليد، مع كون النظر واجبا مستقلا لكنه معفوّ عنه، كما يظهر من عدة الشيخ (قدس سره) في مسألة حجية أخبار الآحاد وفي أواخر العدة([1]))([2]).

1- الطوسي: (المقلِّد للمحق معفو عنه) لا مطلقاً

أقول: كلام الشيخ الطوسي مقيّد بقيد مهم ولكنَّ الشيخ تسامح في عدم نقله له رغم أهميته، فان الشيخ الطوسي لا يرى (كفاية الجزم بل الظن من التقليد) بقول مطلق بل إنما يرى كفايته إذا كان التقليد تقليداً للمحق خاصة أي إذا أحرز تقليده للحق، لا مطلقاً، بعبارة أخرى: حكمه بنحو القضية الخارجية بالنسبة لمن يعلم انه يقلد المحق ويتبع الحق لا الحقيقية إذ لا يريد ان التقليد مطلقاً كافٍ سواء ءأورث الجزم أم الظن، وسواء الشيعي والعامي والمشرك والكافر([3]).

فلاحظ نص عبارته: (والّذي نذهب إليه: أنّه يجوز للعاميّ الّذي لا يقدر على البحث والتّفتيش تقليد العالم([4]).

يدلّ على ذلك: أنّي وجدتُ عامّة الطّائفة من عهد أمير المؤمنين عليه السّلام إلى زماننا هذا يرجعون إلى علمائها، ويستفتونهم في الأحكام والعبادات، ويفتونهم العلماء فيها، ويسوّغون لهم العمل بما يفتونهم به، وما سمعنا أحداً منهم قال لـمُسْتَفتٍ لا يجوز لك الاستفتاء ولا العمل به، بل ينبغي أن تنظر كما نظرت وتعلم كما علمت، ولا أنكرَ عليه العمل بما يفتونهم، وقد كان منهم الخلق العظيم عاصروا الأئمة عليهم السّلام، ولم يُحكَ عن واحدٍ من الأئمة النّكير على أحدٍ من هؤلاء ولا إيجاب القول بخلافه، بل كانوا يصوّبونهم في ذلك، فمن خالفه في ذلك كان مخالفاً لما هو المعلوم خلافه.

فان قيل: كما وجدناهم يرجعون إلى العلماء فيما طريقه الأحكام الشّرعيّة، وجدناهم أيضا كانوا يرجعون إليهم في أصول الدّيانات، ولم نعرف أحداً من الأئمّة عليهم السّلام والعلماء أنكرَ عليهم، ولم يدلّ ذلك على أنّه يَسوغُ تقليد العالم في الأصول.

قيل له: لو سَلّمنا أنّه لم يُنكِر أحدٌ منهم ذلك لم يطعن ذلك في هذا الاستدلال، لأنّ على بطلان التّقليد في الأصول أدلّة عقليّة وشرعيّة من كتاب وسنّة وغير ذلك، وذلك كاف في النّكير.

وأيضاً: فانّ المقلّد في الأصول يقدم على ما لا يأمن أن يكون جهلاً، لأنّ طريق ذلك الاعتقاد، والـمُعتَقدُ لا يتغيّر في نفسه عن صفةٍ إلى غيرها، وليس كذلك الشّرعيّات لأنّها تابعةٌ للمصالح، ولا يَمتنعُ أن يكون من مصلحتهم تقليد العالم([5]) في جميع تلك الأحكام، وذلك لا يتأتّى في أصول الدّيانات.

[على أنّ الّذي يقوى في نفسي: أنّ المقلّد للـمُحقّ في أصول الدّيانات]([6]) وإن([7]) مخطئاً في تقليده، غير مؤاخذ([8]) به، وأنّه معفوّ عنه، وإنّما قلنا ذلك لمثل هذه الطّريقة الّتي قدّمناها لأنّي لم أجد أحداً من الطّائفة ولا من الأئمّة عليهم السّلام قطع موالاة من سمع قولهم واعتقد مثل اعتقادهم، وإن لم يسند ذلك إلى حجّة عقل أو شرع)([9]).

والشاهد في آخر فقرة فانه صريح في التقييد (أنّ المقلّد للـمُحقّ في أصول الدّيانات وإن كان مخطئاً في تقليده، غير مؤاخذ به، وأنّه معفوّ عنه)، وإنما نقلنا كلامه بطوله لفائدته وليعلم وينقح محل البحث جيداً.

ويؤكد التقييد ما ذكره في أول العدة أيضاً، قال: (وأمّا ما يرويه قوم من الـمُقلِّدة فالصحيح الّذي أعتقده، أن الـمُقلِّد للحقّ وإن كان مخطئاً في الأصل مَعفُوِّ عنه، ولا أحكم فيه بحكم الفسّاق. فلا يلزم على هذا ترك ما نقلوه.

على أنّ مَنْ أشارُوا إليه لا نُسلّم أنهم كلُّهم مقلِّدة، بل لا يمتنع أن يكونوا عالِمين بالدليل على سبيل الـجُملة كما تقوله جماعة أهل العَدْلِ في كثير من أهل الأسواق‌ والعامة، وليس من حيث يتعذّر عليهم إيراد الحجج في ذلك ينبغي أنّ يكونوا غير عالمين، لأنّ إيراد الحجج والمناظرة صناعة وليس يَقِفُ حُصول المعرفة على حُصوله، كما قلناه في أصحاب الـجَمَل)([10]).

إضافة إلى ذلك، فاننا لم نجد في عبارات العُدّة في الموضعين تصريحاً بكفاية الظن من التقليد، بل كل كلامه ان التقليد كافٍ، وأما دعوى الإطلاق في كلامه فبعيدة؛ للفرق بين كلام المعصوم (عليه السلام) وغيره، لاحتمال الغفلة في الأخير، على انه لا يعلم انه (قدس سره) كان في مقام البيان من هذه الجهة، بل نقول: المقلدون عادة قاطعون فكلامه محمول عليه أو منصرف إليه. فتأمل.

2- الاخباريون: الأخبار قطعية سنداً ودلالة، فهي المعتمدة في أصول الدين

وأما ما نقله الشيخ عن العلامة عن الاخباريين من: (الخامس: كفاية الظن المستفاد من أخبار الآحاد، وهو الظاهر مما حكاه العلامة (قدس سره) في النهاية عن الأخباريين: من أنهم لم يعولوا في أصول الدين وفروعه إلا على أخبار الآحاد، وحكاه الشيخ في عدته في مسألة حجية أخبار الآحاد عن بعض غَفَلَةِ أصحاب الحديث)([11]).

فان الظاهر انّ نقله عن الطوسي عن بعض غَفَلَةِ أصحاب الحديث على القاعدة، لكن حكاية العلامة عن الاخباريين بحسب ما نقله الشيخ عنه، غير صحيحة ظاهراً، نعم لعله قال بذلك شاذ منهم، ولكن الظاهر أن كثيراً منهم إن لم يكن مشهورهم لا يقولون بذلك أي لا يقولون بكفاية الظن المستفاد من أخبار الآحاد، وذلك لأنهم يقولون بقطعية الأخبار سنداً ودلالاً فهم يقولون بكفاية الأخبار باعتبارها تورث القطع لا بكفاية الظن المستفاد من أخبار الآحاد. توضيحه:

أولاً: انهم يرون أخبار الآحاد قطعية إما لدعوى تواترها، أو لدعوى اعتضادها بالقرائن المفيدة للقطع، أو لدعوى صحة ما في الكتب الأربعة خاصة([12]).

ثانياً: انهم يرون ظواهرها مفيدة للقطع أيضاً، إما لتعاضد الظواهر إذ ما دامت متواترة فان ظواهرها متعاضدة، أو لوجوه أخرى مما فصّلناه في بحثٍ أسبق.

وبعبارة أخرى: يمنع الاخباريون من إتباع الظن في الأحكام الشرعية الفرعية، فكيف يقال بانهم يقولون بحجيتها في الأحكام الأصولية؟

ويكفي ان ننقل ههنا تصريح الأمين الاسترابادي في الفوائد المدنية قال حسبما نقل عنه: (أعتقد أنّ التمسك بالبراءة الأصلية كان ممكناً قبل إكمال الدين، ولكن بعد إكماله، لا مجال لإجراءها؛ لأنّ الروايات التي يحتاجها عامة الناس قد جاءت متواترة من الائمة في كلّ حادث يحتاج إليه الناس، وقد ثبتت الحقائق والموضوعات إلى يوم القيامة، وقد صدرت الأحكام القطعية لكل خلاف ومرافعة بين اثنين)([13]).

ومن المهم ان ننقل عبارة السيد المرتضى في أجوبة المسائل التبانيات كما نقلها عنه في منتقى الجمان: (وقال المرتضى في (جواب المسائل التبانيات المتعلقة بأخبار الآحاد):

(ان أكثر اخبارنا المروية في كتبنا معلومة، مقطوعة على صحتها، اما بالتواتر من طرق الإشاعة والإذاعة أو بامارة دلت على صحتها وصدق رواتها وهي موجبة للعلم، مقتضية للقطع، وان وجدناها مودوعة في الكتب بسند مخصوص من طريق الآحاد).

نعم قال أيضاً: (وغير خاف انه لم يبق لنا سبيل إلى الاطلاع على الجهات التي عرفوا منها ما ذكروا، حيث حظوا بالعين وأصبح حظنا الأثر، وفازوا بالعيان وعوضنا عنه بالخبر، فلا جرم ان سد عنا باب الاعتماد على ما كانت لهم الأبواب مشرعة، وضاقت مذاهب كانت المسالك لهم فيها متسعة.

ولو لم يكن إلا انقطاع طريق الرواية عنا من غير جهة الإجازة التي هي أدنى مراتبها لكفى به سبباً لاباء الدراية على طالبها([14]))([15]).

ولنقتطف بعض ما طرحناه سابقاً (لكن الظاهر ان هذه النسبة على الاقل بالنسبة إلى كثير منهم غير تامة لأن الاخباريين([16]) لا يرون اخبار الاحاد مفيدة للظن حتى يصنفوا في دائرة القول الخامس، بل يرون اخبار الاحاد مفيدة للقطع فهم في دائرة اخرى, أي أن الاخباري يقول ان القطع الحاصل من اخبار الاحاد حجة، والتعبير الادق انه يقول ان اخبار الاحاد تورث القطع فهي حجة , لا انها تورث الظن، بل انه لا يعتبر الظن حجة، ومستندهم في ذلك احد امرين وكلاهما محل للبحث ولكن الشاهد أنّ لكلامهم وجهاً وجيهاً – مبدئياً على الأقل - وقد يرفضه رافض:

أولاً: قطعية السند

الوجه الاول: انهم يدعون تواتر اخبار الاحاد فيرونها مورثة للقطع , فإنهم يرون ان هذه الاخبار كانت في الصدر الاول متواترة فسجلها الكليني في الكافي عن تواتر وكذلك الصدوق في من لا يحضره الفقيه والطوسي في التهذيب والاستبصار.

الوجه الثاني: انهم يدعون ان اخبار الاحاد محفوفة بالقرينة القطعية الموجبة للعلم, وهذه الدعوى التزم بها حتى مثل السيد المرتضى حيث ذهب إلى ان أكثر أخبارنا متواترة كما في أجوبة المسائل التبانيات أو هي محفوفة بالقرائن القطعية([17]), توضيح ذلك بإيجاز:

اما التواتر فإن دعواهم التواتر في اخبار الاحاد ليس بأبعد او اغرب من دعوى تواتر القراءات السبعة التي ادعاها كافة علماء اهل الخلاف وقسم من علماء الشيعة مع انه قد يقال ان السلسلة([18]) منقطعة في بعض الطبقات من القراء السبعة عن الصدر الأول, كما ليست دعواهم تواتر اخبار الاحاد بأبعد او اغرب من دعوى بعض فحول الرجاليين المتأخرين تواتر توثيقات النجاشي وامثاله مع أنه يفصله ما يقارب القرنين إلى الثلاثة قرون عن زمن الرواة ([19]) لأن توثيقاته غالبا مرسلة فما وجه حجيتها؟ السيد الخوئي واخرون ادعو تواترها، فهذه الدعوى ليست اغرب من دعوى الاخباريين، بل دعواهم تواتر الاخبار اقرب كما أشرنا إليه سابقاً فراجع.

ومما يقرّب هذا الوجه اننا نلاحظ انه كلما تباعد الزمن عن مرجع ما فان الطرق اليه تقلّ وانه في الصدر الأول قد يوجد العشرات ممن سمع الكلام منه مباشرة لكن كلما تصرّم جيلٌ تقلّص العدد, فاذا حفظ الجيل الاول هذه الشهادات في كتاب أو كتب فهي متواترة فيها أي لو وصلت تلك الكتب إلينا بطريق متواتر، أو كانت قطعية الانتساب لأصحابها، كما هو كذلك بالنسبة للكتب الأربعة وإن فرض عدم تواتر نقل استنادها لهم.

أما دعوى احتفافها بالقرينة القطعية, فانه قابل للنقاش, والرأي السائد انها ظنية، لكن لو قمنا بتنقيح جديد لتاريخ الروايات فقد نكتشف مؤيدات بل أدلة عديدة ومنها ان الائمة اللاحقين عليهم السلام ابدوا أشد العناية بحفظ الروايات وفرز الصحيح عن السقيم فمثلاً الامام الرضا عليه السلام كان يطلب كتب تلامذة الامام الصادق عليه السلام ويراجعها ويقول مثلا هذا الكتاب بأكمله صحيح.

والحاصل: ان الاخباري الذي يدعي التمسك بأخبار الاحاد لا يدعي انها تورث الظن بل يرى أنها تورث القطع لأن هذه الاخبار وصلتنا بعد غربلة شديدة جدا من معصوم([20]) مطّلعٍ على ان الضلّال والمنحرفين يحاولون خلط الغث بالسمين وشوب الماء باللبن, وهذه القرينة لو حققت اكثر فلعها تورثنا أيضاً القطع بان هذه الروايات متواترة أو قطعية الا المعارَضة منها حتى لا يستشكل بوجود روايات في الكافي متعارضة فإنها على ندرتها يرد علمها إلى اهلها)([21]) فهذا عن قطعية السند، وأما قطعية الدلالة:

ثانياً: قطعية الدلالة

وقد يقال: ان الظواهر تورث القطع مطلقاً أو في الجملة وذلك للجهات التالية:

(أولاً: الظواهر يمكن في كثير من الأحيان الاستناد اليها حتى فيما لو اشترطنا القطع في مباحث علم الكلام، وجه ذلك هو تراكم الاحتمالات وتعاضد الظواهر فإن الظاهر بنفسه لا يفيد الا الظن لكن ظاهراً ضُمّ الى اخر وإلى ثالث ورابع قد يفيد القطع في كثير من الاحيان, فلا يصح السلب الكلي، السر هو ان الظاهر وان كان بلحاظه بما هو هو(لو لوحظ بنحو الماهية المهملة) او بلحاظه بشرط لا، فاقدا([22]) الا انه بشرط شيء واجد، فلا يستشكل بان فاقد الشيء لا يعطيه، اذ الظاهر بشرط شيء واجد وليس فاقدا، نظير المتواتر فإنه مركب من اخبار احاد فكل واحد منها فاقد للقدرة على ان يوجد القطع، لكنها بتعاضدها تفيد القطع، وكذلك مثّلنا في التكوينيات بالجيش فان كل جندي بما هو هو أو بشرط لا، فاقد للقدرة على الانتصار الا انه بما هو منضم الى غيره واجد, فالجيش ينتصر اما الجندي الواحد لا ينتصر.

وثانياً: ان الظواهر انما لا تفيد القطع لو لم تكن مرشدة الى قضية فطرية ارتكازية لكنّ الكثير من الظواهر القرآنية والروائية مرشدة الى قضايا فطرية ارتكازية كما في الآيات والروايات المرتبطة بأصول الدين، وبذلك فإنها تفيد القطع

وثالثاً: ان الظواهر انما تفيد الظن لو لم تكن معلّلة، إذ أنها لو كانت معللة لأفادت القطع ان كانت العلة من العلل التي تفيد القطع بحد ذاتها.

ويشهد للثاني (ان الظواهر لو تضمنت التنبيه على قضية فطرية ارتكازية فهي تورث القطع) مثل قوله تعالى: [وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ] فإن هذه الآية تنبِّه على امر فطري ارتكازي, لبداهة أن من القبيح عقلاً ان يقول الانسان على الله ما لا يعلم بل هو أمر فطري فإنّ من الوجداني ان من القبيح ان يقول الانسان على الله ما لا يعلم صدوره منه سواءا اظن ظنا شخصيا بالوفاق ام ظن ظنا شخصيا بالخلاف، وسواءا أكان له ظن شأني لم يوافقه ظن شخصي ام وافقه, فهذه قضية فطرية ارتكازية لا يخرج عنها إلا فيما لو استثنى المولى بنفسه صورة من الصور فنزلها منزلة العلم([23]) كما في فروع الدين حيث ان الشارع نزل الظن منزلة العلم.

ويشهد للثالث قوله تعالى: [إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً] لكونها تعليلاً لـ(قبح ان يتبعون الا الظن) بـ(ان الظن بما هو هو لا يغني من الحق شيئا), فهذه الآية تضمنت تعليلاً، وعليه: فالمرجع سيكون التعليل فان افاد القطع فبها والا فلا, فهذه ثلاثة أجوبة صغروية (بها يتم تنقيح حال الصغرى) عن كلام صاحب القوانين , إذ ظهر منها ان هذه الظواهر كثيرا ما تفيد القطع اما بالتعاضد([24]) واما لتضمنها امرا فطريا ارتكازيا للارشاد عليه والتنبيه عليه واما لكونها معللة)([25]).

ملخص كلام الاخباري

وبعبارة أخرى: للاخباري أن يقول: أنّ كافة الأخبار الواردة في شؤون أصول الدين قطعية السند والدلالة؛ لما سبق ولأنها إما معللة بعلة عقلية ومرشدة إلى دليل عقلي وإما هي منبهة على قضية فطرية ارتكازية، فكلها تورث القطع، والسرّ في هذه الدعوى ان الأئمة (عليهم السلام) كانوا عند البحث في شؤون أصول الدين الخلافية، إما في حالة حوار مع الملحدين (المنكرين لوجود الله) أو مع المشركين (المنكرين لوحدانيته) أو مع المخالفين (المنكرين لعدله أو للعصمة أو ما أشبه) أو كانوا في مقام تعليم أصحابهم، كهشام بن الحكم، طرق الحوار مع أولئك، فلم يكن المقام مقام التعبد بل كان المقام مقام الاستدلال، لذلك كانوا يشفعون مدعاهم باستدلال عقلي أو بمنبّه فطري، إذ لا يصح عقلائياً غير ذلك في مقام البحث مع الكافر أو المشرك أو المخالف، ولذا فان دعوى ان الأخبار الواردة في أصول الدين (دون فروع الأصول) كلها مورث للقطع ليست جزافاً.

بحث تمريني: هل ورد مصطلح أصول الدين أو ما يقاربه في الروايات الشريفة؟ وهل البحث في أصول الدين، متوقف ولو في الجملة على ورود هذا المصطلح؟ بعبارة أخرى: لو فرض عدم ورود هذا المصطلح في الآيات والروايات فهل ذلك يغير من اتجاه البحوث شيئاً وهل يضر، مطلقاً أو في الجملة، باستدلال هذا الطرف أو ذاك؟([26])

 

وصلى الله على محمد واله الطاهرين

قال الإمام الباقر (عليه السلام): ((ثَلَاثٌ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وَتَحْلُمَ عَمَّنْ جَهِلَ عَلَيْكَ)) (تحف العقول: ص293)

----------------------------------

([1]) العدة 1: 132، و 2: 731.

([2]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج1 ص555.

([3]) نعم يمكن أن يقال: انها حقيقية مقيدة، وهو الأظهر.

([4]) لعل هذا الصدر هو الذي أوجب الوهم (توهم الإطلاق في كلام العدة).

([5]) العلماء.

([6]) زيادة في النسخة الثانية.

([7]) وإن كان.

([8]) في الأصل: واجدٍ.

([9]) الشيخ الطوسي، العدة في أصول الفقه، الناشر: تیزهوش ـ قم، ج2 ص730-731.

([10]) الشيخ الطوسي، العدة في أصول الفقه، الناشر: تیزهوش ـ قم، ج1 ص132-133.

([11]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج1 ص555.

([12]) يراجع كليات في علم الرجال ص35.

([13]) الأسترابادي، الفوائد المدنية، ص106.

([14]) جواب المسائل التبانيات - للسيد المرتضى المطبوع حاليا ضمن رسائل الشريف المرتضى تحقيق مهدي الرجائي، وهذه العبارة غير موجودة لان في النسخة سقطا (انظر صفحة: 25 - 29 الجواب عن وجود أخبار الآحاد في مصنفات الامامية).

([15]) منتقى الجمان للشيخ حسن بن الشهيد الثاني: 2 - 3.

([16]) الكثير منهم على الاقل

([17])  ثم انها هي التي أدرجت في الكتب الأربعة.

([18])  أي سلسلة التواتر.

([19]) في بحث سابق ذكرنا اسماء بعض الفقهاء الذين ذهبوا إلى التواتر.

([20])  بل من عدد من المعصومين (عليهما السلام).

([21]) درس الاجتهاد والتقليد، (166) الإثنين 21 ذي القعدة 1433هـ. بتصرف.

([22]) أي فاقداً لمورثية القطع.

([23]) فتكون حينئذٍ (قولاً على الله بعلم وبما نعلم) لا بما لا نعلم لفرض جعله حجة.

([24]) وهو أعم من الاخيرين إذ لا يشترط فيه تضمن التعليل أو التنبيه على أمر فطري، بل ان نفس التعاضد بما هو هو موجب للقطع.

([25]) درس الاجتهاد والتقليد، (156) الإثنين 7 ذي القعدة 1433هـ. بتصرف.

([26]) للجواب على هذا السؤال تراجع البحوث التي طرحناها قبل حوالي من عقد من الزمن / الدرس 255-261 من سلسلة بحوث الاجتهاد والتقليد بتاريخ 24 ج1 1434 فصاعداً.

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الأثنين 17 جمادى الأولى 1444 هـ  ||  القرّاء : 2555



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net