336- تحليل معنى قوله (عليه السلام) (افقه الناس) و (افقههما) وضابط الاعلمية ـ تحقيق حول الوضع ألتعيّني للفقه ، وحول السير التاريخي لمصطلح الأصول وان (الافقه ) الأعلم في الفقه لا الأصول ـ الأعلم في الأصول هو الأعلم في الفقه
الاثنين 5 صفر 1435هــ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
الإشكال بان الأفقه يراد به الأفهم أو يراد به المعنى المصطلح الأعم
وصفوة القول: ان الاستدلال بروايات (أنتم أفقه الناس) و(افقههما وأصدقهما) و(افقههما وأعلمهما بأحاديثنا) على كون الأفقه هو الأفقه في الفقه يواجه بإشكالين:
الأول: ان (الفقه) قد يراد به معناه اللغوي وهو الفهم فالأفقه يعني الأفهم.
الثاني: انه حتى لو فرض إرادة المعنى الأضيق وهو معناه الاصطلاحي إلا ان للفقه المصطلح إطلاقان:
احدهما: فقه الأحكام الشرعية أي ما كان موضوعه فعل المكلفين ونظائره.
وثانيها: فقه الدين وهو أعم من الفقه في أصول الدين وفروعه والتفسير والحديث والفقه بالمعنى الأخص.
وعليه: فلا يعلم ان المراد من الأفقه في الحديث هو الأفقه في علم الفقه بالمعنى الأخص وانه هو الأعرف بمعاني كلماتهم.
الجواب: أولاً: أ- قرائن على عدم إرادة الأفهم
الجواب: أولاً: لا ريب في ورود لفظ (الفقيه) وعدد من تصريفات (الفقه) في الروايات لا بمعنى مطلق الفهم بل بالمعنى المصطلح عليه – الأعم أو الأخص كما سيأتي –
ومن ذلك ما رواه علي بن أسباط عن الإمام الرضا عليه السلام((إئْتِ فَقِيهَ الْبَلَدِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَاسْتَفْتِهِ فِي أَمْرِكَ فَإِذَا أَفْتَاكَ بِشَيْءٍ فَخُذْ بِخِلَافِهِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهِ))([1])
وما في الرضوي((مَنْزِلَةُ الْفَقِيهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَمَنْزِلَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ))([2])
فانه لا ريب في عدم إرادة المعنى اللغوي إذ لا يراد ائت الفهيم أو منزلة الفهيم، كما من الواضح ان المراد بفقيه البلد ليس فهيم البلد بل الفقيه بالمعنى المصطلح الذي نعهده.
كما ان أصالة ثبات اللغة – وعدم النقل – تشهد بكون استعمال الفقيه في الفقيه بالمعنى المصطلح حقيقة لا لكونه صِرف الفهيم أو من باب كونه مصداقاً.
والظاهر من تلك الروايات الثلاثة خاصة الأخيرتان ان (افقههما) لا يراد به المعنى اللغوي خاصة بلحاظ ورودها في شأن الحكم فانه بحاجة إلى الفقه في الأحكام الشرعية وان يكون الأفقه فيها، لا مطلق الفهم ولا الفهم في عموم الدين بل فيما له مدخل في معرفة الحكم الشرعي، وهو الفقه بالمعنى الأخص.
وبذلك يظهر اندفاع الإشكال الأول، بل والثاني أيضاً.
ب- شواهد على عدم إرادة المصطلح الأعم
واما الإشكال الثاني فمندفع ظاهراً أيضاً فان ظاهر (الأفقه) هو الأفقه في علم الفقه لا علم الأصول وذلك لأن بعض مسائل علم الأصول وإن كانت موجودة زمن المعصومين عليهم الصلاة والسلام بل هم المؤسسون لها، إلا ان علم الأصول كعلم مستقل لم يكن له وجود بل كانت مسائله منتشرة في كتب الفقه وكتب الأحاديث.
ويؤكد ذلك كثرة تداول مصطلح المتكلم والفقيه والمحدِّث وغيرها ولم يرد مصطلح (الأصولي) في تلك الأزمنة
وعلى هذا فانه إذا ورد مصطلح (الأفقه) – كما ورد – فانه لا معنى لحمله على الأفقه في علم الأصول، إذ لم يكن له وجود كعلمٍ فكيف يحمل عليه؟ بل ظاهره الأفقه في علم الفقه([3]).
ومما يوضح ذلك أن علم القواعد الفقهية لم يكن موجوداً قبل الشهيد الثاني بل كانت القواعد مبثوثة في الفقه وكتب الحديث، فلو قيل حينها تعلم القواعد فانه لا يعقل انصراف اللفظة إلى القواعد الفقهية.
وحيث ان معظم الفقه هو الفقه وان احتوى على بعض مسائل الأصول حينذاك فان ظاهر (الأفقه) هو الأعرف بكل الفقه أو بمعظمه وهو نفس الفقه لا خصوص بعض مسائله الأصولية([4]) بل لو أريد به هذا الأخير لعدّ مستهجناً عرفاً لِقلَّته إن لم نقل باستهلاكه عرفاً.
ثانياً: ملاك الأعلمية هو الاعرفية بمعاني كلامهم لا بمبانيها
ثانياً: ان ظاهر بل نص كلام الإمام هو (إذا عرفتم معاني كلامنا) وليس: إذا عرفتم مباني كلامنا، والأصول هو مباني كلامهم والأدلة عليه
لا يقال: مباني كلامهم ترجع لأحاديث هي الأدلة عليها، ولتلك الأحاديث معاني فتشمل (معاني كلامنا) معاني كلامهم في الأصول كالفقه
إذ يقال: كان ينبغي على هذا ان يقال معاني مباني كلامنا([5]) والحذف خلاف الأصل، إضافة إلى بُعد إرادة (معاني كلامنا ومعاني مباني كلامنا)
إلا ان يقال بشمول معاني كلامنا للقسمين في عرض واحد، والاستبعاد إنما هو لو كان الشمول طوليا. فتأمل
سلمنا: لكن الظاهر عندئذ هو ان يكون المراد ان الأفقه هو الأفقه في معاني كلامهم في كل علمٍ علمٍ، فالأفقه في الفقه هو الأفقه بمعاني كلامهم في الفقه والأفقه في الأصول هو الأفقه بمعاني كلامهم في الأصول، ومن المستبعد جداً أن يراد من هذا الحديث إرادة ان (الأفقه في الفقه هو الأفقه في معاني كلامهم في الأصول!) فتأمل
ثالثاً: الأفهم بالأحاديث هو الأعلم لا الأفهم بالأصول
ثالثاً: سلمنا ان (الأفقه) يراد به المعنى اللغوي أي الأفهم، لكنه مما يثبت به المدعى أيضاً([6]) فانه على ذلك تكون تلك الروايات من الأدلة على تحديد ملاك الأعلم وهو (الأفقه بأحاديثهم) فهو الأعلم أي الأفهم بأحاديثهم أي الأجود فهماً لها([7]) وليس الأعلم هو الأعلم بالأصول أو الفقه فان الأصول، فيما بأيدينا، يتركب في شطر وافر منه من البحوث العقلية والاستدلالات المنطقية، وظاهر الروايات أن الأفقه هو الأفقه بأحاديثهم، سواء الفقه أم الأصول، لا الأفقه في البحوث العقلية الموجودة في الفقه والأصول، فتدبر
وعلى أي فان من الواضح ان الروايات كالآيات هي مصدر المعرفة الحقيقي، والأعلم بها هو الأقرب للإصابة.
سلمنا لكن ظاهرها أن الافقه أي الأفهم بأحاديثهم في الفقه هو الأعلم في الفقه، وان الأفقه أي الأفهم بأحاديثهم في الأصول هو الأعلم في الأصول. والله العالم
بل قد يقال: بان الأعلم في الفقه هو الأعلم في الأصول، لا العكس، وسيأتي غداً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) التهذيب ج6 ص294، وسائل الشيعة ج27 ص115.
([2]) بحار الأنوار ج75 ص346، فقه الرضا ص338.
([3]) واما احتمال إرادة الأعم فسيأتي جوابه.
([4]) بل ذلك كدعوى ان المراد الأفقه بخصوص مسائله البلاغية أو المنطقية أو الرجالية المتضمنة فيه.
([5]) أي زائداً إرادة معاني كلامنا.
([6]) ولا أقل من نفي مدعى الطرف الآخر من ان ملاك الأعلمية في الفقه هو الأعلمية في الأصول.
([7]) فتأمل إذ فرق بين الأفهم وبين الأجود فهماً إذ قد لا يفسر به وتحقيقه في محله.
الاثنين 5 صفر 1435هــ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |