282- الوجه الثاني لحرمة النجش انه غش ـ الجواب اولاً : انه اخص من المدعى ثانياً : يشترط في صدق الغش القصد ومناقشته
الثلاثاء 28 ربيع الاول 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النَجش
(مدح السلعة أو الزيادة في ثمنها ليزيد غيره)
(6)
الاستدلال على حرمة النجش بانه غش
وقد استدل على حرمة النجش بانه غش والغش حرام.
قال في فقه الصادق (الثاني: انه غش وتلبيس، وقد مر ان غش المؤمن في المعاملة حرام)([1])
أقول: والروايات بحرمة الغش متواترة ومنها صحيح هشام بن سالم عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لِرَجُلٍ يَبِيعُ التَّمْرَ يَا فُلَانُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ غَشَّهُمْ))([2]).
الجواب: الدليل اخص من المدعى، وهو معه من وجه
وأجيب بان الدليل اخص من المدعى إذ ليس كل نجش غشاً وذلك لأن الغش متقوّم بأمرين علم الغاش وجهل المغشوش عليه فإذا لم يكن الناجش عالماً بان البضاعة هي ارخص من القيمة التي عرضها بل تصور ان ما عرضه – من القيمة الزائدة – هو سعر البضاعة حقاً فيه فليس نجشه غشاً، كما انه إذا كان عالماً لكن كان المشتري أيضاً عالماً فانه نجش وليس بغشٍ.
والحاصل: ان الغش يعني التدليس والتلبيس والخديعة وهي لا تتحقق ولا تصدق إلا مع علم الغاش وجهل المغشوش.
وبعبارة أخرى: النسبة بين النجش والغش هي العموم من وجه ولا يصح الاستدلال باحد العامين من وجه على الآخر.
جواب فقه الصادق ومناقشته
ولكن أجاب في فقه الصادق بـ(وفيه أولاً: ان هذا الوجه يختص بما إذا كان الناجش من أهل الخبرة كي تكون زيادته كاشفة عن ان السلعة تسوي بذلك، ويكون الناجش عالما بأنها لا تسوي بذلك، والمشتري جاهلا به كما لا يخفى).
أقول: تقييده بما إذا كان الناجش من أهل الخبرة ليس بتام إذ المهم ان يكون عالماً بالقيمة وانه زاد عليها (والمشتري جاهلاً ليصدق الغش) ولا مدخلية لكون علمه عن اجتهاد (لكونه أهل خبرة كما قال) أو عن أخذٍ من الغير تعبُّداً، فالصحيح ان يقال (إذا كان الناجش من أهل الخبرة أو سمع منهم وأخذ عنهم).
ووجه اشتراط هذا الشرط هو ان المشتري لو رأى ان الناجش من أهل الخبرة (أو انه سمع عنهم) غرّه ذلك، مع جهله بالقيمة، وخدعه فيتوهم عندئذ ان القيمة أعلى مما طلبه فيصدق حينئذٍ الغش واما لو لم يره أهل خبرة ولا معتمداً عليهم فانه لا يصدق عليه انه غشه ولو توهم من تدخل الناجش وزيادته القيمة ان القيمة أعلى إذ العيب فيه هو. فتأمل
واما صورة شكه – أي المشتري – في انه – أي الناجش - من أهل الخبرة أو لا فملحقه بصورة العلم بانه من أهل الخبرة لانها توجب غروره([3]) أيضاً ولكن الظاهر الدوران مدار الصدق العرفي فتأمل
تقييد المصباح صدق الغش بالقصد
ثم ان مصباح الفقاهة قيّد حرمة النجش بصورة قصد الغش (والقصد امر زائد على العلم كما لا يخفى) قال: (فان كان غرض الناجش غش المشتري وتغريره في المعاملة فان مقتضى القاعدة هو حرمة الغش مع تحقق المعاملة في الخارج ((لروايات غش المؤمن في المعاملة حرام))([4]) وان لم تقع المعاملة في الخارج أو وقعت فيه بغير غش وتغرير فلا دليل على حرمته إلا من حيث التجري)([5]).
الجواب: أ- المعنى الاسم المصدري للغش لا يتوقف على القصد
ولكن يرد عليه أحد أمرين على سبيل الترتب:
أ- ان المحرم هو النجش بمعناه المصدري وبمعناه الاسم مصدري أيضاً والمعنى الاسم مصدري لا يتوقف على القصد فانه النتيجة الحاصلة أو فقل الحدث من غير لحاظ انتسابه إلى الفاعل عكس المعنى المصدري الذي هو الحدث مع الانتساب للفاعل فانه – كفعله – يتوقف على القصد.
وهذا هو ما ذهب إليه السيد الوالد قال (ولا يحتاج([6]) إلى القصد، فبدونه يكون الغش بمعنى اسم المصدر وإن لم يكن بمعنى المصدر، كما هو كذلك بالنسبة إلى جهل الغاش فإنه غش بذلك المعنى وإن لم يكن بمعنى المصدر.
وبعض أخذ في تعريفه: كونه ممّا لا يعرف إلا من قبل البائع، لكنّه غير ظاهر الوجه، لأن بينهما من وجه.
كما ان بعضهم اشترط في صدقه قصد مفهومه، مستدلاً بخبر الحلبي عن الصادق ( عليه السلام ) ((عن الرجل يشتري طعاماً، فيكون أحسن له وأنفق له أن يبلّه من غير أن يلتمس زيادته؟ فقال ( عليه السلام ): إن كان بيعاً لا يصلحه إلا ذلك ولا ينفعه غيره من غير أن يلتمس فيه زيادة فلا بأس، وإن كان انّما يغشّ به المسلمين فلا يصح))([7]) بتقريب تفصيله ( عليه السلام ) في الحرمة بين التماس الزيادة فهو غش وعدمه فلا.
وفيه: ان الظاهر من التفصيل انه إن كان لإيهام الناس والإلتباس عليهم فالمنع، لا ما إذا لم يكن كذلك، فهو تفصيل بين واقع الغش وعدمه، لا بين قصده وعدمه، ولو كان كذلك لزم أن يكون للشرع فيه اصطلاح خاص وهو مقطوع العدم)([8]).
أقول: قد يستدل له ببعض الروايات التي ورد فيها لفظ الغش كقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) ((إِيَّاكَ وَ الْغِشَ فَإِنَّ مَنْ غَشَّ غُشَّ فِي مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غُشَّ فِي أَهْلِهِ))([9]). دون ما ورد فيها الفعل كقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَ مُسْلِماً أَوْ ضَرَّهُ أَوْ مَاكَرَهُ))([10]). بلحاظ ان الفعل ظاهر في القصد (إذ ظاهر الأفعال القصدية) دون (الغش) ان أريد به اسم المصدر فان اسم المصدر يراد به الهيئة الحاصلة أو النتيجة الحاصلة (كالغسل وهو نتيجة الاغتسال) وهذه لا تتوقف على القصد بل توجد بوجود مقدماتها.
لكن قد يورد عليه: ان الظاهر من (الغش) هو المصدر لا اسم المصدر فهو كنظائره التي تعلق بها التحريم كالكذب والنميمة وشبهها، والمستند الفهم العرفي وليس عدم امكان استعمال اللفظ في أكثر من معنى (المصدر واسم المصدر) ليجاب بوجود الجامع أو يقال بانه – حتى من دون الجامع – لا مانع منه إذ المحال استعمال اللفظ في أكثر من معنى على ان يكون كل منهما تمام المراد بنحو بشرط لا لا بنحو لا بشرط، وقد فصلنا ذلك في مواطن عديدة فليراجع. وستأتي تتمة لهذا فانتظر
ب – المعنى المصدري غير متوقف على قصد العنوان
ب- ان صدق الغبن عرفاً لا يتوقف – إضافة على توقفه على العلم – على قصد عنوانه بل ملاكه قصد ذات الفعل وإن لم يقصد عنوانه؛ ألا ترى انه لو ضربه غير قاصد عنوان الظلم([11]) بل قصد الضرب فقط، ولم يكن لضربه وجه عقلي أو شرعي ككونه قصاصاً مثلاً، صدق عليه انه ظلمه وان لم يقصد حين ضربه عنوان الظلم بل حتى لو يلتفت إليه إذ المقوم للصدق([12]) هو قصد ذات الفعل لا قصد عنوانه، وفي المقام قد يصدق الغش وإن لم يقصد عنوانه كما لو تدخل الناجش فزاد القيمة لأجل ان يتبجح أمام الناس بكثرة أمواله، لا لكي يزيد القيمة على المشتري لكنه كان عالماً بما يفعله وانه يزيد القيمة عليه بذلك، وتوهم المشتري من زيادته ان قيمته هي الأعلى، فزاد واشترى بالأعلى، فانه يصدق عليه انه غشه وإن لم يكن قاصداً غشه.
والحاصل: ان الغش مرتهن بالعلم لا بالقصد إلا قصد ذات الفعل([13]) دون قصد عنوانه، ولعله يمكن توجيه كلامه u بما يؤول إلى ما ذكرناه. فتأمل
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) فقه الصادق ج21 ص360.
([2]) الكافي (ط – الإسلامية) ج5 ص160.
([3]) أي انخداعه إذ يحتمل عندئذ زيادة القيمة عن سعرها المعروض وهو نوع غش.
([4]) ما بين القوسين بتصرفٍ.
([5]) مصباح الفقاهة ص655.
([6]) أي النجش.
([7]) وسائل الشيعة: ج12 ص421 ح23263.
([8]) الفقه: المكاسب المحرمة ج1 ص230-231.
([9]) الكافي: (ط – الإسلامية) ج5 ص160.
([10]) الأمالي للصدوق ص270.
([11]) بل ولا عنوان الضرب، بل واقع الضرب أي نفسه فانه يصدق عليه انه ضربه.
([12]) أي صدق العنوان.
([13]) إذ لو لم يقصد ذات الفعل كان ساهياً او غافلاً.
الثلاثاء 28 ربيع الاول 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |