319- 2ـ إثبات أو نفي حجية بعض الحجج ، كالشهرة وحجية مراسيل الثقات والإقرار والسيرة وحجية رأي المقلَّد الميت أو غير الأعلم ، وذلك استناداً لإطلاق أدلة احكام الأديان السابقة لا لمجرد استصحابها 3ـ (الاحكام) كـ : التبني ، اتخاذ الإخوان ، حدود (حاكماً) في (فاني قد جعلته عليكم حاكماً)
الأربعاء 17 ذي الحجة 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
23- علم الأديان والمذاهب الأصولي والفقهي، المقارن
وقد سبق الكلام عن الدائرة الأولى من دوائر مسائل هذا العلم
الدائرة الثانية: دائرة الحجج على الأحكام والموضوعات، فان معرفة حجية أو عدم حجية أمرٍ في الأديان السابقة على الإسلام، يصلح أن يعد دليلاً من الأدلة، لا مؤيداً فقط، على حجيته أو عدم حجيته في شريعتنا أيضاً، وذلك اما استصحابا للشرائع السابقة، أحكاماً وحججاً، ما لم يثبت ناسخ، واما من باب التمسك بإطلاق أدلة الأحكام والحجج في تلك الشرائع.
أما الأول: فقد ذهب المشهور، كما نقله المحقق العراقي، إلى استصحاب الشرائع السابقة، والظاهر شموله للحجج أيضاً وإن لم يصرحوا به([1])، وذلك لوحدة الدليل.
ولا ترد شبهة تغيُّر الموضوع وان موضوع الاحكام([2]) هم المكلفون بالشريعة السابقة لا نحن؟.
إذ يجاب: بان الأحكام قد أخذت بنحو القضية الحقيقية لا الخارجية، كما ذكره الميرزا النائيني([3]) والمحقق العراقي([4])، فموضوع الحكم هو الكلي الطبيعي بما هو هو، لا بما هو مقيد بالأشخاص المحددين أو فقل ان الحكم جعل بعهدة طبيعة المكلفين بنحو السريان في الأفراد الفعلية المحققة الوجود والفرضية المقدرة وجودها – كما ذكره المحقق العراقي.
وهذا الجواب أتم وأولى مما أجاب به الشيخ من فرض معاصرة المكلف للديانتين ودركه لها فيجري في حقه استصحاب عدم النسخ.
واما الثاني – وهو المنصور – فلقيام الأدلة على عموم أحكامهم وحججهم لنا، ومنها قوله تعالى (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) بناء على ان المقدر هو: اتبعوا أو ألزموا، بل حتى بناء على ان المقدر هو الكاف فتأمل([5])
ومنها قوله تعالى: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) مع تتميم الاستدلال بما ذكره الميرزا النائيني هناك من ان القضايا حقيقية لا خارجية، وبإضافة عدم القول بالفصل بين الأحكام والحجج أو إلغاء الخصوصية أو إحراز الملاك أو شبه ذلك مما يوكل تفصيله أخذاً ورداً لمحله.
وتترتب على ذلك([6]) ثمرات كثيرة:
منها: حجية الشهرة وعدمها، فلو احرز ان الشهرة كانت حجة في الديانات السابقة، أو لم تكن، لكان ذلك دليلاً جديداً على الحجية أو عدمها يضاف لسائر الأدلة أو يعارَض بها.
ومنها: حجية مراسيل الثقات وعدمها، كذلك
ومنها: حجية الاقرار بقيد أو قيود، فيما لم يثبت بنصٍ أخذُه أو عدمه
ومنها: حجية رأي غير الاعلم وحجية رأي الميت، وذلك لوضوح ان باب التقليد كان مُشَرعاً في الأديان السابقة، فانه فطري جِبِلّي عقلائي، ولامتناع أو لحرجية رجوع كافة اتباع الأديان في كل الأزمان وفي كل القضايا إلى النبي أو إلى الراوي الصرف.
ومنها: السيرة([7])
الدائرة الثالثة: دائرة الأحكام،
ومنها: اتخاذ الاخدان قال تعالى: (وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) فهل يشمل ذلك ما لو صادقها مع مراعاة حدود الحشمة وعدم اجتراح حرام من لمس أو نظرة محرمة أو خلوة أو ما أشبه؟.
ارتأى السيد الوالد حرمة اتخاذ الخدن مطلقاً حتى من دون تلك المقارِنات، استناداً لهذه الآية الشريفة([8]).
وقد يكون الوجه الصِّدق بالحمل الشائع وعدم وجه للانصراف
لكن تحقيق معنى الخدن في الأديان السابقة وفيما تعارف لدى العرب ذلك الزمن، قد ينفع في تأكيد الاطلاق أو العكس بالقول بالانصراف([9]). فتدبر
ومنها: تحديد المعنى المراد بـ(حاكماً) في قوله (فاني قد جعلته عليكم حاكماً) فان المراد بـ(جعلته حاكماً) حسب ما استظهره السيد الوالد هو ان ما للحاكم من الشؤون في اعرافهم، قد جعله الشارع للفقيه الجامع للشرائط، وحينئذٍ ينبغي ان تُلاحَظ الوظائف والمسؤوليات المنوطة بالحاكم وغير المنوطة به فتثبت تلك ولا تثبت هذه.
فمثلاً: المعاهدات الدولية وسائر الشؤون العامة، مما يراها العرف من شؤون الحاكم، واما طلاق زوجة الآخرين لا لحكمةٍ بل تشهياً فانه مما لا يراه العرف من شؤون الحاكم، وان ذكره بعض كما نقله (الجواهر).
ومنها: التبني المنفي بقوله تعالى: ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ)
فلا بد من ملاحظة معنى التبني عندهم والمراد به والأحكام اللازمة له عندهم، فيثبت نفي الآية له([10]) دون ما عداه. فتأمل
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) حسب استقراء ناقص.
([2]) المراد: المكلف بها.
([3]) فوائد الأصول ج4 التنبيه السابع ص 478 – 479.
([4]) نهاية الأفكار ج4 ق 1 ص175.
([5]) إذ على هذا ستكون (ملة) بياناً للاشتراك في (ما جعل عليكم في الدين من حرج) فقط فتأمل هذا. وقد اقتصر في مجمع البيان على التفسير الأول (اي اتبعوا وألزموا) فتدبر كما ذكر الوالد في التبيين (اختار لكم طريقة أبيكم إبراهيم).
([6]) أحد الوجهين من استصحاب الأحكام والحجج أو القول بإطلاقها.
([7]) كما لو فرض كشف ان السيرة في الأديان السابقة كانت على كشف المرأة وجهها فانه قد يقال بانها تصلح اما مفسراً لآية الحجاب (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) وصارفاً لها عن (الوجه) أو العكس: تكون الآية ناسخة. فتأمل وكذا لو فرض كشف ان سيرتهم كانت على الكذب المزاحي أو الكذب في القصص المخترعة والأساطير، مما أوضحناه في بحث المكاسب فراجع.
([8]) الفقه/ المحرمات/ ج93 ص15.
([9]) فلو كان (الخِدن) يطلق عندهم ويشمل حتى المجرد من المقارِنات المحرمة، تأكد الاطلاق، وإلا فقد يكون العدم، وجهاً للانصراف. فتأمل.
([10]) مثلاً: كانوا يرون – كما يرى الغرب الآن – التبني موجباً للمحرمية، والإرث، والنسب الحقيقي وشبه ذلك، فيتضح انه المنفي، دون مجرد اعتباره إبناً مجرداً عن هذه الاعتبارات، واما دعوته باسم أبيه الجديد فهي محرمة بناء على ظاهر الآية (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ) وانه مولوي كما استظهره الشيخ الطوسي في التبيان والسيد الوالد في الواجبات والمحرمات وقد يناقش فيه بان ظاهر (هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) ان الأمر للإرشاد. وللأخذ والرد مجال آخر
الأربعاء 17 ذي الحجة 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |