فائدة قرآنية في قوله تعالى: ((إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)) ([1]) قد يرد سؤال حاصله:
بقلم: السيد نبأ الحمّـامي
هل أن إذهاب الحسنات للسيئات أمر ممكن، وإذا كان كذلك كيف يمكن تصوره؟
الجواب: توجد في الكتاب العزيز إشارة إلى ما هو أكثر من إذهاب الحسنات للسيئات، وهو تبديل السيئة إلى الحسنة، في قوله تعالى: ((فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ)) ([2])، والإجابة عليه تكون إجابة على إذهاب الحسنات للسيئات من باب أولى.
وتبديل السيئة حسنةً يُتصوَّر على وجهين:
الوجه الأول: تبدّل وانقلاب نفس العمل من سيئة إلى حسنة، ومثاله من عالم التكوين انقلاب الخمر خلاً.
لا يقال: يلزم من ذلك انقلاب الماهية، وهو محال.
إذ يقال: استحالة انقلابها دعوى بلا دليل بل هو ممكن، وأدل دليل على إمكان الشيء وقوعه، كانقلاب الأشجار نفطاً، والفحم ألماساً، واللحم ملحاً، وتبدّل حقيقة الخمر إلى حقيقة الخل، وهو تبدل وانقلاب تكويني، فكذلك العمل، بل إن ما ذكر من استحالة تبدل الماهية مبنيّ على أساس فلسفي غير مسلّم، وهو أصالة الماهية.
الوجه الثاني: لو سلّمنا وقلنا باستحالة تبدّل نفس العمل، فإن المقصود يكون تبدّل أثر العمل، وهو الحسنة أو السيئة المترتّبة على العمل، لا تبدّل نفس العمل، فالأثر للعمل يتبدّل من سيئة إلى حسنة، مع المحافظة على أصل ماهية العمل وعدم زواله.
ومن الشواهد التي تعزز هذا الوجه:
ما ورد في النصوص الشرعية من إعطاء حسنات المغتاب إلى المستغاب، أو إعطاء سيئات المستغاب إلى المغتاب، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ((يُؤتى بأحدكم يوم القيامة، فيوقف بين يدي الله تعالى، ويُدفع إليه كتابه، فلا يرى حسناتِه، فيقول: إلهي ليس هذا كتابي، فإني لا أرى فيه طاعتي، فيقال له: إنّ ربك لا يضلّ ولا ينسى، ذهب عملك باغتياب الناس. ثم يؤتى بآخرَ ويدفع إليه كتابه، فيرى فيه طاعاتٍ كثيرةً، فيقول: إلهي ما هذا كتابي، فإني ما عملت هذه الطاعات، فيقول له: إن فلاناً اغتابك فدُفِعَت حسناته إليك)) ([3]) .
فإنّ العمل الذي عمله الإنسان ـ سواء أكان خيراً أم شرّاً ـ يبقى منسوباً إليه، ولا يُنسب إلى شخص آخر، ولكن يمكن أن يمحى عنه أثر ذلك العمل الحسن أو السيء ـ وهو الثواب والعقاب ـ ويعطى إلى إنسان آخر.
---------------------------------------
([1]) سورة هود: 114
([2]) سورة الفرقان: 70.
([3]) بحار الأنوار: ج72 ص259.