363- 4ــ فقه رواية ( لانعدّ الرجل فقيهاً عالماً يعرف لحن القول ) انواع ( اللحن ) السته 5ــ ( خبر تدريه خير من عشرة ترويه ) ووجه اختلاف ( عشرة ) عن (الف) 6ــ ( ان لكل حق حقيقة ) معنى الحقيقة الاول
الاثنين 10 ربيع الآخر 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
منتخب من روايات المعاريض
قوله ( عليه السلام ) (والله انا لا نعد الرجل فقيهاً حتى يُلحن له فيعرف اللحن)
فقد روى في كشف المحجة (يَا أَبَا عُبَيْدَةَ إِنَّا لَا نَعُدُّ الرَّجُلَ فَقِيهاً حَتَّى يَعْرِفَ لَحْنَ الْقَوْلِ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْل))([1])
وجاء في كتاب التوحيد للصدوق (بسنده عن أبي عبيدة عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال لي يا أبا عبيدة خالقوا الناس بأخلاقهم و زايلوهم بأعمالهم، إنا لا نعد الرجل فينا عاقلا حتى يعرف لحن القول ثم قرأ هذه الآية (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْل) )([2])
كما روى النعماني في الغيبة (خَبَرٌ تَدْرِيهِ خَيْرٌ مِنْ عَشَرَةٍ تَرْوِيهِ إِنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً وَ لِكُلِّ صَوَابٍ نُوراً ثُمَّ قَالَ إِنَّا وَ اللَّهِ لَا نَعُدُّ الرَّجُلَ مِنْ شِيعَتِنَا فَقِيهاً حَتَّى يُلْحَنَ لَهُ فَيَعْرِفَ اللَّحْنَ)([3])
(اللحن) على ستة أقسام
قال السيد المرتضى: (اللحن إشارات للاغراض وتلويحات للمعاني)
أقول: الظاهر ان اللحن يشمل أنواعاً ستة ذكر منها المرتضى قسمين، وهي:
1- الإشارات للاغراض، إذ قد يذكر أمراً لا يقصده بما هو هو([4]) بل بما هو مشير للغرض منه والغاية([5])
2- التلويحات للمعاني، والتلويح هو الإشارة للشيء من بعيد، ومن المعاني: البطون
3- الإشارة للعلل والأسباب من علل تامة أو ناقصة مُعِدّة أو غيرها([6])
4- الإشارة للمقارِنات، والتي هي في عرض الكلام والتي لا يُتوصَّل إليها بالاستعمال بل بالانتقال – كما سبق تفصيله
5- (التجوُّز) فان مطلق المجاز هو من أنواع اللحن إذ (اللحن) الميل وإن فسره بعضهم بخصوص هذا المعنى الأخير([7]) فقال (اللحن في القول: ان تميله إلى تجوّز ليفطن له صاحبك)([8]) لكن الظاهر انه، كتفسير المرتضى، مجرد تفسير بالمصداق.
6- الخطأ والغلط، فلو قال كلاماً غير مطابق للواقع فهو غلط، ولو انه قصد به امتحان السامع لكان مصداق هذه الرواية.
وقد فسرّ بعض الفقهاء هذه الروايات، بهذا القسم الأخير وان مقياس الفقاهة هو ان يُلحن له أي ان تذكر له المسألة بنحو خاطئ فان عرف وجه الخطأ فهو فقيه.
لكن يرد عليه 1- ان حصر (اللحن) في الرواية الذي عدّه ( عليه السلام ) مقياس الفقاهة، في السادس، لا وجه له بل الظاهر شموله للأقسام الستة
2- ان هذا السادس نادر، إذ يندر([9]) - لو فرض وجوده – ان يتكلم الإمام ( عليه السلام ) بكلام خاطئ لمجرد ان يمتحن السامع أو يبين منزلته.
نعم موارد التقية كثيرة وكذا التورية، لكن الغرض منها ليس ما ذكر.
بل ليسا هما من الغلط والخطأ. فتأمل([10])
وعلى أي فان المراد بهذا الأخير: ان الفقيه هو من بيده المرجعيات والقواعد والأصول بحيث إذا ذكروا له مسألة خاطئة – سهواً أو عمداً – أمكنه معرفة اللحن والخطأ بالرجوع إلى تلك الأصول والقواعد
قوله ( عليه السلام ) (خبر تدريه خير من عشرة ترويه)
أقول: جاء في رواية أخرى (خير من ألف ترويه)
وجه اختلاف التعبير بـ(عشرة) و(ألف)
وللاختلاف هذا محامل:
1- ان يحمل عشرة وألف على الكنائية عن الكثرة، لا الحد
لكن فيه ان كلّاً منهما وإن كان كناية عن الكثرة ولكن للكثرة درجات ولكل مرتبة منها لفظ ومصطلح لا يصح تجاوزه
فمثلاً: السبعة تقال لكثرة العشرات والسبعين تقال لكثرة المئات، ولا يصح استعمال السبعة لكثرة المئات أو الألوف. وكذا العشرة والألف.
2- ان سبب الاختلاف هو اختلاف مضمون الروايات من حيث أهميتها، فان دراية الرواية الواردة في الأصول أهم من دراية الرواية الواردة في الفروع، ثم ان هذه أهم من الواردة في الأحكام وهذه أهم من الواردة في الاخلاقيات، بل هذه الأربعة أيضاً لها في داخلها مراتب.
3- ان سببه هو اختلاف درجة الدراية فان دراية مثل الشيخ الانصاري لفقه الحديث لا تقاس بدراية الذي بدأ بدراسة المكاسب ودراية هذا لا تقاس بدراية من يدرس الرسالة العملية، لو عرضت على كل منهم رواية.
قوله ( عليه السلام ) (ان لكل حقٍ حقيقةً)
محتملات معنى (الحقيقة)
والمحتمل في معنى (الحقيقة)
1- ان المراد بها جوهر الشيء ولُبّه، ولنمثل لذلك بمثالين كلامي وفقهي:
اما الكلامي فهو ان حقيقة الصلاة هي التسليم لله تعالى والإطاعة له، وعليه فلا ينبغي ان تُستغرب الروايات التي تُنيط وترهن وتعلِّق قبول الصلاة على الإذعان والاعتقاد بولاية أمير المؤمنين ( عليه السلام )، إذ هي كتعليق قبولها على الإذعان برسالة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) إذ هل لأحد ان يقول بصحة الصلاة من دون الإذعان بالرسول ( صلى الله عليه وآله وسلّم )؟ فكذلك الإيمان بالولاية وقد قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وأهمّ ما شجر بيننا وبين العامة هو كون علي عليه الصلاة والسلام الإمام والخليفة الأول على الإطلاق.
والحاصل: ان (الصلاة) حق، واما حقيقتها فهي التسليم
واما الفقهي فهو: ان (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) حق إذ ليس ذلك بباطل قطعاً، لكن ما هي حقيقته؟ هذا هو مسرح البحث المعمق والمطول بين الفقهاء، إذ قيل انه نهي تشريعي (وعليه فهذا هو حقيقته) وقيل انه حكم ولائي وقيل انه نفي للحكم بلسان نفي موضوعه.. وهكذا... وللحديث صلة وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) وسائل الشيعة ج16 ص202 وبحار الأنوار ج2 ص137.
([2]) التوحيد ص458.
([3]) مستدرك الوسائل ج17 ص344 وبحار الأنوار ج2 ص208.
([4]) أو يقصده عرضاً
([5]) فقد يقول مثلاً لابنه: سآتي إلى إدارة مدرستك كل أسبوع مشيراً إلى انه يريد بذلك الاطمئنان على حسن سلوكه مع الأساتذة والطلاب، فقد أشار إلى الغاية من مجيئه بذلك التعبير
([6]) فقد يشير إلى (مدمن) مطروح في الشارع بقوله (انظر إلى هذا) قاصداً إلفات ولده إلى ان سبب حالته المزرية هذه هي إدمانه للمخدرات.
([7]) أي الخامس.
([8]) الظاهر ان مراده شمول اللحن للتورية والتعريض أيضاً.
([9]) ذكر أحد الطلاب الكرام ان من ذلك سؤال الإمام الجواد من يحيى بن أكثم (أفي ليل كان أم في نهار) مع انه لا فرق في الكفارة بينهما، فالغرض إيقاع السائل في الغلط بتوهم الفرق بينهما كي يظهر جهله، أقول: هذا وإن صح إلا انه لا يصلح مثالاً للسادس إذ السادس هو ان يقول كلاماً أي خبراً غلطاً، وما ذكر في الرواية إنشاء إذ هو استفهام وليس إخباراً ليكون غلطاً أو خطأ، ويمكن الجواب: بان صدق الخطأ والغلط بلحاظ اللازم. فتدبر
([10]) لوجوه منها شمول إطلاق كلام الإمام ( عليه السلام ) للتقية والتورية، والتقييد بغرض امتحان السائل لا وجه له، خاصة في (لحن القول...) وان أمكن القول به في (يلحن له)
الاثنين 10 ربيع الآخر 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |