325- الجواب عن شبهة عدم ورود مصطلح الاجتهاد في الكتاب والسنة ، بوجوه ثلاثة : 1ـ المرجع في طرف الإطاعة 2ـ ورود المصطلح 3ـ ورود بدائله هل المسألة أصولية أو فقهية أو من المبادئ التصديقية او بالتفصيل ؟
الأحد 20 محرم الحرام 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
1- هل محورية (الاجتهاد) للمباحث لغو أو حرام؟
قد يستشكل على محاور البحث الثلاثة الآنفة الذكر، بان مصطلح (الاجتهاد) مما لم يرد في الآيات والروايات فلا وجه للبحث عن تقوّمه – أصلاً أو اطلاقاً أو في الاعلمية – بالاجتهاد في مبادئ الاستنباط وعدمه، كما لا وجه للبحث عن صحة وجواز وحجية نظر المجتهد في الأصول والفقه المقلد في المبادئ، لنفسه أو لغيره؛ فانه لغو بل محرم إذ اعتبار ما لم يعتبره الشارع حجة، حجة تقوّل على الله بغير علم، كما انه ليس بمعذّر ولا كاشف عن الواقع بنظر الشارع.
والجواب:
أولاً: ان المرجع في طرق الاطاعة، ومنها الاجتهاد والتقليد، هو بناء العقلاء، كما ان المرجع في كيفية الاطاعة([1]) هو الشرع، وفي أصل الاطاعة العقل لا الشرع وإلا للزم الدور.
توضيحه: ان طرق الاطاعة امضائية وليست تأسيسية، فحيث وجد الشارع العقلاء يسلكون للوصول إلى مرادات مواليهم وأوامرهم ونواهيهم، طرقاً ومنها الاجتهاد والتقليد، فانها من أشهر الطرق العقلائية([2])، وحيث سكت ولم يردع دلّ ذلك على امضائه لها وإلا لكان إغراءاً بالجهل، ومثل ذلك يقال عن حجية خبر الثقة والبينة والشياع المفيد للاطمئنان ونظائرها.
ومما يؤكد امضاءه لما سبق ونظائره، ردعه عن بعض الطرق الأخرى كالقياس([3])، فتدبر
ثانياً: ان لفظ الاجتهاد والمجتهد وردا في العديد من الروايات
ومنها ما جاء في الكافي([4]) (ثلاثَةٌ واثنَانِ خمسَةٌ لَيْسَ لَهُمْ سَادِسٌ مَلَكٌ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ وَ نَبِيٌّ أَخَذَ اللَّهُ بِضَبْعَيْهِ وَسَاعٍ مُجْتَهِدٌ وَطَالِبٌ يَرْجُو وَمُقَصِّرٌ فِي النَّارِ)
ولعل ظاهر الرواية تقسيم الأمة ما عدا الأنبياء، إلى ساعٍ مجتهد وطالب يرجو، والأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام هم قمة القمة والمصداق الأجلى للساعي المجتهد ثم الفقهاء المجتهدون، وذلك ظاهر بلحاظ ان القسمة قاطعة للشركة، ولو أريد المعنى اللغوي للمجتهد لكان القسيم مقسماً([5]) فتأمل
كما وردت روايات أخرى منها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (يَا عَلِيُّ إِخْوَانُكَ كُلُّ طَاهِرٍ زاك مُجْتَهِدٍ يحبُ فيك و يبغض فيك محتقر عند الخلق عَظِيمِ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ)([6])
ومنها ما نقله السيد العم في بيان الفقه نظير ما جاء في نهج البلاغة([7]) (فَعَلَيْكُمْ بِالْجَدِّ وَ الِاجْتِهَادِ) وفي بحار الأنوار([8]):ٍ (عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ الْوَرَعِ وَ الِاجْتِهَادِ...) وغيرها.
وهذه الروايات ان قيل بظهورها في الاجتهاد المصطلح فهو وإلا فهي أعم فتشمله وذلك ان الاجتهاد المصطلح هو استفراغ الوسع في تحصيل الحجة على الحكم الشرعي أو الوظيفة ولا شك انه أخص مطلقاً من المعنى اللغوي له وهو بذل الجهد أو المبالغة فيه([9]) فتدبر
ثالثاً: سلمنا لكن ما يفيد فائدة الاجتهاد المصطلح ويؤدي مؤداه بل قد يرادفه، قد ذكر في الآيات والروايات:
منها ما ورد فيه لفظ التفقّه كقوله تعالى: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)
فان التفقه في الدين هو الاجتهاد، إذ الظاهر منه ما كان عن إعمال نظر وحدس وإلا كان صِرف رواية، ولذا قال عليه السلام: Sلَا يَكُونُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ فَقِيهاً حَتَّى يَعْرِفَ مَعَارِيضَ كَلَامِنَا وَ إِنَّ الْكَلِمَةَ مِنْ كَلَامِنَا لَتَنْصَرِفُ عَلَى سَبْعِينَ وَجْهاً لَنَا مِنْ جَمِيعِهَا الْمَخْرَجُR([10]) و(أَنْتُمْ أَفْقَهُ النَّاسِ إِذَا عَرَفْتُمْ مَعَانِيَ كَلَامِنَا إِنَّ الْكَلِمَةَ لَتَنْصَرِفُ عَلَى وُجُوهٍ فَلَوْ شَاءَ إِنْسَانٌ لَصَرَفَ كَلَامَهُ كَيْفَ شَاءَ وَ لَا يَكْذِبُ)([11])
ومنها ما ورد فيه لفظ الاستنباط أو أحد مشتقاته كقوله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)([12])
فان الاستنباط هو الاجتهاد المصطلح أو أعم منه
ومنها ما ورد فيه لفظ الفتوى أو أحد مشتقاتها كقوله عليه السلام Sاجْلِسْ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَ أَفْتِ النَّاسَ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يُرَى فِي شِيعَتِي مِثْلُكَR ([13])
فان الفتوى غير الرواية والنقل، بل هي ما كان عن إعمال نظر وتدبر واجتهاد، والعرف ببابك، ويؤكده قوله عليه السلام: (عَلَيْنَا إِلْقَاءُ الْأُصُولِ وَعَلَيْكُمُ التَّفْرِيعُ)([14]) فان التفريع يتوقف على الاجتهاد إذ لا يمكن لغير المجتهد معرفة كيف يفرع شيئاً من شيء خاصة بلحاظ المقيِّدات والمخصِّصات والمزاحِمات والتعارض وغير ذلك.
2- هل هذه المسألة أصولية أم فقهية أم هي من المبادئ التصديقية؟
الظاهر ان المحور الأول: (توقف الاجتهاد على الاجتهاد في مبادئ الاستنباط) هو من المبادئ التصديقية.
توضيحه: ان العلوم تتركب من مقدمة ومبادئ تصورية ومبادئ تصديقية ومبادئ احكامية([15]) ومسائل وأدلة وهوامش وخاتمة – على كلام فيها([16])
اما المبادئ التصديقية فعلى سبعة أقسام وموطن الشاهد هنا منها هو ما يفيد التصديق بوجود الموضوع أو المحمول أو التصديق بموضوعية الموضوع.
فالأول: كإثبات وجود المبدأ والمعاد، باعتبارهما موضوع علم الكلام، وكإثبات تحقق الإجماع في المسألة، صغروياً تأكيداً أو نفياً لمن يدعيه كالشيخ الطوسي مثلاً.
والثاني: كإثبات وجود (الحجة) بمعنى الكاشف في الفقه([17]) وعدم انسداد باب الحجج كما ذهب إليه صاحب القوانين.
والثالث: كإثبات ان موضوع الأصول هو (الحجة المشتركة القريبة في الفقه) لا الأدلة الأربعة بنفسها أو من حيث الدليلية... على الخلاف، أو إثبات قسيمه.
وفي المقام فان مورد البحث هو تحقق الاجتهاد في الأصول والفروع من دون الاجتهاد في مبادئ الاستنباط وعدمه، فما يفيد التصديق بتحققه فهو مبدأ تصديقي([18]).
وأما المحور الثاني والثالث: فان كونه مسألة أصولية أو فقهية تتبع كيفية عنْوَنَتِها و طرحها، فان طرحت من حيث الجواز والحرمة كانت فقهية وإن طرحت من حيث الحجية وعدمها كانت أصولية([19])
فوارق العلوم حقيقية أو فنية؟
لا يقال: فوارق العلوم حقيقية وليست مرتهنةً بالصياغة الفنية؟
إذ يقال: العلوم قسمان، فقسم تختلف فيها مسائل العلم عن العلم الآخر بالجوهر وقسم تختلف بالحيثيات واللحاظات وذلك تبعاً لاختلاف موضوعات تلك العلوم بالجوهر أو بالحيثية واللحاظ، فمن الأول فرق علم الطب عن علم الحساب ومسائلها فان علم الحساب موضوعه الكم المنفصل اي العدد وعلم الطب موضوعه بدن الإنسان.
ومن الثاني: فرق علم النحو عن الصرف فان الموضوع واحد وهو الكلمة إلا ان الاختلاف بالحيثيات.
وكذلك بعض مسائل الأصول والفقه فان الاختلاف بينها باللحاظ كما سبق مثاله([20])
ثم انه لو أخذ بلحاظ الحجية وقعت نتيجته في طريق استنباط الأحكام الفرعية الكلية، وإلا كان بنفسه حكماً كلياً. فتدبر جيداً
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) ككيفية الصلاة والصوم بخصوصياتها.
([2]) فان الطبيب مجتهد ومراجِعُه مقلد له أي متّبع، وكذا المحامي والمهندس.. الخ.
([3]) إذ حيث رآه غير موصل ردع عنه، فما لم يردع عنه فهو موصل.
([4]) الكافي ج8 ص68.
([5]) اي الساعي المجتهد سيكون مقسماً إذ سيشمل الكثير من أفراد (طالب يرجو).
([6]) الآمالي للشيخ الصدوق ص656.
([7]) نهج البلاغة ص352.
([8]) بحار الأنوار ج66 ص398 باب 38.
([9]) بعبارة أخرى: ان من مصاديق الاجتهاد اللغوي هو الاجتهاد في تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية والوظائف.
([10]) بحار الأنوار ج2 ص184.
([11]) بحار الأنوار ج2 ص183، ووسائل الشيعة ج27 ص117.
([12]) سورة النساء آية 83.
([13]) مستدرك الوسائل ج17 ص315.
([14]) وسائل الشيعة ج27 ص62.
([15]) إن لم تندرج في التصديقية كما هو المنصور.
([16]) وقد فصلنا الحديث حولها جرحاً وتعديلاً أدلة وأجوبة في كتاب (المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول) فراجع
([17]) وكونه من باب الظن الخاص لا المطلق.
([18]) لتفصيل الحديث عن كل ذلك وغيره يراجع كتاب المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول.
([19]) فقد يبحث عن ان رأي المجتهد في الفقه المقلد في المبادئ، حجة في حق المقلد أو لا فهي أصولية، بناء على تعميمها لمطلق الحجج على المجتهد والمقلد فالحجة على المجتهد الأدلة الأربعة، والحجة على المقلد رأي المجتهد ومآله إلى الأدلة الأربعة لكنه طولياً وقد يبحث عن انه يجوز للمقلد تقليد ذاك المجتهد أو لا، فالمسألة فقهية.
([20]) وكمسألة تقليد غير الأعلم أو الميت ونظائرها إذ تارة يبحث عن حجية رأي غير الأعلم والميت وأخرى عن جواز تقليدهما.
الأحد 20 محرم الحرام 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |