320- 4ـ الامضائيات : مسائل : أ ـ الوقف المنقطع الآخر ب ـ الوقف على من ينقرض ج ـ العقود المستأنفة كعقد التأمين د ـ الصلح قسيم أو مقسم؟ 5ـ الموضوع والحكم : (الحمى) و(الحيازة) تحليل ونقد رأي البعض بعدهما مطلقاً
الأحد 21 ذي الحجة 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
23- علم الأديان والمذاهب الأصولي والفقهي المقارن
الدائرة الرابعة: الامضائيات
فان معرفة حال العقود والإيقاعات ونحوها من الامضائيات في الشرائع السابقة وفي الاعراف السابقة والمعاصرة لنزول الوحي، ينفع في معرفة ما أمضاه الشرع وما لم يمضه، في أصله أو في حدوده وقيوده.
والمسائل التالية توضح ذلك:
أ- (الوقف) المنقطع الآخر، والوقف على من ينقرض غالباً
فقد اجمعوا على بطلان الأول، واختلفوا في الثاني على أقوال ثلاثة: انه باطل، انه ينقلب حبساً، انه صحيح وقفاً، كما فصّله في الجواهر([1]) والفقه فراجع.
وموطن الشاهد: ان معرفة حال الوقف في الأديان السابقة وفي الاعراف السابقة والمعاصرة للإسلام، يصلح دليلاً آخر على الصحة لو كانت إحدى الصورتين موجودة، فيعضد بها إطلاق (الوقوف على حسب ما يقفها أهلها)، أو على البطلان بدعوى تقوّي انصراف (الوقوف على حسب...) عنهما. فتأمل
ولعل لذلك نقل صاحب الرياض تردد بعض الأعلام([2]) في الصورة الأولى وان رده الجواهر([3])، كما احتمل صحتها السيد الوالد صناعياً.
ب- (العقود المستأنفة) فانه لو ثبت وجود أي عقد من العقود الجديدة، في تلك الأزمنة يكون دليلاً على صحتها حتى عند من لا يرى صحة العقود المستأنفة وعدم شمول أوفوا بالعقود لها([4])، وذلك مثل عقد التأمين وغيره.
ج- تحقيق المراد عندهم بـ(نكاح الشغار) وانه جعل البُضع مهراً أو جعل العقد عليها مهراً، مما ناقش فيه الجواهر مفصّلاً فراجع.
د- وحسم الخلاف في ان (الصلح) عقد آخر قسيم لسائر العقود أو هو مقسم لها كما ذهب الى الأخير الشيخ الطوسي إلى غير ذلك.
الدائرة الخامسة: دائرة الاحكام والموضوعات
ومما قد يلحق بدائرة الموضوعات ودائرة الأحكام معاً مبحث (الحمى) موضوعاً وحكماً إذ قد يبحث عن معناه والمراد به وقد يبحث عن كونه موجباً شرعاً للملك أو لحق الاختصاص أو لا هذا ولا ذاك.
دعوى عدم كون الحمى والحيازة سبباً للملك ولا للحق
فقد ذكر بعض الاعلام([5])
(واما مصادر الثروة الطبيعية فأقسامها الرئيسية كما يلي:
أولاً: الأرض بما تضم من غابات وأراضٍ صالحة بطبيعتها للزراعة وأراضٍ غير مهيأة لذلك طبيعياً وتحتاج تهيئتها لذلك إلى إعدد بشري.
ثانياً: المعادن وهي كل ثروة مادية متواجدة في الأرض أو في قاع البحار كمناجم النفط والذهب والفضة والحديد والملح وغير ذلك.
ثالثاً: مصادر المياه من أنهار وبحار وبحيرات وعيون ماء.
ويدخل القسم الأول والقسم الثاني في نطاق القطَّاع العام الذي تملكه الدولة وأما القسم الثالث فهو من المباحات العامة.
وفي كل هذه الأقسام لا يؤذن إسلامياً بنشوء ملكية خاصة لرقبة المال – أي لمصدر الثروة نفسه – بل إن رقبة المال تظل ملكاً عاماً للدولة أو ضمن إطار المباحات العامة لا استثمار فيها ولا تمييز.
كما لا يؤذن إسلامياً بقيام أي حقٍّ خاص أو ملكية خاصة للأفراد في المصادر الطبيعية للثروة بأقسامها على أساس الحِمى والحيازة أي مجرد السيطرة لأن الإسلام ألغى الحمى وأعلن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) انه: "لا حمى إلا لله وللرسول([6]) وذلك لأن الحمى هو الشكل الاحتكاري من الحيازة فحيازة المصادر الطبيعية ليست أساساً لتملك الحائز أو اكتسابه حقاً خاصاً لأنها احتكار وليست عملاً اقتصادياً.
وإنما سمح الإسلام بنشوء حق خاص للأفراد على أساس الإحياء فقط لأنه عمل اقتصادي وليس احتكاراً).
أجوبة عديدة: الروايات والإجماع و...
لكن يرد عليه:
إضافة إلى ان الرواية لا سند لها إذ لم يسندها، ونقلها المحقق في الهامش عن مسند أحمد ولم نجدها في مصادرنا (كالوسائل والمستدرك وجامع أحاديث الشيعة والبحار والسفينة ومستدرك سفينة البحار ونظائرها)، وإضافة إلى الخلط الظاهر من كلامه بين الحمى والحيازة مع انهما موضوعان: ان الروايات الكثيرة وفيها الصحاح وعليها العمل والفتوى دلت على ان الحيازة سبب للملك كما عليه مشهور المتأخرين أو هي – على أقل الفروض – سبب حق الاختصاص كما عليه غير المشهور.
كما دلت الروايات على صحة (الحمى) بشروطه، لا على الطريقة الجاهلية، أيضاً غاية الأمر انه وقع الخلاف في انه مملوك كما ذهب إليه صاحب الجواهر وتبعه الوالد وقال في المسالك: انه الأشهر، أو انه (حق) كما عليه آخرون([7]).
الحمى المنفي هو الحمى من غير أسبابه الشرعية
وعلى أية حال فان موطن الشاهد – مع قطع النظر عن كل ذلك – ان (الحمى) المنفي في الرواية – على فرض صحتها – هو الحمى الذي كان معهوداً ومتداولاً في الجاهلية، أي الحمى الابتدائي بقرارٍ أو بصيحة وما أشبه
ولعل هذا العَلَم لو لاحظ مصطلح (الحمى) والمراد به في زمن صدور هذه النصوص وما سبقها، لما ذهب إلى ما ذهب إليه ولاتضح له ان القضية خارجية لا حقيقية([8]) وان المنفي هو تلك الحصة المعهودة من الحمى في زمان الجاهلية والتي كانت من أظهر مصاديق التجبر والظلم والاحتكار، لا مطلق الحمى والحيازة والتي هي اعتبارات وحقوق طبيعية عرفية عقلائية
ويتضح ذلك بملاحظة بعض ما ذكره الشهيد في (الدروس) والعلامة الأميني في الغدير.
قال في الجواهر([9]) (ربما يؤيده ما في الدروس من "أن حريم القرية مطرح القمامة والتراب والوحل ومناخ الإبل ومرابض الخيل والنادي وملعب الصبيان ومسيل المياه ومرعى الماشية ومحتطب أهلها مما جرت العادة بوصولهم إليه. وليس لهم المنع فيما بعد من المرعي والمحتطب بحيث لا يطرقونه إلا نادراً، ولا المنع مما لا يضر بهم مما يطرقونه، ولا يتقدر حريم القرية بالصيحة من كل جانب، ولا فرق بين قرى المسلمين وأهل الذمة")([10]) انتهى.
وقال في الغدير([11]) (نعم كان في الجاهلية يحمي الشريف منهم ما يروقه من قطع الأرض لمواشيه وإبله خاصة فلا يشاركه فيه أحد وإن شاركهم هو في مراتعهم، وكان هذا من مظاهر التجبر السائد عندئذٍ،
وقال الشافعي في تفسير الحديث: كان الشريف من العرب في الجاهلية إذا نزل بلدا في عشيرته استعوى كلبا فحمى لخاصته مدى عواء الكلب لا يشركه فيه غيره فلم يرعه معه أحد، وكان شريك القوم في سائر المراتع حوله. قال: فنهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحمى على الناس حمى كما كانوا في الجاهلية يفعلون) ثم قال (وقال ابن أبي الحديد 1: 67 حمى (عثمان) المرعى حول المدينة كلها من مواشي المسلمين كلهم إلا عن بني أمية) ثم قال (قال ابن منظور في ذيل الحديث: الناس شركاء فيما سقته السماء من الكلأ إذا لم يكن مملوكاً فلذلك عتبوا عليه. وكانت في اتخاذ الخليفة الحمى جِدةً وإعادة لعادات الجاهلية الأولى التي أزاحها نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعل المسلمين في الكلأ مشتركين). وستأتي تتمة لذلك.
وبذلك يظهر أنَّ ما توهمه البعض من عدم أهمية كبيرة لهذا المبدأ الاستنباطي (علم الأديان والمذاهب الأصولي والفقهي، المقارن) غير وجيه([12])، كما ظهر ذلك أكثر من ملاحظة (الامضائيات) وغيرها مما سبق. وللحديث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) الجواهر ج28 ص55 فصاعداً من الطبعة السابقة.
([2]) وهو صاحب المسالك.
([3]) الجواهر ج28 ص52.
([4]) بدعوى ان (أوفوا بالعقود) قضية خارجية لا حقيقية، وان (أل) في العقود للعهد الخارجي – أي الحضوري – أو شبيه الذهني.
([5]) في كتاب (الإسلام يقود الحياة) ص78-79 الطبعة الثالثة ط دار التعارف للمطبوعات
([6]) مسند أحمد بن حنبل 2/38 و71 و73، دار صادر/ بيروت.
([7]) قال في الجواهر ج39 ص48 من الطبعة الجديدة: (بل ربما كان ظاهرهما – أي خبري أدريس بن زيد وصحيح محمد بن أحمد بن عبد الله – الملكية – أي لحمى الضيعة وإن بلغت 20 ميلاً – بناء على إرادة البيع ونحوه من الاعطاء فيهما كما عن الشيخ وبني البراج وحمزة وإدريس وسعيد والفاضل وولده وغيرهم بل في المسالك انه الأشهر... خلافاً لظاهر جماعة أو صريحهم من عدم الملك بل هي من الحقوق لعدم الاحياء الذي يملك به مثلها).
([8]) سيأتي وجه آخر للجواب عن كلامه حتى لو قيل ان القضية حقيقية.
([9]) الجواهر كتاب إحياء الموات ص48.
([10]) وظاهره حق الاختصاص بذلك القدر (أي بما لا يضرهم)
([11]) الغدير ج8 ص235 -236.
([12]) فان بذلك يظهر ان القضية في الرواية حقيقية أو خارجية، إلى غير ذلك.
الأحد 21 ذي الحجة 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |