||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 الوسطية والاعتدال في الفكر الإسلامي

 157- الانذار الفاطمي للمتهاون في صلاته ، يرفع الله البركة من عمره ورزقه

 5- الهدف من الخلقة 1

 63- (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) 6 على ضوء (الإصطفاء الإلهي): فاطمة الزهراء عليها سلام الله هي المقياس للحق والباطل

 316- الفوائد الأصولية: الحكم التكليفي والحكم والوضعي (3)

 254- إستراتيجية العفو المطلق وربط كافة مناحي الحياة بالله تعالى وحجية الظن الخاص والمطلق على الانفتاح والانسداد

 121- فائدة فقهية: صور المعاملة المحاباتية ونسبتها مع الرشوة

 364- الفوائد الاصولية: الصحيح والأعم (7)

 360- الفوائد الاصولية: الصحيح والأعم (3)

 244- مباحث الأصول: (الحجج والأمارات) (2)



 الحسين المحمول عليه السلام على أجنحة الملائكة صريع على أرض كربلاء

 الإِمَامُ الحُسَينُ خَليفَةُ اللهِ وَإِمَامُ الأُمَّةِ

 تعلَّمتُ مِن الإِمامِ.. شرعِيَّةُ السُّلطةِ

 اقتران العلم بالعمل



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 91

  • المواضيع : 4532

  • التصفحات : 28064586

  • التاريخ :

 
 
  • القسم : الطهارة (1446هـ) .

        • الموضوع : 005- الجواب عن إشكالات عن الحقيقة العرفية، والوضع للوجود المنبسط .

005- الجواب عن إشكالات عن الحقيقة العرفية، والوضع للوجود المنبسط
الأحد 18 ربيع الأول 1446هـــ



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(
5)


قرينية متعلَّق الكيل والوزن، على المراد من الدّقة أو المسامحة
لا يقال: يمكن حل معضلة مرجعية (العرف) في الأوزان والمقادير والبناء على صحة مسامحاتهم العرفية وعدمها، أي البناء على الدقة العقلية في تطبيق عناوين الموضوعات على المصاديق، بما قد يوقع الصلح القهري بين المشهور القائلين بالدقة وغيرهم، كالسيد الوالد وغيره من القائلين بصحة البناء على المسامحات العرفية، بقرينية المتعلّق وبكون الغرض من الوزن والمساحة هو الذي يحدد الدقة فيه أو المسامحة؛ وذلك لأن الموزون والمكيل، وكذا غيرهما، على ثلاثة أقسام تظهر عند إضافة الأوزان إلى الذهب والحطب والحنطة، فإن الأول، عرفاً وعقلائياً، مبني على الدقة في الوزن، والثاني مبني على التسامح الكثير، والثالث بينهما، أي على نوع من التسامح، فكذلك الحال كلما أخذ أحد هذه المقادير والأوزان موضوعاً لحكم الشارع.
قال في الفقه: (والحاصل: ان الأغراض لما كانت مختلفة ففي بعضها لا يتسامح أصلاً كوزن الذهب والالماس ولو بقدر شعرة وفي بعضها يتسامح قليلاً كوزن الأرز وفي بعضها يتسامح أكثر كوزن الحطب وَكَيْل الجص، فإن عرف في الشيء المجهول الغرض أنه من أي الأقسام كان التسامح فيه بمثله جائزاً، وأما لو لم يعلم الغرض لم يجز التسامح، إذ لعله مما لا يتسامح فيه)[1].


إذ يقال: أجاب الشيخ (قدس سره) عن أصل الإشكال بعد أن أشار إليه إجمالاً بقوله، مشكلاً ومجيباً (نعم: قد يتسامح في إطلاق ألفاظ المقادير على ما نقص أو زاد إذا كان بحكم المعدوم بالنسبة إلى الحكم المتعلق بذلك المقدار، ويتفاوت في أصل المسامحة وفي مقدارها الأحكامُ، وحيث كانت الأحكام الشرعية تابعة للحِكَم الخفية لم يعلم جواز المسامحة في متعلقاتها فهي أضيق دائرة من المقادير المتعلقة للأحكام الطبية[2]، انتهى)[3].
وسيأتي غداً بإذن الله تعالى جواب الفقه أولاً وجوابنا ثانياً عن جوابه فانتظر لما فيه من الدقة واللطافة.


المستند: لا نعرف وجهاً لهذه التدقيقات
لا يقال: (وعلى الجملة: لا نعرف وجهاً لهذه التدقيقات، ولا يترتّب على تحقيقها أثر شرعي، بل العبرة بصدق الفرسخ أو الميل عرفاً، والنصوص تشير إلى الأمر العادي المتعارف من مسيرة يوم، أو بياض النهار، أو شغل اليوم، أو مسير الجمال، أو ثمانية فراسخ، ونحوها من العناوين التي يعرفها أهل العرف والمحاورة، فالمدار على الصدق العرفي، فكلّما علم أنّه مسافة فلا إشكال)[4].


الجواب: وجه التدقيقات ووجه حجيتها
إذ يقال: عدم معرفة الوجه لا يخل بالحجية ولا يضر بها، وذلك لأن هذه التدقيقات مما أطبق عليها عامة الفقهاء[5] وعامة اللغويين والمؤرخين والرياضيين، أي ممن تطرقوا لهذه المسألة، فإن ذلك مما يوجب القطع، بل يكفي نقل جملة معتد بها منهم لها فإنه يوجب الاطمئنان، بل يكفي نقل الواحد الثقة الضابط الخبير، على حسب ما نرتأيه من بناء العقلاء عليه.
وبعبارة أخرى: هل يقصد (قدس سره) بعدم معرفة الوجه عدم معرفة الصغرى أم الكبرى؟ أي هل يقصد به عدم حجية هذه التدقيقات أو عدم ثبوتها عن واضع اللغة، فأيهما قصد ففي الجواب الآتي الكفاية وهو:
ان هذه التدقيقات إما هي إخبارات حسية عن واضع اللغة أو حدسية، لكن المتعين الأول إذ لا يعقل الثاني على انه لو أمكن لكفى كما سيأتي.
فإن كان الأول، فلا ريب في أنها وصلتهم إما عن طريق متواتر أو عن طريق السماع إما من الواضع أو الواضعين أو السماع من الآباء والأجداد يداً بيد وصولاً إلى الواضع أو عبر مشاهدتهم لها في (دار السّك) أو (دار الضرب) التي كان يحفظ / أو يسك فيها الأكيال والأوزان والمقاييس والذهب والفضة والنقود.
وذلك من القطعي المسلم إذ لا يعقل أن يطبق جميع اللغويين ومنهم صاحب القاموس وغيره كثيرون والفقهاء ومنهم العلامة وغيره كثيرون والمؤرخون ومنهم البلاذري والمقريزي وغيرهما كثيرون والرياضيين، الذين نقلنا بعض أقوالهم سابقاً وسيأتي الكثير منها في الملحق[6]، والذين حددوا هذه المقاييس بتلك التدقيقات المعقدة والمفصلة المتدرجة (الفرسخ ← 3 اميال ← الميل 4 آلاف ذراع ← الذراع 24 إصبع ← الإصبع 7 شعيرات ← الشعيرة 7 شعرات من شعرات البرذون) وهكذا، بمجرد خبر مرسل أو مجهول، على رغم اختلاف اللغويين والرياضيين والفقهاء والمؤرخين في أذواقهم ومشاربهم، ودينهم ومذبهم عامةً وخاصةً ومؤمنين وكفاراً؟ بل ندر أن يوجد اتفاق بين خبراء علوم مختلفة متعددة كما وجد في هذا الأمر.


والحاصل: ان هذا الإطباق على مثل هذا الأمر المعقد، يورث القطع بأن منشأه هو الواضع لتلك المقاييس أو الساكّ لها، ولئن وجد خلاف فإنما هو خلاف على أن هذا اللفظ موضوع لهذا التدقيق خاصة أو لتدقيق آخر، لا على أصل مبنى التدقيق العجيب كأصل مسلم، على انه فيما وجد فيه خلاف فالمرجع قواعد التعارض من الرجوع إلى المرجحات وإلا فالتخيير أو التساقط، لا إنكار أصل التباني والقول، في معرض الإنكار، بجهل وجهه.
على اننا نعرف وجه هذه التدقيقات في المقادير والأوزان وهو انهم أخذوها من الجهات المختصة بوضع الأوزان والمكاييل المقادير، وكانت الجهات المختصة هي الحكومات والضرابون والسكّاكون، كما لا تزال كذلك حيث كانت تصنع وتسك المقاييس لأخذ الضرائب من الناس، من الغلات وغيرها، أو الزكاة وشبهها أو لصنع قوالب الذهب والفضة أو لسك العملة الذهبية وغيرها[7].
ثم عندما وضعتها الجهات المختصة تداولها الناس وبنوا عليها فإما أبقوها على ما هي عليه، فهي حقائق لغوية سلمت بها الأعراف كافة أو انفرد كل عرف بميزان، ولذا نشأ اختلاف المكاييل، كالرطل المكي والمدني والعراقي، لكن كلّاً منها كان محدداً عندهم فإن الرطل العراقي مثلاً نصف المكي وبينهما يقع المدني[8] فعلى ذلك جرت الأعراف العامة ثم الخاصة.
على ان بعض المقادير والأوزان معلومة الأصل من وجه آخر، وذلك كالأشبار التي وردت في روايات متضافرة في تحديد الكر مثلاً.


وعليه: يترتب على تحقيقها أثر شرعي، حيث أصبحت، أي الفرسخ والميل والرطل...، موضوعات لأحكام الشارع، فإن كانت دقيقة كما ذكروا كانت هي المرجع، وإلا كان المرجع العرف (غير المدقق بتلك التدقيقات).
بل نقول: العرف لا يعرف مقدار الفرسخ والرطل ونظائرهما إلا بالرجوع إلى أهل الخبرة، من حكومات وصيرفيين ولغويين، فاسأل الناس واحداً واحداً عن الفرسخ والرطل تجدهم إما لا يعلمون مقدارها بالضبط أو يكونون قد حفظوها مما في الكتب المدرسية أو المراجع اللغوية (فهي المرجع إذاً) أو يحيلونها على المتوفر في الأسواق من أنواع الكيل والوزن، والتي صنعها الضرابون والحكومات.
فالصدق العرفي مُحِيل، إجمالاً، إلى تلك التدقيقات ومبني عليها.


والحاصل: ان هذه التدقيقات، لا بد أن يكون الفقهاء واللغويون والمؤرخون وغيرهم، قد نقلوها عن حس وتسامع أو مشاهدة إذ لا يعقل أن (يحدس) أحدهم بهذه التدقيقات العجيبة مستكشفاً بها ما جرى في عقل الواضع عند وضعه[9]، على انها لو كانت حدساً لكانت حجة لكونها حدس الخبير المتثبت، ولو قيل بأن حدس الخبير ليس حجة على الخبير الآخر أجيب بأن ذلك لو صح (وقد ناقشنا فيه في مبحث جواز تقليد المجتهد، بالقوة بل بالفعل، لغيره) فإنه لا يصح فيما لو وجدنا جميع الخبراء، بمختلف أصنافهم وفي مختلف العلوم، يحدسون بأمر من غير تردد أبداً.
والحاصل: ان هذه التدقيقات سواء أريد بها كشف الواقع (وما الذي وضعه له الواضعون) أم أريد بها الاحتجاج، حسب تفصيل المحقق النائيني بين الأمرين، فهي حجة مطلقاً مادام قد أطبق عليها جميع الفقهاء والمؤرخين... إلخ.


الثمرة:
فإذا تم ذلك كان ما ذكرناه من أن مآل هذه التدقيقات إلى أن الوجود المنبسط السعي والعرض العريض هو الذي وضعت له ألفاظ المقادير والأوزان وان الحقيقة التشكيكية وما بين الحدين هو المراد بها، فيكون ما عبّر عنه بالمسامحة العرفية راجعاً في الحقيقة إلى الأمر بين الأمرين والوجود المنبسط المحدد بحدين مميزين، فلم يكن في جوهره من المسامحة في شيء، فتدبر وتأمل.
هذا كله إضافة إلى أن الإشكال مشترك[10] الورود لأنه (قدس سره) أذعن بأن العبرة بصدق الفرسخ والميل عرفاً وان النصوص تشير إلى الأمر العادي المتعارف... إلخ والفرسخ والميل عرفاً والأمر العادي المتعارف عرفاً ولغةً هو الوجود المنبسط وما بين الحدين وما له عرض عريض.
المستند: الأحكام الشرعية لا تبتني على التدقيقات و...
ومن ذلك كله ظهر وجه الإشكال على قوله (قدس سره): (ولكنّك خبير بأنّ الأحكام الشرعية لا تبتني على مثل هذه التدقيقات العقلية التي لا تندرج تحت ضابط معيّن، وربما يوجب الاختلاف اليسير بين شعرة وشعرة، أو شعيرة ومثلها، أو ذراع وذراع أخرى الفرق الكثير بالإضافة إلى المجموع، إذ لا ريب أنّ هذه الأمور تختلف صغراً وكبراً، طولاً وقصراً.
فإذا فرضنا أنّ ذراعاً مع ذراع أخرى وكلاهما متعارف اختلفا في جزء من مائة فطبعاً ينقص من ستّة وتسعين الف إصبع – الحاصل من ضرب أربعة آلاف في أربعة وعشرين – الشيء الكثير، بل لو كان الاختلاف في جزء من عشرة لنقص من هذا المجموع عشره وهو يقرب من عشرة آلاف إصبع، فيتحقق البون الشاسع بين التقديرين، وهكذا لو لوحظ الاختلاف بين الشعرتين أو الشعيرتين مع فرض كونهما متعارفتين)[11].


الأجوبة:
إذ ظهر:
1- ان هذه التدقيقات ليست عقلية بل هي نقلية.
2- أنها سواء أكانت عقلية أم نقلية فما دام اللفظ موضوعاً لها وكان اللفظ مصب حكم الشارع، فهي المرجع.
3- انها منضبطة، كانضباط جميع الحقائق التشكيكية المحصورة فيما بين الحدين، كالبريد وبياض نهار واليوم والليلة.. إلخ.
4- ان هذا الاختلاف، مما لا ينبغي أن يُهوَّل به، إذ سبق أن مآل جعل المرجع في الوزن الحقيقة المنبسطة أو المشككة هو التخيير الواقعي أو مراتب الفضل.


التخيير الواقعي بين الأقل والأكثر أو مراتب الفضل
لا يقال: لا يعقل التخيير الواقعي بين الأقل والأكثر، فلو كان الكر المعتصم هو الأقل (أي الأقل مما كان في دائرة بين الحدين من متوسط الأشبار أو الأرطال مثلاً) لكان الأكثر كالحجر في جنب الإنسان ولو كان هو الأكثر لكان الأقل غير عاصم فكان جعل اللفظ المشكك إغراءً بالجهل لكل من اكتفى بالأقل؟


إذ يقال: كلا، أ- إذ لو كان الأكثر واقعاً هو المعتصم الواقعي، لكان جعل الأقل معتصماً أيضاً تفضلاً من الشارع وتوسعة أو فقل: ان الأكثر ثبوتي تكويني والأقل جعلي تنزيلي، أو كلاهما جعلي لكن بوجهين وبدرجتين، وذلك نظير العفو عن الأقل من الدرهم من الدم وعن دم الجروح والقروح، في الصلاة، ما لم تبرأ وإن كان أكثر من درهم، بشروطها، وعن دم البواسير عكس دم الرعاف (الذي لا يعفى عنه إلا أن يكون أقل من درهم – على رأي) وكذا العفو عن ذرات العذرة في الاستنجاء بالأحجار، قال في العروة: (ويجب في الغسل بالماء إزالة العين والأثر، بمعنى الأجزاء الصغار التي لا ترى، لا بمعنى اللون والرائحة، وفي المسح يكفي إزالة العين، ولا يضر بقاء الأثر بالمعنى الأول أيضاً)[12]، وقال المحققان النائيني والحكيم: (بل بمعنى ما لا يزول عادة إلا بالماء) والظاهر ان بعض الذرات التي ترى لا تزول إلا بالماء.
وكذا العفو عن ثوب المربية للصبي فإن نجاسته معفو عنها بشرط غسله في كل يوم مرة، وغير ذلك.


وبوجه آخر: العاصم المعتصم وإن كان هو الحد الأعلى لأنه (الطهور) تكويناً، لكن الشارع لاحظ التيسير ومصلحة التسهيل فاكتفى بالأقل أيضاً واعتبره معتصماً لذلك، ومصلحة التيسير مصلحة واقعية تزاحم المصلحة الأولية بل قد ترجح على ما يقع فيه العبد من المفسدة؛ ألا ترى ان عدم إيجاب الشارع الفحص في الشبهات الموضوعية، على رأي المشهور، مُوقِعٌ كثيراً ما في المفسدة إذ بالبناء على البراءة والحل وكذا باستصحاب الطهارة والملكية والزوجية... إلخ كثيراً ما يقع العبد في مفسدة أكل الحرام أو لبس المغصوب أو التنجس بالنجس الواقعي، لكن الشارع رأى مصلحة التسهيل والتيسير أرجح فلم يوجب الفحص واعتبر الاستصحاب حجة.. إلخ.
ب- وإن كان الأقل هو المعتصم، لما اضّر ذكر عنوان ينطبق عليه وعلى الأكثر منه؛ وذلك لأحد وجهين:
فإما لعدم وجود عنوان ولفظ آخر يستبطن الدقة العقلية أو فقل لضيق العبارة إذ لم تكن زمن الشارع أوزان ومقادير دقيقة يمكن إرجاع الناس إليها، كما حدث ذلك في هذا الزمن حيث يسّرت الأجهزة الحديثة والصناعات المتطورة ذلك، بل حتى لو كان الشارع يمتلك أجهزة متطورة (كما يمتلك علماً محيطاً يمكنه به أن يجري هو على هذه التدقيقات) إلا ان عامة الناس كانوا يفتقدون ذلك فكيف يرجعهم إلى مقاييس دقيقة يعجزون عن الرجوع إليها بالمرة؟
وإما لأن الأكثر أفضل وانه المستحب وذلك كما يستحب إسباغ الوضوء فانه مرتبة من مراتب الوجود المنبسط[13].
وبوجه آخر: لا مجال للإشكال بالأقل والأكثر، وانه إن كان المدار الأكثر كان ذكر عنوان ينطبق على الأقل أغراء بالجهل.. إلخ، فإن الأمر في الاعتباريات كالأمر في التكوينيات، ألا ترى ان الحرارة حقيقة مشككة تنطبق على درجة 70 كما تنطبق على درجة 90 حتى درجة الغليان وما فوقها وما دونها، ولا يصح القول أن الحرارة إن وضعت للأدنى (كـ 60 درجة) كان الأكثر خارجاً وكان وضعُ لفظٍ أعم، وضعاً لمجموع ما هو المدار ولما هو كالحجر في جنب الإنسان، وإن وضعت للأعلى كان وضع لفظ للأعم إغراءً بالجهل (إذ سيرتب المكلف الأحكام على الأدنى أيضاً) إذ يجاب: ان كل المراتب داخلة وكلها منشأ الأثر لكن الأثر، بدوره، مشكك ذو عرض عريض، بين قوي وضعيف ولكن فيما بين الحدين لا أكثر. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
 
قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ سَيِّداً: كَظْمُ الْغَيْظِ، وَالْعَفْوُ عَنِ الْمُسِي‏ءِ، وَالصِّلَةُ بِالنَّفْسِ وَالْمَال‏)) (تحف العقول: ص317)


أسئلة وتمرينات:
- حاول أن تجيب على إشكال الشيخ (قدس سره) بأن حِكَم الشارع حيث كانت خفية فلا يعلم جواز المسامحة في موضوعاتها.
- ابحث عن شواهد أخرى على قطعية مستند التدقيقات التي ذكرها الفقهاء للموازين والمكاييل وشبهها أو ناقش ما ذكرناه.
- بيّن كيف يقال بأن الوجود المنبسط والتشكيكي منضبط؟
- أوضح كيف يعقل التخيير بين الأقل والأكثر، أو ناقش ذلك.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

-------------------------------------

[1] السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الطهارة، دار العلوم ـ بيروت: ج2 ص307.
[2] الشيخ الأعظم الأنصاري، كتاب الطهارة: ص25.
[3] السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الطهارة، دار العلوم ـ بيروت: ج2 ص307.
[4] الشيخ مرتضى البروجردي / تقريرات لأبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، المستند في شرح العروة الوثقى، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ـ قم: ج20 ص29.
[5] وسبق نقل كلام العلامة وغيره وهم كثيرون، وراجع العروة مثلاً حيث قال: (مسألة 1: الفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله أربعة وعشرون إصبعا، كل إصبع عرض سبع شعيرات، كل شعيرة عرض سبع شعرات من أوسط شعر البرذون) (العروة الوثقى: ج9 ص339) حيث سكت عنه جميع الفقهاء المعلقين الأربعين.
[6] ملحق الدرس القادم بإذن الله تعالى.
[7] فمثلاً: كانت تحفظ دار الضرب والمسماة دار العيّار ودار السك أيضاً، الموازين والمكاييل والصنج، وكانت تعنى عناية خاصة بأوزان المعدن الخالص من الذهب والفضة...
[8] فألف ومائتا رطل بالعراقي الواردة في مرسلة ابن أبي عمير مثلاً تعادل ستمائة رطل بالمكي الواردة في صحيحة محمد بن مسلم.
[9] فهل يعقل مثلاً أن العلامة الحلي، جلس في غرفته مفكراً فيما جرى في عقل الواضع لكلمة الفرسخ أو الرطل، متوصلاً إلى أن يعرب بن قحطان مثلاً لا بد انه وضع الفرسخ لـ 3 أميال والميل لـ 4 آلاف ذراع وصولاً إلى 7 شعرات البرذون؟ من المقطوع به استحالة هكذا حدث وعلى تقدير إمكانه فليس بعقلائي أصلاً.
[10] إشكال الأقل والأكثر السابق، والإشكال الآتي بعد قليل من انها غير منضبطة، إذ إرجاع الفرسخ إلى العرف أيضاً غير منضبط بل هو أشد في اللاانضباط.
[11] الشيخ مرتضى البروجردي / تقريرات لأبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، المستند في شرح العروة الوثقى، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ـ قم: ج20 ص28.
[12] العروة الوثقى: ج1 ص333.
[13] والحاصل: ان إسباع الوضوء بصب الماء وافياً مستحب وغسل الوجه واليدين أي غسلهما مرة ثانية لا إشكال فيه وهو جزء الوضوء مع انه مستحب، ولا يصح القول: انه إن كان جزء الوضوء كان واجباً وإن كان خارجاً عنه كان البلل المتبقي بعد الغسلة الثانية من البلل الخارج فلا يصح مسح الرأس به، إذ يجاب انه من الوضوء لكن الوضوء له أجزاء واجبة وأخرى مستحبة أو له مراتب بين واجبة ومستحبة. فتدبر.

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الأحد 18 ربيع الأول 1446هـــ  ||  القرّاء : 668



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net