282- الاجابة على استفتائات الطلبة حول الفلسفة والعرفان دعوى وجود سنخية بين العلة والمعلول الجواب : 1ـ السنخية لا تشترط بين الفاعل بالمشيئة والاختيار ، بل في الفاعل بالطبع فقط ،كما قالوا 2ـ النقض : أ ـ كثافة الزجاج وانعكاس الفوتونات حتى درجة 16% و..... ب ـ تغاير خواص المتركب من الاوكسجين والهيدروجين وبحث حول تعميم (السنخية) للعلل الاربع ج ـ لا سنخية بين الوجود والماهية مع انها تنتزع منه قبل: الماهية منتزعة من حدّ الوجود الجواب: هل حد الوجود عدم ام وجود؟....
الأربعاء 18 رجب 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
البحث مخصص للإجابة على الإشكالات والاستفسارات الواردة حول مبحث الكشف والشهود والمباحث الفلسفية.
الاجابة على دعوى ضرورة وجود سنخية بين العلة والمعلول
وصلنا إلى ما كتبه احد الطلاب الكرام من بحث مفصل ردا على ما نقلناه عن صدر المتألهين واشباهه من انهم يقولون بوحدة الوجود الشخصية، كما هو نص عبارته[1]، وقد تضمن كلام الاخ مباحث منها قاعدة السنخية وهي قاعدة مسلمة عندهم واجمالها؛ انه لابد من وجود سنخية بين الفاعل والقابل اي بين العلة والمعلول، بادلة عديدة منها: برهان العلامية والايتية – كما ذكره، وأيضاً لهم أدلة أخرى لم يذكرها منها: انه لو لم يكن كذلك لصدر كل شيء من كل شيء، ومنها دعوى انتزاع المفهوم الواحد بنحو واحد من اشياء متعددة، وتوقفنا عند الاستدلال الاول وهو برهان العلامية[2] واشكلنا عليه باشكالات وهناك اشكالات اخرى نوردها ان شاء الله,لكن نقول نرجع إلى اصل المدعى وهو هل لابد من وجود سنخية بين العلة الفاعلية والمعلول ام لا؟
الجواب: 1ـ السنخية لا تشترط في الفاعل بالمشيئة والاختيار، بل في الفاعل بالطبع فقط، كما قالوا
اننا نقول لا يلزم وجود سنخية بين العلة والمعلول أو الخالق والمخلوق، ولنا على ذلك اجوبة: من الاجوبة ما ذكره الشيخ نصير الدين الطوسي والعلامة الحلي وصولا إلى العلامة ألمجلسي ومتأخري المتكلمين، وسنذكر جوابهم ثم نذكر جوابا تفردنا به نرى انه سابق رتبة على جوابهم فليتأمل فيه وهو: ان العلامة الحلي في شرح التجريد[3] يقول[4] ان قاعدة السنخية انما هي في الفاعل بالقسر او بالجبر او بالطبع اما الفاعل بالاختيار الذي امره (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فلا وجه لهذه الدعوى, توضيح كلامهم: ان الفاعل لو كان بالقسر للزمت السنخية وإلا فلا, ونضيق دائرة كلامهم بما يتضح به عدم الحاجة لهذا الجواب وان كان صحيحا في حد ذاته؛ فنقول: اذا كان المعلول مترشحاً من العلة، مثل ماء يترشح من الجدار فلابد ان تكون هناك سنخية بين المترشح والمترشح منه. لكن هل نحن مترشحون من الله مثل الرطوبة من الماء التي تترشح من الحائط؟ طبعا الجواب لا بالفطرة والبداهة والعقل والنقل لكن البعض يقول نعم, فاذا كان المعلول هو نفس العلة لكن بنحو الوجود النازل لها، اي ان العلة تنزلت في مقام ذاتها فأصبحت معلولا (وهذا هو في واقعه معادلة الوحدة في عين الكثرة والكثرة في عين الوحدة), فلو كان الامر كذلك، فانه لابد من سنخية لأن الفرض ان نفس الوجود تنزل فصارت له رتبة نازلة مثل النور اذا ضعف فانه هو هو في حقيقته، فاذا كان الخلق بالفيض او بالرشح او بالتنزل او بالتولد، فلابد من سنخية بين المتولد والمتولد منه اما في الفاعل بالاختيار فلا وجه لهذه الدعوى على الإطلاق، والادلة التي اقاموها غير جارية في الفاعل بالاختيار اذ لا يلزم قولهم (والا لصدر كل شيء من كل شيء) لأننا نحتاج في صدور هذا المعلول إلى مرجح لصدوره والمرجح هو ارادة ومشيئة الباري جل اسمه فلا يلزم صدور كل شيء من كل شيء, هذا جواب القوم وسيتضح بالبيانات اللاحقة اضافة منا على كلامهم، ان شاء الله, فنقول:
2ـ النقض عليهم بأمثلة من الفلسفة والمنطق والعلوم الحديثة
ان دعواهم (لزوم سنخية بين العلة والمعلول) تنقضها ادلة عديدة منها المنطقية ومنها الفلسفية، اي اننا من مبانيهم سنحتج عليهم، وادلة من علم الفيزياء والكيمياء، وغير ذلك ونبدأ بالامثلة وبعضها مبسط وبعضها معمق كالمثال الفلسفي الآتي:
أ ـ كثافة الزجاج وانعكاس الفوتونات حتى درجة 16% و.....
المثال الاول من علم الفيزياء:مما لا شك فيه في العلم الحديث في علم الفيزياء (نقضا لقاعدة، لابدية وجود سنخية بين العلة والمعلول), انه ان النور يتركب من فوتونات، حسب اخر النظريات العلمية وعندما يخترق النور الزجاج فان الفوتونات تمر عبر الزجاج لكن تبقى نسبة ضئيلة تنعكس، ولذا نرى انعكاس النور فانه من رجوع هذا المقدار من الفوتونات، والمقدار المنعكس يختلف باختلاف نوع الزجاج فان المنعكس من المرآة هو اكثر مما ينعكس من الزجاج العادي, ويقول العلماء ان كثافة الزجاج كلما ازدادت كلما كانت الفوتونات المنعكسة اي الراجعة اكثر اي انه يزداد الانعكاس، فكثافة الزجاج هي العلة للانعكاس وشدة الكثافة علة لشدة وقوة الانعكاس، حتى تبلغ نسبة الانعكاس للفوتونات نسبة 16% من جميع الفوتونات فاذا بلغت نسبة المنعكس 16% بسبب مقدار كثافة الزجاج عندها يبدأ السير العكسي وعلى النقيض تماما، اي انه بمجرد ما ترتفع نسبة الكثافة عن هذه الدرجة فان نسبة الفوتونات المنعكسة ستقل إلى 15% ثم 14% وهكذا إلى ان تنعدم نسبة الفوتونات المنعكسة، وعليه فالزجاج اذا بلغت كثافته إلى درجة عالية بنسبة معينة (فوق الـ16%) فانه سيمتص النور باكمله ولا يسمح بانعكاس شيء منه على الإطلاق.
وهذا مثال واضح وهذا المثال الفيزيائي التكويني الالهي يذكرنا برواية الإمام عليه السلام في دية أصابع المرأة وانها تعاقل الرجل إلى الثلاثين فلو قطع اصبع منها ففيه عشرة ثم عشرون ثم ثلاثون في قطع الأصبع الثالثة فلو قطع الاصبع الرابعة منها رجعت الدية إلى عشرين، فهنا مثال تكويني خارجي عيني مشابه[5] وبذلك ظهر ان كثافة الزجاج هي العلة لإرتداد بعض الفوتونات وانعكاسها وان هذه الكثافة عندما تزداد وتصل إلى درجة معينة فانه ينقلب المفعول تماما ويبدأ بالتناقص في مقدار المنعكس، وهذا برهان تجربي علمي واضح على انه لا إطلاق سنخية بين العلة الفاعلية وبين المعلول إذ قد ثبت ان الشيء الواحد[6] قد ينتج الشيء بكثافته التي تقتضي زيادتُه زيادةً في المعلول لكنه بزيادته ينتج النقيض او الضد, هذا المثال الاول وسيأتي لاحقا دفع على ذلك.
ب ـ تغاير خواص المتركب من الأوكسجين والهيدروجين
المثال الثاني من علم الكيمياء: الماء مضاد للاشتعال مع انه يتركب من ذرة أوكسجين وذرتين هيدروجين والأوكسجين يساعد على الاشتعال والهيدروجين غاز سريع الاشتعال لكن لو تركبا فانهما ينتجان الماء الذي يطفئ النار مع ان الاوكسجين علة او جزء علة فاعلية للاشتعال، ولا فرق في قاعدة السنخية بين العلة او جزء العلة، والحاصل ان الأوكسجين لو اجتمع مع الهيدوجين كان المتولد على خصيصة مناقضة للمتولَّد منه، وهو الماء المضاد للاشتعال، وسيأتي دفع دخلٍ على هذا الكلام في البحث القادم فانتظر.
بحث حول تعميم (السنخية) للعلل الاربع
وهنا ندفع دخلاً وهو: ان عدداً من الفلاسفة عندما طرحوا قاعدة السنخية فانهم طرحوها في العلة الفاعلية (الفاعل) والمعلول (القابل)[7] لكن برهانهم بحسب ما ذكروه يستدعي التوسعة والتعميم بان[8] يقال بوجوب السنخية بين العلل الاربعة: الفاعلية والغائية والمادية والصورية فان قاعدة السنخية بادلتها سيالة اي لابد ان تكون بين العلة المادية والعلة الصورية سنخية وذلك جريا على ادلتهم: والا للزم ان يكون كل شيء علة مادية لكل شيء، وليس البرهان خاصاً بالعلة الفاعلية, وسيأتي نقاشنا في (والا) في جوابنا الذي تفردنا به وسنثبت بطلان الدليل وان هنا مغالطة بينة، ومن العجب انها قد خفيت على اعلام المتكلمين في نقاشهم مع الفلاسفة.
اذن يجب ان تكون سنخية حتى في العلة المادية والصورية والغائية، بحسب ادلتهم؛ والا للزم ان يكون كل شيء غاية ومادة وصورة لكل شيء وهذا غير معقول فالكلام الكلام[9].
والمثالان كانا من هذا القبيل: فان المثال الثاني كان من قبيل العلة المادية فان الاوكسجين والهيدروجين هو العلة المادية للماء فهو يتركب منهما فينبغي ان تكون هناك سنخية بين المادة وما يتركب منها والا للزم ان يكون كل شيء علة مادية لكل شيء فيكون على ذلك الحديد والذهب هما العلة المادية للماء، لكن الامر ليس كذلك بل هناك خصوصية للهيدروجين والاوكسجين جعلتهما العلة المادية للماء، والحاصل: ان مثالنا الثاني هو من قبيل العلة المادية، وقد يترقى ويقال انه علة فاعلية وهذا لا يهم إذ يكفينا كونها علة مادية والعلة المادية جزء من اجزاء العلة التامة اذ مجموع هذا يكون علة للمعلول فلو وجد الفاعل ولم توجد العلة المادية لما وجد الشيء، فالعلة المادية كالعلة الصورية وكالعلة الغائية اضافة للعلة الفاعلية، مجموعها هو العلة التامة للمعلول.
اما المثال الاول فانه مثال للعلة الفاعلية لفاعل بالطبع أو بالقسر لأن كثافة الزجاج هي الفاعل بالقسر للانعكاس او الفاعل بالطبع او الفاعل بالجبر فهي علة فاعلية بالقسر اذن المثالان من عالمين.
ج ـ لا سنخية بين الوجود والماهية مع انها تنتزع منه
المثال الثالث من الفلسفة: هناك نزاع عريق تاريخياً، ولا يزال وسيبقى مستقبلياً، والظاهر ان هذا النزاع لا ينتهي الا بظهور الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ولعله – والله اعلم- لا ينتهي عند بعض الناس وهو: هل الوجود هو الاصيل ام الماهية؟ وهناك رأي ثالث بأصالتهما معا، وليس المقام الآن مقام المحاكمة بل ما يهمنا الآن النتيجة على كل الأقوال فسواءا اقلنا بان الوجود اصيل والماهية انتزاعية ام قلنا بالعكس وان الماهية هي الاصيل والوجود انتزاعي، فانه لا يوجد فيلسوف مشائي أوإشراقي أو غيرهما ولا متكلم يقول بالسنخية بين الوجود والماهية، وهو من البديهيات, ولنحدد الكلام الآن بالقائلين بأصالة الوجود ومشككيته وانه لا بد من سنخية بين العلة والمعلول فنقول: على مبناهم فانه توجد بين الوجودات سنخية واما الوجود والماهية فلا سنخية بينهما بل هما من عالمين مختلفين تماما فان الماهيات انتزاعيات وهي اعدام او بمنزلة الاعدام فلا سنخية بينهما بالمرة، ولا مخالف، ولو وجد مخالف فسنناقشه إذ من غير المعقول القول بالسنخية بينهما, والحاصل: انه يوجد تطارد بين القولين حتى من يقول بأصالتهما معا فانه يقول بتجاورهما او اندماجهما مع كونهما من سنخين مختلفين, فنقول على كل الآراء فانه لا سنخية وقاعدة السنخية المدعاة باطلة.
توضيحه: ان لنا ان نسأل القائل باصالة الوجود ونقول له: ما الماهية؟ فيقول هي امر انتزاعي، فنقول من اين انتزع؟ فيقول انتزع من نفس هذا الوجود وعليه فالوجود الخاص هو العلة الفاعلية لماهيته لكن بالقسر فكيف كان المباين علة لمباينه؟ وبعبارة أخرى: الماهية تنتزع من حاق ذات الشيء، وانتزاع الماهية من حاق ذات الشيء يناقض قاعدتكم المعروفة إذ لولا السنخية بين المنتزع والمنتزع منه لانتزع كل شيء من كل شيء والحال انهم يلتزمون ان لا سنخية بينهما بل هناك بينونة كاملة فهذا عين الوجود وتلك امر اعتباري محض وسراب (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ) وقد ذكر بعضهم هذه الاية استدلالا لأصالة الوجود وسرابية الماهية واعتباريتها, فالزوجية تنتزع من الاربعة مثلاً فلماذا لم تنتزع من الثلاثة؟ الجواب لوجود سنخية فلا بد من سنخية بين الأمر الانتزاعي ومنشأه[10].
فنقول: الاربعة ينتزع من حاق ذاتها الزوجية كما ان الفردية تنتزع من حاق ذات الثلاثة ولابد من وجود سنخية بين الزوجية والاربعة حتى تنتزع منها دون غيرها لأن هذا ينتزع من حاق ذات الشيء، فنقول بناءا على هذا الاصل ومع لحاظ ان الماهية انتزعت من حاق ذات الوجود والحال انه لا سنخية باعترافهم فاما ان يرفعوا اليد عن هذا الاصل او ذاك الاصل.
القول بان الماهية منتزعة من حدّ الوجود، لا يدفع الإشكال
ان قلت:ان الماهية تنتزع من حد الوجود.
قلت: ترد على هذا إشكالات عديدة نكتفي باحدها ونقول: حد الوجود هل هو وجود او عدم؟ فان قلت انه وجود عاد المحذور وانه كيف تنتزع الماهية من الوجود ولا سنخية بينهما مع ان الوجود منشأ[11] انتزاع هذه الماهية ووجودها ظلي أو اعتباري او إنتزاعي ووجودها بوجوده، وان قلت: ان حد الوجود عدم قلنا: يعقل ان ينتزع الشيء من العدم إلا ان تقولوا بالواسطة بين الوجود والعدم، وتقولوا ان للعدم الخاص (عيناً ثابتة) أو شبه ذلك وفيه ما فيه، وسيأتي بيانه، وللحديث تتمة.
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين.
[1] - الاسفار المجلد الثاني ص292.
[2]- برهان (لابد من وجود سنخية)
[3] وكذلك السيد الوالد وكذا كافة المتكلمين فانهم بنوا على هذا الجواب، وهو صحيح لكنا نرى وجود جواب اسبق رتبة واهم من جهة.
[4] - بإضافة منا.
[5] - والمقصود ليس التطابق الكمي بين المثالين التكويني (كثافة الزجاج والانعكاس) والتشريعي (دية أصابع المرأة) بل أصل ان زيادة الشيء قد تنتج تناقص الأثر والنتيجة فتدبر.
[6] - مثلاً راجع نهاية الحكمة الفصل الرابع في ان الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد.
[7] - وفي مثالنا هو فاعل بالطبع.
[8] - ولعل التتبع يقود إلى ان بعضهم صرح بذلك.
[9] - والحاصل: انه نتنزل ونتسامح فنقول ما هو دليلكم على انه لابد من مسانخة بين الفاعل (العلة) والمعلول فنفس الدليل يجري في العلة المادية والا لكان كل شيء علة مادية لكل شيء، فاذا كانت السنخية لازمة، فكيف تعاكست مع نتيجتها كما في مثال الماء, فان الاوكسجين فيه خصوصية بها يكون علة فاعلية للاشتعال والهدروجين فيه خصوصية خاصة بها يصلح ان يشتعل فلماذا المركب منهما تميز بها يضاد ذلك؟ والحاصل: ان سنخ الماء اصبح غير سنخ ما تركب منهما مع انه تولد منهما!.
[10] - والحاصل اننا نرفض ضرورة وجود السنخية كما (نرفض الاطلاق) في وجودها ولا نرفض (تحققها) بقبول مطلق
[11] - ولدى الدقة فانه الفاعل بالطبع لها.
الأربعاء 18 رجب 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |