412- تتمة وتفصيل للاشكال الثاني ثالثاً : لافرق بين خبر الثقة وقول المجتهد في النفوذ وعدم النفوذ على الآخر ( وان كان مجتهداً ) وبيان ذلك
السبت 10 رجب 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
سبق الجواب عن دعوى ان الأخذ بقول المجتهد فيما لو أخبر عن الموضوعات حسياً إنما هو من باب حجية خبر الثقة في الموضوعات الخارجية، لا من باب التقليد.
كما سبق الجواب: أولاً بانه من باب التقليد؛ لصدقه عليه لغةً وعرفاً وشرعاً.
وثانياً: ان أدلة التقليد تشمله وإن لم يشمله فرضاً عنوانه([1])
ونضيف: انه لا شك في صدق قوله تعالى: (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) على من جاءوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في المدينة فسمعوا منه الأحكام مباشرةً أو من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أو سائر من نصبهم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لتعليم طوائف النافرين، رغم كون معرفتهم بها عن حس وعدم إعمالهم ملكة الاجتهاد غالباً، إذ كان حالهم كحال مقلدي المراجع في هذا الزمن في أخذهم الأحكام منهم، بل لعل ذلك كان هو الأغلب بل الغالب، فكيف يُدَّعى عدم صدق التفقه إلا بالحدس والاستنباط وإعمال الملكة؟
كما يصدق قوله عليه السلام ((الْفَقِيهُ كُلُّ الْفَقِيهِ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَ لَمْ يُؤْيِسْهُمْ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وَ لَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ))([2]) مع وضوح ان ذلك لا ربط له بجهة إعمال الحدس والاستنباط، إذ ظاهره ان مقياس الفقاهة الحقيقية هو ذلك([3]). فتأمل.
ج- ومن أدلته (فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي)
كما يصدق قول الإمام الهادي ( عليه السلام ) في صحيحة أحمد بن إسحاق ((الْعَمْرِيُّ ثِقَتِي فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي وَ مَا قَالَ لَكَ عَنِّي فَعَنِّي يَقُولُ فَاسْمَعْ لَهُ وَ أَطِعْ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ))([4]).
إذ يشمل ((فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي...)) إخباره الحسي عن الإمام ( عليه السلام ) بانه سمع منه مثلاً أن فلاناً مرتدٌّ أو واقفيٌّ أو ان السمك الكذائي له فَلْس أو لا، كما يشمل إخباره عنه ( عليه السلام ) بان المرتد حكمه كذا، بل شموله لإخباره وأدائه الحسي عن الإمام أظهر (ولا أقل أكثر وجوداً وتحققاً) من شموله لأدائه الحدسي عن الإمام ( عليه السلام )([5]).
د – ومن أدلته (واما الحوادث الواقعة)
وكذلك قوله ( عليه السلام ) ((وَأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَ أَنَا حُجَّةُ اللَّهِ وَ أَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَمْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَ عَنْ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ فَإِنَّهُ ثِقَتِي وَ كِتَابُهُ كِتَابِي))([6]) فانها لو استدل بها([7]) على الوقائع الحكمية (ككون العشر رضعات محرمة) لكان الاستدلال بها على الوقائع الموضوعية (ككون هذه قد ارتضعت معه عشر رضعات) أولى لظهور (الحوادث) في الموضوعات عرفاً أو اظهريتها وسبقها منها من غير نفي الشمول للأحكام، وتحقيقه موكول لمظانه.
هـ - ومن أدلته بناء العقلاء
هذا كله إضافة إلى ان بناء العقلاء - وهو عمدة أدلة التقليد – على صحة التقليد، بمعنى إتباع الغير دون المطالبة بالدليل، للمخبر والمفتي على حد سواء، أي سواءاً أخبر عن حس أم أفتى عن حدس فانه يجوز تقليده أي إتباعه – لو جمع الشرائط – دون الرجوع إلى أدلته وسؤاله عنها والتثبت منها.
3- وزان قول المفتي كوزان خبر الثقة في وجوب الأخذ حيناً وعدمه حيناً
ثالثاً: ان كلّاً من الأخذ بخبر الثقة والعمل برأي المجتهد أي الجري على طبقهما وترتيب الأثر عليهما، واجب تخييري إذا أمكن ان يستخبر الحال([8]) أو يتفقّه([9]) وإلا فواجب تعييني الأخذ به.
بعبارة أخرى: انه لو إنسد الباب على المخبر والمستفتي بان لم يمكنه بنفسه الاستخبار من طريق آخر أو الرجوع لثالث، أو الاجتهاد والاستنباط بنفسه أو بالرجوع لثالث، فانه يجب عليه تعييناً الأخذ بخبره أو فتواه، ولا يجوز له الرجوع إلى الأصول العملية.
واما لو انفتح عليه الباب بان أمكنه أن يجتهد بنفسه في المسألة التي أفتى بها غيره([10]) أو أمكنه ان يستخبر بنفسه([11]) حال الموضوع الذي أخبره عنه غيره، فانه يخير حينئذٍ بين ان يأخذ بقول الأول([12]) وخبر الثاني([13]) أو ان يجتهد ويستخبر، فلو أخبره بان هذا المائع ماء مطلق طاهر فله ان يعمل على طبقه فيتوضأ به وله ان يفحص فإن وصل إلى انه مضاف نجس لم يصح له التوضئ به، وكذلك لو افتى المجتهد بان العشر رضعات محرمة فله ان يجتهد ويستنبط – إن كان قادراً وهوا المفروض – وله ان يستند إليه بان لا يُعمل ملكته إذ انه وإن كان ذا ملكة إلا انه – حسب مفروض الكلام - جاهل بالفعل فجاز له الرجوع إليه لصدق رجوع الجاهل بالفعل إلى العالم، عليه بالحمل الشائع الصناعي حقيقيةً.
الخلاصة: اختلال طرفي القياس
والحاصل: ان طرفي القياس – في كلامه – غير متوازنين، فقد جعل الموازنة بين خبر الثقة الذي لم يعارضه خبر ثقة آخر ولم يكن له بالفعل حس على الخلاف([14]) (فوجب قبوله حتى على المجتهد الآخر) وبين فتوى المجتهد الذي كان للمجتهد الآخر فتوى بالخلاف، أو ملكته (فلم يجب على الآخر – المجتهد – قبول فتواه).
وبعبارة أخرى:
ان النسبة بين الطرفين يجب ان تكون مع أخذ القيود والشروط بنفسها في كل منهما وحينئذٍ يقال: الفرق بينهما كذا والثمرة كذا، دون ما لو لوحظ أحدهما مع شرط أو قيد ولوحظ الآخر بدونه فانه لا يصح أن يقال: ان العنوانين مختلفان من حيث الثمرة لاختلافهما في الفرضين، إذ يقال: ليس ذلك أولى من العكس، ويقال: أنهما لو اتحدا في القيود فالثمرة واحدة، ولو فقداها فكذلك، ولو وجدها أحدهما فله ترتيب الأثر دون الآخر والعكس كذلك تماماً.
وفي المقام: خبر الثقة غير المعارَض بخبر آخر ولا بعلمه هو، حجة، أما لو عورض بخبر غيره فليس بحجة فيتساقطان على المشهور أو هو حجة تخييرية على المنصور، أما لو عورض بحسه فلكونه عالماً فحسه هو النافذ بحقه.
وكذلك – تماماً - فتوى المجتهد غير المعارضة بفتوى آخر – مكافئ له ومساوٍ – أو بفتواه هو، حجة، اما لو عورضت بفتوى آخر فليست بحجة على الثالث بل يتساقطان على المشهور ويتخير على المنصور، اما لو عورضت بفتواه هو فلكونه عالماً([15]) فنظره نافذ بحقه هو لا غير. وللحديث صلة مكمّلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) أي عنوان التقليد.
([2]) بحار الأنوار ج2 ص56.
([3]) ولا يحتمل ان اطلاق الفقيه عليه بهذا اللحاظ، مسامحة وبعناية.
([4]) الكافي ج1 ص329.
([5]) أي لو حدس اجتهاداً ان حكم الإمام وقوله كذا فأخبر عنه.
([6]) وسائل الشيعة ج27 ص140.
([7]) إذ قد يقال بظهورها في الشؤون العامة، لكن لعل الأظهر شمولها للثلاثة: العامة والأحكام والموضوعات الشخصية كما فصلناه في (شورى الفقهاء دراسة فقهية - أصولية)
([8]) في الثقة.
([9]) في المجتهد.
([10]) أو يرجع لثالث.
([11]) أو يرجع لثالث.
([12]) في الفتوى.
([13]) في خبر الثقة.
([14]) أو قدرة على إعمال الحس بأفضل من الآخر كما لو كان أدق في الحسيات من المخبر واحتمل خطأه عقلائياً.
([15]) أو هو بمنزلته
السبت 10 رجب 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |