355- بحث تطبيقي : وجوه عديدة للجمع بين ( عليه بدنه ، بقرة ، شاة ) على ضوء فقه المعاريض 6ـ اللازم غير البيّن ، بل واللازم البيّن بالمعنى الأعم في الجملة.
الثلاثاء 26 ربيع الأول 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
دلالة التنبيه: بحث تطبيقي:
ويمكن التمثيل لفقه المعاريض، من دائرة دلالة التنبيه، بالعديد من الروايات الفقهية وغيرها([1])
ومنها: (ما جاء في من لا يحضره الفقيه عن خالد بياع القلانس، قال: سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل أتى أهله وعليه طواف النساء، قال: عليه بدنة، ثم جاءه آخر فسأله عنها، فقال: عليه بقرة ثم جاءه آخر فسأله عنها فقال: شاة، فقلت بعدما قاموا: أصلحك الله كيف قلت عليَّ بدنة؟ فقال: أنت موسر وعليك بدنة وعلى الوسط بقرة وعلى الفقير شاة)
أقول: يستفاد من ضم كلام الإمام بعضه إلى بعض ومقارنة الأجوبة ببعضها، استناداً إلى فقه المعاريض وكونه من دلالة التنبيه، أحد أمور ووجوه، وبها يجمع بين الكثير مما يبدو تخالفاً بين الروايات.
1- القضية خارجية
الوجه الأول: ان القضية خارجية، فقد أجاب الإمام كلاً بحسب حاله وما يعرفه منه من خصوصياته المكتنفة([2]). ويلحق بهذا الوجه احتمال كون القضية – أي الحكم – ولائية أي انه من باب ولايته عليه السلام حَكَم بكذا على هذا وبغيره على ذلك، ومن أمثلته اختلاف حكمه بالتعزير
وعليه: فلا تضاد بين الأحكام، غير ان الإمام قد صرح في هذه الرواية بالوجه، ففي غير ما صرح الإمام بالوجه فيه فان اكتشفنا الوجه، بحجةٍ، فالوجه سيال معمِّم ومخصِّص، وإلا لما أمكنت التسرية إلى غير المورد.
2- كون الإمام ( عليه السلام ) في مقامي الفتيا والتعليم معاً
الوجه الثاني: ان الإمام ( عليه السلام ) كان في مقام الفتيا من جهة وفي مقام التعليم من جهة أخرى، فقد كان في مقام الفتيا لكل سائل سائل، لذا اعطاء النتيجة والحكم النهائي بحسب حاله وخصوصياته دون إيضاح الوجه أو القيود، كما انه ( عليه السلام ) من جهة أخرى كان في مقام التعليم لخالد بياع القلانس ثم لكل الفقهاء الذين تصلهم الرواية: من ان تخالف الأحكام الظاهري له وجه فابحثوا عن وجهه، ووجهه في المقام ان كل حكم منها كان محمولاً على موضوعٍ مغايرٍ بقيده للآخر، أي ان الموضوع لهذا الحكم اختلف عن موضوع ذاك لتقيُّد كل منهما بقيدٍ مغاير للآخر، ففي الأول كان الموضوع هو الموسر الذي أتى أهله وفي الثاني الموضوع وهو المتوسط الذي أتاها، وفي الثالث الموضوع هو الفقير الذي أتاها.
3- إفادة الوجوب التخييري واستحباب الأكثر
الوجه الثالث: ان يقال بان ضم بعض الأجوبة إلى بعض يفيد الوجوب التخييري مع استحباب الأكثر (أي البقرة) وتأكد استحباب الأكثر منه (كالإبل)
نعم في خصوص هذه الرواية، لا مجال لهذا الاحتمال فيها نظراً لذيلها المصرِّح بكون كلٍّ من الثلاثة لكل صنف من المكلفين، تعيينياً.
مثال عرفي
ومما يوضح أصل المطلب من دلالة التنبيه والإشارة وإفادة الاقتران مطلباً جديداً (ككون الحكم من باب القضية الخارجية أو انه كان في مقام التعليم أو الوجوب التخييري) ما لو زار جمع من الناس عالماً أو مرجع تقليد أو قائداً فقال لهم: اتركوا التجارة، أو أوصيكم بتركها، أو ترك التجارة وظيفة ثم زاره جمع آخر فقال لهم: عليكم بالتجارة، أو التجارة وظيفة لازمة.
فانه يعلم من ضم الكلامين انه لاحظ خصوصيات مجموعتي السائلين وان الأوائل كانوا مثلاً غير مؤهلين للتجارة أو كانت البلاد بحاجة إلى خبرويتهم العلمية أكثر من عطائهم التجاري، وكان الفريق الثاني بالعكس تماماً.
ضرورة الإحاطة بمجمل الآيات والروايات وبالتأريخ لمعرفة المعاريض
لكن ذلك كما هو واضح بحاجة إلى الإحاطة بالكلامين من جهة وبظروف المخاطبين والمكتنفات من جهة أخرى وإلا لاضطررنا إلى طرح الخبرين أو التوقف أو التخيير([3])، على المباني.
والأمر في الروايات كذلك، ومن هنا تـتأكد مرة أخرى أهمية فقه المعاريض وضرورة ان يحيط الفقيه 1- بكل الروايات والآيات، لأن بعضها يصلح قرينة على المراد من معاريض البعض الآخر كما كان صالحاً، في المنطوق والمفهوم، للتقييد والتخصيص والحكومة والورود.. الخ
2- ومن جهة أخرى: عليه ان يحيط بكل ما يحتمل مدخليته في تحول القضية من حقيقية إلى خارجية أو كونها تعليماً أو فتوى، أو كونها تورية أو تقية أو كونها من باب الولاية:
وذلك: كخصوصيات السائل ومستوى فهمه وظروفه من تقية أو كونه قد تشيّع حديثاً فلا يمكن إظهار كل الحقائق له دفعة واحدة ولا بد من التدرج.
وكشأن النزول فإن المورد وإن كان لا يخصص الوارد إلا انه قد يوجب الانصراف في بعض الصور.
وكظروف الإمام ( عليه السلام ) بنفسه
وكوضع الشيعة بشكل عام ووضع السلطات ووضع علماء أهل الخلاف ووضع عامتهم... إلى غير ذلك
والحاصل: انه – وكما سبق في المبادئ – ان علم التاريخ يُعَدُّ في الجملة من مبادئ الاستنباط إذ به، وبملاحظة مجمل الروايات تعلم معاريض الكلام وإشاراتها الخفية.
6- من المعاريض: دلالة الشيء على اللازم غير البين([4])
ان اللازم إما بيّن بالمعنى الأخص أو بيّن بالمعنى الأعم أو غير بيّن:
فالأول: ما يكفي فيه تصور الملزوم للانتقال إلى لازمه.
والثاني: ما لا يكفي ذلك بل يلزم تصور الملزوم واللازم والملازمة – أي النسبة بينهما – للانتقال إلى الحكم.
والثالث: ما لا يكفي ذلك كله بل لا بد من توسيط البرهان أيضاً. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) مثل (الكلامية) وسيأتي التمثيل له في البحث القادم بإذن الله.
([2]) ولا فرق في هذه الجهة بين كون العلم بحاله وخصوصياته المكتنفة، بعلم غيبي أم بعلم عادي.
([3]) المراد بالتخيير هنا الأصولي والمراد بالتخيير في الوجه الثالث التخيير الفقهي. فتدبر
([4]) بل والبين بالمعنى الأعم في الجملة كما سيأتي.
الثلاثاء 26 ربيع الأول 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |