||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 293- الفوائد الأصولية (الحكومة (3))

 449- فائدة في علم الحديث: حال التراث الروائي في كتاب بحار الأنوار

 30- قال تعالى: (يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (البقيع) الجرح النازف

 88- من فقه الآيات: بحث عن قوله تعالى: ( لا إكراه في الدين )

 175- مباحث الأصول: (مبحث الأمر والنهي) (4)

 المبادئ التصورية و التصديقية لعلم الفقه و الاصول

 362- الفوائد الاصولية: الصحيح والأعم (5)

 141- من فقه الحديث: قوله(عليه السلام): ((ما أمرناك ولا أمرناه إلا بأمر وسعنا ووسعكم الأخذ به))

 284- فائدة صرفية: المراد من الأصل الغلبة لا الحقيقة

 450- فائدة فقهية: دلالة السيرة على صحة معاملة الصبي الراشد بإذن وليه



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 161- مفردات ومصاديق مبادئ الاستنباط (8): علم الاديان الفقهي والاصولي المقارن



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23594017

  • التاريخ : 19/03/2024 - 09:57

 
 
  • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .

        • الموضوع : 167- احياء (شهر الغدير) .

167- احياء (شهر الغدير)
الأربعاء 3 ذي الحجة 1434هـ





 بسم الله الرحمن الرحيم 

 
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولاحول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم. 
 
آية الولاية وإحياء شهر الغدير 
 
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ )([1]) 
 
لقد تحدث عن هذه الآية الشريفة وكتب عنها فقهاؤنا ومتكلمونا ومفسرونا الأبرار بالمئات من الصفحات بل الألوف منها، ولكن ومع ذلك فان هناك بحوثاً كثيرة أخرى يمكن أن تطرح وتبحث وان تستقى من هذه الآية الكريمة ويستضاء بها، والمجال مفسوح ومفتوح للمئات أو الألوف من الصفحات الأخرى؛ وذلك لأن القرآن الكريم بحر لايدرك غوره ولا يُنال ساحله، أي انه لا يدرك عمقه وليس له ساحل تنتهي إليه معارفه. 
 
وسنطرح في هذه العجالة بعض الحقائق الآخرى الهامة التي يمكن أن يبحث فيها على ضوء هذه الآية القرآنية الكريمة. 
 
هل الأوصاف في الآية مميزِّات أو معلِّلات؟ 
 
الحقيقة الأولى: الأوصاف في الآية مميِّزات أم معلِّلات؟ 
 
هل هذه الصفات المذكورة في الآية الشريفة هي مميزات أم هي معللات؟ والصفات هي (وَالَّذِينَ آمَنُوا) و(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) و(وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)، فهل هذه الصفات، ممِّيزات، من التمييز والتشخيص والتحديد، أم هي معللات، من التعليل؟. 
 
يعني: هل ذكرت هذه الصفات لتمييز الشخص وهو الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه صلوات المصلين ولتحديدة بلحاظ شأن النزول والعشرات من الروايات المُسلَّمة التي لا شك فيها لدى الفريقين في أنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه صلوات المصلين؟ 
 
فهل هذه الصفات ذُكرت للتمييز أو ذكرت للتميُّز أي للتعليل؟ أي باعتبار كونها علة جعله صلوات الله عليه ولياً؟ 
 
ويتضح ذلك بملاحظة الأمرين السابقين في الآية: فـ: لمَ وليكم رسول الله؟ الجواب: لأنه رسول الله وهذه علة وافية لولايته ولزوم إطاعته صلوات الله وسلامه عليه، إذن هذه الصفة علة وكذلك من قبل: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ) لأنه الذات المقدسة الجامعة لجميع الصفات العليا والأسماء الحسنى والخالق المألوه إليه. (وَرَسُولُهُ) لأنه رسول الله. 
 
حسنا، علي صلوات الله عليه لمَ هو الولي؟ لأنه (الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) 
 
وللتوضيح بالمثال: تارة تقول: أكرِم زيدا الطويل، فالطويل لتمييزه عن غيره لا للتعليل، إذ لا مدخلية لطوله من وجهة نظرك في حسن إكرامه، فإذن (الطويل) مميز ومحدد للشخص من بين عدة أشخاص سُمّوا بزيد. 
 
وتارة أخرى تقول: أكرم زيدا العالم، فانك تريد أن تشير بذلك إلى أن جهة إيجاب إكرامه هي كونه عالما. 
 
وهنا ايتنا الشريفة ما الذي تريد أن تقوله؟ هل تريد أن تعطينا صفات هي مميزات؟ أم صفات هي معلِّلات للحكم والتشريع الذي هو جعل الولاية؟ 
 
((وَالَّذِينَ آمَنُوا...) مميِّز ومعلِّل) 
 
نقول: في بادئ النظر كلاهما محتمل، لكن لدى التدقيق فان المنصور هو أن كلتا الجهتين قد لوحظتا في الآية الشريفة، يعني: ان هذه الاوصاف ذكرت كمميزات وكمعللات أيضا، وبذلك ندفع إشكالين متوهمين يرد أحدهما على ما لو انتخبنا الشق الأول (أنها مميزات)، ويرد ثانيهما على ما لو انتخبنا الشق الثاني (انها معللات). 
 
فلو قلنا بأنها مميزات، أي لتحديد الشخص، فقد يُستشكل بأنه كان الأولى أن يذكر الله صفة أدق وأوضح في التمييز، كأن يقول (إنما وليكم الله ورسوله وابن عمه) مثلا فهذا أوضح من الصفات التي ذكرت في التمييز. 
 
أما لو قلنا بأنها معللات فقط فقد يُشكل بأن العلة معممة ومخصصة، إذن الآخرون أيضا لو تحلوا بهذه الصفات لكانوا أولياء، لان الآية تقول (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) وهي صيغة الجمع ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)، وقد جاء في تفسير الصافي الشريف -: عن عمر ابن الخطاب أنه قال: والله لقد تصدقت بأربعين خاتما وأنا راكع، لينزل فيّ ما نزل في علي بن أبي طالب فما نزل!! فهل توهم انها معللات أم ماذا؟!. 
 
والحاصل: انه لو قلنا بأنها معلِّلات فقد يُتوهم بأن هذه – يعني: التصدق بالخاتم أو غيره في حالة الركوع - علة جعل الله الولاية له، كما توهم هذا الشخص أو غيره. 
 
اما إذا قلنا بأنها مميزات ومعللات معاً ـ وهنا تكمن الروعة القرآنية ـ حيث أن الله ذكر مميزا إلا انه في نفس الوقت معلل: 
 
فقد جمع الله سبحانه وتعالى بين الصفتين، فلو قال (وابن عمه) كانت مميزة، لكنها لم تكن معلّلة أي لم توضح لنا لماذا، لكن حيث أنه ذكر هذه الصفات فهو مميز لتواتر شأن النزول، ومعلِّل في الوقت نفسه. 
 
علة جعل الولاية: أعلى درجات تلك الصفات وليس مطلقها 
 
ونضيف جوابا آخر: وهو أن العلة ليست هي ما يظهر لعامة النـــاس ـ ومنهم هذا الرجل ـ من الآية، بل العلة هي درجة خاصة سامية من الإيمان لا يرقى إليها عقل البشر، اذ ليس مطلق الإيمان علة للولاية المجعولة من الله سبحانه وتعالى، (وَالَّذِينَ آمَنُوا) ولكن أي إيمان؟ انه قِمّةُ قمةِ القمةِ، (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) أية إقامة للصلاة؟ (وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) أي إيتاء للزكاة ؟ وأي إخلاص وخلوص نية تحلى به أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام وبأية كيفية؟ 
 
ولهذا البحث له عرض عريض وله تفصيل، لكن نكتفي بصرِف الإشارة إلى جانب كيفي وكمي: 
 
اما الجانب الكيفي فهو الاخلاص الذي لا يصل إليه أحد، أي: ان درجة خلوص علي (عليه السلام) في ما علمه الله منه ومن أنبياءه وأوصيائهم حيث انتخبهم، هي في قمة قمة القمة كما لا تشوبها شائبة من حب شهرة أو رياسة أو انانية أو ما أشبه ذلك، إذن هذه المرتبة العليا هي العلة وليس مطلق حالة الإيمان أو أقام الصلاة وإيتاء الزكاة. 
 
اما الجانب الكمي: فقد سبق أن ذكرنا أن المستظهر هذه الآية الشريفة نزلت أكثر من مرة، وأن تصدّق أمير المؤمنين عليه الصلاة وأزكى السلام تكرر عدة مرات، منها: تصدُّقُهُ بالخاتم، اكثر من مرة 
 
ومنها: تصدقه بالكساء، اذ وردفي الرواية أن أمير المؤمنين عليه الصلاة وأزكى السلام كان عليه كساء ثمين جدا قيمته ألف دينار، وقد تصدّق به على ذلك الفقير، وكان هذا الكساء قد أهداه النجاشي ملك الحبشة للرسول الاكرم صلى الله عليه وآله فأهداه الرسول للأمير صلوات الله وسلامه عليهما.([2]) 
 
وألف دينار ثروة هائلة في ذلك الزمن؛ لأنه على حسب رواية عروة البارقي([3]) كانت القوة الشرائية للدينار، هي شاتين أي كان يمكن شراء شاتين بدينار. 
 
ومعنى ذلك ان ألف دينار تعادل ألفي شاة، فاذا فرضنا أن قيمة الشاة 200 دولاراً، وضربنا 2000 شاة ×200 دولار =400,000 دولار أي كانت قيمة هذا الكساء أربعمائة ألف دولار! وهو ما يعادل حوالي 480 مليون دينار عراقي!! 
 
فمن يتصدق الان لشخص مجهول بهذا المبلغ؟ إضافة إلى انه لم تكن للأمير صلوات الله عليه ثروات أخرى إذ انه كان يهب أي شيء يحصل عليه في الوقت نفسه!. 
 
بل أقول على حسب تحقيق للعبد الفقير فان الشاة كانت تشترى بدرهم أيضا في بعض الفترات، وعلى هذا فان القيمة سترتفع إلى حوالي مليوني دولار. 
 
اذن نقول: الظاهر المستظهر أن هذه الصفات المذكورة في الآية الشريفة هي مميزات وهي معللات في الوقت نفسه. 
 
وهناك بعض الحقائق العلمية الدقيقة الأخرى التي كنت قد سجلتها ولكن يبدو أن الوقت لا يسمح بأن نستمر في سردها فلنؤجلها للأسبوع القادم إن شاء الله. 
 
الانقياد والاستجابة لله تعالى في إحياء ذكرى الغدير 
 
ان هذه الآية الكريمة تعد من أوضح الأدلة على النصب الإلهي المباشر لأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وليا على المسلمين، كما انها من الواضح أيضاً ان وظيفتنا هي: الإنقياد والاستجابة، ومن طرق الانقياد والاستجابة إحياء ذكرى الغدير، اذ ان الكثير منا قد لا يعايش ذكرى الغدير ونصب الأمير، ليل نهار، وإنما هي ذكرى مركومة في زاوية من زوايا الذهن وفي جانب من جوانب السنة، ففي السنة في يوم واحد تجد الكثير منا يتذكر هذه الحادثة، ويتذكر نزول هذه الآية الشريفة بعد تصدق الإمام عليه السلام بالخاتم والذي كان في شهر ذي الحجة ايضا في اليوم الرابع والعشرين منه. 
 
ان علينا أن نعيش ذكرى الغدير: أي أن نعيشها آناء الليل وأطراف النهار، ولنضرب مثالاً للتقريب للذهن: 
 
فان بعض الناس تجد ان العلاقة بينه وبين والديه هي علاقة عادية وقد يزورهما باليوم مرة أو بالشهر مرة إذا كان في بلد آخر، لكن بعض الأبناء تجدهم يحيون أجواء والديهم، فتجده في مختلف ساعات النهار يعيش معهم أو يكون بذكرهم وذكراهم وبخدمتهم، والفرق بينهما كبير جدا. 
 
واما نحن وأولياء أمرنا، فما هي علاقتنا بهم؟ هل هي العلاقة التي ينبغي أن تكون بين الشخص وبين من نصبهم الله سبحانه وتعالى عليه أولياء في كل الأبعاد وفي كل الجهات: فكرا، عملا، سلوكا، قولا، حتى نيةً، او ليس الأمر كذلك؟ 
 
ان علينا أن نعيش ذكرى الغدير بقلوبنا وأفكارنا وجوارحنا، وعلينا ان نحيا شعيرة نصب وتعيين أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه خليفة ووصيا وأميرا على البشرية على مر التاريخ، علينا أن نحيا مبادئ الغدير، وأن نحيا القيم التي تجسدت بأكملها في وصي رسول الله صلوات الله عليهما، وان نلهج بذكره دوماً وأبداً. 
 
وعلى ضوء ذلك هناك بعض الإقتراحات المفصلية: في هذا الحقل والتي تشكل احدى ملامح الانقياد والاستجابة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ...) 
 
شهر الغدير 
 
1- الاقتراح الأول: وهو أن نُحيِي الغدير بشهر الغدير، ذلك اننا نحيي الغدير في يوم الغدير لكن المقترح أن يكون شهر ذي الحجة بأكمله هو شهر أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: أن نحيي فيه أقواله وحكَمه، نحيي في هذا الشهر جهاد أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وسيرته، نحيي في هذا الشهر الحكم الرشيد وأسسه، وأن نحيي في هذا الشهر نهج البلاغة، ان نحيي في هذا الشهر يوم المباهلة، وهكذا. 
 
والذي يؤكد ذلك أن هذا الشهر متميز بين الشهور بكثرة المناسبات التي احتضنها والتي ترتبط مباشرة بأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه. 
 
المناسبات الخالدة في ذي الحجة 
 
* أول يوم من أيام ذي الحج، على رواية، هو يوم زواج أمير المؤمنين ومولى الموحدين عليه صلوات المصلين بالصديقة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، وفي رواية أخرى كان ذلك في اليوم السادس. 
 
اليوم الثالث: هو يوم أخذ أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه الحكم من رسول الله صلى الله عليه وآله لإبلاغ سورة (براءة) للمشركين، حيث أخذها من أبي بكر بأمر من رسول الله، إذ حوّلها الرسول إلى أمير المؤمنين عليه الصلاة وأزكى السلام. وفي رواية أخرى كان ذلك في اليوم الأول([4]). 
 
اليوم التاسع من ذي الحجة: هو يوم غلق الأبواب([5]) وسدِّها إلا باب الامير صلوات الله تعالى عليه، وهذه ميزة وأية ميزة. 
 
اليوم العاشر من ذي الحجة نجده على حسب بعض الروايات هو اليوم الذي باشر فيه أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه إبلاغ سورة (براءة) للناس في العام التاسع للهجرة. 
 
وذلك يعني انه عليه السلام استلم الحكم في اليوم الثالث ثم سافر وانشغل بالإبلاغ في أيام التشريق، وقيل من يوم عرفة، يعني التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر. 
 
"فإن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لما توجه لفتح مكة أحب أن يعذر إليهم و يدعوهم إلى الله عز و جل آخرا كما دعاهم أولا فكتب إليهم كتابا يحذرهم فيه و ينذرهم عذاب الله و يعدهم الصفح و يمنيهم مغفرة ربهم و نسخ لهم في آخره سورة براءة ليقرأها عليهم ثم عرض على جميع أصحابه المضي به فكلهم يرى التثاقل فيه فلما رأى ذلك ندب منهم رجلا فوجهه به فأتاه جبرئيل فقال يا محمد لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك فأنبأني رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بذلك و وجهني بكتابه و رسالته إلى أهل مكة فأتيت مكة و أهلها من قد عرفتم ليس منهم أحد إلا و لو قدر أن يضع على كل جبل مني إربا لفعل و لو أن يبذل في ذلك نفسه و أهله و ولده و ماله فبلغتهم رسالة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)و قرأت عليهم كتابه فكلهم يلقاني بالتهدد و الوعيد و يبدي لي البغضاء و يظهر الشحناء من رجالهم و نسائهم فكان مني في ذلك ما قد رأيتم..."([6]) ([7]) 
 
اليوم الحادي عشر من ذي الحجة: هو يوم كتابة أمير المؤمنين عليه صلوات المصلين دعاء الصباح، كتبه في العام الخامس والعشيرة للهجرة وهو الدعاء الذي اصله من إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) حفظا، لامير المؤمنين صلوات الله تعالى عليه، لكن الكتابة الظاهرية كانت في العام الخامس والعشرين. وهو الدعاء الرائع والفريد في بابه والذي ينبغي ان نقرأه طوال السنة([8]). 
 
واليوم الرابع عشر من شهر ذي الحجة كان يوم هبة رسول الله صلى الله عليه وآله فدكا لفاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، وقيل في الخامس عشر من شهر رجب. (وذكرنا ذلك لشدة العلقة بين الزوجين النورين النيِّرين الطاهرين المباركين). 
 
اليوم الثامن عشر من هذا الشهر المبارك هو عيد الغدير الأغر، حيث نصب رسول الله بأمر الله خليفته عليا إماما على البشرية وعلى الخلائق كافة، وأيضا في هذا اليوم كانت البيعة الظاهرية لأمير المؤمنين في عام خمس وثلاثين للهجرة، إذ إنهال الناس عليه في ذلك الوقت وبايعوه في القضية المعروفة بعد مقتل عثمان([9]). 
 
اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة وهو يوم المباهلة كما هو معروف، كما انه كان يوم التصدق بالخاتم ونزول هذه الآية الشريفة (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ). 
 
اليوم الخامس والعشرين من ذي الحجة هو اليوم الذي نزلت فيه سورة الإنسان (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)([10]) في شأن امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، أي كان شأن النزول هو صلوات الله وسلامه عليه. 
 
ايضا في هذا اليوم كانت أول صلاة جمعة عامة صلاها أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه. 
 
وبالتالي فهذا الشهر هو شهر أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بامتياز، والذي ينبغي علينا ان نؤدي فيه بعض حق أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، ان علينا أن نحيي شهر ذي الحجة بأكمله بذكر وعلوم وسيرة وجهاد أمير المؤمنين وأمير الموحدين عليه صلوات المصلين لنكون بذلك من الذين استجابوا لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم إذ يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ). 
 
كلمة أخيرة: ان شهر محرم وصفر كله خاص بشخص سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه وما أروع ذلك وما أنفع ذلك وما أكثر ثمرات ذلك، فليكن شهر ذي الحجة أيضا خاصا بأمير المؤمنين بأكمله وعليكم السعي الجاد الحثيث لذلك. 
 
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. 
 
 
([1]) المائدة: آية 55. 
 
([2]) في الكافي عن الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية يعني أولى بكم أي أحق بكم وبأموركم من أنفسكم وأموالكم الله ورسوله والذين آمنوا يعني عليا وأولاده الأئمة إلى يوم القيامة ثم وصفهم الله عز وجل فقال الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون وكان أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الظهر وقد صلى ركعتين وهو راكع وعليه حلة قيمتها ألف دينار وكان النبي (صلى الله عليه وآله) أعطاه إياها وكان النجاشي أهداها له فجاء سائل فقال السلام عليك يا ولي الله وأولى بالمؤمنين من أنفسهم تصدق على مسكين فطرح الحلة إليه وأومى بيده إليه ان أحملها فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآية وصير نعمة أولاده بنعمته فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة مثله فيتصدقون وهم راكعون والسائل الذي سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) من الملائكة والذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة. 
 
([3]) حديث عروة البارقي أن النبي صلى الله عليه وآله أعطاه ديناراً ليشتري لهم شاة فذهب وأتاهم بشاة ودينار، فقال له صلى الله عليه وآله (ماذا فعلت؟) فقال اشتريت شاتين بالدينار، ثم لقيني رجل فقال: أتبيعني شاة فبعته شاة بدينار، فقال له صلى الله عليه وآله: "بارك الله لك في صفقة يمينك"). 
 
([4]) (كشف الغمة ج1 ص300) مِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مَرْفُوعاً إِلَى أَبِي بَكْرٍ "إِنَّ النَّبِيَّ(صلى الله عليه وآله وسلم)بَعَثَ بِبَرَاءَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ لَا يَحِجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَ لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ وَ لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ وَ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ مُدَّةٌ فَأَجَلُهُ إِلَى مُدَّتِهِ وَ اللَّهُ بَرِي‏ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ قَالَ فَسَارَ بِهَا ثَلَاثاً ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ الْحَقْهُ فَرُدَّ عَلَيَّ أَبَا بَكْرٍ وَ بَلِّغْهَا أَنْتَ قَالَ فَفَعَلَ قَالَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)أَبُو بَكْرٍ بَكَى فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدَثَ فِيَّ شَيْ‏ءٌ قَالَ مَا حَدَثَ فِيكَ شَيْ‏ءٌ(*) وَ لَكِنْ أُمِرْتُ أَنْ لَا يُبَلِّغَهُ إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّي". 
 
(*) امارات الوضع بيِّنه على هذه الجملة، وعلى فرض الصحة فانه لم يحدث فيه شيء مستجد إذ بقي جوهره كما هو مما توضحه روايات (الطينة) و(الناس معادن) فتدبر. 
 
([5]) أي الأبواب التي كانت مشرَعة ومفتوحة على المسجد النبوي الشريف. 
 
([6]) الخصال ج2 ص368. 
 
([7]) إذ كان احتمال اغتيال أمير المؤمنين عليه السلام وارداً. 
 
([8]) وأوّله (اَللّـهُمَّ يا مَنْ دَلَعَ لِسانَ الصَّباحِ بِنُطْقِ تَبَلُّجِهِ، وَسَرَّحَ قِطَعَ الّلَيْلِ الْمُظْلِمِ بِغَياهِبِ تَلَجْلُجِهِ، وَاَتْقَنَ صُنْعَ الْفَلَكِ الدَّوّارِ في مَقاديرِ تَبَرُّجِهِ، وَشَعْشَعَ ضِياءَ الشَّمْسِ بِنُورِ تَاَجُّجِهِ، يا مَنْ دَلَّ عَلى ذاتِهِ بِذاتِهِ وَتَنَزَّهَ عَنْ مُجانَسَةِ مَخْلُوقاتِهِ) 
 
([9]) قال عليه السلام: (فما راعني إلا و الناس رسل إلي كعرف الضبع ينثالون علي من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان و شق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم) الاحتجاج ج1 ص192. 
 
([10]) سورة الإنسان: آية 1.

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الأربعاء 3 ذي الحجة 1434هـ  ||  القرّاء : 9767



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net