52- الجواب عن استدلال المحقق المشكيني بـ(ظهور التعليقي) - الجواب المحقق العراقي عن (اصالة عدم الاشتراك)
الثلاثاء 7 ربيع الاول 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
لازال الكلام في فقه حديث ( من دان بدين قوم لزمته احكامهم ) ,وتوقفنا عند المراد من كلمة ( دين ) ووصلنا الى كلام المحقق الميرزا المشكيني في حواشيه على الكفاية (وهي حواش ذات فائدة كبيرة ), هناك يقول : لو دار امر اللفظ بين الحقيقة والنقل والاشتراك فهنا لدينا امارة تحدد المعنى الاول دون الثاني او الثالث وهي ما اسماها ( الظهور التعليقي ), مع اعترافه في المقام بانه لا ظهور فعلي لكن ( الظهور التعليقي اللّوي حجة ك الظهور الفعلي ) , وقد نقلنا عبارته فيما مضى ,وكلامنا الان فيما قد يورد عليه , وهنا نتساءل, ما هو المراد من الظهور التعليقي ؟ هل يراد به الظهور النوعي العقلائي للكلمة الفاقدة للظهور الفعلي ؟ أي ان فاقد القيد كواجده في بناء العقلاء حقيقة ؟وفي جوابه نقول: ان هذا المدعى هو أول الكلام وهي دعوى بلا دليل فعند مراجعة سيرة العقلاء لا نجدهم يقولون بأن اللفظ إن كان ظاهرا في معنى مع قيد فانه كذلك اي ظاهر وان كان بدون ذلك القيد, فكيف يقولون انه لو كان اللفظ ظاهرا : في معنى ( بشرط قيد ) فهو ظاهر بدونه ؟ حيث انهم وفي بنائهم (أي العقلاء) لا يرون ظهورا للفظ مع فقدان شرطه لو كان شرطا بل حتى مع فقدان محتمل الشرطية , هذا هو الوجه الاول المحتمل في كلام العلامة المشكيني .
واما الوجه الثاني : فانه يرجع الى مبحث الاستصحاب التعليقي وكما اوضحناه سابقا بان يقال : لو كان كلامه مستندا للاستصحاب التعليقي ( لو لم يكن هذا اللفظ منقولا لكان ظاهرا في المعنى الاول ونحن الان حيث شككنا في منقوليته فنشك في ظهوره فنستصحب الظهور التعليقي فيكون ظاهرا في المعين ) فيورد عليه بإيرادين احدهما مبنائي والآخر بنائي.
اما الاول فانه قد يقال انه لا دليل على حجية الاستصحاب التعليقي .. لماذا ؟ لان الدليل عليه اما العقل واما النقل , فان كان الاول ( او كان بناء العقلاء ) فان العقل وبناءهم دليل لبيّ يقتصر فيه على القدر المتيقن وهو الوجود التنجيزي السابق والمتيقن لو شك في بقائه فيستصحب , ولكن الوجود التعليقي لو شك في وجوده هل يستصحب كذلك ؟لا يعلم على الاقل ان بناء العقلاء عليه ,بل قد يقال أن بناءهم هو على عدمه ,مثاله لو كان هذا المسجد موجودا فعلا امس وشككنا اليوم في وجوده وانه هدم اولا فستصحب وجوده , ولكن هل يصح القول لو كان هذا البيت جافا لكان موجودا الان لوجود الاقتضاء فيه وهو جفافه وعدم مرطوبيته ( لان البيت الجاف لعله يبقى لمئة عام ) لكن الامطار والسيول جعلته مرطوبا من أساساته ,فهل نستطيع ان نقول ان بناء العقلاء على وجوده الان استنادا الى : انه لو كان جافا لكان موجودا , وحيث انه رطب فيشك في وجوده ؟ الظاهر انهم لا يقولون بذلك لعدم الحجية , بل بناؤهم على العدم , واما لو كان مدرك الاستصحاب الادلة النقلية كقوله ع في صحيحة زرارة ( لأنك كنت على يقين فشككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا ) فنقول : ظاهر الالفاظ عند اطلاقها هي الفعلية لا (اللويّة ) أي التنجيزية لا التعليقية فعندما نقول ان فانه يعنى انه عادل فهو عادل بالفعل وليس المعنى انه لو شملته دعوة مستجابة مثلا لكان عادلا اذ هو خلاف الظاهر وظاهر عبارة ( لأنك كنت على يقين ..) هو اليقين الفعلي لا اللويّ .
والخلاصة : ان الادلة النقلية ظاهرة في اليقين التنجيزي الفعلي لا التعليقي اللويّ , هذا هو الجواب الاول المبنائي
اما الجواب الثاني : اننا حتى لو قلنا ان الاستصحاب التعليقي حجة لكنه في المقام ( مثبت) فليس بحجة
لتنوضح ذلك نقول : انه قبل الميرزا النائيني كان المشهور على ان الاستصحاب التعليقي حجة في الاحكام لكن الميرزا ذهب الى عدم حجيته و لعله تبعه مشهور المتأخرين على ذلك , وذلك لان الاستصحاب التعليقي له مواطن ثلاثة أي ان المستصحب فيه قد يكون هو الحكم وقد يكون الموضوع وقد يكون المستصحب هو متعلق الحكم , وكلام الميرزا هو عدم الحجية في الاحكام ومشهور من سبقه على الحجية في الاحكام لكن الاستصحاب مورد البحث هنا هو من النوع الموضوعي لا قسيميه الآخرين و بناء العقلاء واضح على عدم استصحابها ان كانت معلقة
ويمكن توجيه كلامهم في حجية استصحاب الاحكام تعليقية كانت او تنجيزية انهم استظهروا من (لانك كنت على يقين) المعنى الاعم من التنجيز اوالتعليق ولكنا كما قلنا ان الرواية خاصة بالأحكام دون الموضوعات لان ( الاحكام هي القابلة للوضع والرفع شرعا وكذا الموضوعات لكن بلحاظ احكامها والحاصل انه حتى لو ذهبنا الى مذهب المشهور في الحجية فلا يفيدنا ذلك في مقامنا وهو تمييز كون هذا اللفظ مشتركا لفظيا او انه منقول او ان له معنى حقيقيا وسائر المعاني من المجازيات , لانه موضوع لغوي وليس حكما من الاحكام .
ان قلت : نحن نلتزم بالاستصحاب في هذا الموضوع اللغوي لأجل اثبات الاثر الشرعي أي اننا نستصحب الموضوع لنرتب الاثر عليه لان هكذا استصحاب بلحاظ هذه الآثار هو حجة لشمول الروايات له , قلنا : انه اصل مثبت؛ فان الاثر ليس شرعيا إلا بواسطة عادية , ولو كانت الواسطة كذلك او كانت عقلية فالاستصحاب لا يجري ؛ لاننا نقول ان هذا الفظ ( وفي مقامنا الدين ) ظاهر ببركة الاستصحاب التعليقي في المعنى الاول ( الشريعة ) ويترتب الحكم الشرعي عليه بواسطة واسطة عادية وهي تحديد حقيقة مراد و ارادة الشارع من الكلمة , وبيانه :
ان هذا اللفظ لو كان ظاهرا في المعنى(اي الشريعة في مبحثنا) فيلزمه ان الشارع قد اراد هذا المعنى من كلمة دين ( وهذه واسطة عادية ) وعلى هذه الارادة تترتب الاحكام الشرعية .
والحاصل انه حتى على مسلك مشهور قبل الميرزا فان كلام العلامة المشكيني غير تام وهذا المقدار من النقاش كاف لدفع الاشكال .
كلام المحقق العراقي في المقام
وللمحقق العراقي كلام دقيق في ردّ ( اصالة عدم الاشتراك ), فلفظ كلمة ( الدين ) مثلا ان كان موضوعا للشريعة , فهل وضع كذلك للعادة او القضاء او غيرها ؟ والمحقق يقول : قد يقال بإمكان التمسك بأصالة عدم الاشتراك فيثبت المراد ولكنه يرد ذلك ويقول : ان هذه الاصالة لا يمكن التمسك بها لاثبات ذلك ودليله : ( لان الحجة في باب الالفاظ هو الاصل المعين للمراد بلا واسطة لا الاصل النافي للوضع او المثبت له ولو كان يعين به المراد ثانيا ) وهذه عبارة دقيقة من المحقق .
ولتوضيحها نقول : ان اصالة الحقيقة والتي عبر عنها البعض باصالة عدم القرينة هل هي حجة او لا ؟
والجوب : نعم هي حجة ولكن في أي مورد ؟ المحقق العراقي ينقح ذلك ويذكر انها حجة في صورة دون صورة : فلو علمت ان المعنى الحقيقي الموضوع له لفظظ (اسد) مثلا و انه الحيوان المفترس وان المجازي هو الرجل الشجاع , وثم استعملت كلمة اسد وشككت في المراد منها ؟ فهنا مورد جريان اصالة الحقيقة المثبتة لكون المراد هو الحيوان المفترس دون الرجل الشجاع , أي ان الظاهر ( وهو ظهور نوعي ) من حال المتكلم الخبير باللغة انه لو اطلق اللفظ ولم يأتِ بقرينة , ان مراده هو المعنى الحقيقي دون المجازي .
اذن ان مورد اصالة الحقيقة هو ما اذا كان هناك جهل بالمراد دون الوضع(اي كان الوضع معلوما والمراد مجهولا ).
واما الصورة الثانية : فهي ما لو جهلنا الوضع وتردد علينا ان اللفظ هل هو موضوع لهذا المعنى او لا ؟ فهنا لا تجري اصالة الحقيقة البتة .
ومقامنا في مورد بحثنا لتحديد المعنى المراد من لفظ (دين) هو من الصورة الثانية دون الاولى وبالتالي ليست بمحل لاصالة الحقيقة .
شرح عبارة الشيخ العراقي :
عبارته : ( لان الحجة في باب الالفاظ هو الاصل المعين للمراد بلا واسطة لا الاصل النافي للوضع او المثبت له ولو كان يعين به المراد ثانيا ) .
• ( الاصل المعين للمراد ) اي ان كلامه عند الجهل بالمراد لا الوضع .
• ( لا الاصل النافي للوضع ) ومراده في حالة الحقيقة والمجاز كان يقال الاصل عدم كون هذا المعنى حقيقيا وكذلك الاخر فيثبت ان المعنى الاول هو الحقيقي , فهذا ليست حجة .
• ( او المثبت له ) وهذا في المشترك اللفظي , كان يقال ان هذا المعنى مراد وموضوع له والمعنى الاخر كذلك , اذا هو مشترك لفظي .
• (ولو كان يعين به المراد ثانيا ) اي بالواسطة , فلو قلنا ان المعنى الثاني غير غير موضوع له ببركة الاصل وكذا المعنى الثالث وهكذا فهذه كلها مجازات , ويتفرع على ذلك ان المعنى الاول هو الموضوع له فاننا وبهذا الاصل حددنا المراد بالمآل ولكن مع الواسطة , والحجة في المقام هو ما افاد تحديد المراد بلا واسطة (اي بلا واسطة تحديد الوضع عبر الاصل ) .
الثلاثاء 7 ربيع الاول 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |