53- الجواب عن استدلال المشكيني ببناء العقلاء على عدم الاعتناء بإحتمال الاشتراك - الاستدلال بثبوت الحقيقة في احد المعاني و الجواب بتعارض الاستصحابات
2014-10-11





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حولة ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
لا زال الكلام في فقه روايتنا المعهودة حول قاعدة الالزام وفي المراد من كلمة (دين) ووصلنا الى الأمارات اللاحقة للاربعة المعهودة , وقد ذكرنا منها الظهور التعليقي مع نقاشنا مع العلامة المشكيني حولها وكما ذكرنا الامارة الاخرى وهي اصالة عدم الاشتراك والتي اجاب عنها المحقق العراقي , وكلامنا الان في بيان اخر لتحديد الحال فيما لو تردد المعنى المراد بين الحقيقة والاشتراك اللفظي والمعنوي وهذا البيان كذلك للمحقق المشكيني حيث يقول (لا شبهة في استقرار بناء العقلاء على عدم الاعتناء باحتمال الاشترك كما لا يعتنون باحتمال النقل ) فهو يستند الى العقلاء في بنائهم على عدم الاعتناء بهكذا شك وفي صغرى بحثنا أي كلمة (الدين) )حيث اننا ترددنا في المراد منها وهل هي مشترك لفظي بين الشريعة وغيرها ام انها موضوعة لها دون غيرها؟ والعقلاء لايعتنون بهذا الشك فينتفي الاشتراك اللفظي ويثبت المعنى الاول دون المعاني الاخرى هذا هو استدلال الآخر للمحقق على مدعاه كأصل محرز في مبحث تعارض الاحوال .
والظاهر ان كلامه ليس بتام وذلك للو جوه التالية :
1 ) ان مآل كلامه بل ظاهره هو الاعتماد على الاصل العملي دون الظهور اللفظي العقلائي حيث يقول (على عدم الاعتناء ) وهذا الكلام ظاهره انه في مقام العمل لا يترتب العقلاء الاثار , اللهم إلا ان يقال :بانه لايقصد حرفية معنى عدم الاعتناء بل يريد ان بنائهم على الظهور النوعي , ولكن الظواهر حجة وبها نتعامل .
وان تنزلنا فنقول :لا ظهور لحال العقلاء في انهم يرون ظهورا نوعيا للفظ المردد , في نفي الاشتراك او انهم يبنون عمليا على نفيه وبالتالي فان هذا الوجه غير ظاهر منهم من هذه الجهة وعلى المدعي الاثبات , ولا يمكن الاستدلال باللازم الاعم وهو عدم ترتيب الاثار, على الاخص و هو للمشترك اللفظي .
2) فان سلمنا وتنزلنا فنقول لعل استقرار بناء العقلاء على عدم الاعتناء هو في صورة الظن الشخصي ومن باب الانسداد لا من باب الانفتاح كون الظن نوعيا وهو احتمال موجود في المقام لان الفرض ان بناء العقلاء هو دليل لبي لا لسان له ولا اطلاق فيه و بالتالي فهل عدم اعتنائهم يرقى الى ظهور نوعي ؟ ام فيما اذا وجد ظن شخصي بالوفاق او اذا لم يكن ظن شخصي على الخلاف ؟
3) لو سلمنا كلام المحقق وانه ليس اصلا عمليا وانه من باب الظن الخاص لا المطلق فانما يتم في باب اصالة عدم النقل لا اصالة عدم الاشتراك ولايمكن للمحقق ان يسوق كلا الاصالتين بعصا واحدة وذلك ؛لان احتمال النقل يختلف عن احتمال الاشتراك فنحن نستطيع ان نتمسك بالاولى دون الثانية لماذا ؟ لان اصالة عدم النقل من قبيل استصحاب العدم المحمولي وهو حجة اما عدم الاشتراك فهو من قببل استصحاب العدم النعتي والذي ليس بحجة لبناء العقلاء على الاول دون الثاني في الاستصحاب . وتوضيحه :بايجاز نقول ان العدم على قسمين الاول :العدم المحمولي والثاني: العدم النعتي فاما المحمولي فهو ماكان مفاد ليس التامة في مقابل كان التامة بينما النعتي ماكان مفاد ليس الناقصة في مقابل كان الناقصة والاستصحاب يجري في احدهما دون الاخر .فانه تارة نشك في وجود زيد فلو كان موجودا سابقا فاننا نستصحب ذلك وان كان معدوما فالامر كذلك ووجود زيد هو مفاد كان التامة وعدمه مفاد ليس التامة ولكن في مثال كون زيد ابيضا فان عدم(1) بياضيته - اي: اتصافه بعدم البياضية - هو عدم نعتي كما ان وجوده أي البياض هو نعتي ايضا , وهنا نتساءل هل العدم النعتي مجرى الاستصحاب ؟الميرزا النائيني يقول بعدم الجريان ونحن نرى ذلك ايضا على خلاف السيد الخوئي الذي يرى الجريان فيه .
وتوضيحه لو كان موضوع الحكم مركبا من معروض وعارض او عدم عارض كـ (الانسان الابيض ) كما في الانسان الابيض اكرمه او في مثال فقهي اوضح من ذلك وهو: ( المرأة القرشية والنبطية) حيث تنقطع عادتها في سن الستين وغيرها في الخمسين فلو كانت أمرأة مشكوكة الانتساب وقد بلغت الاحدى وخمسين سنة فهل هي قرشية -ليكون ما راته من الدم حيضا- ام لا -ليكون استحاضة- ؟ البعض تمسك باستصحاب العدم النعتي فانه في الازل لم تكن امرأة ولم تكن قرشية, ثم بعد ذلك احرز احد ركني الموضوع بالوجدان -أي لم تكن ثم وجدت وولدت- فهل يمكن احراز ركن الموضوع الثاني أي عدم قرشيتها بالاستصحاب ؟ بان نفول :لم تكن امرأة ولم تكن قرشية ولكن المرأة قد وجدت بالوجدان ونشك في كونها قرشية فنقول ليست قرشيه باستصحاب عدمها النعتي أي عدم اتصافها بالقرشية , فهل يصح هنا الاستصحاب ؟
والجواب بوضوح لا , وذلك لان هذا العدم أي النعتي لا حالة سابقة له حتى تستصحب في المقام (والمتحقق انما هو ما كان من باب السالبة بإنتفاء الموضوع) .
وبتعبير اخر : ان كلامنا هنا من باب الملكة وعدمها والذي يشترط قابلية المحل فيه فالمرأة قبل الولادة لا قابلية ولا موضوع لكي يقال هي قرشية او لا وبالتالي لايمكن ان نقول (لم تكن المرأة قرشية-اي لم تكن متصفة بالقرشية في الازل-) ثم شككنا , والحاصل انه لاعدم ازلي سابق للاتصاف هذا تقرير كلام الميرزا المنصور لان العدم النعتي ليس بحجة عند العقلاء .
هذه كبرى القياس ,واما صغرانا وهو بحث كلمة( دين) فنقول ان استصحاب عدم الاشتراك هو من قبيل العدم النعتي ...لماذا؟لاننا تارة نشك في اصل الوضع وعدمه وهذا مفاد كان التامة اوليس التامة وتارة نشك في الاتصاف وهل وضع بنحو الاشتراك ام لا ؟فالمشكلة كل المشكلة في اتصاف الوضع بصفة الاشتراك وبالتالي في نفيه استصحابا وعلى هذا فلا نستطيع ان نقول اما الوضع فان عدمه الازلي انتفى بالوجدان بوجوده , ونشك في اتصافه بالاشتراك -اي بكونه بنحو الاشتراك- فنبني على العدم لنصل نتيجة الى ان الوضع لم يكن بنحو الاشتراك اللفظي ,كلا لا يصح ذلك لعدم حجية استصحاب العدم النعتي .
ننتقل الان الى وجه اخر خطر ببالنا لتقوية المسلك الذي ذكرنا رده فيما سبق فنقول :يمكن ان يوجه عدم الاشتراك اللفظي بوجه اخر حيث يمكن ان يقال بانه لاريب ان لفظ (دين) قد وضع (للشريعة) وذلك مما لا كلام فيه ,الا اننا نشك في انه قد وضع للمعاني الاخرى او لا ؟وهذا عدم محمولي لا نعتي(2) والاصل عدم الوضع فيثبت كون الاستعمال فيها مجازا ,فهل يمكن التمسك بهذا الوجه ؟ والجواب كلا فبالاضافة الى مانع الاصل المثبت(3) نقول هذا الوجه يصح (وكلامنا هنا تنزلي كما اوضحنا لاشكال الاصل المثبت) لو ثبت وجود وضع مستقل اولا لكلمة (دين) في معنى الشريعة ثم شككنا بعد ذلك هل وضع لبقية المعاني اولا ؟
اي لو ثبت وجود وضع تدريجي لكن المشكلة اننا نجهل ماصنع الواضع في وضعه الاولى, فهل وضع الكلمة للجامع ؟ او هل وضعها للشريعة فقط ؟ او هل وضعها لكل المعاني باوضاع مستقلة منحازة ؟ هذه احتمالات ثلاثة محتملة في اصل الوضع وانه كان ان كان باي نحو اي هذه احتمالات عرضية زمنا في الوضع وليست طولية متسلسلة زمنا , وفي كلها يجري الاستصحاب فنقول هل وضع للجامع ؟ والاصل عدمه وهكذا في قسيميه فتتعارض الاستصحابات الثلاثة وبالتالي لايمكن التمسك بهذا الوجه كذلك. وللحديث تتمة باذن الله . وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
الهوامش ........................................
1) من الاعراض اللازمة لا مثل (زيد قائم) مما كان من الاعراض المفارقة فان فيه تفصيل
2) اذ لا يراد اثبات عدم الاتصاف بالاشتراك بل صرف عدم الوضع
3) اذ يراد بذلك اثبات كون تلك المعاني الاخرى مجازات
2014-10-11
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |